مستثمرون عرب يسعون إلى اقتناص فرص ثمينة في سوق العقارات الأميركي المنهار

تقرير: أزمة القطاع العقاري في بريطانيا أعمق وأخطر من الولايات المتحدة

قطاع العقارات الأميركي أصبح «على كف عفريت»
TT

انهيار الثقة في الاسواق العقارية اكبر مما كان متوقعا في بريطانيا، إذ اشارت دراسة جديدة لمؤسسة او مجوعة «سميث اند وليامسون» (Smith & Williamson) العقارية، الى ان نسبة الثقة بالاسواق العقارية في بريطانيا تراجعت او انهارت بكلام اصح منذ عامين من 86 في المائة الى 7 في المائة فقط. وفي القطاع العقاري التجاري بشكل خاص تراجعت الثقة خلال الفترة ذاتها من 91 في المائة الى 18 في المائة. الدراسة او التقرير الذي تضعه المؤسسة يشمل آراء مكاتب العقار والسماسرة والمحامين والمعماريين والمستثمرين، والمساحين وغيرهم. واكدت الدراسة ان قضية الضرائب من القضايا الاساسية التي تتحكم بقرارات المستثمرين، بدلا من القضايا البيئية. «الهزات التي يتعرض لها السوق تعني انه هناك الكثير من التحديات وان المشاريع الحالية سيستغرق تنفيذها سنوات عدة، إذ ان الكثير من المستثمرين يفضلون ان يحافظوا على ما يملكونه بدلا من المغامرة في اسواق العقار»، على حد رأي مدير «وليامسون» نيك كارترايت. وأضاف كارترايت، بأن مدير بنك «نيشن وايد» (Nationwide) غراهام بيل، وهو من اهم البنوك التي تمنح القروض العقارية في البلاد، قد اكد ان اسعار العقارات قد تتراجع بنسبة 25 في المائة على الاقل عما كانت عليه قبل ازمة الائتمان الدولية في اغسطس العام الماضي (2007)، وان اندي هوربي من مجموعة «اتش بي او اس» (HBOS)، اشار الى ان ازمة توفر القروض العقارية في الاسواق التي ادت اليها ازمة الائتمان، قد تتواصل حتى نهاية عام 2010. وقد اشارت التقارير الاخيرة ايضا الى ان ازمة الائتمان، ادت الى خسارة اكثر من 300 الف وظيفة خلال الأشهر الثلاثة الماضية في القطاعين المالي والعقاري من دون تسجيل شيء يذكر من المشاريع الجديدة التي تفتح فرص العمل. وتشير ارقام المؤسسات الحكومية التي تتوقع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل ونسبة البطالة، الى انه تم فقط خلق 73 الف فرصة عمل في الفترة ذاتها وان معظم الخسائر في القطاعين المالي والعقاري، خصوصا قطاع البناء كما ذكرنا. ويقول مايكل سوندرز من مجموعة «سيتي غروب» (Citigroup)، ان اصحاب العقارات اكثر الناس خوفا من مسألة البطالة في الاوضاع الحالية، ونتوقع ان يرتفع عدد العاطلين عن العمل اكثر شهريا». وفيما يصل عدد العاطلين عن العمل حاليا الى حوالي 939 الف فرد، يتوقع ان يصل الرقم الى مليون نهاية العام و2 مليون العام المقبل وربما 3 ملايين في حال كان الركود الاقتصادي عميقا، على عكس الولايات المتحدة التي سجلت ارتفاعا بنسبة 6 في المائة في عدد الوظائف الجديدة.

واكد تقرير من جامعة «رادينغ» (University of Reading - Department of Real Estate ) وضعه البروفيسور مايكل بول، أن الازمة العقارية في بريطانيا ستكون أسوأ واعمق واكبر من مثيلتها في الولايات المتحدة الاميركية، رغم تخفيض معدل الفائدة العامة الى معدل تاريخي، وان الازمة الحالية ستتواصل العام المقبل بسبب عدد من المعضلات والاسباب. وطالب التقرير تفاديا للكارثة، ان تقوم الحكومة باتخاذ اجراءات مهمة على صعيد توفير القروض العقارية في الاسواق، وتأمينها للراغبين في شراء منازلهم لاول مرة وتخفيض نسب الضرائب. ويقول التقرير الذي وضع بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للمكاتب العقارية والسماسرة، ان الازمة الحالية لم يسبق لها مثيل ولا يعرف الى اين ستؤدي ما لم تتخذ الحكومة اجراءات عاجلة لوقف التدهور. ويترافق حاليا تراجع عدد الصفقات العقارية الحاد مع اضطرار الكثير من اصحاب العقارات وضع عقاراتهم في السوق وبيعها باسعار اقل مما كانوا يتوقعون قبل اشهر، وليس هناك عدد كاف من المشترين مما سيؤدي الى تراجع كبير في الاسعار خلال السنوات المقبلة. ويعتبر حجم القطاع العقاري 60 في المائة من حجم الاقتصاد العام في البلاد وهي نسبة ضخمة وكبيرة، كما اشار البنك الدولي قبل اسابيع. وكان البنك قد حذر الحكومة وطالبها باتخاذ كل الاجراءات لحماية الاسواق العقارية لأهمية الاقتصاد ونموه. ويبدو حسب التقرير ان ملكية العقارات وصلت الى حدها الاقصى في بريطانيا، ولهذا السبب يتوقع ان يتعزز قطاع الإيجار ويسيطر على الوضع لفترة طويلة. وتشير الدراسة التي قامت بها مؤسسة «موني سنتر» (Money Centre) المستقلة والخاصة، في هذا المضمار، انه يتوقع ان يدخل السوق العقاري واحد من كل خمسة مستثمرين في بريطانيا خلال الاشهر القليلة المقبلة، في محاولة لاستغلال الوضع ورخص الاسعار. وتقول الدراسة انه بالرغم من الازمات الكثيرة حاليا لا يزال الكثير من المستثمرين متفائلين بمستقبل اسواق العقار بشكل عام. فالبرغم من صعوبة حصول المستثمرين على تمويلات لمشاريع جديدة، فإن عائدات الإيجار تواصل ارتفاعها يوميا. وتقول المؤسسة بأن العقار الذي كان يبلغ سعره 140 الف جنيه (210 آلاف دولار) خسر 30 في المائة من سعره خلال الأشهر القليلة الماضية ليصل الى 98 الف جنيه (145 الف دولار). كما ان المبلغ الذي يدفع مقدما على مثل هذا النوع من المنازل العادية يصل الى 24 في المائة من قيمة القرض أي بنسبة 25 في المائة من قيمة العقار. وهذا يعني ان قيمة القرض نفسها انخفضت من 119 الف جنيه الى 73 الف جنيه كما ان عائدات الإيجار تراجعت على هذا النوع من المنازل من 7.3 الى 5.1 في المائة. وتقول لينزي سويلز عن مؤسسة «موني سنتر»، ان شراء عقار للاستثمار العقاري ولغاية التأجير لا يساعد على ارتفاع نسبة السيولة فحسب، بل فرصة مهمة لمراكمة ونمو رأس المال في المستقبل. وفي اوروبا نفسها ايضا، اكدت التقارير العقارية الاخيرة، ان اسعار العقارات السكنية والتجارية، ستشهد تراجعا حادا العام المقبل. وتقول مؤسسة «كينغ ستورج» (King Sturge) الدولية، في دراسة اخيرة للأوضاع العقارية في جمهورية التشيك ان التراجع الحاد في اسعار العقارات حاليا سيؤدي الى تراجع اسعار المخازن والمكاتب والمصانع وغير ذلك. ويتوقع ان ترتفع نسبة التراجع على الاسعار من الخمس الى الثلث وهي نسبة كبيرة لا يتحملها السوق الناشئ وهذا يعني ان المنزل الذي يبلغ سعره 100 الف دولار سيخسر 30 الفا من قيمته ويصل سعره الى 70 الف دولار. وقد ادت المخاوف من انهيار السوق الى توجيه المشاريع الى مشاريع البنية التحتية المدعومة من الاتحاد الاوروبي. ورغم توقع إيجاد بعض المشاريع العام المقبل، فإنه يتوقع ايضا ان تزداد عمليات بيع العقارات المهمة، بسبب صعوبة سداد الديون للبنوك والوضع في الاسواق العالمية. وقد ارتفعت نسبة العقارات الصناعية والخدماتية الشاغرة من 9 في المائة العام الماضي (2007) الى 18 في المائة هذا العام. وارتفعت نسبة مساحات المكاتب التجارية الشاغرة من 6 في المائة العام الماضي الى 10 في المائة هذا العام ايضا. ويبدو ان عجز البنوك وإحجامها عن منح القروض الكبيرة، يؤدي الى تأجيل المستثمرين للكثير من المشاريع وبيعها او البحث عن شريك لتحمل نفقات ما بعد ازمة الائتمان. فمثلا مجموعة «سيكيرا» (Sekyra Group) العقارية التي تعتبر الاكبر في البلاد تحاول بيع بعض مشاريعها وعقاراتها المهمة والتحول الى المشاريع السكنية المتوسطة الموجهة للموظفين والناس العاديين، والشروع في مشاريع البنية التحتية لما لها اهمية استثمارية بعيدة المدى. كما تبحث مجموعة «اوركو» العقارية الضخمة عن شركاء لمشروعها الكبير في «برا- بابني». وكانت الحكومة في تشيكيا وفي محاولة لدعم القطاع العقاري المهدد بازمة الائتمان، قد اتخذت قرارا مهما بالسماح للاجانب بالتملك في البلاد وشراء المنازل والاستثمار بدءا من مايو المقبل (2009 )، وسينطبق هذا الامر على الأراضي الزراعية بعد عام 2010، إذا ما اقر البرلمان القرار الجديد. ويقول اوندريه نوفوتني عن مؤسسة «كينغ ستورج» في هذا الإطار ان الخطوة قد تفتح الاسواق على المستثمرين من خارج الاتحاد الاوروبي والدول الاوروبية الشرقية وغيرها، ويتوقع ان يزداد الطلب على عقارات القطاعات الفاخرة والممتازة. ومع هذا لا يتوقع الكثير من الخبراء في تشيكيا ان يكون للخطوة أي اثر ايجابي في ظل الظروف المالية الدولية الحالية لأن المستثمرين متخوفون ومترددون من القيام بأية خطوة ولا تزال اسعار العقارات بالنسبة للاجانب اغلى من غيرها من بلدان الاتحاد الاوروبي. مهما يكن يتفق الكثيرون على ان الخطوة ستقرب السوق العقاري في تشيكيا من اسواق العقار الاوروبية الغربية وتنظمه وتطوره بالشكل المطلوب. وتشير الدراسة التي قامت بها مؤسسة «ام اند ام» (M&M)، الى أن المستثمرين من جارتها سلوفيكيا يتربعون على رأس لائحة الاجانب المستثمرين والراغبين في الاستثمار العقاري في البلاد، يليهم المستثمرون من روسيا واوكرانيا وهولندا.

وعلى الجهة الاخرى من المحيط، وفي الولايات المتحدة، تشير التقارير الى ان هناك اهتماما كبيرا من الشركات والمجموعات العقارية في الشرق الاوسط، خصوصا الخليج، باسواق العقار في الولايات المتحدة في ظل تراجع معدل الفائدة العام وضخ السيولة في النظام المصرفي وحمايته. ويقول سعود بعلوي، رئيس المجلس التنفيذي لمجموعة دبي الاستثمارية «دبي غروب» (Dubai Group)، ان من شأن هذا مساعدة الاقتصاد الاميركي على النهوض قبل غيره من اقتصادات الدول الاخرى. ويعتقد بعلوي انه ستكون هناك فرص استثمارية هائلة في الولايات المتحدة حاليا وان المجموعة ستوسع نشاطها في الاسواق العقارية الاميركية. وللمجموعة التي تملك الكثير من المكاتب العقارية والفنادق استثمارات عدة في البلاد كان آخرها في فندق «اساسيكس هاوس» (Essex House) المعروف جنوب سنترال بارك في مدينة نيويورك. كما تنشط المجموعة في قطاعي المال والتأمين في القارة الآسيوية واوروبا والشرق الاوسط. واشارت التقارير العقارية الأخيرة شمالا، وفي كندا، الى ان عدد المبيعات والصفقات العقارية في مدينة تورونتو بسبب ازمة الائتمان تراجع بنسبة 35 في المائة منذ اكتوبر (تشرين الاول) العام الماضي حتى اكتوبر من هذا العام. وهو أسوأ تراجع منذ سنوات طويلة. وتؤكد مؤسسة «سنتشري 21» (Century 21) المعروفة بأن المستثمرين والمشترين موجودون في السوق لكنهم ينتظرون المزيد من الهبوط في الاسعار قبل الدخول في أي مشروع جديد. ورغم التراجع البطيء للاسعار والاسواق العقارية فإن الازمات الاخيرة التي تعرضت لها اسواق المال قد تركت اثارا بالغة على الاسوق العقارية في جميع انحاء كندا. وبدأ بعض المستثمرين الى اللجوء الى سياسة الجزرة لبيع عقاراتهم عبر تقديم السيارات ومختلف الخدمات لتحفيز المشترين وتحريك الاسواق. ويقول المجلس العقاري في تورونتو إن كندا لن تتعرض لنفس الازمة التي تعاني منها الولايات المتحدة، إذ ان الاقتصاد قادر على دعم القطاع رغم تراجع الثقة أخيرا بسبب الاخبار السلبية الواردة من الولايات المتحدة. ويقول متحدث باسم «ميريل لينش» (Merrill Lynch)، إن سوق العقار السكني سيكون اضعف عما هو عليه حاليا ومخاطر انهيار لا يمكن تجاهلها.