دول أميركا اللاتينية تقدم فرصا نادرة لزيادة القيمة رغم المخاطر

في وقت تتراجع فيه أسعار العقار في أنحاء العالم الأخرى

مشاريع جديدة في منطقة مدينة بوليفار بالقرب من عاصمة فنزويلا كراكاس («الشرق الأوسط»)
TT

لكل دولة لاتينية ظروفها العقارية الخاصة. بعض الدول مثل فنزويلا تعاني من العنف وحالات الخطف ومع ذلك تضاعفت فيها أسعار العقار في الأعوام الأربعة الأخيرة، بسبب ارتفاع تكلفة البناء مع تمويل حكومي رخيص للمشاريع الجديدة وارتفاع في الطلب المحلي. البعض الاخر مثل اوروغواي يسوق نفسه على انه الموقع المثالي للتقاعد للأجانب، خصوصا من اميركا الشمالية. وهناك أيضا دول مثل الأرجنتين التي تبني أحياء سكنية فاخرة مخصصة للأثرياء، وهي أحياء تتزايد في القيمة مع مرور الوقت. ويجمع بين كل الدول اللاتينية أنها بعيدة نسبيا عن الاضطراب المالي الذي يعم دول الغرب، كما أنها تعد مواقع استثمار جديدة لمن يرغب في تنويع محفظته الاستثمارية. وفي كل الأحوال تقدم هذه الدول الفرص النادرة لزيادة القيمة، في وقت تتراجع فيه قيمة العقار في أنحاء العالم الأخرى.

وبمراجعة نماذج الوضع العقاري في بعض الدول اللاتينية يمكن رسم صورة عامة لمواقع مثالية للاستثمار، شرط دراسة تفاصيل السوق وانتقاء المواقع الجيدة داخل كل دولة على حدة. ويمكن اعتبار الدول اللاتينية بمثابة استثمارات مرحلية يمكنها ان تزيد القيمة حتى استقرار الأوضاع في أسواق العقار الرئيسية في العالم بعد عدة سنوات وعندها يمكن جني الأرباح والانتقال إلى مواقع أكثر استقرارا في الولايات المتحدة او دول صناعية أخرى. ولا بد قبل اختيار الموقع من موازنة المخاطر بالأرباح، ودراسة تفاصيل السوق من كافة جوانبه، بما في ذلك الوضع السياسي والاقتصادي وتطور الأسعار خلال السنوات الماضية، وتوقعات الربح في المستقبل.

في فنزويلا مثلا يمكن اقتناص العديد من الفرص في بلد لا يقبل عليه الأجانب كثيرا، بسبب عدم استقرار الوضع السياسي فيه، وحكومته التي تميل إلى الاشتراكية وتعادي السياسة الاميركية. ولا يوجد استثمار أجنبي مكثف من دول الغرب في فنزويلا لهذه الأسباب، الأمر الذي يتيح أسواقا جذابة لمن يتحلى بالشجاعة الكافية. وفي العاصمة كراكاس ينتشر العنف بمعدل 16 جريمة قتل يوميا، كما تعاني المدينة من حالات الخطف من اجل الفدية. ولكن الأجانب لا يكونون في العادة طرفا في هذه الجرائم، كما لا تترصدهم حالات الخطف كما في مدن لاتينية أخرى. ولهؤلاء الذين لا يخشون هذه المخاطر، فان العوائد تكون مجزية.

وتؤكد إحصاءات العقار في كراكاس ان الأسعار فيها تضاعفت في آخر اربع سنوات. وهي سوق جيدة للاستثمار العقاري بغرض التأجير، حيث لا تتاح فيها الكثير من العقارات للإيجار لأسباب متعددة، مثل الروتين وانعدام الشفافية القانونية التي تخيف معظم الأجانب. ويؤكد مدير التسويق العقاري سيزار اغوزي ان عوائد الايجارات تصل الى حوالي 10 في المائة سنويا من قيمة العقار، وهي نسب لا تتحقق في الكثير من المواقع الاخرى، خصوصا في القطاع الفاخر.

وهو يشير الى المزايا المتعددة التي تقدمها كراكاس للأجانب، والتي تجعل العقار مجالا مجزيا للاستثمار. ومن أهم المشاريع في المدينة مشروع سولانو، الذي يعد من معالم المدينة ويجذب المستثمرين الأجانب فيها. وكانت الوحدات السكنية في المشروع تباع بحوالي 260 الف دولار في منتصف عام 2007، ولكنها تصل في قيمتها الان الى حوالي 380 الف دولار. وتتدرج الاسعار ارتفاعا في منطقة وسط المدينة التي تضم البنوك والسفارات، من 850 الف دولار لشقق فاخرة الى نحو 1.9 مليون دولار لفلل من اربع غرف واربعة حمامات ومناطق خاصة لصف السيارات.

وتحوي المدينة العديد من اساليب المعمار تخلط بين اساليب تحاكي طراز ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى المشاريع الحديثة وناطحات السحاب، خصوصا في جادة سيمون بوليفار المسماة بلازا بوليفار، ومنطقة كاسا اماريللو والمنطقة المحيطة بجامعة كراكاس، التي اعتبرتها الأمم المتحدة من منشآت التراث الإنساني.

وتتمتع فنزويلا بمناخ معتدل مشمس يميل إلى الحرارة طوال اشهر العام، رغم موقعها شبه الاستوائي، وذلك بسبب ارتفاع معظم أرجائها عن مستوى سطح البحر. ويعترف العديد من الدبلوماسيين المقيمين في المدينة بأنهم محظوظون للإقامة في مدينة ذات طبيعة خلابة مليئة بالطيور الاستوائية، وبها الكثير من تسهيلات الإقامة مثل مدارس مرحلة الحضانة بالعديد من اللغات.

وتقول الصحافية الفنزويلية فالانتينا كوينتيرو، ان افضل مناطق العاصمة كراكاس للطبقة المتوسطة هي منطقة لوس بالوس غراندي، التي تتمتع بمناخ القرى من حيث الاختلاط السهل. ولكن هذا المناخ السهل لا ينتشر في معظم أرجاء المدينة التي تعاني احياء منها من اهمال البنية التحتية، بينما تتعرض مناطق اخرى لسباق مضاربة محموم تموله ارباح النفط، خصوصا في العام الاخير الذي ارتفعت فيه الاسعار الى 150 دولارا للبرميل.

من ناحية اخرى تسوق اوروغواي نفسها على انها الموقع المثالي للتقاعد، يساعدها في ذلك مناخها المعتدل وازدياد نشاط السياحة فيها، خصوصا انها تقدم مرافئ جيدة لسفن الركاب، التي يستوعب ميناء العاصمة مونتفيديو اكبرها حجما. من المزايا الاخرى التي يذكرها مقيمون اجانب تراجع الفساد بنسبة كبيرة بالمقارنة مع الدول اللاتينية الاخرى والالتزام بالتعاقدات والوعود. وهي تقترب في تعاملاتها الاقتصادية من مستوى الدول الصناعية بحيث لا يعترض من ينتقل للمعيشة فيها الى صدمة ثقافية. ويعتقد خبير الاستثمار لي هاريسون ان معظم القادمين الى اوروغواي اتخذوا قرارهم بعد التعرف على مزايا البلد بتوصية من المقيمين فيه. وهو يعتقد ان تكاليف المعيشة فيه منخفضة، حيث يمكن لزوجين الحياة على دخل لا يزيد عن 1500 دولار شهريا، اذا كانا يملكان العقار الذي يقيمان فيه. وهو يضيف ان تكاليف الخدمات معقول جدا، كما لا تعاني العاصمة من الازدحام السكاني او المروري، وتقدم فصول السنة فيها مستويات مختلفة من جمال الطبيعة.

وعلى الرغم من ان مستوى التعليم يصل الى نحو 97 في المائة من السكان، الا ان بعض انحاء اوروغواي مازالت تعاني من الفقر، خصوصا في المناطق الريفية الداخلية. ولا يختلط الاجانب بالاحياء الفقيرة وان كان البعض منهم يتطوع لتقديم خدمات مجانية، مثل تعليم اللغات او الحرف اليدوية.

من اهم المشاريع الجديدة في اوروغواي مشروع ينفذه المعماري ديفيد جيمس على مقربة ساعة شرق العاصمة مونتفيديو. ويتكون المشروع من 114 شقة سكنية وبعض المنافذ التجارية. وهو من اول المشروعات التي تسوق خصيصا الى الاميركيين والاوروبيين بأسعار تبدأ من 200 الف دولار. ويقول مشترون في المشروع، ان اوروغواي تمنح الشعور بأنها دولة تتطلع الى المستقبل. وهي تمنح المقيمين خدمات جيدة مع المحافظة على بعض ملامح تراثها الاسباني. ومن مزايا المشروع الجديد انه خاص بالمقيمين فقط ليس لدواع امنية، وانما لان هذه هي مطالب المشترين. وتشتهر اوروغواي بانها من اكثر دول اميركا اللاتينية امانا. وتمنح اورواغوي المتقاعدين فيها فرصة لنقل امتعتهم الشخصية مع اعفاء كامل من الضرائب.

ولا توجد احصاءات عن عدد المتقاعدين الاجانب المقيمين في اوروغواي، ولكن توجد احياء مثل بونت ديل ايستى بأغلبية من الاجانب تصل الى 70 في المائة، مع نسبة كبيرة منهم من الارجنتين. كما توجد نشاطات مضاربة مكثفة، خصوصا من المستثمرين الاسبان الذين يشترون في مشروعات جديدة.

وتستثمر اوروغواي في مبنى ركاب جديد في العاصمة ينتهي العمل فيه في العام المقبل، كما تقدم تسهيلات للاستثمار السياحي في الحي القديم من المدينة. وتقدم اوروغواي للزائرين تأشيرة سياحية تستمر لفترة ثلاثة اشهر يمكن تجديدها بعد زيارة قصيرة الى الارجنتين القريبة. ويلجأ معظم المقيمين لهذا الاسلوب لقضاء ستة اشهر من كل عام في عقاراتهم، ثم الانتقال الى دولهم الاصلية خلال النصف الثاني من العام، هربا من الشتاء في نصف الكرة الشمالي الى دفء اوروغواي.

ومن اوروغواي الى الارجنتين حيث يزيد الاقبال على الشراء في حي باليرمو الراقي في بوينس ايريس الذي تحيط به البوتيكات والمطاعم الراقية. وكان من معالم هذا الاقبال ارتفاع الاسعار قياسيا في المنطقة خلال العام الاخير، وانتقال الطلب في القطاع المتوسط الى الاحياء المجاورة مثل حي فيلا كرسيبو.

ولكن المستثمرين في الارجنتين مازالوا يتذكرون الازمة المالية التي عصفت بالاقتصاد الارجنتيني في عام 2001، وكان من تبعاتها تخفيض قيمة العملة وضياع نصف المدخرات. وهو خطر لم يعد قائما ولكنه يقبع في عقول من يقبل على الشراء في الارجنتين حتى الوقت الحاضر. وكان من اثار هذه الازمة ان بعض مالكي العقار انتقلوا الى الايجار بدلا من الشراء، وبعضهم الاخر عرض عقاره للبيع او الايجار مع الانتقال الى مناطق ارخص.

ولكن حتى في الاحياء الرخيصة تضاعفت الاسعار منذ عام 2004، كما ان معظم البوتيكات التي تبيع بضائع فرنسية مثل كاشاريل ولاكوست ذهبت ايضا الى الاحياء المتوسطة في العاصمة الارجنتينية سعيا وراء المزيد من الارباح من المقيمين الاجانب. ويقول فيليب اوباستو الذي يدير شركة تسويق عقار محلية، ان معظم العقارات على اطراف باليرمو تصل في اسعارها الى حوالي نصف مليون دولار وتعرض للبيع او للايجار. ويصل الايجار الشهري لهذه العقارات الى حوالي اربعة الاف دولار في الشهر.

وتلجأ شركات العقار الى اطلاق اسماء مثيرة على الاحياء المتاخمة لحي باليرمو للاستفادة من شهرة الحي، فهناك مثلا حي باليرمو الجديد واخر اسمه باليرمو هوليوود وثالث اسمه باليرمو سوهو، وهكذا. ويقول الاقتصادي ميغيل بن، المتخصص في عقارات المدينة ان منطقة فيلا كرسيبو تعد من المناطق القليلة التي لم تنطلق الاسعار فيها مثل الاحياء المجاورة، ولكنها في طريقها الى تحقيق ذلك في غضون سنوات قليلة.

ويقول المقيمون في المنطقة انها مثالية للاستثمار الجديد من حيث الاسعار ومن حيث شخصيتها المحلية غير المزدحمة بالسياح. وهي ايضا منطقة قريبة من مركز باليرمو، ولكن من دون الاقامة وسط البوتيكات والاضواء الصاخبة. وتشتهر منطقة فيلا كريسبو تاريخيا بصناعة الجلود، ومازالت معظم المنافذ التجارية فيها تتخصص في الصناعات الجلدية والاحذية. وهي تشتهر ايضا بموسيقى التانغو المعهودة التي تعد الموسيقى القومية للارجنتين. ويقيم في المنطقة احد اشهر عازفي البيانو وملحني التانغو، وهو اوزفالدو بوغليس الذي ولد في المنطقة ابنا لعامل في احد مصانع الجلود.

ويصل سعر المتر المربع العقاري في فيلا كريسبو الى حوالي 1400 دولار، وهو اقل من ثلث اسعار المتر في الاحياء الراقية، ولكنه يزيد عن قيمته في العام الماضي الذي كانت فيه الاسعار لا تزيد عن 1300 دولار للمتر. ويزيد النشاط العقاري في المنطقة بمشاريع جديدة مصممة للمشترين الجدد من الارجنتين. وتقدم المشاريع عقارات جديدة بسعة غرفة نوم واحدة او غرفتين، وهي تلقى اقبالا كبيرا من العائلات الارجنتينية الصغيرة عددا. ويبلغ متوسط الاسعار لهذه العقارات الصغيرة حوالي 60 الف دولار للشقق الجديدة ونحو 50 الفا لتلك التي يعاد بيعها في السوق. وتعرض احدى شركات العقار شققا في مشروع جديد يستكمل في نهاية العام بأسعار تتراوح بين 47 و52 الف دولار.

ولا تغير المشاريع الجديدة من شخصية المنطقة، حيث تتم المحافظة على واجهات المصانع القديمة والبيوت العتيقة، بحيث تزدهر المدينة من دون ان تتغير شخصيتها. وتلجأ معظم المشاريع الى التجديد الداخلي مع المحافظة على المظهر الخارجي لتعزيز تراث المدينة وقيمتها الثقافية.

من ناحية اخرى يشجع التضخم المتزايد على وضع المدخرات في العقار بدلا من الاحتفاظ به في البنوك، حيث لا تغطي فوائد البنوك نسب التضخم المتوقعة. وتتوقع مصادر العقار الارجنتينية زيادة في اسعار العقار هذا العام بنسبة 30 في المائة، ويختار معظم المشترين العقارات الصغيرة ويحتفظون بها كاستثمار مضاد للتضخم.