أميركا: «استأجر الآن واشترِ لاحقا».. الاتجاه الجديد في سوق العقارات

لجأت إليه شركات الاستثمار العقاري لتجنب بقاء وحداتها خالية

قطاع العقارات الاميركي على كف عفريت بفعل أزمة الائتمان
TT

عندما بدأت المبيعات منذ عامين في برج نورث سايد بيرز في ويليامز بيرغ، بروكلين، سارع المشترون بشراء أكثر من 20 في المائة من 180 وحدة فاخرة في أول شهرين. وربما جذبهم منظر نهر إيست ريفر ووسائل الراحة مثل موقف السيارات وخاصة أماكن الإقامة الموجودة فوق السطح.

ولكن بعد ذلك جاءت أزمة الائتمان والانهيار في وول ستريت. وبدأت نسبة المبيعات في المبنى الزجاجي المكون من 29 وحدة في التباطؤ، واليوم ما زال حوالي ثلث الوحدات غير مباع.

وفي مواجهة احتمالية بقاء وحدات خالية وتوقف عن الضخ النقدي، في الوقت الذي كانت فيه المبيعات أيضا تبدأ في برج مشابه أكبر مساحة، وهو تو نورث سايد بيرز، قررت شركة المقاولات تول براذرز أن تبنى اتجاها مختلفا وبرنامجا موسعا يستخدم في جميع أنحاء البلاد ويسمح للملاك بالتأجير مع وجود خيار للشراء، باستخدام جزء من قيمة الإيجار لشراء الوحدة.

وقد أصبحت خيارات الإيجار المفضي للتملك، والتي تتخذ صورا متنوعة، منتشرة بكثرة بين المقاولين في مناطق تزداد فيها نسبة رهن المنازل، كما هو الحال في ولايات نيفادا وكاليفورنيا وفلوريدا. وفي معظم الحالات، يستخدم الإيجار المتراكم من أجل تخفيض سعر الشراء أو لتقليل تكاليف إبرام صفقة البيع. (وتمنع إرشادات فاني ماي وفريدي ماك عامة من استخدام أموال الإيجار كدفعة مقدمة، كما يقول خبراء الرهن العقاري، لأن المشترين يحتاجون إلى إثبات أنه في استطاعتهم الادخار بمفردهم، ومن ثم يكونون مؤهلين للحصول على قرض).

ويستطيع المشترون المحتملون في برج نورث سايد بيرز تجربة السكن في وحدات محددة بها غرفة نوم إلى ثلاث غرف. وإذا أعجبتهم، يمكنهم شراؤها بعد ذلك. كما أنه يمكنهم تركها بمجرد انتهاء فترة الإيجار.

ويقول ديفيد فون سبريكلسين، نائب رئيس فرع تول براذرز سيتي ليفينغ: «إن هذا النظام في إطار للتجربة، ولكن جميع المؤشرات حتى الآن جيدة.» وأضاف ان عائلتين اشتركتا في برنامج الإيجار المفضي للتملك منذ بدء العمل به في الخريف الحالي.

وفي الأعوام الماضية، ومع انخفاض المبيعات في المدينة وجميع أنحاء المنطقة، عرضت شركات مقاولات أخرى (كثير منها في بروكلين التي تنتشر فيها الإنشاءات الحديثة) صفقات مشابهة، كما فعل عدد قليل من البائعين منفردين. ويبحث البعض عن المساعدة عبر مواقع الإنترنت المخصصة لمثل تلك القوائم، مثل iRentToOwn.com، الذي وصل معدل مرات مشاهدته إلى 4.4 مليون صفحة منذ إطلاقه منذ عام، كما قال مؤسسه جون كوبس.

وفي الوقت نفسه، جدد سماسرة العقارات من أساليبهم في تسويق العقارات الصعبة لتسمح بالإيجار مع وجود خيار الشراء (وهو ما يعرف بشراء الإيجار أو خيار الإيجار.) ويمكن أن تجد النشرات الإعلانية والترويجية التي تدعو الأشخاص لخوض «تجربة» السكن في منازل وأحياء مختلفة على مبان في مانهاتن، منها سوتون مانور في شارع 53 الشرقي، و99 جون ستريت، وريفيري في شارع 54 شرق، ومورغان كورت في شارع ماديسون. وفي بروكلين، يوجد ذلك الخيار في بريدج فيو تاور، وديكورا بالإضافة إلى نورث سايد بيرز. وتوجد أسعار كل من البيع والإيجار غالبا في القوائم.

ويمثل مفهوم «الإيجار المفضي للتملك»، كما يوضح جوناثان ميللر، مؤسس ورئيس شركة ميللر صامويل لتثمين العقارات، «حدوث تغيير في طريقة التفكير» أثناء الأوقات الاقتصادية العصيبة. وقال: «كلما استمرت الأزمة، زاد قبول ذلك الخيار، وهو يتطور الآن.» وكانت آخر فترة شهدت زيادة في اللجوء إلى خيار التملك عبر الإيجار في منطقة نيويورك في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، وهي الفترة التي ربما كانت أحوال السوق أشد إلحاحا مما هي عليه الآن، وفقا لآراء متخصصين قدامى في العقارات، وبالتأكيد في تلك الفترة زادت أسعار الفائدة إلى درجة كبيرة.

ويقول ميللر: «في تلك الفترة كان هناك تراجع اقتصادي حاد للغاية. وكان في السوق فائض لمدة سبعة أعوام يجب امتصاصه. في الفترة الحالية، لدينا فائض 7.9 شهر. ومن الواضح أننا ندخل في مرحلة من الضعف الاقتصادي، ولكن لدينا قوة نسبية».

وأشارت كلارا مادلين، مالكة شركة كلارا مادلين للعقارات في مانهاتن، إلى ملاحظات مماثلة، وذكرت أنها عقدت عددا قليلا من صفقات الشراء عبر الإيجار في تلك السنوات الخطيرة.

وتجيب مادلين عن سؤال حول عدد المستأجرين الذين اشتروا وحداتهم السكنية في النهاية في ذلك الوقت، قائلة: «ربما تكون نسبتهم 5 في المائة، وهي ليست كبيرة». وأشارت إلى أنه من الصعب معرفة الأرقام تحديدا. وكانت نسب التحويل منخفضة، وتعلل ذلك: «بأن الأشخاص المستأجرين من أجل الشراء لم يتمكنوا من الشراء فعليا».

ولكنها استطردت: «أعتقد أنه في الفترة الحالية ربما يكون الوضع مختلفا».

ويمكن أن يكون خيار الإيجار من أجل التمليك جذابا لطرفي الصفقات العقارية، فهو يضخ الأموال في العقارات التي لولاه لظلت راكدة. ويمكن للمشترين الذين لا يملكون الدفعات المقدمة (ربما بسبب خسائرهم في البورصة)، أو لديهم سجل ائتماني ضعيف، أو حتى خارجين من حالة حبس رهن عقاري أخيرا، أن يدخروا ويستعيدوا استحقاقهم للقروض من أجل الحصول على رهن عقاري.

وبالنسبة لسيمون هول، المتخصص في مجال التكنولوجيا ويبلغ من العمر 44 عاما وهو قادم من بريطانيا، تعتبر تلك الطريقة وسيلة لأن يكون له سجل ائتماني في هذه البلاد ويمهد الطريق أمامه لامتلاك منزل في النهاية له ولصديقته الأميركية فيشما فيكتور (28 عاما).

ويقول هول: «على الرغم من أن لدي سجلا ائتمانيا ممتازا في المملكة المتحدة، إلا أن ذلك لا يشكل فرقا في الولايات المتحدة،» مضيفا: «في النهاية سيكون لي سجل إيجاري وتاريخ بسداد إيصالات المرافق (الماء والغاز والكهرباء)».

وخلال الصيف، قبل مولد ابنتهما إنديانا، وقع الاثنان على عقد إيجار لمدة عام واحد لوحدة مساحتها 1.200 قدم مربعة بها غرفتا نوم في بريدج فيو تاور بالقرب من دامبو في بروكلين. ويقول هول أنه إذا وافقا على الشراء قبل انتهاء مدة الإيجار، ستوجه قيمة الإيجار الشهرية التي يدفعونها، 4.000 دولار، مع خصم تكاليف الصيانة، لشراء الوحدة، والتي يبلغ سعرها حاليا حوالي 980,000 دولار.

ولم يكن مايكل مانكوسو (29 عاما)، الذي يعمل مندوب مبيعات، ودانيال غيندلر (26 عاما) التي تعمل مديرة تسويق، قلقين بشأن استحقاقهما للحصول على قروض، ولكنهما كانا يريدان مزيدا من الوقت للادخار من أجل سداد الدفعة المقدمة. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، وقعا على اتفاقية تأجير من أجل الشراء لمدة عامين في وحدة مكونة من غرفة نوم واحدة في بريدج فيو تاور.

ويقول مانكوسو: «إذا استعدنا قيمة الإيجار الذي كنا ندفعه، فسنعيش في بروكلين طوال العامين القادمين بلا مقابل.» ووفقا لحساباته، تذهب 83 في المائة من قيمة الإيجار الشهري الذي يبلغ 3,000 دولار من أجل الشراء، وذلك يعني أن الوحدة التي تبلغ قيمتها 550,000 دولار، ستكلفهما حوالي 490,000 دولار.

ويقول سكوت دومانسكي، رئيس بي آر دي للعقارات: «إنها توفر وقت الجميع.» وبي آر دي هي شركة المقاولات المسؤولة عن مبنى هيرتادج، الواقع في بارك سلوب في بروكلين، والمكون من 21 وحدة. وقد بدأت في الأسبوع الماضي في تقديم عرض خيارات التأجير من أجل الشراء على ست وحدات غير مباعة. (وصرح أنه حتى الآن لا يوجد مشترون، على الرغم من انه يجري مفاوضات مع أطراف مهتمة بالعرض).

ويقول دومانسكي: «قبل عام لم أكن أعتقد أن ذلك كان سيكون من خيارات التعاقد. كانت السوق قوية، وكانت مبيعات الوحدات تتزايد بمعدل سريع، لدرجة أنني ظننت أن الوحدات لدي ستنفد. ولكني سعيد لوجود مستأجرين ودخل شهري بدلا من البيع».

ويأمل جاسون موردوك، البالغ من العمر 33 عاما ويعمل استشاريا في مجال التكنولوجيا، في أن يحقق ذلك، حيث قام موردوك أثناء ارتفاع سوق العقارات بشراء عدة عقارات للاستثمار، من بينها اثنان في حي جامايكا في قسم كوينز. ويحتاج الآن إلى بيعهما. وقد فقد أحد المنازل التي اشتراها بالفعل في أتلانتا بسبب حبس الرهن.

وأشار موردوك: «وجدت اهتماما من أشخاص يريدون الشراء، ولكن لا يمكنهم الحصول على رهن عقاري.» وقد انتقل موردوك حديثا إلى تشارلوت في كارولينا الشمالية من فريبورت في لونغ آيلاند، وما زال يريد بيع منزله هناك أيضا. ويقول إن السماح للمشترين المستقبليين بالتأجير أولا واستخدام مبلغ يتم تحديده من قيمة الإيجار من أجل الشراء «يمنح المشترين وقتا للادخار.» وأيضا يوضح له مدى تأهلهم للشراء في النهاية.

ويقوم السماسرة بتوقيع عقود تأجير من أجل الشراء في مباني تتبع مؤسسات الإسكان التعاوني، على الرغم من أن ذلك يعد الملاذ الأخير، كما يقولون. (فمعظم مباني الإسكان التعاوني تقيد عمليات التأجير).

وتقول كارين كيلين السمسارة في مجموعة كوركوران، إنها انتهت من صفقة تأجير شقة ذات ثلاث غرف في حي الجانب الغربي. وكان المكان معروضا للبيع لمدة ستة أشهر وكان على ملاكه العودة إلى أتلانتا. وفي الوقت نفسه، صرحت جيل سولان، سمسارة في هالستيد بروبيرتي، بأن قائمة المنازل المعروضة للبيع تحتوي على وحدتين في الإسكان التعاوني للإيجار مع خيار الشراء، وقد كانتا معروضتين للبيع وما زالتا خاليتين حتى الآن.

ويقول السماسرة أنهم يعتقدون أن هناك المزيد من المؤهلين للشراء أكثر من المشترين بالفعل. وربما يكونون مهمشين لأنهم ينتظرون أن تصل أسعار العقارات إلى أدنى درجاتها أو أن تتحرر أسواق الائتمان.

وتقول ريبا ميللر، رئيسة شركة آر بي ميللر ومشاركوه ووكيلة مبيعات مورغان كورت في موراي هيل، التي تعرض مجموعة من الوحدات للإيجار مع خيار البيع: «يريد الأشخاص الشراء بالفعل، وهم ينظرون إلى عقارات نيويورك كسلعة تحتفظ بقيمتها طوال الوقت».

ويقول مايك تونغ، المقاول في برج بريدج فيو في بروكلين، إن ضخ أموال فيدرالية إلى النظام المصرفي يجب أن ينتهي بمساعدة الأعمال التجارية. وفي الشهر الماضي، أعلن مصرف الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة تقديم 800 مليار دولار في برامج إقراض جديدة.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن تونغ يفعل كل ما في وسعه للتشجيع على زيادة المبيعات، بل واستعان بديبرا بوك المتخصصة في الرهن العقاري من ستانلي كابيتال، لتقديم النصيحة للمشترين المستقبليين ليمكنهم التأهل للحصول على قرض. ويقول تونغ: «ولكني أقول إن 100 في المائة منهم سيتمكنون من الشراء في غضون من ثلاثة إلى ستة أشهر».

ويجب على المستأجرين في نورث سايد بيرز في ويليامز بيرغ، كما في المباني الأخرى، أن تقيّم شركة رهن عقاري مدى تأهلهم مسبقا من أجل شراء الوحدة. وتتراوح الأسعار ما بين 700.000 دولار في الوحدة ذات غرفة نوم واحدة إلى 1.1 مليون دولار في الوحدة ذات ثلاث غرف. ووفقا لفون سبريكلسين، نائب رئيس تول براذرز، يمنح المستأجرون ستة أشهر من أجل الالتزام بالشراء إذا كانوا سيستخدمون قيمة إيجارهم من أجل الشراء. وقال: «بعد الأشهر الستة، يفقدون شهرا أمام كل شهر تأخير».

وتفكر جيل فيغاس (37 عاما)، مصممة ديكور ومسرح، وزوجها مايكل زيمبرغ (35 عاما)، وهو مدير في مصرف بي إن بي باريبا، في ذلك العرض منذ أن أتيح خيار الإيجار في نورث سايد بيرز في أكتوبر (تشرين الأول). وكان الزوجان متحمسين للعودة إلى سوق نيويورك، بعد أن كانا يستأجران منذ بيعهما لشقتهما الواقعة في الجانب الغربي في الذروة منذ أربعة أعوام. ولكن في الوقت الذي لا يشعران فيه بالقلق بشأن تأهلهما للحصول على رهن عقاري، إلا أنهما يحترسان من السوق ويتساءلان عن الفترة التي ربما تمر قبل أن تحل كل المشاكل المتعلقة به.

وتقول فيغاس: «أعتقد أن ذلك المبنى ربما يحتفظ بقيمته. وعندما أنظر من نافذة شقتي التي يوجد بها غرفتان أرى المناظر الرائعة الجميلة من الطابق رقم 23. ولكن عندما انظر إلى أسفل، يمكنني أن أحسب عدد المنشآت التي ترتفع فوق كل قطعة أرض وأرى آلاف الوحدات الجديدة، وذلك يقلقني».

* خدمة «نيويورك تايمز»