العقار في لبنان يشهد حركة تصحيحية.. والارتفاع مرشح للاستمرار ساحلا وجردا

لكونه الملجأ الأكثر أماناً للمدخرات

TT

انتهى الموسم التقليدي لشراء العقار في لبنان، أي موسم السياحة الذي يشهد توافد المغتربين والعرب، وتزايد حركة المكاتب العقارية وتجار البناء، لتبدأ التكهنات بمستقبل أسعار العقار في البلاد في ضوء الأزمة العقارية الأميركية والأزمة المالية العالمية التي انطلقت من نيويورك وطالت أطراف العالم على اختلافها.

وقد راوحت تلك التكهنات بين توقع انخفاض الأسعار، لا سيما أسعار العقارات المبنية، وطفرة جديدة في الموسم المقبل، فيما البعض الآخر يميل الى استقرار الأسعار وهدوئها.

وفي أي حال، تقتضي الإشارة الى ان تجار البناء كانوا يتوقعون سوقاً نشطة خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، وحتى سبتمبر (أيلول) الماضية، بفعل تميزها بالاستقرار السياسي والأمني الناجم عن «اتفاق الدوحة»، لكن الصدمة الايجابية التي أحدثها هذا الاتفاق لم تكن نتائجها باهرة على مستوى القطاع العقاري، كما كان متوقعاً، لسبب رئيسي وهو أن العقار استمر في «التحليق» وحتى تجاوز حدود المنطق والمعقول احياناً في ظل أزمة عالمية متفجرة يختلط فيها ارتفاع سعر صرف اليورو إزاء الدولار، وارتفاع سعر برميل النفط بشكل لم يسبق له مثيل بحيث تجاوز 147 دولاراً، وانعكاس ذلك على أسعار المواد الأولية، بما فيها أسعار مواد البناء. ويؤكد خبراء العقار ان الذين أقدموا هذا الصيف على شراء العقارات فئتان: فئة تريد استلحاق نفسها بوحدة سكنية قبل مزيد من ارتفاع الأسعار، وفئة ثانية آثرت الهروب ببعض جني العمر الى العقار كملجأ آمن، بالرغم من أن الفئتين دفعتا زيادة في الأسعار التي كانت سائدة قبل الفورة التي بلغت 30 في المائة كمعدل وسطي، وفي بعض الأحيان تخطت 40 في المائة، وقد تجلى ذلك، بصورة خاصة، في الفصلين الثاني والثالث من العام الحالي.

ويلاحظ الآن بعد أفول نجم «الموسم العقاري» ان كل المؤشرات توحي بهدوء الحركة، ان على مستوى إطالة مهلة البيع، وإن على مستوى ندرة المشترين في بعض المشاريع.

ويقول رجا مكارم، مدير شركة «رامكو» العقارية لـ «الشرق الأوسط»: «إن بعض المطورين العقاريين لم يبيعوا شقة واحدة منذ عدة أسابيع. وهذا مرده الى الهدوء الذي يعقب العاصفة. لكن ذلك لا يعني ان الحركة العقارية توقفت، بل ان الاختيار أصبح أكثر انتقائية، وأكثر تمهلاً بعد أشهر من الغليان والعروض التي لا تستند الى معايير علمية ومدروسة».

وإذا كان البائع هو الذي كان يعرض أسعاراً تفاجئ وحتى «تنقز» الشاري، فإن المرحلة الحالية تعكس الوضع، بحيث بات المشترون يعرضون اسعاراً تفاجئ المالكين، اعتقاداً منهم ان الأزمة العالمية وتداعياتها وفصولها وارتداداتها ستفرض تراجعاً في الأسعار، وستعيد الربط بين إمكانات الأسر المحلية والاغترابية وأسعار العقار الحقيقية، باستثناء العقار في بيروت الذي تجاوز، في كل الأحوال، إمكانات الأسر المتوسطة، وبات من الصعب على متوسط الدخل أن يحظى بشقة دون 300 ألف دولار في أقل تقدير في أربع زوايا العاصمة، حيث هناك نحو 200 مبنى قيد البناء حالياً توفر هامش انتقاء واسعاً، ومجالاً واسعاً للتفاوض، وهذا ما دفع الخبير الاقتصادي الدكتور مروان اسكندر الى القول «إن أسعار العقارات ستشهد بعض التراجع في الأمد القريب في ضوء المعطيات المحلية والخارجية على كل الصعد»، واستبعد كل إمكانية لحصول أزمة رهونات عقارية في لبنان، على غرار ما حصل في الولايات المتحدة.

واذ لوحظ بعض «اعادة النظر» في أسعار العقارات من قِبل المالكين او المطورين العقاريين، وتراجع ما بين 10 و20 في المائة في أسعار المكاتب والشقق، لوحظ، في الوقت نفسه، ركود المبيعات في مناطق او مشاريع سكنية أخرى، ويعزى هذا الأمر الى اتساع الهوة بين ما يطلبه المالك من أسعار درج على طلبها في الأشهر الأخيرة، وما يعرضه الشاري الذي يأمل في ان يأخذ المالكون كل المتغيرات في عين الاعتبار ان على مستوى تدفق السيولة على القطاع العقاري، وان على مستوى انخفاص اسعار المواد الأولية.

غير ان الخبير العقاري، مدير مؤسسة «كونتوار الامانة» العقارية وديع كنعان، اكد لـ«الشرق الأوسط»: «أن الهدوء الحالي في الحركة العقارية مرده قبل كل شيء الى كون المرحلة الراهنة هي مرحلة الموسم الميت التي تتوقف مشاريع البناء فيها نسبياً، ويتوقف تدفق المغتربين على البلد والرعايا العرب الذين يغذون السوق عادة بسيولتهم وسعيهم الى امتلاك العقار في لبنان».

ورأى كنعان: «ان الارتفاعات التي سجلت في الأشهر الماضية هي بمثابة تصحيح أسعار وليست ارتفاعات غير منطقية كما يظن البعض. ولا ننسى ان اسعار العقارات في لبنان كانت قبل فترة غير قصيرة، تفوق اسعار العقارات في معظم العواصم العربية، اما اليوم، فلا تزال أسعار العقار عندنا دون ما هي عليه في تلك العواصم بالرغم من تميز العقار اللبناني عن سواه من العقارات في عواصم عربية أخرى».

وفيما يعتبر كنعان التصحيح بأنه يطال الارتفاعات السابقة في أسعار العقارات في لبنان، يعتبر وزير المال اللبناني الأسبق دميانوس قطار، وهو خبير اقتصادي «ان التصحيح سيطال اسعار العقارات في الوقت الراهن في ضوء تراجع اسعار المواد الأولية، لكن هذا التصحيح لن يكون تراجعاً بمعنى الكلمة، لأن العقار في لبنان، وعلى مدى متابعتي له منذ 25 سنة على الاقل، لم يعرف تراجعاً، بل كانت أسعارا تصاعدية على الدوام، وهادئة في بعض الظروف».

ويضيف: «ان تصاعد أسعار العقارات في لبنان مرده الى مساحة لبنان الصغيرة، والى كون المساحة القابلة للبناء اصغر، والى وفرة تحويلات اللبنانيين في الخارج وتدفقات الخليجيين الى السوق العقارية».

ويؤكد قطار: «ان أسعار العقارات التصاعدية باستمرار تركزت في منطقتين جغرافيتين، إحداهما تمتد من الواجهة البحرية وحتى ارتفاع 200 متر تقريباً، والثانية تتركز على المناطق الواقعة فوق علو 1500 متر، حيث مراكز التزلج والسياحة الشتوية، اما المنطقة الوسطى فهي التي تتسع لكل أنواع الطلبات، مع التذكير دوماً بالمثل اللبناني الشائع أباً عن جد بأن البائع هو الخاسر دوماً، وان الشاري هو الرابح ولو كان مغبوناً بعض الشيء».