لبنان: محاولات لإعادة الروح للمباني التاريخية

«متحف سرسق» يتوسع عمودياً .. و«معوض» يكشف عن كنوزه

متحف سرسق الذي بوشر توسيعه تحت الارض (« الشرق الأوسط»)
TT

يظن العابرون في شارع السراسقة ـ احد ارقى شوارع بيروت ـ للوهلة الاولى ان متحف سرسق القائم في وسط الشارع يتعرض للهدم ليقام مكانه برج جديد من الابراج التي طمست معالم بيروت التراثية في ظل الحفارات والشاحنات التي تنقل الاتربة، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك، باعتبار ان الحفريات الجارية في حديقة المتحف هي غير الحفريات الجارية الى جانبه. فهنا سينبت برج حقيقي، بينما هناك يجري توسيع المتحف ليضم ملحقاً تبلغ مساحته 6 آلاف متر مربع، ولا يغير شيئاً من طابع المتحف التراثي، باعتبار ان هذا الملحق سيتوزع على 4 طبقات تحت الارض، وتحديدا تحت حديقة المتحف، ويضم في ما يضم قاعة محاضرات كبرى، وقاعة وسطى، وقاعات معارض، ومساحات لتخزين القطع الفنية، وموقفا للسيارات، فضلا عن ثلاثة مصاعد واقفاص سلم تقع في الجزء المنجز عام 1967 خلف المبنى الاساسي. وستحتل ركناً من الحديقة مكتبة وكافيتريا تعتبران الجزء المكشوف الوحيد من الملحق، بحسب المهندس المعماري المسؤول جاك ابو خالد، الذي اشرف مكتبه، بالتعاون مع احد ابرز نجوم الهندسة المعمارية والتصميم والتنظيم المدني جان ـ ميشال ويلموت، على وضع التصاميم والخرائط الخاصة بالبناء الملحق.

ويتضمن المشروع ايضا اعادة تأهيل المبنى القديم «الذي سيبقى محافظاً على صورته»، كما يقول ابو خالد، الذي يضيف ان الطبقة الثانية التي ستحتضن المجموعة الدائمة في المتحف، ستؤهل قاعتها «بشكل يجعل استعمالها مرناً».

يذكر ان مبنى المتحف القديم شيده اللبناني نقولا ابراهيم سرسق عام 1920 بهندسته المميزة الحالية، وقد منحه في عام 1950 الى بلدية بيروت لتحويله الى متحف للفن المعاصر. ومنذ ذلك الحين تحول الى «وقف غير قابل للانتقال»، وافتتح في عام 1961، وهو يزخر بعشرات التظاهرات الفنية ومن بينها معارض الخريف التي كان يشارك فيها الرسامون اللبنانيون المعاصرون.

وفي الشطر الغربي من العاصمة، يحاول «متحف معوض» (قصر النائب والوزير السابق هنري فرعون) تعريف البيروتيين بكنوزه النادرة بعد معاناة طويلة دفعها ثمن جيرته للسراي الحكومي التي حاصرتها مخيمات المعارضة فترة غير قصيرة، وسدت الطرق اليه او عرقلت التنقل فيها.

وبالتعاون مع البنك اللبناني ـ الفرنسي، نظم المسؤولون عن المتحف زيارة منسقة للمتحف بوصفه فسحة ثقافية مميزة تحتضن مجموعة رائعة من القطع الاثرية النادرة.

يبدو ان المتحف من الخارج كأنه منزل فخم ولكنه، في الداخل، يستوعب كنوزاً دفينة لا تقدر بثمن. وهو يقع في منطقة «زقاق البلاط» وعلى مرمى حجر من السراي الحكومي، وكان في الاساس منزلاً اشتراه وزخرفه النائب والوزير الراحل هنري فرعون، خلال اسفاره ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر وحتى عام 1926 والذي اظهر ميلاً كبيراً نحو الثقافة والهندسة المعمارية العربية ما لبث ان ترجمه في جمع الآثار النادرة خلال رحلاته العديدة. وقد اعيد تأهيل هذا القصر على نطاق واسع في بداية التسعينات، حيث زود بمكتبة ومجموعة مميزة من المجوهرات على يد مالكه الجديد الصائغ اللبناني المعروف روبير معوض، المولع بالهندسة المعمارية والمجموعات الفنية، والذي ما لبث ان حوله الى متحف مفتوح امام الجميع.

وللوهلة الاولى تبدو قطع المتحف العديدة واثاثه على قسط كبير من الانسجام والتناغم، ولكن تفحصها يظهر لنا انتقائية مميزة حيث نجد قطعاً ومتاعاً من سورية، وتدمر، وتركيا، وهولندا وغيرها. في قاعة الطعام يعبق عطر الحنين، وهي القاعة التي انجز فيها رجال الاستقلال العلم اللبناني عشية الاستقلال الذي اعلن في عام 1943. وعندما تجتاز باب قاعة تطالعك خزانة ايقونات تعود الى القرن السادس عشر، ونظام تكييف مميز وخزفيات تركية ودمشقية، وشمعدانات ارثوذكسية يعود تاريخها الى نحو 100 سنة، وخشبيات دمشقية تعود الى القرن الثامن عشر، وسيراميكيات، وبورسلان صيني.

ويحتوي المتحف ايضاً على بعض المجوهرات من مجموعة معوض، ابرزها عقد الملكة اليزابيث الثانية الذي تزينت به اثناء زواجها في عام 1947، وماسة «اكسلسيور1» (68.68 قيراط)، التي تعتبر الماسة الخام الاكبر منذ اكتشافها في عام 1893. وفي الطبقة الثانية تتوزع شواهد الاضرحة الآتية من تدمر على الجدران، وبامكان الزائر ان يستمتع بجزء من مكتبة كميل ابو صوان المهمة، والغرفة التي مكث فيها الجنرال ديغول في الثلاثينات.

والواضح ان المتحف، الذي عانى طويلا من العوائق الامنية خلال السنوات القليلة الماضية لقربه من السراي الحكومي كما اشرنا آنفا ومخيمات المعارضة، يحاول الآن إثارة فضول البيروتيين مجددا وتلميع صورته الثقافية والتراثية والهندسية، وسط مبان تحوطه من كل الجوانب، ولا تشبهه في اي تفصيل من تفاصيله التي تكاد تكون الوحيدة من نوعها الباقية في هذه الرقعة من العاصمة.