تقارير تتوقع تراجع أسعار العقارات التجارية في بريطانيا بنسبة 25% خلال عامين

المستثمرون العرب ينشطون سوق العقار الفاخر في جنوب فرنسا

ازمة الائتمان لم تمنع ارتفاع عدد الايرلنديين الذين يستثمرون في العقارات الفاخرة خارج البلاد، خصوصا في الريفييرا الفرنسية
TT

اسعار العقارات التجارية في بريطانيا ستتراجع بما لا يقل عن 25 في المائة عما كانت عليه في اغسطس (آب) الماضي حسب ما جاء في التقرير الاخير الذي وضعته هيئة المساحين الملكية البريطانية (RICS)، التي تعتقد ان التراجع الحاد في عائدات الإيجار حاليا يعتبر احد الاسباب الرئيسية في تراجع سوق العقار التجاري وركوده. وتتوقع ان تتراجع اسعار العقارات التجارية العام المقبل بنسة 16 في المائة وعام 2010 بنسبة 10 في المائة على الاقل. ويبدو ان الاسعار تراجعت منذ يونيو (حزيران) الماضي حتى الآن بنسبة 25 في المائة ولا تزال تواصل تراجعها، او بكلام آخر منذ بدء ازمة الإئتمان الدولية في الولايات المتحدة.

وعلى هذا الاساس سيكون التراجع على اسعار العقارات الاسوأ منذ السبعينات من القرن الماضي في بريطانيا. ويتوقع التقرير الهام الذي يصدر فصليا عن الهيئة الملكية، ان يرتفع عدد حالات الافلاس والعجز عن دفع المستحقات الشهرية للمصارف والبنوك من قبل الكثير من اصحاب العقارات التجارية في الفترة المقبلة مع صعوبة الحصول على القروض الجديدة، مما سيزيد في الطين بلة، في وضع سوق العقار التجاري الذي يبدو تراجعه اكبر من التراجع في اسواق العقارات السكنية، وسيؤدي الى تأجيل تعافي السوق الاستثماري لسنوات عدة.

لكن التقرير يؤكد ان من شأن معدل الفائدة العام المنخفض والتصحيح الحاصل على الأسعار، ان يحيى السوق نهاية عام 2011 . بأية حال فإن اكثر القطاعات تأثرا بالتراجع الحاصل على اسعار العقارات التجارية هو قطاع المكاتب التجارية الذي يتوقع ان تصل نسبة التراجع على اسعاره حوالي 35 في المائة خلال الفترة المقبلة مما يعني ان التراجع على اسعار المكاتب التجارية سيكون بنسبة 60 في المائة منذ بدء أزمة الإئتمان حتى العام المقبل. وقد تراجع عدد الوظائف في قطاعات التأمين والمصارف والمال بشكل حاد مما كان عليه بداية عام 2000 مما ادى الى تراجع في الطلب على المكاتب التجارية وخصوصا في العاصمة لندن والمدن الكبرى . وسيترافق التراجع على اسعار العقارات التجارية مع تراجع اسعار الإيجارات ومعدلاتها مما سيرفع من عدد المبيعات المستعجلة وباسعار رخيصة. وتتوقع هيئة المساحين ان تتراجع عائدات الإيجار في قطاع العقارات التجارية بنسبة 10 في المائة العام المقبل (2009) وبنسبة 4 في المائة عام 2010 و3 في المائة العام 2011 . ومرة اخرى سيكون اسوأ تراجع في قطاع المكاتب التجارية إذ ستصل نسبته العام المقبل الى حوالي 16 في المائة و11 في المائة عام 2010 و6 في المائة عام 2012. ويقول اوليفار غيلمارتين عن الهيئة الملكية بهذا الصدد : « نحن الآن في منتصف الطريق نحو تصحيح اسعار العقارات التجارية. ان قيمة العقارات التجارية ستتراجع العامين المقبلين ما دام يحصل تراجع على عائدات الإيجار ويتوقع ان يتزايد عدد الصفقات في القطاع مع زيادة عدد المضطرين لبيع عقاراتهم تحت وطأة ازمة الإئتمان». لكن غيلمارتين يضيف بأن التصحيح على الاسعار يجعل من بريطانيا من اهم الدول في العالم من حيث العائدات الربحية على الإيجارات. وخفض بنك انجلترا المركزي معدل الفائدة العام بنسبة واحد في المائة عما كانت عليه في محاولة للحد من الركود الإقتصادي وتدهور الاسواق العقارية . وعلى هذا الاساس يصل معدل الفائدة العام الى 2 في المائة أي انها وصلت الى اقل نسبة تشهدها البلاد منذ عام 1951. لكن خبراء العقار والناشطين في الاسواق العقارية من مؤسسات وافراد الذين رحبوا بالتخفيض الجديد، اكدوا ان ذلك لن يحل مشكلة الاسواق العقارية ولن يؤدي الى تحفيز السوق وتحريكه كما تأمل الحكومة. ولم يسبق لبنك انجلترا المستقل منذ تأسيسه عام 1694 ان خفض معدل الفائدة اكثر من نسبة 2 في المائة. ويقول نيل شيغويدان عن مؤسسة «جونس لانغ لاسال» (Jones Lang LaSalle) الدولية المعروفة في هذا الإطار: «ان التخفيض سيرى على انه مهم وضروري لمساعدة اصحاب العقارات والمنازل. والتخفيض ايضا مرحب به من المؤسسات العقارية لأنه سيحفز ويزيد من عدد المشترين للمرة الاولى . ورغم ان هذا التخفيض لن يحل مشكلة اسواق العقارات فإنه يجدد الآمال خصوصا إذا ما نظرنا الى العام المقبل». مجلس المقرضين العقاريين (The Council of Mortgage Lenders) رحب بخطوة الحكومة لكن طالب ايضا بالعمل مع المصارف ومؤسسات الإقراض لتحسين شروطها وتوفيرها وتحريك الاسواق. وكان بنك هاليفاكس (Halifax) اول البنوك التي اكدت استعدادها تمرير التخفيض على معدلات الفائدة الى زبائنها قبل ان تلحق به بقية البنوك تحت ضغط الحكومة. واشارت بعض الدراسات الاخيرة الى ان ازمة الائتمان لم تمنع من تزايد عدد البريطانيين الذين يشترون العقارات الجبلية في بعض مناطق فرنسا. واشارت التقارير الى ان ربع المستثمرين في منتجعات جبال الالب الخاصة بالتزلج من بريطانيا. ومعظم هؤلاء المستثمرين من البريطانيين الراغبين في شراء منزل ثان للعطل الصيفية. واكدت مؤسسة «جي ام جي» العقارية انها باعت 39 شقة جديدة في لي تيلمارك 10 منها لبريطانيين. ويقول متحدث باسم المؤسسة إن هذه العقارات تغري البريطانيين لاسباب عدة، اهمها النوعية الممتازة لمنزل خاص بالعطل في اهم مناطق التزلج في اوروبا وعائدات الإيجار العالية والجيدة التي تؤمن مصدرا ماليا شهريا. وهي قريبة ايضا من عدد من المطارات الدولية. وعادة ما تستقطب هذه العقارات التي تباع حاليا على الخريطة وبأسعار مخفضة محبي رياضة التزلج والغولف وغيره من النشاطات الرياضية الشتوية ويصل معدل سعر الشقة المؤلفة من غرفتي نوم حوالي 250 الف يورو.

ويبدو ايضا ان ازمة الائتمان لم تمنع ارتفاع عدد الإيرلنديين الذين يستثمرون في العقارات الفاخرة خارج البلاد، خصوصا في الريفييرا الفرنسية. ويقول دونال واردي عن مؤسسة «شيز ريفييرا» (Chez Riviera) بهذا الخصوص: «بينما كان يعلن عن موت النمر السلتي من قبل مؤسسة الابحاث الاقتصادية والإجتماعية، لا تزال آثار مخالبه جلية في جنوب فرنسا، حيث اصبح التواجد الإيرلندي اكبر من غيره من البريطانيين. واضاف واردي بأن ازمة الائتمان ومعدل التضخم العام وركود سوق العقار في ايرلندا لم يمنع المستثمرين من التوجه الى اقتناص الفرص العقارية على شواطئ المتوسط الفرنسية. وفيما تراجعت اسعار العقارات في ايرلندا منذ العام الماضي بنسبة 10 في المائة تقريبا، ارتفعت اسعار العقارات او المنازل الثانية في فرنسا بنسبة 2.7 في المائة في نفس الفترة، ولهذا يتزايد عدد المستثمرين الاجانب هناك ومنهم الايرلنديون، ويقل عدد البريطانيين بسبب تراجع قيمة الجنيه الاسترليني في اسواق الصرف. ويضيف واردي بأن المستثمرين الاجانب يحركون وينشطون سوق العقار في جنوب فرنسا، خصوصا في قطاع الفلل والعقارات الفاخرة التي يتعدى سعرها المليون يورو والمنازل الرخيصة التي تحتاج الى ترميم. وبالإضافة الى الإيرلنديين ينشط المستثمرون الروس والعرب من منطقة الشرق الاوسط . وحول المناطق المرغوبة يقول واردي ان نيس على رأس اللائحة من الناحية الاستثمارية وارتفاع عائدات الإيجار. ولأن عدد العقارات المتوفرة في الريفييرا قليل نسبيا فإن الاسعار وعائدات الإيجار تحافظ على استقرارها وتشكل استثمارا معقولا وقليل المخاطر، إذ ان فرنسا من البلدان التي يكثر فيها المستأجرون. ومن المعروف ان مطار مدينة نيس ثاني اكبر مطارات فرنسا ويستقبل عادة ويوميا رحلات جوية من ايرلندا والشرق الاوسط ونيويورك وموسكو، أي انه مربوط جدا بالعالم الخارجي ومعظم العقارات الفاخرة لا تبعد اكثر من عشرين دقيقة عن المدينة.

وعلى الجهة الاخرى من المحيط الاطلسي، اكد لورانس يون عن هيئة السماسرة العقاريين الوطنية في الولايات المتحدة، ان عدد المستثمرين الاجانب في قطاع العقار، سيتضاعف خلال السنوات العشر المقبلة. ويشير تقرير خاص للهيئة إلى أن 21 من السماسرة في الولايات المتحدة يعتقدون ان عدد المستثمرين الاجانب ارتفع خلال السنوات الخمس الماضية وان نصف الصفقات تتركز في الولايات الجنوبية. ويقول ليام بيلي احد الاقتصاديين والعقاريين البريطانيين المعروفين في قطاع العقارات الخارجية، ان هذا كان متوقعا ان يحصل وقد بدأت الظاهرة بالنمو قبل ستة اشهر عندما كانت قيمة الدولار تتراجع امام قيمة الجنيه الاسترليني. وقد كانت الولايات المتحدة على رأس لائحة الدول المرغوبة حول العالم من قبل المستثمرين الراغبين في شراء منزل ثان للعطل خلال العام الحالي. ومن شأن زيادة شعبية الولايات المتحدة لدى الاجانب تحريك السوق وربما استعادته عافيته لاحقا، خصوصا في المناطق الممتازة والشعبية والمعروفة ومنها ولاية فلوريدا. ويمكن حاليا شراء منزل واسع (لا يبعد عن ديزني لاند اكثر من 90 كلم) مؤلف من طابقين وغرفتي نوم في الولاية بـ 65 الف جنيه أي حوالي 100 الف دولار فقط لا غير. ومن جهة اخرى اكدت تقارير جديدة ان ارتفاع عدد العاطلين عن العمل ومعدل البطالة في الولايات المتحدة سيزيد الضغوط المباشرة على اسواق العقارات التجارية. ويتوقع ان يرتفع عدد العاطلين عن العمل خلال العام المقبل بنسب كبيرة. وقد انضم اكثر من 1.23 مليون عامل الى طابور العاطلين عن العمل بسبب ازمة الائتمان الدولية منذ بداية العام الحالي، 40 في المائة منهم من موظفي المكاتب. ويقول جيفري هافسي عن « بربرتي اند بورتفوليو ريسيرتش « (Property & Portfolio Research)، ان قطاعات الفنادق والمكاتب والمحلات التجارية اكثر القطاعات تأثرا بازمة البطالة واحتمالاتها السيئة . ويتوقع ان تظهر الآثار السيئة لارتفاع نسبة البطالة في القطاع المالي في منطقة مانهاتن في مدينة نيويورك اكثر من غيرها من المناطق بسبب كبر وحجم مساحات المكاتب التي تضمها وتصل الى 395 مليون قدم مربع وهي اكبر من المساحات المتوفرة من المكاتب التجارية في شيكاغو وواشنطن دي سي وبوسطن وسان فرنسيسكو قاطبة. وقد ارتفعت نسبة المكاتب الشاغرة في المنطقة الى 7.8 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعدما لم تتعد الـ 5.7 في المائة في ديسمبر (كانون الاول) العام الماضي (2007) . وهناك ما لا يقل عن 9 ملايين قدم مربع من مساحات المكاتب الشاغرة في المنطقة المعروفة والغالية الثمن. ويتوقع ان تتراجع عائدات الإيجار خلال العامين المقبلين بنسبة 20 في المائة وحوالي 15 في المائة على المستوى الوطني العام.