التحولات في سوق العقار الأميركي في 2009 غير مضمونة

بعد إقرار خطة أوباما لإنعاش الاقتصاد

مليون عقار أميركي مهدد بالمصادرة
TT

على الرغم من إقرار الكونغرس بأغلبية ضئيلة خطة الرئيس الأميركي أوباما لإنعاش الاقتصاد الأميركي وقطاع المصارف فيه على وجه الخصوص، وهي خطة يبلغ حجمها ثلاثة تريليونات دولار (3000 مليار دولار)، فإن انعكاسات هذا الجهد غير المسبوق على قطاع العقار الأميركي غير مضمونة. فمشاكل العقار المركبة تتداخل أيضاً مع مشاكل مالية واقتصادية أخرى تعالجها خطة الإنقاذ، مثل عدم قدرة البنوك على الإقراض، وفقدان الوظائف والبيع القصري للعقارات، وجميعها ينتظر تأثير خطة الإنعاش بدرجة أو بأخرى.

ويبلغ نصيب القطاع العقاري من حجم الإنفاق في هذه الخطة حوالي 50 مليار دولار يتوجه معظمها لمنع مصادرة العقارات ذات القروض المتعثرة وخفض أقساط العقار الشهرية وتغيير شروط القروض العقارية لصالح المقترض. وتأتي هذه الخطوة بعد ارتفاع نسبة العقارات المصادرة بسبب عدم قدرة أصحابها على السداد إلى 1.2 في المائة من إجمالي القروض، صعوداً من نسبة 0.4 في المائة في عام 2004.

ولم تعلن بعد كل تفاصيل الخطة، خصوصاً مع وجود تباين في الآراء بين الديمقراطيين والجمهوريين حول أولويات مجالات الإنفاق. وبالإضافة إلى شراء أصول الديون المصرفية المعدمة التي تسمى أيضاً «سامة»، يتوجه مبلغ 50 مليار دولار حكومية إلى مجالات خفض أعباء القروض العقارية. ويتم هذا عبر عدة وسائل يقول مراقبون إنها قد تشمل منح البنوك حوافز لتغيير شروط القروض المتعثرة وتقديم تسهيلات إضافية بدلا من مصادرة العقارات.

وهناك تعديلات قانونية في الطريق بهذا الشأن، من بينها مشروع قانون يتيح للحكومة ضمان عمليات إعادة تمويل القروض المتعثرة. وهناك العديد من خطط الدعم المتاحة في الأسواق من مصادر متعددة، ولكن الصعوبة التي تواجه هذه الخطط أن معظم الديون تم توريقها في مشتقات مالية بيعت لمستثمرين من القطاع الخاص في كل أنحاء العالم.

وفي الأسبوع الماضي اضطر رؤساء البنوك الأميركية إلى الامتثال أمام لجنة من الكونغرس وتلبية طلبها الغاضب بتجميد جميع عمليات مصادرة العقارات التي تجري للوفاء بالأقساط المتعثرة لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل حتى تستكمل الحكومة الأميركية إجراءات تطبيق خطة الإنعاش الاقتصادي. ومن المتوقع أن تسفر هذه الخطوة عن تجميد مصادرة نحو مليون عقار أميركي مهددة الآن حتى يتم بحث الحلول المقترحة. ويسود الولايات المتحدة حالياً مناخ معادٍ للبنوك الأميركية وشكوك حول تورطها في الأزمة. وهاجم أعضاء الكونغرس في استجوابهم لثمانية من رؤساء البنوك الأميركية سياسة الحوافز الضخمة التي تمنحها البنوك لمدرائها وسياسات الإقراض اللامسؤولة. ووعد مدراء البنوك من ناحيتهم بإعادة النظر في هذه السياسات في المستقبل.

وهناك تيار متزايد بين الأوساط الشعبية الأميركية يطالب بمد تجميد مصادرة العقارات لمدة ستة أشهر وإجبار البنوك على مساعدة ضحايا الإقراض السهل بتوفير خطوط ائتمان وتمويل أسهل على فترات أطول. وقالت إحدى هؤلاء الضحايا، وهي جيني هاليبترون، أمام لجنة مالية من الكونغرس إن البنوك خدعتها بمد قرض لها بقسط عقاري قدره 700 دولار شهرياً ولكن بعد عدة شهور اكتشفت أن قيمة القسط العقاري ارتفعت إلى 1300 دولار وهو مبلغ لا تستطيع دفعه لأنها أرملة تعيش على الضمان الاجتماعي. وأسهمت جيني بشهادتها التي وجدت تعاطفاً كبيراً معها في تحويل مسألة القروض المتعثرة إلى قضية سياسية.

وما يزيد من حجم المشكلة أن الأزمة تطال الآن قطاعات أكبر من مالكي العقار ممن اقترضوا بحرص وواظبوا على دفع أقساط القروض ولكنهم تعثروا بسبب تحولات الأزمة الاقتصادية. فبعضهم فقد وظائفه والبعض الآخر انتهت فترات القرض العقاري الميسر واكتشف أن إعادة التمويل شبه مستحيلة لأن قيمة العقار الحالية تقل عن قيمة القرض المطلوب.

ومما يؤثر على الأسعار سلباً في السوق أن نسبة 20 في المائة من المبيعات العقارية تتبع البنوك وتخص عقارات مصادرة. ومن يريد بيع عقاره في السوق حالياً عليه أن يعادل الأسعار البخسة التي تباع بها العقارات المصادرة أو حتى يقل عنها. ومن يستطيع الانتظار يفضل عدم عرض عقاره في سوق تباع فيه العقارات بأي ثمن. والنتيجة هي سوق مجمد تباع فيه العقارات رخيصة.

من الصعوبات الأخرى التي يفرضها هذا الواقع في الأسواق هو ما تقوله شركة لونغ آند فوستر العقارية في بلدة كيترينغ، القريبة من واشنطن، فالأسعار في المنطقة تتراوح بين 220 ألف دولار و299 ألف دولار لمنازل متطابقة بثلاث غرف نوم في منطقة لا يفصل بينها غير عدة شوارع فقط. والسبب أن هناك عقارات مصادرة وأخرى تباع بالمزاد وثالثة يريد أصحابها التخلص منها ثم أخيراً تلك التي تعرض للبيع العادي. وتجد شركات العقار صعوبة جمة في تقدير قيمة العقارات المعروضة للبيع في المنطقة مع أن تقدير القيمة هو من صميم عملها.

ويقول مدير شركة فوستر ألن ووكر العقارية إن أحد العملاء اشترى منزلا في المنطقة منذ عام واحد بمبلغ 245 ألف دولار ويريد بيعه حالياً بمبلغ 265 ألف دولار لكي يتخلص من القرض العقاري ويدفع المستحقات عليه ويخرج من العملية بلا أرباح. ولكن نصيحة الشركة العقارية له أن السوق في هذه الظروف لن يتيح له فرصة بيع منزله بالمبلغ المطلوب وأن عليه أن يتحمل الخسارة.

ويضيف ووكر أن بائع العقار غير مضطر لمجاراة أسعار العقارات المصادرة، ولكنه إذا كان في منطقة فيها الكثير من هذه العقارات المعروضة في السوق، فلن يكون أمامه خيار آخر سوى البيع بسعر مماثل لما حوله. وشجع هذا المناخ المشترين في السوق على طلب خصومات كبيرة الحجم حتى في حالات البيع غير الاضطراري. وفي إحدى الحالات طلب مستثمر منه أن يسأل صاحب عقار معروض في السوق بمبلغ 399 ألف دولار أن يقبل بعرض قيمته 330 ألف دولار لأنه لا يستطيع تدبير تمويل أكبر من ذلك. ولكن البائع رفض لأنه كان بالفعل قد خفض السعر من 440 ألفاً إلى 399 ألف دولار. وكانت نصيحة الشركة العقارية له ألا يرفض العرض لأن هناك عقارات مماثلة بأسعار أقل.

وكما هو الحال في بريطانيا، فإن العقبة هي في التمويل. فالبنوك تعلمت الدرس ولا تقرض الآن إلا بحساب. فمن يريد قرضاً لعقار قيمته 275 ألف دولار عليه أن يثبت أن دخله لا يقل عن مائة ألف دولار سنوياً. ولكن أسعار عقارات المدخل في السوق تزيد على هذا الحد بينما معدلات الأجور لا تزيد على 70 ألف دولار سنوياً للأسرة في المدن الصغيرة. وهذه الفجوة تعني أن أزمة التمويل مازالت مستمرة حتى تتعادل مستويات أسعار العقارات مع معدلات الدخل.

ويعتقد ووكر أن جانباً من المشكلة يتمثل في عناد أصحاب العقارات الذين يرفضون البيع بأسعار مخفضة، ويضيف «هؤلاء مازالوا يعيشون في عام 2005!». أما الجانب الآخر فهو أن المشترين أيضاً يعيشون في الماضي، فبعضهم يريد الشراء من دون أن يتكبد عناء توفير نسبة عشرة في المائة من ثمن العقار. والبنوك من ناحيتها ترفض أيضاً بعض العروض التي تأتيها على عقارات معروضة للبيع لتجنب المصادرة، وتصر على أسعار قريبة من قيمة القروض. وهذا الإصرار يدفع العقارات أحياناً نحو المصادرة وفي تلك الحالات تقل أسعارها عما كان معروضاً فيها قبل المصادرة.

وبالنسبة للمشترين، لا يجب عليهم الاعتماد على تقديرات أصحاب العقار ولا شركات تسويقه وعليهم إجراء بعض أبحاث السوق بأنفسهم بمراجعة أسعار العقارات المماثلة في المنطقة نفسها وتلك التي بيعت خلال الشهر الأخير. كما يمكن أيضاً مراجعة سجلات الضرائب التي تسجل فيها القيمة الاسمية للعقارات في العام الضريبي الأخير، وإن كان بعضها غير مطابق لواقع السوق.

وينصح توماس ماير من شركة «كوندو» العقارية المشترين من خارج الولايات المتحدة بإجراء بعض البحث حول أسعار العقارات في المنطقة التي ينوون الشراء فيها. وهناك العديد من المواقع الإلكترونية التي تنشر أحدث الأسعار التي أجريت بها الصفقات وتقديرات الأسعار في كل منطقة منها موقعا (Zillow) و(Trulia). ويضيف أن على المشتري أن يستعين بخبير تقييم عقاري قبل التعاقد. فالخبير يحصل على 300 دولار ولكنه يوفر تقريراً موثقاً حول قيمة العقار يمكن أن يستخدمه المشتري لإقناع البائع بضرورة تخفيض السعر.

وعلى المشتري ألا يبالغ في تخفيض قيمة عرض الشراء لأنه يخاطر برفض البائع التعامل معه وربما إغضابه أيضاً، مما يترتب عليه فقدان فرصة شراء عقار جيد. وهناك عدة عوامل تؤثر في عملية التفاوض يمكن للوكيل العقاري أن ينصح بها. فكلما طالت فترة عرض العقار في السوق، زادت هوامش التفاوض على تخفيض الثمن وربما طلب حوافز إضافية مثل دفع تكاليف نقل الملكية أو ترك بعض المنقولات في العقار.

وهناك العديد من الحالات التي جرى فيها عرض شراء دون المستوى يقابل برفض قاطع من البائع لكي تبقى العقارات معروضة للبيع في السوق. وفي الكثير من الحالات يكون البائع قد خفض بالفعل من السعر كثيراً لجذب المشتري ويكون غير مستعد لمزيد من الخفض. وهناك العديد من الفرص الجيدة المتاحة بشرط حسن الاختيار والتفاوض.

ويمكن في حالات الحرص على إكمال الصفقات الموافقة المبدئية على التعاقد مع وضع شرط أن يتوافق السعر المعلن مع تقدير خبير معماري محايد. وهذا شرط موجود فعلا في التعاقدات الأميركية ولكنه ظل مهملا في عصر الطفرة لأن المشتري كان يخشى فقدان العقار بينما كانت البنوك تقرض بلا حساب. أما الآن فالبنوك نفسها تتشدد في تقدير القيمة وفي حجم القروض، وإذا اكتشفت البنوك أن هناك فرقاً بين قيمة التعاقد العالية وتقدير الخبير الأقل ثمناً، فإنها تطلب من المشتري أن يرفع قيمة مساهمته بالنسبة نفسها أو أن يخفض البائع ثمن البيع. وفي حالة الاختلاف يمكن للمشتري أن ينسحب من الصفقة بلا أي أعباء قانونية عليه.

* من «الانتعاش اللاعقلاني» إلى الكساد الكبير

* توضح قصة الزوجين تيم وأنجيلا وضع ملايين الأسر الأميركية. في عام 2004 كان الزوجان يعيشان في منزل بالإيجار عندما لفت نظرهما عقار رائع في قلب مدينة دنفر في ولاية كولورادو. الوكيل العقاري أكد لهما أن السعر مغرٍ ولا يزيد على 240 ألف دولار وأن العقار لن يظل في السوق طويلا. واعتقد الزوجان أنهما يحصلان على صفقة جيدة خصوصاً بعد أن أكد لهما الوكيل العقاري أن القرض العقاري سوف يغطي كامل الثمن وأن القسط الشهري لن يزيد على 1290 دولاراً وهو ما يزيد قليلا عن الإيجار الشهري الذي يدفعانه. ولكن عند التوقيع على التعاقد اكتشف الزوجان أن سعر الفائدة ارتفع عن السعر الذي تم التفاهم عليه وأن القسط سوف يزيد قليلا. وبدلا من إلغاء الصفقة قرر الزوجان إتمام التعاقد والعمل الإضافي لسداد العبء المالي المتزايد. ولكنهما الآن فقدا منزل الأحلام بعد استيلاء البنك عليه. وبدأت المتاعب في عام 2007 عندما فقد الزوج تيم وظيفته واضطر إلى القبول بوظيفة ذات أجر أقل. ولجأت زوجته إلى العمل ساعات إضافية ولكنها جرحت في حادث سيارة مما أبعدها عن العمل عدة أسابيع. وبعد أشهر معدودة وجد الزوجان أن الديون تتراكم عليهما على الرغم من أنهما بذلا كل ما في وسعهما للوفاء بأعباء الديون. وأصر البنك على الدفع أو مصادرة العقار. وبعد المصادرة عاد الزوجان مرة أخرى للمعيشة في منزل متواضع بالإيجار. وهما نموذج لأكثر من مليون أسرة تواجه الآن الموقف نفسه.

• هناك نحو مليون ونصف المليون أسرة أميركية مهددة بفقدان منازلها بسبب الديون العقارية.

• تعاني الأقليات والطبقات دون المتوسطة من أغلى القروض تكلفة وهي القروض التي كانت تعرف من قبل باسم «صب برايم» ثم تحولت الآن إلى ديون «سامة» (Toxic) لأن المؤسسات الاستثمارية والبنوك تتجنبها.

• تبلغ نسبة الديون السامة في السوق نحو 20 في المائة من إجمالي القروض العقارية.

• ارتفع حجم القروض الرديئة «صب برايم» من 200 مليار في عام 2001 إلى 1.3 تريليون دولار في العام الماضي.