السلطة النقدية في لبنان تحذر من «فقاعة» عقارية

تفرض قيوداً لحماية المصارف من مخاطرها

القروض المصرفية التي منحت بين عامي 1993 و1995 لاغراض تجارية جرى استخدامها في شراء العقارات حيث كانت الاسواق تترقب سلاماً في الشرق الاوسط
TT

يكاد يكون حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الصوت الاعلى في التحذير من "فقاعة" مضاربات عقارية في لبنان في ضوء تطور الحركة العقارية، ولا سيما القروض العقارية.

ويذهب سلامة الى حد الاعتراف بمخاطر تكون فقاعة عقارية فعلية، في ضوء تدفق السيولة نحو هذا القطاع منذ شهر اغسطس (آب) 2007. واللافت ان هذه الفقاعة ترافقت مع بداية أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وأزمات البورصات الاميركية والاوروبية. ويعتبر «ان هذا الدفق المفاجئ للاقراض العقاري هو الذي أقلقنا. وقد بدأنا نلمس هذا الدفق في الفصل الاول من العام الحالي، وتعاظم في الفصل الثاني». ومن هنا يرى الحاكم ضرورة الحد من المشاريع العقارية الممولة بالقروض من أجل تجنب تكوين استحقاقات مشكوك فيها، وحتى سيناريوهات افلاس في حال هبوط الاسعار، كما حصل في عام 1997.

يذكر في هذا المجال ان القروض المصرفية التي منحت بين العامين 1993 و1995 لاغراض تجارية، جرى استخدامها في شراء العقارات، حيث كانت الاسواق تترقب سلاماً في الشرق الاوسط. لكن انفجار الازمة في عام 1997 أصاب كل القطاعات، فتدخل المصرف المركزي آنذاك عبر التعميم 41 الذي سمح للدائنين، البالغ عددهم 5 آلاف، باستبدال ديونهم بعقارات أو أسهم، وقدرت هذه الديون يومها بملياري دولار. ولذلك، يؤكد سلامة اننا لا نستطيع ان نكرر التجربة، لانه من غير السليم لاي مصرف بأن يكدس ستوكاً عقارياً".

وإذ يعترف سلامة، بأن الوضع الحالي ليس خطراً، «الا ان الحذر يبقى ضرورياً، خصوصاً اذا استمر الدفق المالي باتجاه العقار". وشدد على "ضرورة تجنب الوصول الى نمط شبيه بنمط دبي، حيث يشتري المستثمرون وحدات سكينة لقاء دفعات زهيدة بهدف اعادة بيعها».

والملاحظ ان سياسة المصرف المركزي التي يتبعها الحاكم الحالي ارتكزت على عامل الوقاية المسبقة. وهذا ما حصل منذ أربع أو خمس سنوات، عندما أصدر تنظيماً للمنتجات الهيكلية، أتاح للمصارف اللبنانية البقاء في منأى عن أزمة الرهن العقاري.

وفي اعتقاد سلامة أن معدلات الفوائد السلبية، أو المنخفضة تشجع الناس على الشراء، سواء في مجال العقارات أو المجالات الاخرى، كما تشجع زيادة قروض الاستهلاك والمضاربات في البورصة، ولا يستطيع المصرف المركزي اعادة النظر فيها "لأننا غير قادرين على التحكم بالاسعار المرتبطة بأسعار النفط وغير قادرين على رفع الفوائد لأنه مسألة مكلفة في ضوء ارتفاع كتلة الدين العام، وارتياح الاسواق الى المستوى الحالي للفوائد".

ولم يتخلَ حاكم المركزي عن السياسة الوقائية حيال هذا "الخطر المحتمل" فبادر الى اصدار تعميم يفرض فيه من الآن فصاعداً 40 في المائة حداً أدنى من رأس مال أي مشروع عقاري ممول بالقروض المصرفية". "وهكذا نحاول الحد من تأثير الرافعة، باعتبار ان هذه النسبة توازي الكلفة الكاملة للمشروع بصرف النظر عن الدفعات الاولى التي يتقاضاها صاحب المشروع قبل البيع"، ويعتقد المحللون ان غاية المصرف المركزي هي الحد من المضارية وفرض النظام ما أمكن في السوق، من دون التدخل بالطبع في عملية التسعير التي تبقى خاضعة لمبدأ العرض والطلب. كما أن التعميم التنظيمي الاخير لا يعني القروض السكنية، اذ بإمكان الفرد أن يحصل دوماً على قرض يوازي 100% من قيمة مسكنه، باعتبار ان خطر هذا الامر ليس مهماً. وإنما الخطر الاكبر يأتي من سلسلة الافلاسات في حالة التحول المفاجئ للاتجاهات.

ولم تكن نقابة مهندسي بيروت بعيدة عن مخاطر الاستثمار العقاري، من خلال ورشة عمل نظمتها أخيراً حول هذه المخاطر في القطاع العقاري وقطاع المقاولات والبناء في لبنان، فقال نقيب المهندسين بلال العلايلي «ان لبنان شهد ارتفاعاً في اسعار الاراضي والعقارات بشكل متتال وبوتيرة متسارعة، فارتفع سعر المتر المربع 40 في المائة منذ مطلع العام الحالي، ويتوقع أن تصل هذه النسبة الى 60 في المائة في نهاية العام الحالي، كما سجلت اسعار الاراضي ارتفاعاً متزايداً في لبنان».

واذ اعتبر ان المصارف اللبنانية استطاعت تجنب الآثار السلبية التي تركتها أزمة الائتمان العقاري في الولايات المتحدة، دعا الى "فرض قيود على التسليف العقاري، مما يخفف من مخاطر هذه التسليفات، وتشديد البنوك على معايير الاقراض بعد هذه الازمة».

ورأى رئيس شركة «رامكو» للتسويق العقاري رجا مكارم: «ان النمو الطبيعي في سوق العقارات جيد، لكن غير الطبيعي يؤدي الى ازمات وتراجع في المبيعات، وهروب الاستثمار المتوسط والصغير في هذا القطاع، ويجب ان نحافظ على النمو المنطقي».

اما الأمين العام لجمعية مصارف لبنان الدكتور مكرم صادر فقد أكد لـ «الشرق الأوسط»: «أن تحذير السلطة النقدية من فقاعة عقارية يترجم خطراً على المستوى الماكرواقتصادي في لبنان أكثر مما هو على مستوى المصارف. فالفقاعة العقارية سيكون لها تأثير سلبي على النمو، بحيث تحدث تضخماً غير اقتصادي وتجمد موارد يمكن توجيهها نحو استثمارات أكثر انتاجية. لكن، على المستوى المصرفي، فإن الخطر محدود، لان القروض الممنوحة لمشاريع سكنية وتجارية لا تتعدى 1.4 مليار دولار».