بصيص أمل في أميركا بعد انحسار تراجع أسعار العقارات

كندا تحضّر نفسها لتراجع بنسبة 10% العام الحالي

مدينة «فانكوفر» الكندية يلفها الضباب وسط قطاع عقاري مضطرب في عموم كندا (رويترز)
TT

بدأ التراجع الحاد في أسعار العقارات في الولايات المتحدة الأميركية في التباطؤ، أو بتعبير آخر، الانحسار والتراجع، بوتيرة أقل حدة من السابق، إذ أشارت الأرقام الأخيرة إلى أن نسبة التراجع في أسعار العقارات تراجعت من 11.4 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي (2008) إلى 10.2 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ويعتبر بعض الخبراء أن هذا التباطؤ دلالة على أن الأسعار قد تراجعت إلى حدها الأقصى الذي تتحمله، أي إلى القاع، وعادة ما يبدأ التعافي التدريجي بعد ذلك. إلا أن هذا لا يعني نهاية المطاف، وأن الأسعار لن تواصل تراجعها العام الحالي (2009). وعلى العكس، يتوقع أن تواصل الأسعار تراجعها، لكن بوتيرة أبطأ من السابق قبل نهاية العام.

ويقول الاقتصادي مارك فليمينغ من «فيرست أميركان كورلوجيك» (First American CoreLogic)، إن هذا قد يؤدي إلى لَجْم التراجع الحاد في الأسعار، إلا أن الانكماش المتواصل في الاقتصاد وسوق العمل، والعدد الكبير للمنازل الشاغرة، وحالات الإفلاس، يشير إلى أن الأسعار ستواصل تراجعها بوتيرة معتدلة خلال العام الحالي. وعلى هذا الأساس يتوقع أن تكون نسبة التراجع السنوية في الأسعار هذا العام 9.6 في المائة، أي أقل من السابق، إذ تَراوَح معدل تراجع الأسعار خلال الأشهر التسعة الماضية، أي منذ أبريل (نيسان) 2007، إلى نهاية العام الماضي (2008)، بين 10 و11 في المائة. وتشير الدراسة التي أجرتها «فيرست أميركان» إلى أن ولاية كاليفورنيا أسوأ الولايات أداء على هذا الصعيد، وتأتي بعدها كل من ولايات نيفادا وأريزونا وفلوريدا في الجنوب، ثم رود آيلاند ويومينغ. ومع هذا لا يزال بعض مناطق تكساس وساوث داكوتا وغرب فرجينيا، يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار. وتشير الدراسة إلى أن المناطق التي تشهد ارتفاعاً في الأسعار لا تضم أكثر من 13 في المائة من عدد السكان في الولايات المتحدة، أي إنها لا تشكل إلا حيزاً بسيطاً من السوق العامة.

وعلى صعيد العقارات التجارية، يُتوقع أن يتواصل التراجع الحاد في الأسعار، خاصة معدلات الإيجار خلال العام الحالي. وتفيد التقارير الأخيرة بأن الكثير من الزبائن يساومون ويفاصلون للحصول على أدنى الأسعار، وبأن معظمهم يحظى بصفقات ممتازة وسط نيويورك. ويقول ميتشال ستير من مؤسسة «ستادلي» (Studley)، إن الأسعار تراجعت في القطاع التجاري بشكل حاد لم تشهده منذ 20 عاماً «الأسعار تضررت خلال الأشهر الأربعة الماضية، أكثر من أي فترة سابقة في تاريخ السوق». وقد تراجعت أسعار العرض في قطاع الإيجار في مانهاتن في نيويورك، كما يبدو أنها قد تراجعت بنسبة لا تقل عن 4.5 في المائة في الرُّبع الثالث والربع الأخير من العام الماضي (2008). وأن بعض مناطق مانهاتن شهدت تراجعاً بشكل حاد، وصلت نسبته إلى 8.3 في المائة، أي أسوأ نسبة منذ عام 2001. ويضيف ستير أن الأسعار تراجعت بشكل أكبر، مما تشير إليه الأرقام الحالية، وأن أسعار 40 في المائة من مساحات المكاتب التي تديرها المؤسسة تقع في خانة الـ «تفاوض». وهناك محفزات كثيرة يحاول الزبائن الحصول عليها قبل قبول أي صفقة، ومنها فترات إيجار مجانية، كما أنه من الصعب الحصول على أرقام دقيقة عن معدلات الإيجار، في ظل ركود كامل للسوق منذ ثلاثة أشهر.

وعلى الرغم من أن المؤسسات لا تزل في معظمها تستقبل الزبائن، فإنها تجد صعوبة في إقناع الزبائن بعقد الصفقات، وأن مساحة المكاتب التي تم تأجيرها في الربع الأخير من العام الماضي تراجعت، لتصل إلى 5.4 مليون قدم مربع، أي أقل بقليل من المعدل الرُّبعي الذي يصل إلى 7.2 مليون قدم مربع، الذي شهده السوق خلال السنوات التسع الماضية (منذ عام 2000).

وحسب مؤسسة «وليامز ريل استيت» (Williams Real Estate)، فإن سوق العقارات التجارية جامدة تماماً، وأن الزبائن لا يملكون الكثير من الأموال، ويحاولون الحفاظ على ما يملكون، وهناك صعوبة بالغة في الحصول على القروض. وعلى هذا الأساس يتوقع كثير من الخبراء أن تغرق سوق العقارات التجارية بالمساحات الشاغرة العام الحالي، مما سيؤدي إلى تراجع أكبر في معدلات الإيجار.

وفي كندا شمالاً، تقول التوقعات هذا العام في معظمها إن سوق العقارات السكنية ستشهد تراجعاً على الأسعار، بنسبة لا تقل عن 10 في المائة. وعلى الرغم من أن كثيراً من الخبراء يواصلون تكرار التذكير بالفارق بين الأسواق الأميركية والكندية، فإن السوقين مختلفتان تماماً عن بعضهما بعضاً. كما يلفت بعض الخبراء إلى أن كندا ليست مهددة بانهيار السوق العقارية، حتى ولو شهد الاقتصاد ركوداً عاماً. ويقول روبرت هوغ الاقتصادي من «آر بي سي» في هذا الصدد: «إن أسعار العقارات تتراجع، وهذا جزء من الانحدار العام، لكن السوق يفترض أن تصمد حتى ولو هددت الأوضاع الاقتصادية نمو الأجور، وقللت ثقة المستهلك».

ويبرر كثير من خبراء العقار الكنديين موقفهم من سوق العقار وأوضاعها الحالية، قائلين، إن العوامل التي أدت إلى انهيار سوق العقار الأميركية، خاصة انهيار ثقة المستهلك، ليست نفسها التي تحرك السوق العقارية في كندا حالياً. وذلك في إشارة إلى التأثير البسيط للقروض العقارية عالية المخاطر (التي أشعلت أزمة الائتمان في أغسطس 2007) على الأسواق الكندية، كما أن قطاع البنوك من أكثر القطاعات استقراراً في البلاد، وأن معظم أصحاب العقارات قادرون على تحمل قروضهم العقارية وأقساطهم الشهرية، على عكس الولايات المتحدة وبريطانيا. أضف إلى ذلك أن المخاوف ليست كبيرة بين أوساط العامة، والإشاعات قليلة جداً حول وضع السوق، لذا لا يتوقع أن تتراجع الأسعار بشكل جنوني وغير محسوب، حتى لو حصل ركود اقتصادي.

وحسب مؤشر «القدرة الشرائية» الذي تضعه «آر بي سي»، فإن أكثر العقارات شعبية في كندا هي الـ «كوندو» (condo) والمنازل العادية، ثم البيوت المؤلَّفة من طابقين وأكثر.

وفيما تتوقع مؤسسة «ري ماكس» العقارية (ReMax real estate) أن تتراجع أسعار العقارات في أنحاء البلاد بنسبة لا تقل عن 5 في المائة خلال العام الحالي، يؤكد العقاريون أن المدن الأكبر ستكون أكثر المناطق تضرراً من التراجع على الأسعار. ويؤكد دريان ووران الاقتصادي في «سكوتيابنك» (Scotiabank)، أن الأسعار ستتسَطَّح خلال العام الحالي، مقارنة بالعام الماضي (2007)، وتتراجع بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المائة، مشيراً إلى أن «الخطر الكبير على سوق العقار الكندية حالياً هو خوف الناس من البطالة والركود الاقتصادي، وليست قضايا لها علاقة بسوق القروض العقارية، كما هو الحال في أميركا.. تراجع الأسعار له علاقة بكثرة العرض وقلة الطلب».

ولهذا يتوقع المسؤولون في «هيئة القروض العقارية الوطنية»، أن يتراجع حجم القروض العقارية التي منحت العام الماضي بنسبة 12 في المائة، ليصل إلى 193 مليار دولار فقط، بعدما تعدى حجمها الـ 218 مليار دولار عام 2007. كما تتوقع الهيئة أن يتراجع حجم القروض هذا العام أيضاً بنسبة 10 في المائة، ليصل إلى 174 مليار دولار، والعام المقبل (2010) بنسبة 1.6 في المائة ليصل إلى 171 مليار دولار.

ويأتي هذا التراجع بعد ثلاث سنوات من النمو في الأسعار، التي وصلت نسبته 11.5 في المائة تقريباً حتى أغسطس (آب) العام الماضي.

الأسواق الدولية الأخرى أقل حظاً من كندا، إذ أشارت التقارير إلى أن أسعار العقارات في جزيرة سنغافورة تراجعت بنسبة 5.7 في المائة خلال الربع الأخير من العام الماضي، وهي أسوأ نسبة تراجع في أسعار العقارات منذ أكثر من عشر سنوات، أي منذ عام 1998. ويبدو أن أزمة الائتمان الدولية والركود الاقتصادي قلّلت من عدد المستثمرين المتجهين إلى الجزيرة. وكان الربع الأخير من العام الماضي هو الربع الثاني الذي تشهد فيه أسعار العقارات تراجعاً في الجزيرة التي شهدت طفرة عقارية ممتازة خلال السنوات الأربع قبل ذلك.

وقد تراجعت أسعار الشقق في المناطق الرئيسية في العاصمة سنغافورة بنسبة 6.5 في المائة تقريباً، وفي بعض المناطق الأخرى بنسبة 5.5 في المائة، وفي المناطق الجانبية من الجزيرة بنسبة 4.7 في المائة. ويتوقع الاقتصاديون أن ينكمش الاقتصاد في البلاد بنسبة 2 في المائة هذا العام للمرة الأولى منذ عام 2001. ويقول أونغ شون فاه من مؤسسة (DTZ) العقارية الاستشارية إن «عدد الصفقات العقارية تراجع بشكل دراماتيكي، فالذين يريدون البيع، مضطرون لتخفيض أسعارهم، والذين يريدون الشراء يبحثون عن أسعار مغرية ورخيصة.. لا تبدو هناك أي علامة للتعافي هذا العام، ويتوقع أن تواصل الأسعار تراجعها خلال الربع الأول من العام الحالي».

وقد أعلنت مؤسسة «سيتي ديفالبومنتس» (City Developments Ltd)، وهي المؤسسة الثانية من ناحية الحجم في الأسواق العقارية، أنها ستؤجل بيع عقاراتها الجديدة حالياً، بسبب التراجع في الأسعار والوضع الاقتصادي العالمي. ويبدو أن المستثمرين الكبار والمؤسسات المهمة يفضلون الانتظار والصمود أمام العاصفة بدلاً من تخفيض أسعارهم في الوقت الحالي.

وقد تم بيع ما لا يقل عن 10.450 ألف شقة غير مفروشة العام الماضي بشروط إقراضية جديدة، حسب الأرقام الرسمية.

وأما على صعيد الأوضاع العقارية في القارة الأوروبية، خاصة في إسبانيا، فإن الأرقام الجديدة تقول إنه لن يتم بيع أو التخلص من عدد المنازل الشاغرة الكبيرة في الأسواق قبل نهاية العام 2010. وتقدر الأرقام الرسمية أن هناك ما لا يقل عن مليون منزل شاغر في جميع أنحاء البلاد، معظمها على الخطوط الساحلية التي كانت تجذب كثيراً من المستثمرين الأوروبيين والأميركيين وغيرهم قبل بدء أزمة الائتمان. وكانت معظم هذه المنازل قد بُنيت في السنوات القليلة الماضية، لتلبية الطلب العالي للمستثمرين البريطانيين قبل بدء الأزمة، إلا أن أزمة الائتمان والوضع الاقتصادي في بريطانيا لَجَم هذا الطلب، وأدى إلى جفافه تماماً.

ولذا يُتوقع أن تضاف المنازل المبنية هذا العام والعام المقبل إلى لائحة هذه المنازل الشاغرة، وتسهم في تراجع أكبر في الأسعار. وتقول هيئة البنّائين إنه تم بناء ما لا يقل عن 600 ألف منزل خلال العام الماضي، وكان قطاع البناء على نشاطه المعتاد العام الماضي، على الرغم من الأزمة التي تمر بها السوق العقارية، والتراجع الحاد على عدد الصفقات. ومع هذا يتوقع أن يتراجع عدد المنازل الجاهزة هذا العام، ليصل إلى 300 ألف منزل فقط.