« بيوت العَقْد» ..جزء من تاريخ لبنان المعماري ولا تحتاج إلى تكييف ولا تدفئة

كادت تنقرض لولا ترميم ما تبقى منها

بيتٌ لبناني قديم مُرمَّم (« الشرق الأوسط»)
TT

تُشكل بيوت العَقْد جُزءاً من تاريخ لبنان المعماري، وجزءاً من التراث الآخذ في الانقراض لولا بعض «المَعلمِين» الذين حافظوا على هذا التراث، وحافظوا في الوقت نفسه على ما تبقَّى في لبنان، مُدناً وقرى، سَاحلاً وجَبلاً، من تلك البيوت، ولبُّوا طلبَ من أراد التجديد أو التقليد في هذا المضمار، مع أن هذا النوع من الطلبات باتَ نادراً، أولاً لكون كلفة بناء المتر المربع من العقد تكاد تُوازي ضِعف كلفة المتر المربع من البناء العادي، إضافة إلى أن بيوت العقد لا تتعدى الطبقتين في أحسن الأحوال، في حين أن تجار البناء يسعون اليوم وراء أقصى استثمار للأرض تحقيقاً لأقصى أرباح مُمكنة.

حاولنا البحث عن «معلمي العمار« المتخصصين في بناء العقد، على ندرتهم. فوفقنا إلى المعلم سمعان فهد من مصيف «عشقوت» في منطقة كسروان الذي يُفاخر بأنه هو الذي عمل على ترميم بيوت العقد القديمة في «سوق الزوق» في بلدة زوق مكايل الكسروانية، بما فيها بيت الشاعر اللبناني إلياس أبو شبكة في البلدة نفسها.

ويقول فهد لـ «الشرق الأوسط»: «إن مدينة جونية الساحلية أحيت بيوت العقد القديمة فيها، ورمَّمتها، خصوصاً بعد انفجار إذاعة «صوت المحبة» قبل سنتين الذي أحدث أضْرَاراً جسيمة فيها. وعندنا في عشقوت كنائس من العقد يعود عمرها إلى ما بين 500 و700 سنة، ولا تزال تحافظ على مناعتها وصُمُودها».

ويعتبر «المعلم سمعان» أن الحجر الصخري الذي يبنى به العقد يجب أن ينحت باليد، وليس بواسطة المنشار وفي الفراغات تُوضَع الخرسانة ونفايات الحجارة (ما يسمونها الركّة)، وفي القدم كانت تمْلأ بالتراب الأحمر والحجارة والتبن، ثم أضيفُ إليها لاحقاً الكلس. وقد تصل سماكة الجدران متراً في الماضي، أما اليوم فلا لزوم لهذه السماكة لأن الخرسانة أمتنُ من التراب وأصلب. ويمكن الاستغناء عن الأساسات العادية للبناء إذا كان المطلوب بناء طبقة واحدة، أما إذا كان المطلوب أكثر من طبقة فينبغي اللجوء إلى أساسات على غرار ما يطبق في البناء العادي. وتكمن أهمية العقد في انه لا يحتاج إلى الكساء من الداخل بالملاط (الورقة)، بل يبقى على شكل الحجر الصخري مع تكحيل بين الحجر والآخر».

وإذا أردت البحث عن «معلم عقد» في منطقة عاليه الجبلية (شرق العاصمة) فلا بد من أن يدلوك إلى الشيخ فؤاد طربيه الذي يقول لـ «الشرق الأوسط»: «إنني تعاطيت مع الحجر الطبيعي منذ كنت في الثانية عشرة من عمري، وما لبثت أن تخصصت بالبناء الإسلامي على يد المسؤول عن التراث الإسلامي في الشرق صالح اللمعي بعدما شيَّدت مزار الأمير عبد الله التنوخي في بلدة «عبيه» الدرزية، الذي نال إعجاب اللمعي، ثم رسمت ونفذت جامع «البسطة التحتة» في غرب بيروت، كما شيَّدت ثلاثة قصور لآل الحريري، قصر السيدة بهية في بلدة البرامية شرق صيدا، وقصر قريطم، وقصر فقرا الخاصين برئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري».

ويضيف طربيه انه ينصرف، بعدما أقفل منشاره الحجري، إلى ورش العقد، منذ أكثر من خمس سنوات، وهو تمكن من تنفيذ مُصالبه بعرض 9 أمتار وطول 9 أمتار وعلو 7.5 متر، «ولكن الطلبات على بناء العقود باتت نادرة جداً، والتركيز هو على ترميم القائم منها والمحافظة عليه»، على حد قوله.

أما «المعلم» بيار فهد من بلدة «زيتون» في قضاء جبيل، فيقول لـ «الشرق الأوسط»: «هناك نوعان من العقد. المصلّب والعادي. الأول يصلح للمساحات المربعة، أما الثاني فيصلح للمساحات الطولية، وهو يتم بالشكل المستدير».

ويضيف:«بالإمكان تحويل المنزل العادي إلى بيت من عقد وتستعمل فيه الترابة البيضاء والمقطعة، وهذا النوع من العقد يستعمل للديكور ويخفِّف الحرارة في حين أن العقد القديم أشبه بالثلاجة صيفاً ولا يحتاج إلى مِدفأة شتاء».

ويلفت المعلم بيار إلى أن الطلب على بناء العقد قليل، ويتركز على المطاعم بصورة خاصة. ويقول: «أستطيع أن أبني منزلاً جاهزاً وعلى شكل العقد، وبالإشكال المختلفة».

ويعتبر بيار فهد من القلائل الذين يعيدون بناء الخرب (جمع خربة، أي المنزل القديم الخرب)، وهو يقول في هذا المجال: «إن مثل هذه البيوت القديمة كانت تستعمل زرائب للماشية. سقوفها من خشب القطران التي توضع فوقها جذوع الشربين، وفوقها التراب، وكلما أمطرت يتم استعمال «المحدلة» (كناية عن صخر مستدير يمرر على تراب السقف للحؤول دون تسرب المياه إلى الداخل). ويعمَدُ البعض اليوم إلى استبدال التراب بالخرسانة على السطح بالنظر إلى صعوبة الحدل وقلة المحادل وسهولة البناء الخرساني».