تسويق دولي نشط لسوق العقار المغربية على الإنترنت يغفل الأزمة الدولية

ما زال الحديث يتردد عن مشروع النفق الذي من المتوقع أن يربط المغرب بإسبانيا أو أفريقيا بأوروبا عبر طنجة

العقارات المغربية متماسكة أكثر من غيرها في موجة الكساد («الشرق الأوسط»)
TT

لم تتراجع أسعار العقار المغربي هذا العام بدرجة ملحوظة، على الأقل في تسويقها الدولي على الإنترنت للمستثمرين الأجانب في إغفال واضح لتحولات السوق الدولية عقاريا واقتصاديا. وتؤكد مواقع بيع العقار المغربي أن «الاستثمار في العقار المغربي ذو جدوى راسخة وقيمة ظلت على ارتفاع مضطرد لفترات طويلة». ولكن موقعا واحدا على الأقل اعترف بأن السوق المغربية تعاني من «الحرارة المرتفعة» (Overheating) في الأسعار وان الأسواق التي تعاني من مثل هذه الحرارة ما تلبث ان تتراجع بشدة ولو بعد حين. ويعد هذا تحذيرا مبطنا من أن الأسعار الحالية قد تكون في ذروتها، وان كان هناك شك في انهيار القيمة بدرجة كبيرة لان الأسعار ما زالت اقل من الأسواق المنافسة لها، خصوصا في الأسواق القريبة مثل إسبانيا.

وتعدد شركات العقار مزايا السوق المغربية بأنها أحد أسرع الأسواق نموا، وانها من المواقع الأكثر استقرارا سياسيا في العالم وأفضلها طقسا طوال شهور العام. وتزيد بأن الطلب على العقار المغربي ينتشر بين المستثمرين من جميع أنحاء العالم خصوصا المستثمرين الفرنسيين الذين يعشقون المغرب حضارة وشعبا.

ولا يقتصر الاستثمار العقاري الأجنبي على شقق العطلات وإنما يتعداها إلى كل أنواع العقار التجاري والسكني. وفي السنوات العشر الأخيرة انتشر الشراء الأجنبي بين جنسيات مختلفة بغرض الإقامة أو قضاء العطلات السنوية في المغرب. وشجعت الحكومة المغربية هذا النوع من الاستثمار وفتحت المجال للأجانب ليس فقط لشراء العقار وإنما للاستثمار والبناء وبيع الوحدات لأجانب آخرين. كما سهلت الحكومة إجراءات الشراء والتسجيل لكافة المستثمرين بغض النظر عن جنسياتهم.

وتتم عمليات البيع والشراء في المغرب عبر شركات تسويق العقار المحلية أو الدولية، وكلاهما لديه مواقع على الانترنت. وفي حالات الشراء يقدم المشتري عرضا شفاهيا للشركة ويتلقى الرد بالموافقة او بعرض مغاير من البائع. وعند الاتفاق يتم نسخ عقد مبدئي عن طريق محام، وهو الاختيار الذي يفضله معظم المشترين الأجانب بدلا من التعاقدات المكتوبة من شركات العقار ذاتها. وبعد كتابة هذا التعاقد يكون الجهد الأكبر للمشتري هو تدبير التمويل، بينما ينهمك البائع في التأكد من عدم وجود موانع قانونية تحول دون البيع عند إتمام الصفقة.

وتشمل بعض التعاقدات شرط دفع المشتري لمقدم نسبته 30 في المائة من قيمة العقار في غضون فترة معينة تصل في العادة إلى شهر من التعاقد المبدئي. ويتم دفع بقية الثمن عند إتمام التعاقد النهائي. وهناك العديد من البنوك الأجنبية التي فتحت لها فروعا في المغرب بغرض تمويل صفقات بيع العقار للأجانب، ولكنها تتشدد في الشروط هذا العام ولا تقرض أكثر من 70 في المائة من قيمة العقار المتعاقد عليه. ويتم تسجيل العقار للمالك الجديد بعد دفع بقية الثمن واستكمال التعاقد النهائي. ويمكن استكمال هذه العملية في غضون أيام وتحت إشراف محام متخصص.

من الجوانب المشجعة أيضا إجراءات الحكومة المغربية المضادة للمضاربة، حيث تفرض ضرائب قيمة مضافة نسبتها 20 في المائة على العقارات التي تباع في غضون خمس سنوات من شرائها. ولكن هذه النسبة تنخفض إلى 10 في المائة حتى عشر سنوات، ثم ينتهي مفعولها بعد عشر سنوات. كما تعفي الحكومة المغربية عوائد الإيجار خلال السنوات الخمس الأولى، ولا توجد ضرائب إرث على العقارات المغربية التي تنتقل ملكيتها ضمن العائلة. وتتمتع المغرب أيضا برحلات الطيران الرخيص من أنحاء أوروبا وهو ما يزيد من جاذبية الاستثمار في عقاراتها.

ويقول موقع اسمه «بليس إن ذا صن» أو «مكان تحت الشمس» إن هناك ستة أسباب رئيسية لجدوى الاستثمار العقاري في المغرب. فالمغرب ارخص من اقرب الأسواق اليه وهو السوق الاسبانية: ويشير الموقع إلى ان اسعار العقارات المغربية لا تزيد على نصف قيمة مثيلتها الاسبانية وهي ارخص كثيرا من عقارات ايطاليا وفرنسا. وبالمقارنة مع جنوب اسبانيا التي يصل فيها سعر المتر إلى ألفي يورو، فان المتر العقاري في المغرب لا يزيد في الغالب على 800 يورو. ويضيف الموقع ان ما يفتقره المغرب من بنية تحتية يعوضه بالجمال الطبيعي.

وتعد خطة السياحة المغربية التي تعرف باسم خطة «أزور» التي تدعو إلى استثمار نحو عشرة مليارات يورو في القطاع السياحي لجذب عشرة ملايين سائح إلى المغرب بحلول عام 2010، من أهم عناصر جذب السياحة إلى المغرب وينعكس مثل هذا الإقبال على الطلب العقاري للإقامة الفندقية والسكنية. وتركز الخطة السياحية على ستة مواقع منها ما هو مخصص لتشجيع السياحة الداخلية.

وتطبق المغرب سياسة الأجواء المفتوحة في مجال الطيران منذ عام 2006، الأمر الذي شجع العديد من شركات الطيران الرخيص على تنظيم رحلات مباشرة من أوروبا إلى المدن المغربية. ويعرف الأوروبيون انهم في اقل من ثلاث ساعات وبنحو مائة يورو فقط يمكنهم السفر إلى مراكش او الدار البيضاء او فاس مباشرة. ومع زيادة اعداد السياح زاد ايضا الاقبال على العقار المغربي. وتقترب المغرب الان من تحقيق خططها السياحية بزيادة سنوية مضطردة لعدد السياح بلغت في عام 2006 نحو ستة ملايين سائح، ارتفاعا من 4.4 مليون سائح في عام 2002.

أما الاقتصاد المغربي فيتمتع بالاستقرار، خاصة بعد تطبيق العديد من خطوات الإصلاح الاقتصادي. ويتمتع الاقتصاد المغربي بنسب نمو جيدة وتجارة متوازنة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وتعتبر المدن المغربية من انجح الجهات السياحية حاليا التي تجذب العديد من المشاهير في العالم وتقدم انواعا متنوعة من السياحة وتكاليف معيشة معتدلة. وتجذب المشترين في المغرب الشواطئ ذات الرمال الناعمة الممتدة لأميال طويلة والمدن ذات العبق التراثي والثقافي العميق، بالإضافة إلى المنتجعات الجبلية ومرافق رياضات الغولف والتزلج على الجليد، والطقس المعتدل معظم فترات العام، وأخيرا روح الضيافة المغربية، وهي العامل الأهم.

أما النظام الضريبي العادل والمعتدل مع المستثمر الأجنبي فيعد من عوامل الجذب المهمة للقطاع العقاري المغربي، فالضرائب السنوية منخفضة، مع نظام إعفاءات لفترات معينة يمكنها ان تزيد من الإيراد الإيجاري. ويمكن في المغرب إعادة تصدير رأس المال بلا متاعب، كما يعفى المستثمر من ضريبة القيمة المضافة بعد عشر سنوات من الاستثمار العقاري. وتوجد اتفاقات لمنع الازدواج الضريبي بين المغرب وبعض الدول الأوروبية، من بينها بريطانيا.

وتنفتح المغرب استثماريا على الغرب والعالم العربي بالتوازن. وفي عام 2007 وقعت الحكومة المغربية تعاقدات قيمتها 2.3 مليار دولار لبناء مشاريع سياحية في المغرب من شأنها رفع الطاقة الفندقية بنحو 4200 غرفة. وشملت المشروعات تنفيذ مجمعات سياحية في مراكش تشرف عليها شركة ايبروستار الاسبانية. كما تنفذ شركة إعمار من الامارات مشروعا آخر في الشمال يضم نحو 1200 غرفة فندقية بالإضافة إلى وحدات تجارية ومركز اعمال.

وتخضع طنجة لمشروع تجميل شامل على نمط ما سبق ونفذ في مراكش، كما تنشط أسواق العقار في اصيلة والعديد من المدن الساحلية الشمالية والغربية. وفي طنجة يتم تنفيذ مشروع مارينا ساحلية وفندق خمس نجوم مع مجموعة عقارات فاخرة ومطاعم وأندية. ويبدو أن طنجة سوف تستعيد ماضيها العتيد كإحدى أجمل المدن الساحلية على البحر المتوسط. وما زال الحديث يتردد في طنجة عن مشروع النفق الذي من المتوقع ان يربط المغرب بإسبانيا، أو أفريقيا بأوروبا، ويمر عبر المدينة. ويقول مراقبون محليون انه اذا تم تنفيذ هذا المشروع فسوف تتضاعف اسعار العقار في المدينة.

ويجري على اطراف المدينة مشروع «بارادايس» السياحي الذي يضم ملعبا للغولف وشاطئا رمليا ساحرا لا يبعد اكثر من عشر دقائق من مطار طنجة الذي يتم توسيعه وتحسينه لاستقبال المزيد من الرحلات الدولية. ومن بريطانيا تطير إلى طنجة مباشرة كل من «ايزي جت» و«مونارك» للطيران الرخيص ضمن العديد من شركات الطيران الأخرى.

إحدى الشركات التي تتعامل في العقار المغربي من بريطانيا اسمها «بروبرتي بوردرز» ويقول مديرها المغربي مصطفى ميزوري ان الاستفسارات تصله من جميع انحاء العالم، وحتى من اميركا الجنوبية. وهو يؤكد اهتماما عربيا بالعقار المغربي خصوصا من الدول الخليجية المستثمرة في العقار والسياحة المغربية. وتسوق الشركة العديد من الوحدات العقارية في كل انحاء المغرب بما يلائم كافة الميزانيات. ولاحظت الشركة ان نسبة متزايدة من الاستفسارات تأتي حول امكانيات التقاعد في المغرب. وتنصح الشركة بالتوجه إلى «المناطق الناشئة» في المغرب مثل طنجة وتطوان واصيلة ولاراش.

ومما يتناقله الإعلام المغربي ان الاستثمارات السعودية في المغرب تزداد منذ ظهور بشائر الازمة الاقتصادية في الغرب. وكان الأمير الوليد قد زار المغرب في العام الماضي ووقع على تنفيذ بعض المشروعات السياحية والعقارية التي تنفذها شركة «المملكة» في المغرب.

من الشركات الاخرى التي تستثمر في طنجة شركة ديار القطرية التي تنفذ مشروعا عقاريا قيمته 600 مليون دولار على مساحة 230 هكتارا. وتطلق الشركة اسم «الهوارة» على مشروعها المتكامل الذي يضم فندقين بدرجة خمس نجوم وفندقا ثالثا بدرجة أربع نجوم، ومجموعة عقارات سياحية استثمارية اخرى مدعمة بالعديد من المرافق الرياضية وملاعب الغولف.

وفوق جبال أطلس وعلى ارتفاع ثلاثة آلاف متر تعمل شركة إعمار الاماراتية على انشاء اكبر منتجع جبلي للغولف والتزلج على الجليد في قارة أفريقيا كلها. ولا يبعد هذا المنتجع عن مراكش سوى 50 دقيقة فقط بالسيارة. ويعود انتشار رياضة الغولف في المغرب إلى اهتمام الملك الراحل الحسن الثاني بها كهواية شخصية.

ويقول أفراد من الجاليات الأجنبية الذين يقيمون في عقارات في المغرب انهم يتمتعون بالكثير من الحرية ومستوى المعيشة المرتفع بالإضافة إلى الامان اكثر من أي مكان في اوروبا. ويستطيع المقيم في مدينة مثل مراكش ان يستكشف الجبال والسواحل والصحراء بالقيادة لمدة لا تزيد على 90 دقيقة. ويمكن التزلج على الجليد والسباحة في البحر ثم التسوق في المدينة في اليوم نفسه. وفي نهاية اليوم يعود أصحاب العقارات إلى دورهم التي توفر لهم الكثير من الخصوصية.

ويتجه المستثمرون العرب إلى المنازل الخاصة، وهي تسمى (رياضا) في المغرب، من غير المرتبطة بمنتجعات. وبعض هذه الرياض قديم ويعبر عن الحياة المغربية بشكلها التقليدي، وتنتشر العشرات من هذه الرياض في مراكش بعضها جاهز للسكن والآخر يحتاج إلى ترميمات. وتتراوح الأسعار بين 150 و300 ألف يورو.

وإذا كان العرب يعرفون تماما لماذا يذهبون إلى المغرب، فأن الأوروبيين لهم أسبابهم أيضا. ويقول مستثمر بريطاني اشترى رياضا في المغرب انه بحث في كل المواقع الحديثة مثل رومانيا وفرنسا واسبانيا وفلوريدا، ولكن اختار مراكش المغربية لانها ذات شخصية خاصة يعرف الساكن فيها أين هو، ويعيش في مناخ حياة حقيقية غير مصطنعة مثل المواقع السياحية الأخرى.

وحتى العام الماضي كانت التوقعات متفائلة بقرب تنفيذ نفق الارتباط بين المغرب واسبانيا، ولكن الازمة المالية الراهنة قد تؤجل المشروع. ويؤكد وزير المواصلات المغربي ان المشروع له جدواه وانه سوف ينفذ في المستقبل. كما تشير شركات عقار محلية إلى أن الآلاف من المواطنين المغاربة يعبرون مضيق طارق شهريا بين مقار إقامتهم في أوروبا وبين المغرب وأن استخدام النفق سوف يجعل هذه الرحلات أسرع وأكثر سلاسة. ولا شك أن بناء مثل هذا النفق سوف يكون له انعكاس إيجابي على اقتصاد المغرب واسبانيا معا ولكنه يحتاج إلى تمويل دولي هائل غير متاح في الأسواق حاليا.