تقرير: العقار الفرنسي مستمر في التدهور

التراجع مرشح لثلاث سنوات.. والفرص معدودة

العقارات الفرنسية مرشحة لفترة ركود قبل النمو («الشرق الأوسط»)
TT

من يريد الاستثمار السريع في العقار الفرنسي عليه الابتعاد عن الشراء لمدة ثلاث سنوات على الأقل. فالتقرير الأخير من هيئة وكالات بيع العقار الفرنسية (FNAIM) يرسم صورة رمادية للسوق. فحسب التقرير ربع السنوي الأخير لها قالت الهيئة إن تراجع أسعار العقار الفرنسي في الربع الأخير من العام الماضي تسارع إلى ما يشبه التدهور. واستبعدت الهيئة أي تغيير في توجهات تراجع الأسعار خلال السنوات الثلاث المقبلة. وعلى المستثمر الأجنبي أن يسأل نفسه: هل لديه الشجاعة الكافية لدخول سوق متراجعة لاقتناص الفرص المعدودة فيها الآن، أم انتظار المزيد من التراجع؟

وكانت أسعار سوق العقار الفرنسي قد تراجعت بنسبة خمسة في المائة خلال الربع الأخير من عام 2008 وحده، علاوة على انخفاض آخر نسبته 3.5 في المائة خلال الربع الثالث من العام نفسه. ولأن أسعار العقار الفرنسي واصلت ارتفاعها خلال النصف الأول من العام الماضي، فإن متوسط التراجع خلال العام لم يتعد 4.9 في المائة. وعلى خلاف بريطانيا لم يتأثر قطاع الشقق أكثر من المنازل، حيث بلغ متوسط تراجع أسعار الشقق الفرنسية خلال العام الماضي حوالي 1.2 في المائة فقط.

وتقدر الهيئة أن يكون معدل الانخفاض السعري الحقيقي للمنازل الفرنسية قد بلغ نحو 10 في المائة خلال العام الأخير. ولكن هناك اختلافات كبيرة بين المناطق، ففي الجنوب الشرقي الذي شهد في الماضي ارتفاعات كبيرة، انخفض معدل الأسعار بنسبة 20 في المائة، بينما لم تزد هذه النسبة عن 11 في المائة في منطقة الجنوب الغربي. وكانت النسب اقل في الشمال الفرنسي لأنه حافظ على معدلات واقعية في السنوات الماضية.

وفي قطاع الشقق كانت أكبر نسبة تراجع في مدينة كان التي هبطت أسعارها بنسبة 13.2 في المائة، بينما ارتفعت الأسعار في بعض المدن الفرنسية الأخرى مثل ليموج ونيس بمعدلات وصلت إلى 6 في المائة أحيانا.

ومن هذه الفوارق يمكن للمستثمر أن يستخلص أن فرنسا ليست متجانسة عقاريا وان بها في الواقع عدة أسواق عقارية غير متوازية. ويضع هذا الوضع عبئا إضافيا على المستثمر لكي يحسن اختيار الموقع وتوقيت الاستثمار، ويتيح له في الوقت نفسه كثيرا من الفرص حتى في أشد أوضاع السوق صعوبة.

ويتوافق تقرير هيئة وكالات بيع العقار الفرنسية مع تقرير آخر سبق وأصدرته مؤسسة أبحاث عقارية فرنسية أخرى اسمها «سنتوري 21»، ولكن تقرير المؤسسة كشف عن تراجع أكثر عمقا بلغ 18 في المائة في بعض المناطق.

وعلى أرض الواقع، تؤكد شركة تسويق العقار الفرنسية «لافوريه ايموبيلي» أن المشترين خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي نجحوا في الحصول على تخفيضات بلغت نحو 20 في المائة على عقارات تفاوضوا على شرائها. وبغض النظر عن الفروق النسبية، فإن الصورة العامة للعقار الفرنسي ترسم تراجعا في الأسعار لا شك فيه. وتقدر هيئة وكلاء بيع العقار الفرنسية انخفاضا إضافيا خلال هذا العام يصل في المتوسط إلى نحو 10 في المائة، مع نسب تراجع أخرى في عامي 2010 و2011. وقدمت هيئة وكالات العقار الفرنسية عدة سيناريوهات لتحركات أسواق العقار في المدى المنظور. والسيناريو الأرجح في نظر الهيئة هو أن تتباطأ نسبة التراجع إلى خمسة في المائة في عام 2010 ثم إلى ثلاثة في المائة في عام 2011، متزامنة مع انخفاض في الفائدة على اليورو، ومع ارتفاع الطلب العقاري الفرنسي.

ومن ناحيته أصدر تقرير «الشهر العقاري» في باريس قبل أسابيع أيضا مراجعة لثلاثة سيناريوهات متعلقة بتحولات متوقعة في مبيعات العقار في العاصمة باريس. وتعددت السيناريوهات نظرا لغموض التحولات الاقتصادية الأوروبية والفرنسية. وفي كل الأحوال لا يعتقد «الشهر العقاري» أن التحسن سوف يطرأ على الأسواق العقارية قبل الربع الأخير من عام 2009.

وفي السيناريو الأول، سوف تتراجع المبيعات هذا العام بنسبة 20 في المائة عما كانت عليه في العام الماضي، وتضاف هذه النسبة إلى تراجع في العام الماضي بلغ 15 في المائة. وسوف تكون اكبر نسبة تراجع في القطاع العقاري الأوسط الذي يضطر فيه أصحاب العقار أحيانا للبيع بأي ثمن.

أما السيناريو الثاني، فهو الأكثر تفاؤلا حيث يتوقع استقرار الأسواق ومعدلات المبيعات هذا العام مع إجراءات اقتصادية مشجعة منها تخفيض أسعار الفائدة وعودة الإقراض المصرفي إلى طبيعته. ويعتقد باحثو «الشهر العقاري»، أو «نوتير» كما يعرف في فرنسا، أن يشجع تراجع أسعار الفائدة المشترين على العودة إلى الأسواق للفوز ببعض الصفقات قبل معاودة الأسعار لارتفاعها. فانخفاض سعر الفائدة من شأنه أن يزيد من القدرة التمويلية للمشترين.

وفي السيناريو الثالث، ترجح مصادر «نوتير» استمرار السوق في النشاط خلال هذا العام في التحرك العرضي بلا اتجاه واضح، مثل السفينة التي تعطل محركها لتتهادى بلا وجهة معلومة وفق تيار البحر، مع توجه إلى انخفاض طفيف هذا العام قد يصل إلى نحو 5 في المائة. وتشير ترجيحات السوق إلى أن هذا السيناريو الأخير يتوافق مع بعض الشركات التي تؤكد أن حالة عدم وجود وجهة واضحة للسوق تبدو ظاهرة بالفعل من الآن.

فمع بعض العوامل المشجعة مثل توجه الفوائد وأسعار العقار نحو التراجع مع وجود طلب كامن قوي، توجد أيضا بعض العوامل السلبية مثل تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والخوف منها بين هؤلاء الذين ما زالوا يحتفظون بوظيفة.

ولكن الملاحظ أن كل سيناريوهات «الشهر العقاري» تختتم بملاحظات إيجابية حول توقعات المدى البعيد حيث حتمية معاودة الأسعار لارتفاعها بسبب الطلب الديموغرافي وتراجع إمدادات العقار الجديد بسبب الكساد.

ومع الأخذ في الاعتبار لكل هذه العوامل مجتمعة تبدو مسألة الشراء في فرنسا مجدية على المدى البعيد، وهناك بالفعل رصد لنشاط متزايد من قطاعات استثمار أجنبية تدخل السوق الفرنسية الآن عبر آلاف الاستفسارات ومئات التعاقدات التي تجرى عبر الانترنت شهريا.

الجانب الحيوي من هذا النوع من الاستثمار هو التأكد من هوية الشركات الفرنسية التي تعرض عقارات للبيع. ويمكن هذا عبر الاطلاع على المعلومات القانونية التي توجد في أسفل صفحات المدخل لكل شركة. وتشمل هذه المعلومات اسم وعنوان الشركة ورقم تسجيلها. وإذا كانت هذه المعلومات غير متاحة فالأفضل تجنب التعامل مع هذه الشركات.

كما يمكن التأكد من هوية الشركات بالاستعلام عن رقم تسجيلها في موقع فرنسي آخر اسمه (infogreffe.fr) وذلك بإدخال رقم تسجيل الشركة للتأكد من صحة بياناتها.

وهناك بعض النقاط القانونية الفرنسية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند التعامل مع شركات الانترنت المسجلة في فرنسا. فلو تم التعاقد على وحدة عقارية معينة وتم دفع مقدم لها ثم اتضح أن الشركة لا تستطيع أن توفر الوحدة العقارية، فعليها أن تعيد المقدم بالكامل للمشتري. ولها أن تعرض عليه وحدة بديلة أو مشابهة، ولكنه ليس مضطرا لقبولها.

وفي حالة الاتفاق على وحدة عقارية معينة، لا يمكن للبائع أن يغير سعر العقار المتفق عليه في التعاقد الالكتروني، حتى ولو قال (البائع) انه ارتكب خطأ في كتابة السعر. ويمكن لمحكمة أن تلغي الاتفاق إذا كان السعر المذكور غير واقعي أو خطأ واضح. وفي حالة تغير السعر للأعلى بعد الاتفاق، يمكن للمشتري أن يلغي الصفقة.

ويتيح القانون الفرنسي فترة سبعة أيام للمشتري يمكنه خلالها تغيير رأيه وإلغاء الصفقة المتفق عليها. ويقدم القانون الفرنسي أيضا بعض الضمانات الخاصة بالمواصفات ونوعية العقار (وهي ضمانات تسري أيضا على كافة السلع الفرنسية لحماية المستهلك).

وفي عام 2009 تقول عدة مصادر من بينها موقع عقار فرنسي اسمه (فرنش بروبرتي دوت كوم) إن التطلعات الاستثمارية في فرنسا تتركز أكثر في المواقع السياحية خصوصا تلك المتعلقة بالتزلج على الجليد. ففي فرنسا توجد بعض أفضل مواقع التزلج الأوروبية التي تعد أيضا من بين الأرخص قيمة.

من المناطق الأخرى التي تبدو الآن الأكثر استقرارا وجذبا للاستثمار الأجنبي بروفانس وسان تروبيه وكاب دانتيب. ولكنها مازالت تقتصر على قطاع النخبة، حيث تقول شركات العقار إن المشتري في بروفانس يحتاج إلى ميزانية لا تقل عن 1.5 مليون يورو لشراء عقار متميز في المنطقة. أما إذا كانت الميزانية اقل من ذلك فالعقارات المتاحة هي المزارع التي تحتاج إلى ترميم أو الشقق الحديثة في وسط المدن. وفي الوقت الذي تراجع فيه مؤشر الأسعار، فإن قطاع النخبة حافظ على قيمته ولم تعرض عقارات بأقل من القيمة المدفوعة فيها بعد.

وتقدر شركات العقار أن نسبة شراء الأجانب للعقارات في المنطقة تصل إلى حوالي 60 في المائة. ويواصل الأجانب شراء العقارات في المنطقة غير عابئين بتحولات الأسعار، نظرا لنوعية الخدمات المعيشية وتماسك قيمة العقار على مر السنين. وتربط المنطقة شبكة مواصلات جيدة ببقية أنحاء فرنسا عبر خطوط حديدية سريعة، كما يوجد بالقرب منها عدد من المطارات الدولية في مرسيليا ونيس ومونبيلييه.

أما منطقة سان تروبيه على الساحل الفرنسي الجنوبي أو الريفييرا الفرنسية، فبعض الأسعار مستقرة بينما بعضها الآخر ما زال في اتجاه صعودي. وكانت المنطقة في الماضي حكرا على الفنانين ونجوم السينما ولكن هؤلاء باعوا عقاراتهم بعد الارتفاع الجنوني في الأسعار في السنوات العشر الماضية، لكي يعودوا إليها سنويا كمستأجرين أو ضيوف في الفنادق القريبة منها.

المستثمرون الجدد في المنطقة هم في الغالب من رجال الأعمال الذين يديرون أعمالهم معظم شهور العام من المنطقة، ويغادرونها خلال شهور الصيف. وفي الصيف تزدحم الشوارع بالسياح من كافة أنحاء فرنسا وأوروبا، وينتهي الهدوء النسبي الذي يميز المنطقة طوال شهور العام.

ويعزز من استمرار ارتفاع الأسعار في المنطقة ندرة الأراضي المتاحة للبناء عليها، فالمناطق الخضراء تبقى خضراء بحكم القانون، وكذلك الأراضي الزراعية. وتعتبر المنطقة كلها محمية طبيعية سواء كانت غابات أو مناطق ساحلية أو زراعية. وكل هذه العوامل تضغط على الأسعار، وتضمن عدم تراجعها. وتشهد المنطقة عودة الاهتمام الفرنسي بها حيث ارتفعت نسبة المشترين الفرنسيين فيها إلى 65 في المائة من مجموع مستثمرين آخرين من معظم أنحاء العالم. وفي منطقة كاب دانتيب يقتصر العقار في المنطقة على نحو الفي فيلا تقع في شبه جزيرة كانت منطقة وعرية شاغرة تم تطويرها منذ 150 عاما فقط. وكانت بداية تطويرها من مستثمر فرنسي اشترى مساحة من الأرض فيها وقام باستيراد التربة الخصبة لإقامة حديقة كبيرة سرعان ما جذبت انتباه العديد من المستثمرين الآخرين الذين أقاموا منتجعا ثم عدة فنادق قبل أن تتطور المنطقة بدخول العديد من الأثرياء الآخرين للإقامة فيها. وبلغت المنطقة أوج تطورها في عشرينات القرن الماضي عندما تحولت إلى منتجع للأثرياء، كما يزورها منذ ذلك الوقت العديد من مشاهير وأثرياء العالم الذين يقيمون فيها بصفة دائمة أو يزورونها على نحو دوري.

وتقول مديرة شركة «جي جي سي» العقارية في كاب دانتيب إن أحد أهم المواقع الاستثمارية يقع على الساحل في مواجهة الميناء. فالأثرياء من أصحاب اليخوت ما عليهم إلا عبور الشارع لكي يصلوا إلى عقاراتهم. وتتراوح الأسعار في هذه العقارات بين 10 إلى 12 ألف يورو للمتر المربع الواحد. ولا توجد عقارات في المنطقة حاليا معروضة للبيع، كما لا يوجد في سجلات الشركة من العقارات الساحلية سوى عدة شقق صغيرة في شرق كاب دانتيب لا يقل سعر الواحدة منها عن المليون يورو.

الإقبال الأجنبي على العقارات الفرنسية تؤكده إحصاءات مؤسسة «موني كورب» المتخصصة في تحويل العملة، فهي تقول إن الاستفسارات الأوروبية على العقار الفرنسي زادت في العام الأخير بنسبة 34 في المائة. وهي تقدر أن أسعار العقار الفرنسي ما زالت أدنى قيمة من العقارات البريطانية، ولذلك فإنها قد تحافظ على قيمتها بصورة افضل. ومما يزيد من قيمة الاستثمار الفرنسي أيضا أن اليورو يعد الآن من أكثر العملات استقرارا في العالم من حيث قيمت