سفارة ومحطة كهرباء تحول جنوب لندن إلى نقطة عقارية ساخنة

بمساهمات استثمارية بحرينية في منطقة فوكسهول

محطة كهرباء باترسي التي تقع جنوب نهر التيمز في لندن (ا.ب)
TT

يعد نهر التايمز حاجزاً طبيعياً بين شمال لندن الأرستقراطي وجنوبها الشعبي منذ العصور الوسطى، تماما مثل نهر النيل الذي يفصل بين منطقة الزمالك الأرستقراطية ومنطقة بولاق الشعبية في قلب القاهرة. ولكن هذا الوضع قد يتغير في عام 2013، عندما يكتمل مشروع تنمية محطة كهرباء تاريخية، وتنتقل السفارة الأميركية في لندن إلى حي «ناين إيلمز» الذي يقع على حدود منطقة فوكسهول جنوب نهر التايمز. فهذه النقلة سوف تلغي الفروق الطبقية، وتفتح المنطقة المحيطة على فرص عقارية لا تعوض للمستثمرين، الذين يدخلونها من الآن، لتوفير وحدات سكنية وتجارية ملائمة لما سوف يكون عليه الإقبال العقاري بعد أقل من خمس سنوات.

ولم يتأخر الاستثمار العربي عن فرص الاستثمار في المنطقة، حيث تسهم شركات استثمار من البحرين في تطوير الموقع على نطاق واسع، وتم الترخيص لها بتنفيذ العديد من المشروعات التي تقام على مساحات واسعة فيها.

ويكسر انتقال السفارة الأميركية، من موقعها الحالي في ميدان غروفنر سكوير الأرستقراطي في قلب حي مايفير إلى جنوب لندن، أكثر من حاجز جغرافي وطبقي في لندن، بل إنه يضع منطقة جنوب لندن على الخريطة، بعد أن ظلت لعقود تعيش على هامش حياة العاصمة البريطانية. فعلى الرغم من أن الانتقال لن يذهب إلى أبعد من مسافة ميلين، فإنها بمقياس لندن تعد نقلة جذرية إلى منطقة مغمورة بعيدة عن أضواء الشهرة والتألق التي تغمر وسط العاصمة.

وكانت السفارة قد أعلنت في الشهور الأخيرة أنها تعاقدت لشراء قطعة أرض في منطقة «ناين إيلمز» مساحتها خمسة أفدنة لتطوير مبنى جديد لسفارتها في لندن يوفر المزيد من الحماية الأمنية. وتجري هذا العام مسابقات معمارية على تطوير مبنى السفارة الجديد الذي لن يكتمل قبل عام 2013 على الأقل. وهو مشروع يحتاج إلى موافقة الكونغرس الأميركي قبل الشروع في استكماله، وأيضاً موافقة المجلس المحلي للمنطقة على خطط التطوير.

من ناحية أخرى، يتم أيضا العمل على تطوير محطة كهرباء تاريخية في منطقة كلابهام القريبة، وهي محطة ظلت خاوية منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، تنتظر موافقة المجلس المحلي. وهناك العديد من الأفكار المطروحة لتطوير موقع المحطة تتراوح بين تحويلها إلى فندق فاخر وبين إقامة مدينة (مَلاهٍ) فيها.

وهذه التطورات المهمة تفتح آفاق التطوير العقاري في المنطقة، وتعزز فرص الربح من مشروعات تخدم البنية التحتية؛ لكي توفر خدمات السكن والمعيشة والتسوق لأكثر من 700 موظف في السفارة وعشرات الآلاف من الذين يقبلون عليها سنويا من أجل الحصول على تأشيرات سفر. ويجد هؤلاء حاليا غايتهم في منطقة (ماي فير) الثرية التي تعج بعشرات المطاعم والمقاهي، وتتيح فرص تسوق قريبة من شارع أكسفورد الشهير.

وتصف صحيفة «لوس أنجليس تايمز» نقل السفارة بأنها خطوة تاريخية، تكسر حواجز نفسية في العاصمة البريطانية؛ لأن الأجانب ينظرون إلى شمال العاصمة وكأنها كل لندن، حيث معظم محطات مترو الأنفاق تقع شمال النهر، كما يقع فيها أيضا مبنى البرلمان وقصر باكينغهام ومنازل المشاهير وبوتيكات التسوق. وما زال بعض سكان لندن الأصليين ينظرون إلى جنوب العاصمة كأرض قاحلة، كانت تستخدم تاريخيا لدفن ضحايا الطاعون. من ناحية أخرى، ينظر سكان جنوب لندن إلى أهل الشمال على أنهم متكلفون، ويعيشون في قوقعة أرستقراطية مزيفة، ولا يقدرون مزايا الحياة في جنوب لندن. وكان الإقبال العقاري قد زاد في السنوات الأخيرة على منطقة جنوب لندن بسبب الفقاعة السعرية، الأمر الذي أسهم في تغيير المفاهيم، وساعد على تطوير الحياة في جنوب لندن الأرخص ثمنا، التي تبدو الآن أكثر شبابا وحيوية من أحياء الشمال، بسبب وجود العائلات الصغيرة والكثير من الأطفال فيها. ومن المؤكد أن المنطقة تقبل على مستقبل أفضل، من حيث نشاط العقار فيها وعدد المشاريع الجديدة، في وقت وصل فيه شمال العاصمة إلى حالة من التخمة، من حيث الأسعار وندرة فرص تطوير العقار.

والزائر لمنطقة «ناين إيلمز» جنوب لندن هذا العام، سوف يكتشف منطقة صناعية فقيرة بعيدة كل البعد عن رقي (ماي فير)، على رغم قربها من النهر، فهي منطقة قريبة من خطوط السكك الحديدية التي تربط جنوب إنجلترا بمحطة ووترلو، وتفتقر إلى الكثير من الخدمات المعيشية المعتادة في شمال العاصمة. ولكن شركات تسويق العقار في المنطقة تقول إن الفائدة الأساسية من الاستثمار فيها الآن يعود إلى إمكانيات التطوير في المستقبل. ويحدد هؤلاء منطقة «ناين إيلمز» التي تبلغ مساحتها 180 فدانا وتشمل موقع محطة كهرباء باترسي بالقرب من كلابهام، كواحدة من أفضل مناطق التطوير وأكبرها مساحة في العاصمة البريطانية.

وتضم المنطقة، حاليا، مخازن حكومية، ومنازل فقيرة تتبع المجلس المحلي، ومركزاً لرعاية القطط والكلاب الضالة، وسوقاً للفواكه والخضراوات، ومحطة معالجة نفايات، وبعض المنشآت السكنية التي يعود تاريخها إلى الستينات. ولا يوجد من مظاهر الحياة اللندنية الفاخرة في المنطقة سوى موزع لسيارات بنتلي، وحتى هذا الموقع سوف ينتقل إلى منطقة أخرى؛ لترك مساحة إضافية لموقع السفارة.

وعلى رغم فقر الموقع، وقربة من عشرات الخطوط الحديدية ومساحات فضاء مهجورة، فإن الموقع في حد ذاته يعتبر من أفضل المواقع الاستراتيجية في جنوب لندن. فعلى الجانب الآخر من النهر يقع مبنى مجلس العموم ومركز تيت الفني، وعلى الشاطئ المجاور تمتد حديقة باترسي، وبجوارها مبنى المخابرات البريطانية المتميز بلونه الأخضر على محطة فوكسهول للقطارات. وهي المنطقة الوحيدة في وسط لندن التي تتيح مثل هذه المساحة الشاغرة التي يمكن تطويرها.

وفي مركز هذه المنطقة تقع محطة باترسي المهجورة، وهي محطة كهرباء صممها في الثلاثينات المعماري غيلبرت سكوت، وتم الاستغناء عنها منذ 25 عاماً، ولكنها ظلت خاوية، في انتظار تطويرها. وفشلت عدة شركات في تحويلها إلى مراكز (مَلاهٍ)، لكي تظل المحطة على حالها حتى الآن، لا يميزها سوى أربع مداخن عالية على جوانبها. وتقوم شركة عقارية اسمها «تريجري هولدنغ» بتطوير الموقع الذي تبلغ مساحته 38 فداناً، بتكلفة أربعة مليارات استرليني.

وتشمل خطط الشركة إنفاق مبلغ 150 مليون استرليني على ترميم الجدران الحالية لمحطة الكهرباء، ثم الشروع في تخطيط مساكن ومنشآت تجارية متنوعة، يبلغ عددها 3200 وحدة سكنية حول ميدان مركزي يقع في قلب المحطة القديمة. ويحافظ المشروع على موقع المحطة وشكلها، كما سيبقى عليها بلا سقف، أي على وضعها الحالي. ويضيف المشروع مدخنة زجاجية إضافية، لتكون علامة على تطوير الموقع. ويوفر المشروع الجديد استهلاك الطاقة بنسبة 67 في المائة.

وما زال معظم هذه المشروعات في مرحلة التخطيط في الوقت الحاضر. ولا تخشى الشركات العاملة في المشروعات المختلفة تأثيرات أزمة الاقتصاد العالمية، على اعتبار أن المشروعات طويلة الأجل وتتخطى المرحلة المقبلة. وكانت شركة بحرينية اسمها «انفستيت ريالتي» قد أعلنت أيضا أنها اشترت موقعا استثماريا في المنطقة بجوار النهر، مساحته 4.5 فدان لتطويره. وتقوم الشركة حاليا بإعادة تصميم المنطقة لتحسين الاستفادة من الأراضي.

ومن أهم المسائل التي تشغل بال المستثمرين في المنطقة، وأيضا العاملين والمقيمين فيها، عدم وجود شبكات المواصلات الكافية على الرغم من قربها من شبكة السكك الحديدية. فلا تخدم المنطقة حاليا سوى محطة واحدة هي فوكسهول، تضم محطة قطارات علوية ومحطة قطارات أنفاق، وهي تعمل بأكثر من طاقتها. وتجري حاليا محادثات بين عدد من الشركات المطورة للمشروعات في المنطقة، وبين هيئة مواصلات لندن لتطوير شبكة باصات تربط المنطقة ببقية أنحاء لندن بشكل أفضل.

وتطلب مجالس محلية في المنطقة، ضمن جمعية تسمى «باترسي سوسايتي»، أن تكون كل المباني والمنشآت الجديدة في المنطقة محايدة في الإفراز الكربوني، وهذا شرط سوف يطبق في بريطانيا على المنازل الجديدة، ولكن بداية من عام 2016.

ومما يذكر أيضا، أن أحد مسوقي العقار في المنطقة، واسمه سبنسر كوشينغ، قال إنه تلقى العديد من الاستفسارات للشراء في المنطقة، حتى من قبل إعلان السفارة الأميركية عن نقل مقرها. وأضاف أنه يتوقع أن يزيد الإقبال الاستثماري في المنطقة، خصوصا مع تأكيد إجراءات انتقال السفارة.

ولا توجد في منطقة «ناين إيلمز» حاليا سوى 725 وحدة سكنية، ولكن تجري عدة مشاريع استثمار سكني على النهر، تقوم بها شركة سان جورج للتطوير العقاري. وتوجد على ضفاف النهر العديد من المشاريع، مثل مشروع «سان جورج وارف» المميز بما يماثل جناحي الفراشة أعلاه، وهو يتيح فرص شراء شقق مكونة من غرفة واحدة بأسعار تبدأ من 399 ألف استرليني، ترتفع إلى ما يقرب من المليون استرليني لشقق من غرفتين تطل على النهر مباشرة ببالكون. وحصلت الشركة مؤخرا على ترخيص لمشروع آخر، مكون من برج يتكون من 50 طابقا بشكل دائري يحتوي على 223 شقة. وتبيع شركة هامتونز انترناشيونال شقة في المشروع مكونة من غرفتين بسعر 600 ألف استرليني.

وفي جهة حديقة باترسي تعمل شركة باركلي على مشروع آخر باسم «تشيلسي بريدج وارف» تقول إنها باعت كل وحداته السكنية ماعدا شقة واحدة مكونة من غرفة نوم واحدة وتتميز بتصميم داخلي حديث. وهي معروضة بسعر 480 ألف استرليني. وهناك أيضا شركة بارات التي تكمل مشروعا آخر اسمه «فيريديان» بجوار محطة الكهرباء المهجورة. والمشروع مكون من 240 شقة، لم يبق منها غير مباع سوى 25 شقة. ويقول أحد العاملين في تسويق العقار في المنطقة، اسمه كيران شوكر، إنه اشترى شقة لنفسه في المشروع. وهو يعتقد أن مستقبل العقار في لندن يقع في منطقة «ناين إيلمز»، وليس في منطقة الشرق، حيث تجري الاستعدادات للدورة الأولمبية المقبلة. وهو يضيف أن سر النشاط في المنطقة يعود أكثر إلى مشروع تطوير محطة الكهرباء في باترسي، وليس فقط إلى النقل المحتمل للسفارة الأميركية في لندن.