بريطانيا: ارتفاع عدد المنازل المُصادرة.. وتوقعات بتراجع أكبر لأسعار العقارات

أكثر من ألف شركة عقارية مهددة بالإفلاس

الصورة تزداد سوداوية في سوق العقار البريطاني (تصوير: حاتم عويضة)
TT

أسعار العقارات تتراجع من جديد بعد البداية المشجعة هذا العام في بريطانيا، إذ أشار تقرير بنك «نيشن وايد» (Nationwide) أن أسعار العقارات السكنية قد تراجعت الشهر الماضي (فبراير 2009) بنسبة 1.8 في المائة. وهذا يعني أن الخطوات الحكومية الخاصة بتخفيض معدل الفائدة العام إلى أدنى حد له منذ سنوات طويلة، لم تنفع في تغيير وجهة الأسواق أو تخفف من حدة التراجع المتواصل على الأسعار أو بث الثقة في أوساط المستثمرين وأصحاب العقارات.

وحسب تقرير «نيشن وايد» فإن أسعار العقارات على هذا الأساس تكون قد تراجعت منذ فبراير العام الماضي (2008) أي منذ سنة بنسبة 17.6 في المائة، وبنسبة 20 في المائة عما كانت عليه في عز الطفرة نهاية أغسطس (آب) عام 2007. ويصل معدل سعر العقار السكني أو المنزل العادي حاليا إلى 147.7 ألف جنيه (207 آلاف دولار)، أي بخسارة لا تقل عن 31 ألف جنيه (43 ألف دولار) لكل عقار منذ نهاية الطفرة، حيث وصل معدل سعر العقار آنذاك إلى 186 ألف جنيه (261 ألف دولار).

ويؤكد التقرير، أن تخفيض بنك انكلترا لمعدل الفائدة إلى 1 في المائة فقط، لم ينجح في دفع المستثمرين والزبائن المتربصين والمنتظرين المزيد من التراجعات على الأسعار هذا العام في تحريك الأسواق. وتقول الاقتصادية فيوناويلا ايرلي عن البنك بهذا الصدد : «الإشارات المبكرة عن تزايد الاهتمام بالعقارات والتساؤلات الكثيرة لم تترجم إلى صفقات حتى الآن، إلا أن تراجع الأسعار ومعدلات الفائدة يثيران الاهتمام، وقد يساعدان عند استرداد الثقة بالأسواق... ومع هذا نرحب بتخفيض جديد لمعدل الفائدة العام لما فيه فائدة على أسواق العقار، لكن الأوضاع الاقتصادية التي تفرض ذلك، لا تشير إلى حصول تحول خلال العام الحالي».

ومع هذا فإن الأرقام التي نشرتها المؤسسات المعنية، خاصة هيئة المصارف البريطانية (BBA)، أشارت إلى ارتفاع عدد القروض العقارية الممنوحة في يناير (كانون الثاني) الماضي. كما أشارت تقارير هيئة السماسرة إلى ارتفاع عدد الباحثين عن العقارات خلال الفترة الأخيرة، إذ تخفيض معدلات الفائدة ورخص الأسعار بشكل عام، ساعد الداخلين إلى الأسواق لأول مرة (المشترين للمرة الأولى) على الرغم من الشروط الجديدة من البنوك على المستقرضين بالدفع مقدما ما معدله 20 في المائة، أو أكثر من قيمة القرض أو العقار بكلام آخر.

وحسب «نيشن وايد» ، فإن القسط الشهري على قرض بقيمة 150 ألف جنيه نهاية عام 2007، كان حوالي 910 جنيهات (6 في المائة معدل الفائدة) أما الآن بالإمكان دفع حوالي 530 جنيها في الشهر على قرض تبلغ قيمته 125 ألف جنيه، في حال دفع المشتري 20 % من قيمة القرض على الفور. إلا أن دفع 10 في المائة يرفع من قيمة القسط الشهري إلى حوالي 750 جنيها، كما يخطط بنك «نورثرن روك» الذي أعلن هذا الأسبوع عن زيادة عدد القروض العقارية التي سيمنحها. كما أكد البنك أنه سيمنح قروضا عقارية بنسبة 90 في المائة من قيمة العقار لمساعدة الراغبين بدخول الأسواق وتملك منازلهم في ظل الظروف الحالية وتحريكا لسوق القروض وتحفيز التنافسية فيها. وتقول ايرلي بهذا الشأن، إن تكلفة القروض ومعدلات الفائدة المنخفضة تزيد من أعداد المتسائلين عن العقارات. لكن حتى يترجم ذلك إلى صفقات، لا بد من تمكن المستثمرين أو الأفراد من تأمين دفعة أولى للحصول على القرض، وهذا يضع ضغوطا جديدة على الناس، كما أن الثقة بنمو الأسعار لا تزال متدنية. لذلك لا تتوقع ايرلي أي تغيير جذري على الوضع.

وفي هذا المضمار، يتوقع الاقتصادي هاوارد آرشر عن «غلوبال انسايت» (IHS Global Insight )، أن يتواصل التراجع على أسعار العقارات في البلاد، وأن تصل نسبة التراجع هذا العام إلى حوالي 15 في المائة، بسبب أزمة الائتمان وشحة القروض وتراجع الثقة والركود الاقتصادي والبطالة. ويضيف آرشر، أن تدخل «نورثرن روك» المؤمم حاليا لا يعني تعافي تدريجي لسوق القروض العقارية.

وعلى الرغم من أن الأسعار تراجعت في ديسمبر الماضي (كانون الأول) بنسبة تصل إلى 2.6 في المائة وفي يناير (كانون الثاني) بنسبة 1.3 في المائة والشهر الماضي (فبراير- شباط ) بنسبة 1.8 في المائة، فإن السماسرة يؤكدون تزايد عدد الباحثين عن العقارات، خاصة في المناطق الممتازة والساخنة عقاريا في إنجلترا والعاصمة لندن. وربما يعود ذلك حسب رأي بعض الخبراء إلى تقرير بنك «هاليفاكس» الشهر الماضي، الذي تحدث عن ارتفاع للأسعار في يناير. ويقول هؤلاء الخبراء إن ذلك ساعد على تحريك بعض الأسواق.

وعلى الرغم من أن عدد القروض العقارية الممنوحة خلال السنة الماضية لا يزال متدنيا وضعيفا ولا يذكر نسبة، إلى ما كان عليه أيام الطفرة العقارية، فإن عدد القروض الممنوحة في يناير (كانون الثاني) الماضي (23376 قرضا) قد ارتفع بنسبة 4 في المائة عما كان عليه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي (22416 قرضا)، حسب أرقام هيئة البنوك الأخيرة. ومع هذا فإن عدد القروض الممنوحة في يناير (كانون الثاني) قد تراجع بنسبة 43 في المائة عما كان عليه في يناير عام 2008. وبلغت قيمة القروض في ديسمبر الماضي 3.3 مليارات جنيه، بينما لم تتعد في يناير (كانون الثاني) أكثر من 2.9 مليار جنيه.

وتشير أرقام مجلس المقرضين العقاريين (Council of Mortgage Lenders) ، إلى أن عدد المصادرات العقارية العام الماضي ارتفع بنسبة 54 في المائة عما كان عليه العام السابق (2007) ووصل إلى 40 ألف حالة. أما أرقام هيئة تسجيل الأراضي الوطنية فقد أشارات إلى تراجع على أسعار العقارات بنسبة 13.5 في المائة العام الماضي، بينما «نيشن وايد» يقول إن الأسعار تراجعت منذ سنة، أي منذ نهاية فبراير (شباط) العام الماضي حتى الآن، بنسبة 17.6 في المائة، وهي أكبر نسبة تراجع منذ بداية الخمسينيات. وكان معدل سعر المنزل آنذاك حوالي 1900 جنيه أي ما يعادل 40 ألف جنيه تقريبا في الحسابات الحالية. ويتعرض بنكا «نيشن وايد» و«هاليفاكس» إلى انتقادات عدة حول سبل وضع مؤشراتهم للأسعار ويعتبرونها تساهم في زيادة التشاؤم ولا تعكس الواقع كله، إذ أن 40 في المائة من الصفقات العقارية السكنية تحصل نقدا، كما أن العقارات التي تباع في المزادات العلنية _ يزداد عددها يوميا – غير واردة في مؤشري البنكين. ومع أن الوضع مختلف مع أرقام هيئة تسجيل الأراضي، فإن أرقامها دائما قديمة ومتأخرة.

ويقول متحدث باسم مؤسسة «مارش & بيرسون» (Marsh&Parsons) العقارية إن 70 في المائة من الصفقات التي تتم عبر المؤسسة هي صفقات نقدية. ويحذر الخبراء أيضا من الهجوم الذي سيتعرض له سوق العقار السكني من قبل أكبر شركات الولايات المتحدة المتخصصة بالمزادات العقارية الرخيصة (Real Estate Disposition Corporation )، إذ إنها تخطط لتوسيع نشاطها في بريطانيا. وعادة ما يبدأ المزاد بألف جنيه، مما يترك انعكاسات سلبية على أسعار العقارات بشكل عام.

وقد وصل الوضع الإنشائي والبنائي في البلاد إلى مرحلة حرجة، إذ إن الأرقام الأخيرة أشارت إلى تراجع عدد طلبات البنائين بنسبة الثلثين بين نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ويناير (كانون الثاني) هذا العام. وترجع عدد المنازل أو العقارات السكنية الجديدة من 85 ألفا العام الماضي إلى 80 خلال السنة المالية 2008-2009، أي إن عددها تراجع بمعدل النصف عما كان عليه السنة المالية 2007-2008. ويبدو أن الربع الأخير من العام الماضي كان الأسوأ على هذا الصعيد، على الرغم من العطل الرسمية نهاية العام.

كما تراجع عدد المنازل الجديدة من نوفمبر (تشرين الثاناي) الماضي حتى يناير (كانون الثاني) هذا العام بنسبة تصل إلى 63 في المائة عما كان عليه في نفس الفترة السنة السابق. ومنذ أغسطس (آب) حتى نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي لم يتعد عدد المنازل الجديدة أكثر من 31 ألف منزل، أي بتراجع نسبته 33 في المائة عن نفس الفترة العام السابق. ووصل معدل عدد المنازل الجديدة التي تباع يوميا من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى يناير (كانون الثاني) 364 منزلا فقط لا غير، أي بتراجع نسبته 32 في المائة عن نفس الفترة من السنة السابقة.

الأخبار السيئة لم تتوقف على الأسعار والقروض والمنازل الجديدة، إذ أن شركات العقار على أنواعها، وهي كثيرة تواجه فترة صعبة وحالكة، إذ أكد تقرير لمؤسسة « بيغبيز تراينور» (Begbies Traynor)، أن عدد حالات الإفلاس في سوق العقار التجاري سيرتفع هذا العام، وأن المئات من الشركات مهددة بالإفلاس لأسباب مالية عدة. وعلى الرغم من أن الأرقام تتحدث عن 304 حالة إفلاس محتملة، فإن التوقعات هي أن يتعدى العدد الألف شركة. وهذا يعني أن عدد الشركات التي تواجه مشكلات مالية جدية تهددها بالإفلاس، قد ارتفع بنسبة 64 في المائة بشكل عام، ووصل عدد الشركات في الربع الثالث من العام الماضي (185 شركة) وارتفع إلى 221 في الربع الأخير من العام الماضي. وعلى الرغم من أن التقرير لم يتحدث عن شركات كبرى ومهمة في الأسواق، فإن قيمة الشركات المتوقع أن تواجه الإفلاس ماليا تصل إلى أكثر من مليار جنيه .

ويقول التقرير إن هذا التطور جاء نتيجة التراجع الحاد على أسعار العقارات التجارية ومعدلات الإيجار وعجز المستأجرين عن دفع أقساطهم الشهرية، وشحة السيولة في الأسواق المالية.

ويضيف التقرير أن «171 شركة عقارية بدأت الترتيبات القانونية لإعلان إفلاسها خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ونتوقع أن يرتفع العدد ببين العام الحالي والعام المقبل (2010). ونقدر أن يتراوح عدد الشركات المفلسة هذا العام بين 1200 إلى 1600 شركة».