السعودية: «كلمات» المسؤولين تحرك تداولات السوق العقاري

مطالبات بتنظيم الإعلان عن المشاريع الحكومية لحماية السوق من «الإشاعات»

تتأثر بعض المناطق العقارية بتصريحات المسؤولين حول المشاريع الجديدة، مما يدخل السوق العقاري في ميزان التصريحات والإشاعات («الشرق الأوسط»)
TT

تخضع تداولات السوق العقاري في السعودية إلى ميزان «الكلمات»، ما لها وما عليها من تأثير مباشر أو غير مباشر على أسعار المنتجات العقارية، كما هو الحال في أسواق التداولات الأخرى كأسواق الأسهم والنفط وغيرهما من الأسواق الرئيسية.

وكانت السعودية قد شهدت في بداية العقد الحالي محاولات خجولة لإنشاء بورصة عقارية لتنظيم السوق، وإضعاف عامل «الشائعة» في التأثير في الأسعار، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، كون السوق العقاري له خصوصية مختلفة عن الأسواق الأخرى، كالحركة الثقيلة في عمليات التداول، إضافة إلى اتساع رقعة المؤشرات المستهدفة في تلك البورصات، مما دفع القائمين عليها لإيقاف تلك الاجتهادات.

وتشهد السعودية في الوقت الحالي عمليات تنمية ضخمة أوجدت مسببات للكشف عنها، وبالتالي أصبح الإعلان عن مشروع جديد في أي منطقة بمثابة المؤشر لرفع أو خفض الأسعار، مما زاد في وزن «كلمات» المسؤولين عند إعلانهم عن مشروع تنمية جديد.

الخبراء العقاريون يؤكدون أن تصريحات بعض المسؤولين من شأنها أن تؤثر في أسعار العقارات في السعودية، إضافة إلى الشائعات التي يطلقها أصحاب المصالح في هذا المجال، مشيرين إلى أنه من الصعب السيطرة على الشائعات في الوقت الحالي، لا سيما وأن الغالبية ينساقون وراءها، ولا يتم التصدي لها إلا بعد الاصطدام بالواقع، خاصة وأنها تعتبر آفة لا بد من دراسة تحللها باعتبارها المتحكمة في مصالح كبار الشخصيات وأصحاب السيولة العالية.

وبين خالد الحارثي الخبير العقاري أن ما يحدث الآن في سوق العقارات، جاء نتيجة لمحاولة المستثمرين تعويض خسائرهم في الأسهم، مشيراً إلى أن صناعة العقار تمر بدورة انتعاش سببها الأزمة المالية المفتعلة، وارتفاع أسعار المنتجات العقارية في مناطق محددة، غير أن تلك الدورة مصيرها التراجع مثلما حدث في سوق الأسهم»، لافتاً إلى أن موجة الغلاء جاءت متزامنة مع الإعلان عن المشاريع التطويرية في أغلب المناطق.

وأضاف: «تسهم تصريحات المسؤولين كثيرا في ارتفاع الأسعار، مثلما حدث بمشروع تطوير منطقة خزام، الأمر الذي دفع ملاك العقارات إلى التلاعب، ليس في منطقة التطوير فحسب، وإنما في أجزاء أخرى متفرقة، خاصة وأن سكان الأحياء الداخلة في المشروع سيضطرون إلى البحث عن البدائل بعد استلامهم للتعويضات».

وأشار إلى أنه من الضرورة تكتم الجهات المسؤولة على ما لديها من مشاريع، خاصة في ظل كونها حقيقية فإنها لن تنفذ في غضون فترة زمنية قصيرة، وإنما تحتاج إلى وقت وسنوات طويلة كي ترى على أرض الواقع.

واستبعد الحارثي أن تسهم تجربة المؤشر العقاري في ضبط السوق بالشكل المطلوب، باعتبارها تندرج تحت هيئة سوق المال، معتبرا أن الكثير من البيوع التي تحدث لدى كاتب العدل وهمية، ما يجعل المؤشر العقاري مقياسا لعدد الصفقات دون التأكد من صحتها.

بينما أفاد الخبير الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة بوجود علاقة عكسية تربط بين العقار وسوق الأسهم، ولفت إلى أن مبالغ التعويض التي ستعطى لملاك العقارات الموجودة في الأحياء المزالة لا تغطي القيمة الحقيقية للأسعار الحالية في سوق العقار.

وقال: «مكاتب العقار هي المسؤولة عن إطلاق شائعات المشاريع الوهمية والتي تهدف إلى جذب المستثمرين والمساهمين، أو الاحتفاظ بالسيولة للدخول في مشاريع عقارية جديدة»، مؤكدا أن المضاربة البحتة وغياب الاستثمار هما المشكلة الكبيرة التي يعاني منها السوق السعودي بشكل عام. وأضاف: «يرتبط نجاح تجربة المؤشر العقاري في ظل وجود سوق مستقل يرتبط بمقاييس معينة، بحيث يسجل الارتفاع تدريجيا حسب حجم السوق العقاري والاستثمارات الموجودة به"، مبينا أن المناطق النائية لا تشهد إقبالا كبيرا للاستثمار بها نظرا لقلة عدد سكانها، مما يجعل إطلاق الأمانة لمخططات سكنية فيها بهدف تخفيض أسعار العقار أمرا لا جدوى منه.

فيما ربط الدكتور خالد فهد الحارثي رئيس مجلس إدارة مركز آرك للأبحاث الاقتصادية بين سوق العقار والأسهم بالطفرة التي تشمل السوق المالي بجميع أدواته، وقال: «تحدث الطفرة حينما تتوفر السيولة بشكل كبير، إلا أنه في معظم الأحيان ترتفع أسعار العقار بشكل غير مبرر ومبالغ فيه».

وأرجع سبب ذلك الارتفاع إلى وجود عوائق استثمارية متمثلة في القوانين التعجيزية عند إصدار تراخيص الاستثمار، ما يدفع المستثمر للبحث عن قناة استثمارية أكثر سهولة، باعتبار أن سوقي الأسهم والعقار يعتبران الأسهل والأكثر مرونة عن المجالات الأخرى.

وأضاف: «تتحول العلاقة بين العقار والأسهم إلى عكسية مثلما حدث بعد انهيار فبراير الشهير، إذ انتقلت السيولة من سوق الأسهم لتبحث عن مكان آمن للاستثمار والمتمثل في العقار، ما أدى إلى زيادة الطلب في ظل محدودية العرض»، واصفا ارتفاع أسعار العقارات بفقاعة أصابت سوق الأسهم سابقا وانتقلت للعقار أخيرا.

ويرى رئيس مجلس إدارة مركز آرك للأبحاث الاقتصادية أن فصل العقار في سوق مستقل لا يعني عزله من السوق السعودي بشكل عام، لا سيما أنها شبه معزولة في قطاعي التشييد والبناء والتطوير العقاري، وأضاف: «لا تتوفر أعداد شركات عقارية تستدعي فصل العقار في سوق مستقل، إضافة إلى أن السوق السعودي لم يصل لمرحلة النضج الكافي لاتخاذ مثل هذا القرار، غير أننا بحاجة ماسة إلى دعم السوق الحالي وتعزيز الشفافية والإفصاح عنه».

وطالب الحارثي بضرورة وجود رقابة وشفافية من الجهات المسؤولة عن القطاع العقاري وأمانات المناطق والهيئات المسؤولة عن تطوير المدن، التي من المفترض أن تعلن عن المشاريع التطويرية ضمن خطة تنموية، ورقابة شديدة على الخطط السرية التي تنفذها الحكومة قبل الإفصاح عنها، إضافة إلى وجود أنظمة تنص على العقوبات الرادعة وإعطاء الشرعية للجهات المعنية لاسترداد الأراضي التي تتم فيها إدانة الفئة المستفيدة من الشائعات أو المغررة بالمستثمرين.

وأضاف: «من الأفضل أن يكون تصريح المسؤولين بشكل منظم، ولا تتم الطريقة بشكل عشوائي، إذ ان الأصح عقد مؤتمرات صحفية يتم فيها الإعلان عن المشاريع بعد الانتهاء من توقيع العقود، وتحديد خطوات المشروع ومدته الزمنية ومساحته ومراحل تنفيذه وأهدافه».

وأشار خبراء العقار إلى أن السوق العقاري يخالف أحيانا الدراسات والتوقعات، الأمر الذي يحتم القيام بدراسة شمولية حول مدى إقبال الطلب على العرض، في ظل ضعف الطلب على بعض المناطق في السعودية وازدياده على مناطق أخرى.

وبالعودة إلى الدكتور خالد الحارثي فقد أوضح أن تجربة المؤشر العقاري تعتبر تمويلية وتوعوية للمستثمرين في هذا المجال، وبالتالي تعطي فرصة للمقارنة والقياس بصورة مبنية على أرض الواقع، غير أنه حذر من الاتكال عليها كثيرا في بداياتها لتحديد الطفرة العقارية وأبعادها، إذ تعد إحدى الخطوات الإصلاحية في العقار السعودي.

وأرجع أسباب المشاكل الحاصلة في السوق السعودي رغم نشاطه في جميع المجالات بشكل عام إلى عدم وجود تطبيق فعلي لأنظمة حوكمة الشركات والرقابة الفعلية عليها، خصوصا أن القوانين والأنظمة ما زالت في مرحلة تجريبية، مستشهدا على ذلك بما حدث في الأزمة المالية الدولية.

من جهته أكد الدكتور أحمد بانافع المشرف العام على المشاريع في أمانة محافظة جدة أن ما يتم إعلانه من مشاريع تطويرية تؤثر في أسعار العقارات سواء بشكل سلبي أو إيجابي، وقال في تصريح لـ «الشرق الأوسط»: «تحرص إدارة العلاقات العامة في الأمانة على نفي الشائعات التي تطال السوق العقاري، إضافة إلى حرصها على الإعلان عن المشاريع بالشكل الصحيح».

وأضاف: «من الضروري الإفصاح عن أي مشروع بشكل واضح يتمثل في تحديد الموقع والمدة الزمنية ومراحل تنفيذه وذلك تفاديا للعوائق التي قد تواجه الأمانة في العمل عليه»، لافتا إلى أن التكتم على المشاريع الضخمة يعتبر مستحيلا، غير أن هناك بعض المشاريع التي من الممكن التأخر في الإفصاح عنها.

* أكدت الباحثة العقارية هويدا الأسطى إحدى أعضاء اللجنة العقارية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة عدم وجود الوعي الكافي لدخول المرأة مجال العقار، في ظل استغلالها للتسويق فيه بطرق شخصية.

وقالت لـ «الشرق الأوسط»: لم يكن العنصر النسائي سببا في تدهور سوق العقار السعودي، وإنما استغلالها في التسويق هو ما دفع العديد من الشركات اختيار الفتيات وفق معايير شخصية بغض النظر عن مؤهلاتهن وخبراتهن.

وأشارت إلى ضرورة إدخال الفتاة في المجال العقاري بناء على التأهيل والشهادات والخبرات، وذلك لضمان حفظها ومحافظتها على نفسها، لافتة إلى أن اللجنة العقارية في الغرفة التجارية على استعداد تام لتدريب الكوادر النسائية وفق أصول تسويق العقار السليمة. وأوضحت عضو اللجنة العقارية أن المشاريع الوهمية تعامل معاملة المساهمات الوهمية في سوق الأسهم، باعتبار أن السوق العقاري أساسه صحة المعلومات، وأضافت: «من أهم أسباب ضعف العقار السعودي عدم وجود كادر علمي عقاري، والذي لو اجتمع مع الخبرات والدراسات والمهارات في مكان محدد كمرجع سيقضي على 60 في المائة من المشاكل الحاصلة فيه».

وطالبت بضرورة وجود مرونة في الأنظمة مع المعطيات الموجودة، لا سيما أن مشاكل العقار ناتجة عن عدم وجود سياسة واضحة ومنظمة، وسوء التخطيط والاختيار غير الموفق للموظفين في هذا المجال، الأمر الذي يخلق ثغرات عديدة في ظل النمو والتحرك الديناميكي للحياة.

سبب مشاكل العقار انه لا توجد سياسة وضوح وتنظيم، وإنما اقتصاره فقط على البيع والشراء، سياسة التداولات ابتداء من العرض وحتى الحصول على الطلب تعاني من سوء التخطيط والتنظيم والإرشاد، وحتى اختيار الموظفين في هذا المجال لا يكون سليما، هناك ثغرات في ظل النمو والتحرك الديناميكي، لا بد من وجود مرونة في الأنظمة مع المعطيات الموجودة والاهتمام بالكادر العلمي.