860 مليار دولار خسائر سوق العقار السكني في بريطانيا في 2008

أسعار العقارات الفاخرة تتراجع بنسبة 14 في المائة

لم يتوقف دفق الأخبار السيئة والسلبية الخاصة بالأسواق العقارية البريطانية (تصوير: حاتم عويضة)
TT

لم يتوقف دفق الاخبار السيئة والسلبية الخاصة بالأسواق العقارية البريطانية في آخر أسبوع من العام الماضي، إذ اكدت وتوافقت، والتوقعات الكثيرة التي صدرت في الاشهر القليلة الماضية حول التراجعات الحادة لأسعار العقارات السكنية والتجارية والركود الكبير الذي تشهده الاسواق وأسواق القروض وزيادة عدد المصادرات. ووصل حجم الخسائر الذي منِي بها القطاع السكني خلال العام الماضي (2008) الى حوالي 590 مليار جنيه استرليني (860 مليار دولار وأقل من 590 مليار يورو حاليا) ،أي أن اصحاب المنازل والعقارات خسروا من قيمة منازلهم الى هذا الحد في سنة واحدة. وأكدت احدى دراسات مؤسسة «زوبلا» (Zoopla) العقارية، ان معدل خسارة كل منزل في بريطانيا وصل الى 22 الف جنيه (33 الف دولار) خلال السنة الماضية وهو معدل عال نسبة الى النمو الذي شهدته الاسعار خلال السنوات العشر الماضية. أي ما يساوي 85 في المائة من معدل الدخل السنوي للفرد في البلاد. وأكدت دراسة «زوبلا» ان اسعار العقارات السكنية تراجع العام الماضي على الاقل بنسبة 10 في المائة، وأن اكثر من 2 مليون من اصحاب العقارات الآن في الخانة السلبية أي ان قيمة قروضهم العقارية اكبر من اسعار عقاراتهم حاليا. ويقول اليكس تشاسترمان عن المؤسسة إن: «هذا العام سيذكر على انه العام الذي سرّع عملية تصحيح الاسعار.. قيمة العقارات تواصل تراجعها شهريا منذ سنة ونصف تقريبا، لكن مع زيادة معدل البطالة وارتفاع عدد المصادرات العقارية وتراجع عدد المشترين والبائعين القادرين على دخول السوق، يبدو ان لم نشهد نهاية الأمر بعد». ويضيف تشاسترمان ان الواقع يقول إن اصحاب العقارات سيواجهون سؤالاً صعباً العام الحالي حول ما إذا كانوا مستعدين لمواجهة العاصفة او بيع منازلهم قبل ان تتراجع اسعارها الى حد لا يتحملونه ماديا، مما يعني احيانا خسارة منازلهم للبنوك وارتفاع عدد المصادرات. وحسب الترتيب الذي وضعته الدراسة فإن منطقة «هارتفيردشر» (Hertfordshire) كانت اكثر المناطق تأثرا بالترجعات الحادة على الاسعار، إذ وصلت قيمة التراجع على سعر العقار الواحد ما يقارب 32 الف جنيه (45 الف دولار). وتأتي منطقة «ايسيكس» (Essex)، في المرتبة الثانية بقيمة 29.3 الف جنيه، وثم منطقة «ميدلساكس» ( Middlesex) بقيمة 28.9 الف جنيه. وحول اسعار العقارات السكنية الفاخرة، اكدت مؤسسة «فرانك نايت» (Knight Frank) في تقرير اخير أن اسعار العقارات الفاخرة في العاصمة لندن، تراجعت بشكل حاد ووصلت نسبة. التراجع الى حوالي 14.1 في المائة العام الماضي. ولم تتعدَ هذه النسبة أيام ركود التسعينات 10.5 في المائة. وتقول نايت فرانك بأن نسبة التراجع خلال الاشهر الثلاثة الماضية وحدها وصلت الى 9.3 في المائة وهي نسبة عالية جدا لأحد انشط وأقوى اسواق العقار البريطانية. كما ان نسبة التراجع على المنازل تقارب نسبة التراجع على الشقق الفاخرة. وتقول نايت فرانك: ان الركود الاقتصادي وارتفاع عدد البطالة خلال العام الحالي (2009 ) سيعزّز المخاوف وانحسار الثقة بالأسواق مما سيساهم في تراجع اكبر على الأسعار خلال العام المقبل. وتشير دراسات وتقارير عقارية أخرى إلى أن واحداً من كل 4 عقارات في بعض المناطق كان معروضا للبيع طيلة العام الماضي (2008). وحسب مؤسسة «غلوبريكس» (Globrix)، فإن 5 في المائة من المنازل والعقارات التي عرضت للبيع العام الماضي كانت في بداية العام. ووصلت نسبة المنازل المعروضة للبيع في بعض المناطق مثل روتشدال ولانكس منذ بداية العام الماضي الى حوالي 26 في المائة. وهذا دليلٌ ساطعٌ على تراجع عدد المبيعات والصفقات العقارية وعدد المشترين والداخلين الى اسواق العقار لأول مرة. وبناءً على ارقام مؤسسة «هوم تراك» (Hometrack) المعروفة في لندن، أن اكثر المناطق تضرُّرا من تراجع الاسعار الحاد كانت العاصمة لندن والمناطق الجنوبية الشرقية في انجلترا. وقد وصلت نسبة التراجع الى اكثر من 10 في المائة، وتأتي بعدها المناطق الشمالية الشرقية ونورث امبرايا ومدينة نيوكاسل حيث وصلت نسبة التراجع الى 6.5 في المائة. كما أن عدد الصفقات العقارية تراجع بنسبة 45 في المائة العام الماضي وهي أعلى نسبة منذ سنوات طويلة. وتشير «هومتراك» بأن معدل سعر العقار في بريطانيا تراجع من 175.2 الف جنيه (253 الف دولار) نهاية عام 2007 الى 159 الف جنيه نهاية العام الماضي (2008) أي بخسارة تصل نسبتها الى 15.2 في المائة على الأقل. وعلى الأرجح أن يصل معدل سعر العقار الى 140.7 الف جنيه نهاية العام الحالي (2009). أضف الى ذلك ان فترة بيع العقار تضاعفت منذ ابريل (نيسان ) عام 2007 الى الشهر الأخير من العام الماضي من 12 اسبوعاً الى 24 اسبوعاً أي ستة اشهر على الاقل. ويبدو ان أصحاب العقارات بدؤوا يسعِّرُون عقاراتهم بشكل اكثر واقعية من السابق تناغماً مع التغيرات الاقتصادية وتطورات السوق الراكد أصلا، وعلى الأرجح ان يساهم هذا التناغم بزيادة عدد الصفقات العقارية العام الحالي. وحسب «هوم تراك» ايضا فإن نسبة التراجع على اسعار العقارات منذ بداية العام الماضي حتى نهاية العام الحالي ستصل الى حوالي 21 في المائة (8.7 في المائة عام 2008 و12 في المائة عام 2009). «هيئة سماسرة العقار الوطنية» (National Association of Estate Agents)، تقول: إن مصير سوق العقار في يد مؤسسات الإقراض والمصارف والبنوك وأن العام الحالي عامٌ مفصليٌ بالنسبة للاسواق العقارية على هذا الصعيد. ويقول بولتن كينغ عن الهيئة: إن هناك ثلاثة شروط يجب توفرها قبل تعافي الاسواق العقارية وهي: توفير المؤسسات المالية القروض العقارية وتمرير التخفيض على معدلات الفائدة الى الزبائن وأصحاب العقارات واستعادة ثقة المستهلك بالأسواق وحركتها. ومع هذا يتوقع كينغ – على عكس الكثير من المحللين - أن يبدأ التعافي في الأسواق العقارية نهاية العام الحالي، إذ ما تواصل تخفيض معدل الفائدة العام ومعدلات الفائدة على القروض العقارية بشكل عام في الربع الأول من العام الحالي. ويضيف كينغ بأنه من المحتمل أن يحصل تعافي دراماتيكي وحاد على أسعار العقارات في بعض المناطق العام المقبل بنفس الحدَّة التي شهدتها التراجعات على الاسعار رغم ان بعض المناطق شهدت تراجعاً على الأسعار بنسبة 13 في المائة والبعض الآخر بنسبة وصلت حتى الآن الى 20 في المائة. كما اننا لم نشهد مثل هذا التراجع الحاد على الاسعار خلال فترة قصيرة من قبل، وأن الاسعار اقتربت من الحضيض، ولذا عندما سيبدأ التعافي سيكون وقعهُ كبيرا ومدَوّياً، كما كان الحال مع التراجع الحاد على الاسعار. ويبني كينغ توقعاته على ارقام الهيئة التي اشارت أخيرا إلى ان عدد الباحثين عن العقارات يزداد بشكل ملحوظ، وأن الكثير من المستثمرين والناس العاديين بدؤوا يُؤمِنون بأنهم قادرون على الحصول على صفقات رخيصة وغير مكلفة في هذه الفترة مما سيحرك الاسواق ويعيد اليها الحيوية. لكن كينغ حذَّر ان التعافي مرهونٌ كما سبق، وذكرنا بقدرة الحكومة والمؤسسات المالية والمصارف والبنوك على توفير القروض العقارية لجميع انواع الزبائن وإلا سيكون العام الحالي عاماً صعباً وحالكاً.

فحسب الأرقام الأخيرة في هذا الإطار فإن معدل عدد القروض العقارية التي تمنحها المؤسسات المالية شهريا (خلال هذه الفترة) وصل الى 30 الف قرض، وهو معدل قليل نسبة الى ما كان عليه ايام الطفرة العقارية عام 2006، أي 129 الف قرض. وقد تراجع عدد القروض الممنوحة منذ بداية العام الماضي حتى الآن بنسبة عالية جدا وصلت الى 64 في المائة. وعلى صعيد قطاع البناء العقاري، تواصل الانكماش في هذا القطاع الأكثر تأثراً بأزمة الائتمان الدولية، ويتوقع ان يتواصل طيلة العام الحالي ولم يتعد عدد المنازل المبنية حديثا وخلال العام الماضي اكثر من 110 آلاف منزل. وهذا أقل بكثير من أي وقت سابق وحتى ركود التسعينات.

ولا يتوقع ان يزداد عدد العقارات الجديدة في الاسواق العام الحالي اكثر من 80 الف عقار. وهذا العدد اقل بكثير من توقعات الحكومة التي تُخطط لبناء 2 مليون منزل قبل العام 2016. ومن شأن التراجع الحاد على عدد العقارات الجديدة أن يعزِّز الأسعار ويساعدها على الصمود وأحيانا زيادة التقلبات التي يشهدها أكانت ارتفاعاً ام تراجعاً. وحذَّرت هيئة السماسرة من أن الشروط الموضوعية لبناء سوق عقاري متين ومتنامٍ لم تتوفر حتى الآن. وعلى صعيد قطاع الإيجار، اكدت التقارير الاخيرة، ان العام الحالي سيشكل تحدياً قوياً للمستثمرين في هذا القطاع النشط، مع توقعات بتراجع اسعار الإيجارات ومعدلاتها وانتعاش السوق نهاية العام. وقد كانت السنة الماضية من السنوات الجيدة التي شهدها قطاع الإيجار في العاصمة لندن والكثير من المناطق لكن التقلب بدأ منذ اشهر ويتوقع ان يتواصل الى منتصف العام الحالي. إذ ان التوقعات تشير الى تراجع الطلب في قطاع الإيجار نسبيا وارتفاع عدد العقارات الشاغرة مما يؤدي الى تراجع معدلات الإيجار بالتأكيد. كما تتوقع بعض المؤسسات العقارية ان يرتفع عدد المصادرات في قطاع الإيجار مع ارتفاع عدد العاجزين عن الوفاء بقروضهم العقارية وأقساطهم الشهرية. ومع هذا يتوقع ايضا ان ينشط قطاع الإيجار العام المقبل بسبب التراجع الحاد على اسعار العقارات السكنية الذي يشجع المستثمرين على الشراء خصوصاً في ظل التقلبات الحاصلة في اسواق المال العالمية. وقد ارتفع عدد المستثمرين الراغبين في وضع اموالهم واستثمارها في العقارات بدلاً من الأسواق المالية خلال الاشهر القليلة الماضية. ويعتبر هؤلاء المستثمرون ان العقارات تتمتع بقيمة استثمارية مستقبلية اكثر من غيرها من القطاعات الاخرى وخصوصاً الأسهم. وكانت التقارير الاخيرة ايضاً قد اشارت الى ان قطاع العقارات التجارية الذي يشهد رُكوداً حاداً، من اكثر القطاعات تأثراً بأزمة الائتمان الدولية، وتراجع الأسعار في بريطانيا.

ويبدو ان القروض العقارية الخاصة في هذا القطاع الهام انقرضت نسبياً وأصبحت امراً نادراً والارقام لا تشجع أبدا وتثير المخاوف. وقد تراجعت الاسعار على الأقل خلال العام الماضي بنسبة تتراوح بين 25 و30 في المائة.