سوق العقارات في مصر 2009: مزيد من الفرص قليل من الأرباح

مستثمرون يتوقعون جني مكاسب حقيقية في 2010

TT

شقة للبيع بمدينة السادس من أكتوبر مساحتها 130 مترا مربعا تشطيب لوكس حمَّام سيراميك بالطابق الخامس، والسداد، نهائي 120 ألف جنيه، وقسط شهري 800 جنيه حتى سداد باقي الأقساط على 5 سنوات قادمة.

لدينا فقط ولمدة محدودة 200 فدان بالتجمع الخامس (عمارات+فيلات+حدائق) خالصة الثمن ومسجلة، وتبلغ نسبة المباني من إجمالي مساحة الأرض 50 في المائة، وباقي النسبة مساحات خضراء مفتوحة. مطلوب ألف جنيه للمتر المربع. طريقة السداد 25 في المائة دفعة تعاقد واستلام، والباقي على 3 سنوات بواقع 25 في المائة من باقي المبلغ سنويا. للراغبين في التميز شقة 230 مترا مربعا تطل على ميدان سفير بمصر الجديدة، والشقة مكونة من3 غرف و2 حمام و2 ريسبشن كبير، وهي تشطيب سوبر دي لوكس، وبها فرش فاخر جدا (5 نجوم) مطلوب 1250000 جنيه.

كثرت مثل هذه الإعلانات التي تبحث عن مشترين لشقق وفيلات وأراض في ضواحي العاصمة المصرية القاهرة والمدن الجديدة المحيطة بها. لكن مقاولين ومستثمرين عقاريين يتوقعون أن تكون السمة الغالبة على سوق العقارات في مصر خلال عام 2009 هي «مزيد من الفرص مع قليل من الأرباح»، وذلك لعدة أسباب تتعلق بالأزمة المالية العالمية، وتقلبات أسعار المواد الخام الداخلة في البناء، إضافة إلى صدور عدة تشريعات تتعلق بالعقارات بشكل عام. ويقول أحمد زكريا مدير المشروعات في الشركة العربية للاستثمار العقاري والزراعي «إنه رغم أعمال البناء المتسارعة التي يقوم بها القطاعان الخاص والحكومي، إلا إن مصر ما زالت قادرة على استيعاب المزيد من المشروعات الإسكانية وما تتطلبه من مشرعات في البنية التحتية مثل مد خطوط المياه والكهرباء والصرف الصحي ورصف الطرق وغيرها من أعمال تلهب خيال المقاولين المعنيين بالبناء والتعمير في المشرعات العقارية». لكن زكريا توقع، مع تزايد عروض بيع الأراضي والشقق الكبيرة المتميزة والفيلات الفاخرة وما صاحبها من تراجع في الأسعار، أن ينصب عمل المستثمرين الصغار ومتوسطي القدرة على العمل في العام الجديد على «إنفاق مزيد من الأموال للحصول على فرص سواء من خلال شراء عقارات أو أراض جاهزة بمرافقها، أو فيلات يمكن إعادة طرحها للبيع بعد تعافي السوق العقارية في العام المقبل».

ويضيف جمال محسن، من مكتب عقارات المروة بالسادس من أكتوبر أن «الشقة التي أعلن صاحبها عن بيعها وتبلغ مساحتها 130 مترا وذات تشطيب لوكس في وسط المنطقة المتميزة هنا، كان سعرها يصل إلى 150 ألف جنيه حتى بداية العام الماضي إضافة للأقساط الشهرية المتبقية عليها، لكن طلبنا من صاحبها تخفيض السعر إلى 120 ألف جنيه، حتى يمكن بيعها.. الناس (في السادس من أكتوبر) تخشى من تراجع جديد في أسعار العقارات بمرور الوقت، خاصة بعد التراجع الذي شهدته البورصة المصرية على خلفية الأزمة المالية العالمية.. في رأيي أن هذا الأمر لن يطول كثيرا، وأتوقع أن تعاود أسعار العقارات الارتفاع، لأن الطلب في الحقيقة ما زال أكبر من المعروض».

ويتابع جمال قائلا: «المشكلة أن هناك أصحاب عقارات.. خاصة الشقق الفاخرة والفيلات المتميزة، يصرون على البيع رغم انخفاض الأسعار، وذلك بعد أن خسروا أموالا في البورصة، وفي المقابل بدأ مستثمرون لديهم سيولة مالية في اغتنام مثل هذه الفرص، وشراء عقارات في أماكن يرون، وأرى أنا أيضا، أن الأسعار فيها ستتضاعف مع مطلع عام 2010، أو مع تحسن أوضاع البورصة».

ويعتقد مستثمرون مصريون خاصة من ذوي القدرات المتوسطة وما زالت لديهم القدرة على السداد النقدي الفوري، أن أسعار العقارات في المدن الجديدة المحيطة بالقاهرة سوف تعاود الارتفاع مجددا في غضون عام على الأقل، لعدة أسباب، يذكر منها المستثمر العقاري في القاهرة الجديدة، جمال أبو الدهب، مشروعا حكوميا بنقل العديد من الوزارات الحكومية للمدن الجديدة، ومشروعا آخر بمد خطوط المترو والترام وغيرها من وسائل المواصلات السريعة إلى تلك المدن، إضافة لتوقعه بعودة ميزان البورصة للتعافي مع تراجع الأزمة المالية العالمية. ويسعى أبو الدهب، بالاشتراك مع مستثمرين عقاريين من ذوي القدرات المتوسطة، لشراء قطعة أرض من مئات قطع الأراضي التي أصبحت معروضة للبيع في مناطق التجمع الخامس (الاسم الأكثر شيوعا لمدينة القاهرة الجديدة شرق العاصمة). ويقول إنه لاحظ تغيرا منذ أواخر العام الماضي، حتى الآن، يتلخص في أن العروض كثيرة وبنظم سداد مريحة.. والإقبال على الشراء لا يذكر، هناك 75 فدانا مسجلة بالتجمع الخامس تصلح لبناء عمارات وفيلات على 50 في المائة من إجمالي مساحة الأرض، وباقي المساحة للحدائق، وهي جاهزة للعمل عليها.

وتبلغ قيمة الأرض المعروضة للبيع التي يتحدث عنها أبو الدهب بـ 350 مليون جنيه، ويمكن سداد ربع المبلغ، وسداد الباقي على ثلاثة أقساط سنوية كل قسط حوالي 78 مليون جنيه.

ومع أن الطلب على الوحدات السكنية في البلاد يبلغ حوالي 360 ألف وحدة سكنية سنويا، إلا أن هناك مستثمرين يخشون المزيد من التراجع في أسعار العقارات في عام 2009، مع عدم يقين بعودتها للارتفاع في عام 2010، بسبب ما يتردد من توقعات باستقرار الانخفاض في أسعار الحديد وغيره من مواد البناء في البلاد، بعد أن تمت معاقبة منتجين للأسمنت بالحبس بتهمة محاولة الاحتكار ورفع الأسعار، وبسبب فتح الباب لاستيراد حديد التسليح من الخارج، وبناء مصانع جديدة ستدخل حيز الإنتاج في العامين القادمين. وكذلك يتوقع مستثمرون عقاريون آخرون أن يؤثر تطبيق قانون حكومي خاص بالضرائب العقارية على قيمة الوحدات السكنية، ويقول أحمد محمد عبد الرازق المدير المالي في الشركة الأفريقية للإنشاءات والتسويق العقاري، «إن تنفيذ قانون الضريبة علي العقارات المبنية سيسهم بشكل غير مباشر في تقنين أوضاع مئات الآلاف من العقارات من حيث مستوى البناء ومستوي التشطيبات ونوعية الخامات المستخدمة في البناء.. هذا سيسهم في خفض أسعار العقارات في بعض المناطق خاصة داخل المدن القديمة، وزيادة أسعارها في مناطق أخرى بالمدن الجديدة». ويقول مسؤول بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بمصر إنه منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وأسهم شركات الإسكان في البلاد آخذة في التراجع، لكن لا يمكن وضع مقياس محدد عن توقعات نهائية بما سيكون عليه الحال في العام المقبل، لعدة أسباب منها أعمال المضاربة في مواد البناء، التي لا تخضع لأية أسس، وكذلك احتكار بعض المنتجين لإنتاج مصانعهم من الحديد والأسمنت رغبة منهم في تعطيش السوق وزيادة الأسعار.. لكن مع اتخاذ إجراءات رادعة حيال المنتجين والتجار المتعاملين في مواد البناء، ومع تعافي الأسهم العقارية في البورصة، يمكن أن يعود الاتزان والانتظام إلى سوق العقارات بنهاية هذا العام، خاصة مع دخول شركات ومصارف مجال العمل في التمويل العقاري. وإلى جانب المستثمرين المصريين الصغار ومتوسطي القدرة، من المتوقع أن ينتهز المستثمرون الكبار من المصريين والعرب، وشركاتهم الرئيسية المسجلة في البورصة، الفرصة لترتيب أولويات العمل في العام الجديد، واستغلال تراجع عمليات البيع والشراء بالسوق العقاري في الدخول واغتنام فرص الشراء والبيع بنظام التمويل العقاري لمن لا يملكون إمكانية السداد النقدي الفوري من المستهلكين والراغبين في امتلاك وحدات سكنية جديدة، خاصة بعد زيادة ملحوظة في الطلب خاصة على الإسكان المتوسط. وعلى هذا الصعيد من المقرر أن يبدأ بنك المشرق- مصر، وهو بنك تابع لبنك المشرق الإماراتي، العمل بداية من الربع الأول من هذا العام في التمويل العقاري بمصر من خلال شركة يمتلكها متخصصة في هذا الغرض، يبلغ رأسمالها 50 مليون جنيه. ويأتي ذلك في سياق توقع حكومي بأن تزيد قيمة القروض الممنوحة من شركات التمويل العقاري إلى مثليها تقريبا لتبلغ أكثر من أربعة مليارات جنيه (نحو 750 مليون دولار) بنهاية النصف الأول من هذا العام بحسب ما أعلنه أخيرا وزير الاستثمار المصري محمود محيي الدين.

ورغم أن مشكلة التمويل العقاري التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية وأسهمت في الأزمة المالية العالمية، فإن نظام التمويل العقاري المحدود في مصر لم يتأثر، لكن هذا لم يمنع بعض المستثمرين من الدخول لاستغلال حالة التراجع في أسعار العقارات في 2009 على أمل العودة لجني المكاسب والأرباح حين عودة الأسعار للارتفاع في عام 2010، لكن دون وجود ضمانات مؤكدة لذلك.