المستثمرون يتجهون نحو آسيا للعثور على صفقات رخيصة

تركيا وتايلاند والفلبين أكثر الدول إغراء

TT

يتطلع الكثير من المستثمرين العقاريين الدوليين هذه الأيام إلى القارة الآسيوية ومواقعها وأسواقها العقارية الهامة والناشئة أحيانا، لتركيز استثماراتهم العقارية بعيدا عن الأسواق الأميركية والأوروبية، التي لا تزال تعاني من التراجعات الحادة في الأسعار وعائدات الإيجار، بسبب أزمة الائتمان الدولية وما تبعها من أزمة النظام المصرفي والمالي حول العالم. ويشير الكثير من التقارير والاستفتاءات، إلى أن آسيا تشكل أفضل الأسواق للعثور على صفقات رخيصة ومربحة للعام الحالي (2009).

وبدا أيضا من الاستطلاعات التي أجريت، ومنها استطلاع وكالة «رويترز» الإخبارية، في أوساط المستثمرين، أن العاصمة البريطانية لندن، من الأمكنة التي يحاول فيها المستثمرين إيجاد فرص ممتازة، بسبب رخص الأسعار. ويقول تيم مورفي عن مؤسسة «آي بي غلوبال» في هونغ كونغ، الذي يملك ما لا يقل عن مائة عقار حول العالم، إنه بدأ يبحث عن بعض العقارات لبعض الزبائن الميسورين أو الأغنياء: «لقد قدمت للتو من لندن، وكان مشواري مفيدا جدا، ورغم القلق الكبير على الاقتصاد والنظام المصرفي في بريطانيا، فإن هناك الكثير من الفرص النادرة في لندن، وخصوصا في قطاع العقارات السكنية الجاهزة». ولأن الكثيرين من المستثمرين يحاولون حاليا التخلص من عقاراتهم أو استثماراتهم، فإن التخفيضات تتراوح أحيانا بين 30 و60 في المائة على سعر العقار، وهذه نسبة كبيرة، نسبة إلى أسعار العام الماضي. أضف إلى ذلك تراجع سعر صرف الجنيه الإسترليني والدولار، إذ أن العقار الذي كان معروضا في الأسواق بمليوني دولار العام الماضي يمكن شراؤه حاليا بما قيمته 600 ألف دولار، حسب تأكيد مورفي.

ويطلب مورفي من المستثمرين التطلع إلى هونغ كونغ والصين كإحدى أهم الأسواق في آسيا حاليا، رغم أن هونغ كونغ ستتعرض لأيام صعبة عقاريا خلال النصف الأول من هذا العام. وينصح مورفي المستثمرين بشراء العقارات الجيدة حاليا بعد فصل الصيف (النصف الثاني)، أي حين تتراجع الأسعار بشكل أكبر. ورغم أن عائدات الإيجار تتراجع يوميا مع تكلفة القروض العقارية ومعدلات الفائدة أيضا، فإن شراء منزل أو عقار في هونغ كونغ بسعر يتراوح بين 250 ألف دولار و640 ألف دولار، قد يوفر عائدات ربحية لا تقل نسبتها عن 6 في المائة. ويتفق ديفيد إدواردز أيضا عن مؤسسة «لانغ لاسال» (Lang LaSalle) الاستثمارية الدولية المعروفة، مع مورفي، إذ يؤكد أن المؤسسة ستتجه إلى هونغ كونغ وسنغافورة، للعثور على عقارات وصفقات ممتازة لأنهما من أكثر الأسواق عرضة للتراجعات هذا العام، وأسرعها تصحيحا للأسعار. ويتوقع أن تصل الأسعار إلى الحضيض في هذه الجزر قبل بقية الأسواق الآسيوية الأخرى هذا العام.

ويقول إدواردز في هذا الصدد: «من المبكر معرفة ما إذا كان النصف الثاني من عام 2009 أم النصف الأول من العام 2010 أفضل للشراء، لضبابية الوضع نتيجة الذعر الحاصل في أوساط المستثمرين، لكن من الأفضل للمستثمر أن يكون جاهزا للتحرك». ويعارض مارك كاليندار عن مؤسسة «شرودار الاستثمارية» الدولية، مورفي، حول لندن وبريطانيا، إذ لا ينصح المستثمرين بالاقتراب من الأسواق حاليا في العاصمة البريطانية، إذ أن التراجع على الأسعار في منتصف الطريق، ولم يصل إلى الحضيض بعد. ويتوقع كاليندار أن تتراوح نسبة التراجع على الأسعار العام الحالي في بريطانيا بين 10 و15 في المائة.

ويتوقع روبرت لي الذي يعمل لدى مؤسسة «راديفكو» الهولندية المختصة باستثمارات هونغ كونغ وآسيا، أن بعض الأسواق الآسيوية ستتعافى قبل غيرها من المناطق العقارية الأخرى حول العالم. وينصح المستثمرين بالتوجه إلى الصين، رغم أن القوانين تتطلب من الأجنبي المكوث سنة هناك قبل الشراء. ومع هذا يعتبر لي هونغ كونغ مكانا ممتازا ومناسبا للاستثمار العقاري حاليا، بسبب سرعة التصحيح على الأسعار في أسواقها، كما سبق وذكرنا. ويوضح لي أن هناك شحّة كبيرة في بعض الأسواق الآسيوية، خصوصا في قطاعي الأراضي والشقق السكنية. ويفضل البعض أسواقا أخرى للاستثمارات في القارة الآسيوية، مثل آرون فيشر رئيس قسم الأبحاث العقارية في «سي إل إس إيه» (CLSA)، الذي يفضل أيضا الانتظار قليلا قبل الشروع في أي صفقة حاليا. وحسب فيشر، وقد باع منزله في أستراليا قبل فترة، فإن أفضل الأسواق الآسيوية هي الأسواق التي لم تتعرض لتراجع حاد في الأسعار، مثل إندونيسيا، واليابان التي قليلا ما تتحرك أسعار العقارات السكنية فيها. وفيما يركز البعض على اليابان وغيرها، يروج البعض للأسواق الأسترالية وأسواق مدينة سيدني بشكل خاص. ومن هؤلاء بريت مكارثي من «كينيديكس ترست»، الذي يعتبر سيدني مدينة ممتازة للاستثمار على المدى البعيد، بسبب النمو الذي تشهده المدينة بشريا وإسكانيا، ولذا يتوقع أن تعاود الأسعار فيها الارتفاع في المستقبل، رغم بعض المشكلات التي تواجه بعض المناطق حاليا.

ومع اقتراب تعميد مدينة إسطنبول التركية التاريخية كعاصمة ثقافية لأوروبا العام المقبل (2010)، يتوقع الخبراء ارتفاع عدد السياح بشكل ملحوظ في تركيا هذه السنة (بنسبة لا تقل عن 10 في المائة)، وبالتالي ارتفاع عدد المستثمرين الأجانب والراغبين في شراء العقارات السكنية والتجارية. وتعتبر تركيا من أهم عشر دول في العالم حاليا في القطاع السياحي، إذ ارتفع عدد زوارها من 26 مليونا عام 2006 إلى 32,5 مليون العام الماضي (2008)، ووصلت العائدات إلى 21 مليار دولار تقريبا. ويُتوقع أن يصل الرقم هذا العام إلى 27 مليون زائر تقريبا. ومن شأن ذلك التأثيرُ على حركة سوق العقار والمستثمرين الأوروبيين.

وقد شهدت تركيا تطورا كبيرا على قطاع المكاتب العقارية والمؤسسات التي تتعاطى العقار وشأنه، لمواكبة التطورات المتسارعة في الأسواق الأوروبية. وعلى هذا الأساس أيضا يتوقع أن يشهد القطاع العقاري التركي هذا العام حركة ممتازة. ويتوقع أن يلجأ الكثير من البريطانيين الذين يتزايدون يوميا في تركيا، باستغلال التراجع الحاصل على الأسعار في تركيا، أسوة ببقية الدول الأوروبية، وتراجع أسعار صرف الجنيه الإسترليني أمام اليورو، ووضع استثماراتهم في الأسواق التركية التي تقدم عائدا ممتازا على البعيد للطلب العالي بشكل عام. ويتوقع الكثير من السماسرة في إسطنبول أن يكون التراجع على الأسعار في بعض المناطق الهامة عاملا جاذبا لشتى أنواع المستثمرين، الذين احتجبوا عن تركيا بسبب أسعارها المرتفعة خلال السنوات القلية الماضية. وقد بدأت السفارة البريطانية في تركيا بإعطاء النصائح القانونية للبريطانيين الراغبين في تملك عقارات في البلاد، بعد الكثير من الشكاوى من تعاملات غير شرعية في قطاع العقار. وفي غياب شفافية حكومية، تنصح السفارة وبعض الدول الأخرى المستثمرين بالتعامل مع الشركات بدلا من الأفراد، ووضعت لائحة بالشركات التي يمكن الوثوق بها.

على أية حال فإن التقارير الأخيرة أشارت إلى ارتفاع نسبة العائدات على الإيجار بشكل كبير في تركيا في ظل الظروف الحالية. وتقول بعض التقارير إن نسبة العائدات ارتفعت من 5 في المائة العام الماضي إلى نحو 40 في المائة في بعض المناطق الهامة.

وفي هذه الأثناء، ورغم أن تايلاندا تكون عادة على رأس الدول الجاذبة للمستثمرين العقاريين في جنوب شرق آسيا، يتحدث الكثير من العارفين بعالم العقار عن الفلبين كمحطة عقارية هامة لهذا العام، وخصوصا على الصعيد الاستثماري، إذ أن البلاد تتمتع بأحوال جوية استوائية حارة، ورخيصة من ناحية المعيشة، ويسهل الوصول إليها هذه الأيام من جميع دول العالم. كما تنمو الفلبين سنويا من الناحية السياحية، وقد ارتفع عدد الزوار نهاية العام الماضي بنسبة 4 في المائة مقارنة بالعام السابق (2007)، حسب معلومات البنك المركزي. أضف إلى ذلك أن البلاد، التي تضم 7 آلاف جزيرة، تستخدم اللغتين الإنجليزية والفلبينية رسميا، مما يمنحها أفضلية على بعض أسواق الدول المجاورة في القارة الآسيوية. ويحاجّ البعض أيضا أن الاقتصاد الفلبيني ينمو سنويا، وقد تعافى من أزمات الثمانينات الحادة، وتعتبر من البلدان الصناعية الناشئة التي تضم قطاعا هاما للمناجم وقطاعا ضخما للتصنيع الاستهلاكي، من المواد الكيميائية والبلاستيكية، إلى الأدوات الإلكترونية وغيره.

وقد توقع تقرير سابق لبنك «غولدمان ساكس» أن تكون الفلبين إحدى أهم الدول في العالم اقتصاديا في هذا القرن، أو أحد أكبر الاقتصادات في العالم، إلى جانب الصين والهند بالطبع. وينصح المستثمرون بالتوجه إلى الفلبين عقاريا بسبب أمان أسواقها، إذ أن الحكومة اتخذت الكثير من الإجراءات وعملت على الكثير من الإصلاحات المالية والقانونية، حسب تقرير للبنك الدولي، لتصمد أمام أي أزمة وتتعايش معها. ومن شأن ذلك جذب المستثمرين العقاريين الباحثين عن أسواق مستقرة نسبيا، في ظل التخبط والمخاوف والتردد الذي تشهده الأسواق العالمية. ويقول تقرير البنك الدولي، إن قطاعي البناء والاستثمار يشهدان نموا ملحوظا، ويعتبران من أقوى القطاعات من ناحية الأداء، مما أدى إلى ارتفاع العائدات والأرباح هذا العام.

أضف إلى ذلك أن هناك ما لا يقل عن 8 ملايين فلبيني في الخارج، وخصوصا في دول الخليج العربي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وغيرها من الدول الأوروبية. وعادة ما يحرك هؤلاء الأسواق العقارية عبر رغباتهم في تملك منزل للاستقرار والتقاعد. وعادة ما تعتبر تكلفة تملك الأجنبي للعقار في الفلبين أقل من غيرها من البلدان المجاورة. وقد بدأ الكثير من المستثمرين في الاهتمام بقطاع الفنادق أيضا، وتطويره والاستثمار فيه، إذ أن نوعية الفنادق في البلاد عالية جدا، وتتساوى مع نوعية الفنادق في الولايات المتحدة وأوروبا. ويجذب مشروع «بلو كورال ريزورت آند سبا» في جزيرة ماكتان (Mactan) الكثير من المستثمرين هذه الأيام. وتقدم الجزيرة الجميلة وسط الفلبين وفي مضيق بوهول، شواطئ رائعة، مع خدمات خاصة بالغطس وملاعب الغولف ومراكز التسوق والترفيه الحديثة. ومع هذا يفضل الكثير من الخبراء العقاريين تايلاندا على الفلبين عقاريا، وخصوصا على المدى البعيد، للكثير من الأسباب، أهمها النمو المتواصل للاقتصاد في البلاد، والتطور الحاصل على قطاع المواصلات، وسهولة التنقل ورخصه، بالإضافة إلى رخص الأسعار نسبة إلى الدول الغربية. وتجذب المناطق الساحلية الرخيصة والبعيدة عن العاصمة بانكوك الكثير من الأجانب هذه الأيام، مع ارتفاع عدد السياح سنويا، كما هو الحال مع تركيا. ويؤكد تقرير لمؤسسة نايت فرانك المعروفة، أن أسعار العقارات في تايلاندا ارتفعت ونمت خلال السنوات القليلة الماضية بنسبة لا تقل عن 7 في المائة. وتنصح المؤسسة المستثمرين بالتوجه إلى القطاع العقاري السياحي والساحلي في البلاد لتحقيق عائدات ربحية ممتازة.