مصر: مفاوضات مع مانحين أوروبيين لتمويل برنامج للتطوير

1171 منطقة عشوائية يقطنها 14 مليون نسمة

هناك نحو 112 ألف قرار إزالة لمبان تمثل خطرا على سكانها («الشرق الاوسط»)
TT

لم يعد انهيار عقار في منطقة عشوائية (غير مخططة) في مصر مفاجأة، لكن محمد عبد الله كان يشعر بالحسرة حين وقف يشاهد مبنى جيرانه الذي انهار في شارع الفاتح خلف مستشفى الرمد بمحافظة الجيزة جوار القاهرة. وقال عبد الله، الذي يعمل موظفا بشركة الكهرباء بالجيزة وهو يقف مذهولا فيما رجال الإسعاف ينقلون جثث الضحايا الثلاث: كنا نعرف أنه سيسقط.. هذا المبنى (المكون من أربعة طوابق) صدرت له قرارات بإزالته، لكن لم ينفذها أحد كما يجب.

وبينما تقول إحصائية لوزارة التنمية المحلية، المعنية بشؤون المحافظات، إن هناك نحو 112 ألف قرار إزالة لمبان تمثل خطرا على سكانها، أظهرت دراسة لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري أمس أن إجمالي عدد المناطق العشوائية في البلاد بلغ نهاية العام الماضي 1171 منطقة، يعيش فيها حوالي 14.8 مليون نسمة، من بينهم 6.12 ملايين نسمة يعيشون في القاهرة الكبرى (التي تضم القاهرة والجيزة والقليوبية). سقوط صخرة جديدة من هضبة المقطم على سكان عشوائيات الأسبوع الماضي في منطقة منشأة ناصر شرق العاصمة، فتح الباب لمطالبة مسؤولين محليين الحكومة بالإسراع في تنفيذ برامج لتطوير المناطق السكنية غير المخططة. وفي بلد يزيد عدد سكانه على الثمانين مليون نسمة، لا تكمن المشكلة فقط في صعوبة متابعة الإدارات الهندسية ومسؤولي الضواحي تنفيذ ما يصدر من السلطة المحلية من قرارات لمنع البناء العشوائي أو هدم المباني المعرضة للانهيار، فهناك ما هو أهم، بحسب محمد زكي عضو بمجلس محلي القاهرة، وهو توفير وحدات سكنية بديلة عن المباني التي لم تعد تصلح للسكن. ومع تزايد الانتقادات لاستمرار وجود المباني العشوائية والعقارات الصادرة قرارات بإزالتها، لما تمثله من خطر، بدأت عدة لجان فنية شكلتها محافظة القاهرة أخيرا بدراسة ما يمكن تطويره منها، وما يمكن إزالته، مثل ما هو موجود من مبان غير مخططة على حواف هضبة المقطم وهضبة الزهراء، إذ تنفذ المحافظة برنامجا لنقل‏357‏ أسرة من هضبة الزهراء إلى مساكن جديدة بمدينة ‏6‏ أكتوبر (غرب القاهرة)‏.‏ ورصدت دراسة حول منطقة عشوائية قام بها مركز المعلومات بمجلس الوزراء عدم قدرة سكان المنطقة محل الدراسة على إنقاذ أنفسهم من مبان غير مخططة ولا تخضع للرقابة. وقال التقرير إن مستوى دخول الأسر في المناطق العشوائية يتراوح في المتوسط بين 300-600 جنيه مصري (حوالي 66 و125 دولارا) في الشهر، وهو ما يعني أن هناك حاجة لتضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع الأهلي والقطاع الخاص، للإسهام في حل المشكلة.. لكن، وعلى خلفية تجارب لجمعية ترأسها السيدة سوزان مبارك، حرم الرئيس المصري، أبدى سكان بمناطق عشوائية ترحيبا بالمشاركة في إعادة تخطيط منطقتهم المعروفة باسم «إسطبل عنتر»، مثل نجوى محمد، الناشطة في جمعية الفسطاط بمصر القديمة جنوب العاصمة. إلا إن «نجوى» قالت إن مشاركتها وجيرانها لن تزيد على «القبول بالانتقال للسكنى في مكان بديل ومناسب». وتعترف «نجوى» أن هذا «ترف لا يمكن الوصول إليه»، بعد أن شاهدت أقاربها الأسبوع قبل الماضي وهم ينزحون من بيوتهم المهددة بالانهيار طواعية، إلى أطراف مدينة السادس من أكتوبر، على بعد نحو 40 كم غرب العاصمة. وأضافت: «بدأوا يعودون لإسطبل عنتر مجددا لأن المكان هناك لم يكن مناسبا.. هم لم يجدوا قرب محال سكنهم الجديدة مجالات للعمل كما كان يحدث هنا.. هنا (في إسطبل عنتر) كانوا يعملون في سوق الساحل وورش الفخار (القريبة)». ‏ ومن المعروف أن جمعية الرعاية المتكاملة برئاسة السيدة سوزان مبارك أسهمت في تسليط الضوء على مشكلة العشوائيات، وإعطاء أمل في إمكانية تغييرها إلى الأفضل، وحققت تجارب ناجحة بالفعل بإعادتها تخطيط مناطق «عزبة عرب الوالدة» و«عرب غنيم» و«المعصرة» بضاحية حلوان، ما ألهم جهات أخرى أهلية وحكومية لتكرار التجربة، أو على الأقل إيجاد طريقة لتغييرها إلى الأفضل، ووقف تكرار البناء غير المخطط، وتنفيذ قرارات الإزالة للمباني المخالفة. عضو الحزب الوطني بمحافظة الجيزة، أحمد حسن، أشار إلى أن مناقشة الحزب قضية المساكن العشوائية وانهيار العقارات في مؤتمره السنوي الذي عقد الأسبوع الماضي من شأنه أن ينتهي لإيجاد تشريع، خلال شهرين أو ثلاثة، يعيد صياغة طرق جديدة للتعامل مع المناطق العشوائية، قائلاً إن هذا يتواكب معه تشديد الإجراءات لمنع تفاقم المشكلة، ومحاولة السيطرة عليها تدريجيا، مع ضرورة نشر الوعي بين المواطنين لتفهم الحلول التي يمكن أن تلجأ إليها الحكومة، لإنقاذهم، كما حدث من إخلاء لسكان بهضبة الزهراء. وأشار «حسن» إلى أنه، ومنذ الأسبوع الماضي، تشهد محافظة الجيزة حملة كبيرة على المباني المخالفة، وأن محافظها (سيد عبد العزيز) منع تسكين مواطنين في أبراج مخالفة صدرت لها قرارات إزالة بمنطقة حدائق جزيرة الذهب بالمنيب غرب المحافظة، وقال أيضاً إن المختصين من موظفي الإدارة الهندسية تمكنوا من إزالة 6 أبراج مخالفة، وإيقاف العمل في أبراج أخرى جرى بناؤها من دون تخطيط.

وتابع حسن قائلاً إن من ضمن «الإجراءات الصارمة» كذلك الإسراع بإحالة كافة مخالفات المباني التي أقيمت بدون ترخيص أو المخالفة لشروط الترخيص بنطاق المحافظة إلى النيابة العامة لتوقيع الجزاء الرادع على المخالفين، وإزالة المباني المخالفة فورا قبل أن تستفحل، مع مراقبة الأوقات التي ينشط فيها المخالفون الذين يقومون بالبناء تحت جنح الليل وفي العطلات الرسمية، بعيدا عن أعين القانون.

وبحسب السكرتير العام المساعد لمحافظة الجيزة اللواء عبد الحليم عبد الخالق، فإن المحافظة كلفت «إدارات الأحياء» بوضع لافتة على كل عقار مخالف لتنبيه المواطنين قبل التعامل مع أصحاب هذه العقارات حرصا على عدم ضياع أموالهم وأنه مبين بكل لافتة قرار الإزالة الصادر ضد العقار لإقامته بدون ترخيص.

الحال نفسه في مدينة الإسكندرية (شمال غرب) التي شهدت في الفترة الأخيرة انهيار عقارات مماثلة وسقوط ضحايا، إذ أصيب في آخر انهيار لمبنى وقع قبل أسبوعين بمنطقة محرم بك وسط المدينة 4 أشخاص بكسور وجروح، بعد مقتل وإصابة عشرات في انهيارات مماثلة في السنوات الثلاث الأخيرة، ما دعا محافظها، اللواء عادل لبيب للتشديد على ضرورة تطبيق قرارات الإزالة المفروضة على العقارات المخالفة بالمحافظة، وتحصيل رسوم أعمال الإزالة وفقا لما يقتضيه القانون.

وفي الأسابيع الأخيرة تطرق مجلس الوزراء وقياديون بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، لموضوع العشوائيات في أكثر من لقاء ومناسبة كان آخرها المؤتمر السنوي الخامس للحزب. ويأمل وزراء بالحكومة وقياديون بالحزب في أن يسهم رجال الأعمال في برامج تطوير العشوائيات، وألا تؤثر الأزمة المالية العالمية على فرص التمويل والمنح الأجنبية، لهذا الغرض، إذ يعتمد البرنامج الحكومي على محورين لـ«تطوير العشوائيات القائمة» و«الحد من ظهور عشوائيات جديدة»، ومن المقرر أن يستمر البرنامج في محافظات القاهرة والجيزة، ثم في محافظات منتشرة حول القاهرة، قبل أن يجري تعميم البرنامج على كافة محافظات الجمهورية.

وكشفت مصادر بالحكومة المصرية لـ«الشرق الأوسط» عن أن مفاوضات جارية بينها وبين عدد من البنوك، لتطوير العشرات من المناطق العشوائية، في حال التوصل إلى تصور يمكن من خلاله لتلك البنوك وبمشاركة رجال أعمال، إعادة التخطيط في مناطق شديدة الكثافة السكانية وتفتقر إلى التنظيم، وإلى الالتزام باشتراطات البناء والترميم والهدم بالنسبة للمباني المخالفة، أو التي تمثل خطورة على ساكنيها. ورغم الأزمة المالية العالمية تتفاوض وزارة التعاون الدولي المصرية مع مانحين أوروبيين ويابانيين، من أجل تطوير العشوائيات. ومن المنتظر الاتفاق مع أولئك المانحين لتوجيه الأموال لعام 2009 لتمويل صندوق تطوير العشوائيات الذي بدأ العمل أخيراً برأسمال قدره 500 مليون جنيه. وأسهمت المنح الأجنبية في السابق في تطوير جانب من عشوائيات القاهرة أشهرها مشروع تطوير منشأة ناصر شرق القاهرة، الذي بدأت مرحلته الأولى قبل عشر سنوات، بإقامة نحو 40 ألف وحدة سكنية بالتعاون مع ألمانيا، فيما يجري في الوقت الحالي تنفيذ المرحلة الثانية من هذا المشروع. ويأمل موظف الكهرباء بالجيزة، محمد عبد الله، في أن يتمكن، أي كان (حكومة، قطاع خاص، أهالي)، من القضاء على كابوس انهيار المباني، سواء القديم منها أو غير المخطط الذي يفتقر لاشتراطات البناء السليمة، كما يفتقر للتهوية والمرافق وانتظام الخدمات.. ويعتقد «عبد الله» أن الإجراءات القانونية الصارمة، التي بدأت تتخذها محافظته الجيزة، وكذلك محافظات مصرية أخرى، منها القاهرة والإسكندرية، يمكن أن تكون بداية يقظة للسير على الطريق الصحيح.. «يعني إيه ناس عارفين إن العمارة اللي هم فيها ممكن تقع على دماغهم وتموّت أولادهم في أي لحظة، ويفضلوا عايشين فيها؟»، ثم استطرد قائلا: «طيب يروحوا فين.. لازم الحكومة تحل المشكلة.. لازم كلنا نشوف حل للمشكلة».