عقارات دبي الطموحة لم تنج من العاصفة المالية الدولية

وسط تراجع الأسعار وتجميد القروض

سماء القطاع العقاري في دبي بدأت تتلبد بغيوم الازمة المالية ( رويترز)
TT

رغم الاحتفال الكبير والهائل الذي شهدته إمارة دبي أخيراً في افتتاح فندق «اطلانتيس» على جزيرة «نخيل» الصناعية، فإن أسعار العقارات في الجزيرة الفاخرة لم تنج من تدهور أسعار العقارات الذي ضرب كثيراً من أسواق العالم بسبب العاصفة المالية التي أطلقتها الولايات المتحدة. وقالت صحيفة الـ «دايلي تلغراف» البريطانية إن الفيلا ذات الأربع غرف كانت تُباع بنحو 25 مليون درهم عندما بدأ مشروع الجزيرة في عام 2001، وان عدداً من مشاهير العالم، مثل لاعب الكرة الشهير ديفيد بيكام وبطل سباق السيارات مايكل شوماخر، اشتروا فيلات في ذلك الوقت. لكن مندوباً من شركة «انجيل أند فولكيرز» العقارية أبلغ وكالة رويترز للأنباء أخيراً أن سعر هذه الفيلات بلغ الآن نحو 10 ملايين درهم بعدما كانت تبلغ 15 مليوناً في سبتمبر (أيلول) الماضي، أي قبل شهرين فقط. وأشارت الصحيفة إلى أن رُبع الفيلات تقريباً قد اشتراها بريطانيون أثرياء في السنوات الأولى من انطلاق المشروع. كما أن شركة «نخيل» نفسها، التي تدير المشروع، اعلنت الأسبوع الماضي أنها تشهد تراجعاً في معدل مبيعات عقاراتها. وعلى نفس المنوال، أعلنت شركة "أملاك" للقروض العقارية أنها جمدت منح القروض لأن سوق العقارات في دبي اظهر مؤشرات للتباطؤ.

ومن جانبها نقلت صحيفة الـ «تايمز» البريطانية أخيراً عن رتشارد رودريغس، المدير السابق في شركة إعمار، قوله: اما معدل النمو في سوق العقارات سينخفض أو الأسعار نفسها ستنخفض، فلا يمكن للاثنين أن يحافظا على ارتفاعهما في ظل ظروف السوق الحالية. وبينما توقع بنك «كريدي سويس» في دبي أن يكون تراجع أسعار العقارات تدريجياً في كل من دبي وأبوظبي، قال شون غاردينار من بنك «مورغن ستانلي» الأميركي إن حركة تصحيح الأسعار ستصل إلى نسبة 10% على الأقل بحلول عام 2010، لكنها يمكن أن تكون أسوأ اذا عانى الاقتصاد الإماراتي بشكل عام من الركود. ورغم أن التاريخ يوضح علاقة واهية وغير مباشرة بين ما يحدث في الأسواق الغربية وما يحدث في الأسواق الخليجية، الا أن الأزمة المالية الأخيرة في الغرب تركت أثراً واضحاً ومباشراً على هذه الأسواق. وفي هذا الصدد قالت صحيفة التايمز إن حكومة دولة الإمارات تسعى لتفادي ما حدث في أسواق العقارات الآسيوية في عقد التسعينات عندما فقدت العقارات ما بين 50 و80 في المائة من قيمتها، وأن المتوقع حدوثه في الأسواق الخليجية هو انخفاضٌ يتراوح بين 10 و20 في المائة. لذا فقد ضخت الحكومة في الشهر الماضي 13.6 مليار دولار لمساعدة الأسواق المالية، لكن بعض الاقتصاديين يعتقد أن هذا المبلغ لن يكون كافياً. ومن جانبها واصلت بنوك الاقراض المحلية تقليل قروضها الممنوحة، فضلاً عن تشديد معايير الاقراض واختيار عدد أقل من المشاريع العقارية لتمويلها. غير ان بعض المحللين يعتقد أن اساسيات الاقتصاد الخليجي لا تزال قوية وأن عدداً من المستثمرين العقاريين ينتظرون بلهفة انتهاء الأزمة المالية في المستقبل القريب ليعودوا إلى سوق العقارات الإماراتية مرة أخرى.

وكان مصدر اماراتي قد أعلن الأسبوع الماضي بدء الاجراءات الرسمية لدمج شركتي «املاك للتمويل» و«تمويل» الرائدتين في مجال توفير التمويل العقاري في دولة الامارات في اطار «المصرف العقاري» لتتشكل بذلك اكبر مؤسسة للتمويل العقاري في البلاد. وأوضح المصدر ان الشركتين متوافقتان مع الشريعة الإسلامية وستكونان تحت مظلة الحكومة الاتحادية. وأضاف قوله إن هذا الاندماج يعتبر تطورا بارزا بالنسبة للقطاع المالي في الامارات لأنه سيوفر الكيان الجديد الذي سيعتبر نقطة ارتكاز قوية لنمو قطاع التمويل العقاري في الدولة وسيكون بمثابة حجر الزاوية لسوق التمويل العقاري الذي يمتلك امكانات نمو كبيرة. وأوضح ناصر بن حسن الشيخ مدير عام الدائرة المالية في دبي ورئيس مجلس ادارة «املاك للتمويل»، انه من خلال الخبرة المشتركة التي تملكها الشركتان، فان المصرف العقاري الجديد سيعزز القيمة الاضافية المقدمة للعملاء مع المزيد من المنتجات والعمليات المتميزة والدعم المالي. وكانت صحيفة الدايلي تلغراف قد وصفت مدينة دبي قبل عامين بأنها «مهرجانٌ من المباني الفاخرة وناطحات السحاب» التي حلت محل خيام البدو والطرق الرملية القديمة الممتدة عبر الصحراء، فقد تحولت الإمارة العتيقة ـ عبر طفرة عمرانية مكثفة ـ إلى مدينة حديثة مليئة بالعمارات الشاهقة على الطراز الأمريكي. ثم راحت دبي تتوسع في البحر لتضم جزراً اصطناعية مصممة على هيئة نخيل. لذا فقد أخذ المستثمرون يتسابقون إلى الاستثمار في هذا الفردوس العربي الجديد الذي وصفه البعض بأنه أشبه بخليط بين ولاية فلوريدا ومدينة لاس فيغاس في الولايات المتحدة. ويتطلع المستثمرون إلى تحقيق أرباح من الدخول المرتفعة للأجانب الذين تم جلبهم للعمل في مجالات مثل المصارف والمؤسسات المالية وقطاع الإلكترونات والإعلام الحديث. وكانت دبي قد سمحت للأجانب بشراء أراض بالملكية الحرة بعد أن كانت كل مشترياتهم من العقارات تتم تحت عقد ايجار طويل الأمد وليس ملكية حرة. لكن الدولة خصصت مناطق للمستثمرين الأجانب يُسمح لهم فيها بالملكية الحرة للعقار طالما كانت مبنية بواسطة واحد من الثلاثة العظام في دبي وهم «إعمار» و«النخيل» و«عقارات دبي». كما أنه من الممكن لملاك العقارات المبنية بواسطة واحد من الثلاثة الكبار أن يتقدموا لتغيير ملكيتهم إلى ملكية حرة بشرط أن يكون العقار واقعاً في المناطق التي حددها القانون. وبالطبع يعني تحويل نوعية الملكية تكلفة إضافية على الملاك مقدارها ما بين 1.5 إلى 2% من قيمة العقار. كما أنشأت دبي سجلاً للأراضي لأن غياب السجل في الماضي شكل أمراً مقلقاً لعدد من وكالات العقارات العاملة في الإمارة. ويعتبر المستثمرون الأجانب وجود هذا السجل شيئا مطمئناً، وعلى الرغم من أن غياب صفة الملكية الحرة لم تمنع المستثمرين الأجانب في الماضي من الشراء، إلا ان الملكية الحرة تغير الصورة تماماً وتشجع مزيداً من المشترين. وفي هذا الصدد يقول أليكس أوبتون، من وكالة «كلوتون» البريطانية التي تعمل في عقارات دبي، إن الملكية الحرة تجلب مزيداً من الاستقرار لسوق ناشئة مثل دبي، ومن دونها فلن تكون هناك إمكانية لأي استقرار مستدام في سوق العقارات. وتخلو عقارات دبي من ضرائب مثل ضريبة القيمة المضافة، كما لا توجد ضرائب على أرباح العقارات أو دخل الايجار أو توريث العقار، مثلما هو الحال في بريطانيا حيث يدفع الأبناء ضريبة على العقار الذي يرثونه من آبائهم.

ولا يقتصر سوق العقار في دبي على الشقق والفيلات بل يشمل الفنادق ومنتزهات الملاهي أيضا. ففي دبي تُوجد 30 ألف غرفة فندق، وأكثر من 35 مجمعاً تجارياً رئيسياً، ويزور المدينة سنوياً أكثر من 5 ملايين زائر. ويقدم مطار دبي خدمات لأكثر من 100 شركة خطوط طيران تطير على 145 خطاً. وقد تضاعف عدد المسافرين على هذه الخطوط ثلاث مرات خلال العامين الماضيين ليبلغ أكثر من 60 مليون مسافر في العام. وتوجد بالمنطقة الحرة، جوار وسط المدينة، مكاتب لنحو 2600 شركة. كما توجد في مدينة الإنترنت المكاتب الإقليمية لـ «سايمنز»، و«أوركيل» و«ديل» وبالطبع «مايكروسوفت» و«اي بي ام». كما تفخر دبي بأنها تضم أكبر جزيرة اصطناعية في العالم، وكذلك برج العرب الذي يعد أطول فندق على سطح الأرض. وقد أضفى عليه جهاز العلاقات العامة درجة السبعة نجوم، وهي درجة خاصة به لتمييزه عن بقية الفنادق الفاخرة ذات الخمسة نجوم. ومن أكثر المناطق إثارة هو مشروع «ووترفرونت» وهو عبارة عن سلسلة من قنوات وجزر اصطناعية مليئة بالفنادق والشقق الفاخرة التي تتسع لـ 400 ألف شخص. ومن المخطط أن يكون حجمها سبعة أضعاف جزيرة منهاتين في نيويورك، وأن تحتوي على مساحة 800 كيلومتر من المنتجعات الساحلية. وهناك أيضاً مشاريع أخرى قيد التنفيذ مثل «دبي لاند» الذي يضم 6 حدائق متخصصة بما في ذلك حدائق رياضية وترفيهية. غير أن المثير للقلق، حتى بعد أن تنقشع الأزمة المالية الراهنة، هو العدد الضخم للشقق الذي تتضمنه تلك المشاريع والتي سيكتمل بناؤها بحلول عام 2011. وتحاول وكالات العقارات ضبط أعصابها على الأقل في الوقت الراهن. ولعل أفضل تلخيص للوضع جاء على لسان أليكس أوبتون من وكالة «كلوتون» إذ قال: فقط بعد أن يكتمل معظم المباني فإننا سوف نعلم ما إذا كان العرض يفوق الطلب.