السوق العقاري في لبنان يتخلى عن الانتفاخات وينجو من شرك المضاربين

الشقق الفاخرة.. ضحية الأزمة المالية بسبب تردد المستثمرين الخليجيين واللبنانيين العاملين في الخارج

TT

من الصعب القول ان القطاع العقاري في لبنان لم يتأثر بالازمة المالية العالمية التي ترددت اصداؤها في كل انحاء العالم، وبالتالي في كل المرافق والقطاعات. ومن خلال مقارنة النصف الثاني من العام الحالي بالنصف الاول منه، يمكن ان نستجلي مجموعة من الظواهر التي تراوح بين حذر المستثمرين وتردد المشترين، وتباطؤ الصفقات، وإطالة مهل البيع، وتراجع الطلب، وتأجيل بعض المشاريع السكنية، وما يواجهه المطورون العقاريون من صعوبات في «تسييل» ممتلكاتهم من الشقق.

والواضح ان الشقق الفخمة او البالغة الفخامة ربما كانت الضحية الأولى للوضع المستجد، اذ كل شقة يبلغ سعرها مليون دولار وما فوق في احياء بيروت الراقية في الاشرفية او رأس بيروت او الرملة البيضاء، وتعزى هذه الظاهرة الجديدة الى تردد المستثمرين الخليجيين، وحتى كبار اللبنانيين العاملين في الخارج الذين تعرضوا لـ«مرض البورصة» اقليميا ودوليا.

وعلم الرغم من كل هذه الظواهر المفاجئة، لا يمكن القول ان القطاع العقاري في لبنان يعيش ازمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، بل يمكن القول انه يمر في حالة انتقالية وانتظار، خصوصا ان السوق العقاري في لبنان لم يتعرض لما تعرضت له اسواق اخرى في المنطقة والعالم، بسبب غياب لعبة المضاربات وعشوائية التسليفات.

الا ان الترقب والانتظار يدفعان السوق حاليا نحو اسعار منطقية ومعقولة، وخالية من الانتفاخات، بسبب تراجع اسعار مواد البناء الاولية واسعار العملات الخارجية، وعدم حصول «هجمات شرائية» للشقق كما حصل في منتصف العام الحالي، خوفا من ارتفاعات اضافية في سعر المتر المربع الذي زاد في شهور قليلة بمعدل يناهز 40 في المائة في بعض المناطق. وفيما كان نقيب مهندسي بيروت بلال العلايلي لا يتوقع انخفاضا في اسعار البناء قبل نحو ثلاثة او اربعة اشهر، بدأت بعض علامات الانخفاض تظهر في السوق العقاري اللبناني، كما فعلت احدى الشركات العقارية اخيراً التي اعلنت عن خفض اسعار البيع في مشروعها السكني الجديد بنسبة 21 في المائة، الامر الذي اثار اهتمام الاوساط المعنية ودفع العديد من اصحاب المشاريع المماثلة الى اعادة النظر في اسعار الشقق فيها، بهدف التخلص من الجامد منها للتفرغ لمشاريع جديدة بمواد اولية متدنية السعر بنسبة 30 في المائة على الاقل عما كان عليه في منتصف العام. واعتبر خبير عقاري هذه المبادرة بمثابة «نضوج السوق» و«عقلنة الاسعار»، ولا بد من ان تشجع آخرين على سلوك الطريق نفسه، وان كان البعض يصر على التمسك بأسعاره، اعتقادا منه بأن الارتفاع في اسعار الاراضي يمكن ان يعوض التراجع في كلفة البناء، واذا كانت هذه القناعة مبررة في مناطق محددة، فانها غير مبررة في العديد من المناطق الاخرى.

ويؤكد الخبير العقاري نفسه ان العقارات غير المبنية لن تنجو من الانعكاسات السلبية بشكل عام اذ كيف يقبل المطورون العقاريون باسعار الاراضي العالية طالما انهم يجدون صعوبة في «تسييل» ستوكاتهم من الشقق. ومن هنا يعتقد الخبير ان المنطق يفرض ان يكون هناك تناغم بين سعر متر الارض وسعر متر البناء.

واذا كان الحذر والتردد هما السائدان في السوق في الوقت الحاضر، فان ذلك لا يعني غياب الطلب على العقارات، بل هناك طلب معقول باسعار معقولة، ولاسيما من العاملين في الخارج الذين يؤثر العدد الاكبر منهم حفظ مدخراته في الاراضي التي يعتبرها الملجأ الاكثر أماناً من المصارف والذهب، وبالتأكيد البورصة. ويتوقع الاختصاصيون في المجال العقاري ان يتجه السوق في لبنان في المرحلة المقبلة نحو اصحاب الميزانيات الصغيرة والمتوسطة الذين يسعون الى تملكهم في ضواحي العاصمة شققا يتراوح سعر المتر المربع فيها بين 800 و1200 دولار.

ويرى رئيس مكتب الهندسة ومقاولات البناء شحادة صقر: «ان تراجع الاسعار غير وارد، بل يمكن القول انها استقرت، وان الارتفاعات السابقة كانت تصحيحا للاسعار». ويعتبر «ان تراجع سعر مادة الحديد من 1500 دولار للطن الى نحو 650 دولارا لن يكون وحده دافعا الى تراجع الاسعار، لان بقية مواد البناء الاولية لم تتراجع الا بنسب ضعيفة، ان لجهة الاسمنت او اليد العاملة، او الالومنيوم، او البلاط او الخشب. وفي اعتقادي انه اذا كانت المرحلة الراهنة تتسم بالهدوء فان المرحلة المقبلة ستشهد طفرة جديدة في الاسعار، لان اصحاب المدخرات سيلجأون الى العقار كملجأ لهم في ظل انهيار البورصات وارتباك المصارف، والخوف من تقلبات الذهب الذي كان يوصف بأنه الملجأ الآمن للاموال».