ابتكارات جديدة للتعامل مع أزمة الركود العقاري

منها الشراء من المزادات والمشاركة بالملكية والعروض النقدية

مشروعات مجمدة تبحث عن حلول جديدة في أسواق العقار («الشرق الأوسط»)
TT

ما زالت أزمة الركود العقاري تمسك بخناق الأسواق العالمية وبعض الأسواق العربية، مع عدم وضوح في الرؤية لمدى عمق الأزمة ولا زمن استمرارها. ومن المتوقع أن يستمر الركود العقاري وأن يتعمق خلال العام الجاري مع احتمال بوادر انتعاش في عام 2010. ويعني هذا أن احتمالات تراجع الأسعار ما زالت أعلى من احتمالات تحقيق الأرباح في المدى المنظور. ويتوقع خبراء العقار هبوطا في الأسعار في حدود 10 - 15 في المائة إضافية قبل أن تنتهي موجة الركود ويبدأ الانتعاش. ولكن هذه النسبة تقديرية ولا حدود زمنية لها، فمن الممكن أن تكون الأسواق مقبلة على هبوط أعمق أو أن تكون قد بلغت أسوأ مراحلها بالفعل لكي تبدأ رحلة الاستقرار ثم الارتفاع.

ومن وجهة نظر الاستثمار العقاري، خصوصا الاستثمار بعيد المدى، يعد الوقت الحاضر أنسب أوقات دخول السوق والحصول على صفقات مربحة بهدوء قبل وصول الانتعاش. ولكن حتى لهؤلاء الذين يريدون دخول السوق الآن وتحمل المخاطرة، يجدون الطريق صعبة ومكبلة بالعوائق المالية. فالبنوك تمتنع تقريبا عن الإقراض إلا لمن يدفع نسبة كبيرة من الثمن وأن يثبت أنه لا يمثل مخاطرة للبنوك. كما تشترط البنوك الإقراض على عقارات جيدة ذات قيمة مضمونة وملكية خالصة لمشتريها، فلا تقرض على عقارات تحتاج لإصلاحات وترميم، ولا تقترب من مجال الملكية المشتركة أو الجزئية.

وهذا الوضع أدى إلى ابتكار عدد من الوسائل الجديدة لدخول أسواق العقار من مداخل غير معهودة، أهمها ثلاثة: الدخول في المزادات لشراء العقارات المتهالكة وترميمها كنوع من الاستثمار، ودخول مجال الملكية الجزئية للمستثمرين الجدد، والشراء النقدي بلا حاجة إلى التمويل للقادرين عليه.

والمراقب لعالم المزادات العقارية في لندن يكتشف أنها مزدحمة هذه الأيام بالكثير من العقارات المعروضة للبيع، ومعظمها مُصادر من البنوك أو يحتاج إلى ترميمات جذرية، ومزدحمة أيضا بالمئات من الحضور الذين يبحثون عن صفقات مربحة. وفي مزاد عقدته شركة «سافيل» غربي لندن هذا الشهر، كان الإقبال غير مسبوق وبيعت نسبة 87 في المائة من العقارات المعروضة، بعضها بأكثر من قيمتها الدفترية في كتالوج المزاد.

ويعتقد مدير المزادات في شركة «سافيل»، كولمان سميث، أن الإعلام البريطاني ساهم في تسويق المزاد بعد عرض بعض العقارات التاريخية التي كانت معروضة للبيع فيه. وهو يشير إلى اعتقاده الراسخ بأن نجاح المزادات حاليا بهذه الدرجة دليل قاطع على أن السوق وصلت إلى قاع الأسعار أو تكاد. ويضيف أن المزادات في العادة تسبق السوق وان الأسعار التي كانت هابطة بنسبة 25 - 30 في المائة في نهاية العام الماضي أخذت تستقر نسبيا الآن بنسب هبوط ضئيلة. وهو يأمل أن تصل الأسعار إلى مستويات مستقرة قريبا قبل أن تبدأ في الصعود.

وعلى الرغم من أن المزاد الذي عقد في غرب لندن حقق مبيعات حجمها 20 مليون إسترليني (نحو 28 مليون دولار) فإن المستوى يقل عما كانت عليه مزادات العام الماضي؛ ففي شهر فبراير (شباط) عام 2007 حقق مزاد عقاري في القاعة نفسها حوالي 40 مليون إسترليني (56 مليون دولار) بعدد متساوٍ من العقارات. وهذا يعني أن هناك كثيرا من الصفقات الرخيصة في السوق.

من هذه الصفقات منزل في لندن بيع بمبلغ 650 ألف إسترليني في منطقة تعرض فيها منازل مشابهة بأسعار تصل إلى المليون إسترليني. كما اشترى صاحب شركة عقار قصرا بمبلغ 1.2 مليون إسترليني في المزاد نفسه، كان معروضا في السوق بسعر مليوني إسترليني قبل عدة أشهر.

ويعتقد كثير من مرتادي المزادات أنها تقدم لهم فرصة استثمار عقاري أفضل من حسابات مصرفية لا تكاد تغطي نسبة التضخم بفوائدها الضئيلة. كما يوجد أيضا عدد كبير من صغار المشترين الذين يدخلون السوق للمرة الأولى ويبحثون عن عقارات رخيصة تحتاج إلى ترميمات يقومون بها بأنفسهم وتضعهم على السلم العقاري بدلا من الإيجار. ومن هؤلاء من اشتروا شققا صغيرة معروضة في المزاد بأسعار بدأت من حوالي مائتي ألف إسترليني بعد فترات بحث طويلة غير مثمرة.

من فوائد المزادات أيضا أنها تعلم بائعي العقار طلب أسعار واقعية لعقاراتهم. فهناك العديد من العقارات التي لم تصل إلى الأسعار المطلوبة لها وتم سحبها من المزاد. وهي عقارات تعود في الغالب إلى مزادات مقبلة بأسعار أقل. وتعكس المزادات بشفافية كبيرة واقع الأسواق ليس فقط من حيث متوسط الأسعار السائدة ولكن أيضا حجم الطلب العقاري.

من ناحية أخرى هناك كثير من الأساليب المبتكرة الأخرى التي تساعد الجدد في مجال العقار على تخطي الأزمة المالية والدخول إلى مجال الملكية العقارية للمرة الأولى. من هذه الابتكارات ما يسمى «الملكية المشتركة» بين المشتري من ناحية وبين الحكومة أو شركة تطوير العقار، أو كليهما، من ناحية أخرى. وبمقتضى هذا الأسلوب يشتري المستثمر نصف العقار وتبقى ملكية النصف الآخر مع الجهة المتضامنة معه. ويدفع المشتري أقساطا عقارية لسداد قيمة نصف العقار بينما يدفع إيجارا للنصف الآخر لمالك الحصة الأخرى. ويتيح هذا الأسلوب الاقتراض بنسبة 100 في المائة من قيمة حصة العقار لأن البنوك تعتبر أن ضمان النصف الآخر من العقار يعتبر بمثابة مقدم للثمن.

وتنشط في هذا المجال عدد من الجهات الحكومية الغربية التي تريد مساعدة المتعثرين الذين فقدوا منازلهم عن طريق إسكانهم في مشروعات شعبية تكون تكلفة الإقامة فيها متدنية. وفي الغالب لا تزيد تكلفة الملكية الجزئية، التي يمكن أن تكون بأي حصة بداية من الربع وحتى 75 في المائة، عن تكاليف الإيجار. ولكنها يمكن أن تؤدي في النهاية إلى الملكية الإجمالية بشراء المالك الجزئي لبقية الحصة بعد تحسن ظروفه المالية.

ويستفيد المشترك في هذه المشروعات أيضا بعقارات جديدة تلتزم بمعايير البيئة والسلامة وتقدم منظومة خدمات متكاملة للساكنين فيها. ولكنها أيضا ابتكارات تعاني من عدة سلبيات، منها صعوبة التخلص من الحصة الجزئية أحيانا، عندما يريد المستثمر أن ينهي التعاقد، كما أن الهارب من الإيجار يجد نفسه يدفع قسطا عقاريا وإيجارا في الوقت نفسه.

وتأخذ هذه الأساليب ثلاث طرق في العادة: إما الملكية الجزئية التي يحصل فيها المشتري على حصة من العقار ويدفع إيجارا عن الحصة الباقية أو الملكية المشتركة التي يحصل فيها المشتري على قرضين عقاريين أحدهما من البنك والآخر من الشركة العقارية بشروط ميسرة، والثالث هو استئجار عقار بغرض الشراء، بحيث يبدأ المستأجر في الادخار أثناء إيجاره للعقار لشرائه بعد فترة عبر قرض مصرفي.

الفئة الثالثة التي تستفيد من أحوال السوق الحالية أكبر استفادة هي للمستثمر الذي يدفع نقدا ولا يحتاج إلى اقتراض. وهؤلاء ينقسمون إلى عدد كبير من الفئات، أهمها المستثمرون مقتنصو الفرص، والباحثون عن عقارات للسكن وينتظرون التوقيت المناسب لدخول السوق، والمضاربون الذين يبحثون عن صفقات سريعة يشترون فيها العقارات بغرض الترميم السريع ثم البيع.

ويعقد هؤلاء حساباتهم على معطيات السوق. والأغلبية بينهم تقدّر أن السوق وصلت أو كادت إلى قاع الأسعار وأن هوامش التراجع الباقية لا تزيد عن 10 في المائة انخفاضا. وكانت شركة «سافيل» للعقارات قد توقعت في نهاية العام الماضي أن هوامش التراجع في قيمة العقارات سوف تصل إلى حوالي 25 في المائة. وبناء على هذا التقييم الموثوق، فإن مستثمري العقار لديهم الاستعداد للتعامل الفوري في عقارات انخفضت قيمتها بهذه النسبة.

وتقول رئيسة قسم العقارات السكنية في شركة «سافيل» يولاند بارنز، إن أحد حوافز السوق حاليا هو أن أصحاب الفوائض المالية يجدون في العقار ملاذا آمنا لأموالهم بعد فضائح إفلاس البنوك وأسعار الفائدة المتاحة التي لا تكاد تزيد عن واحد في المائة، مما يعني أن قيمة الأموال الموضوعة في البنوك تتآكل بفعل التضخم.

ويضيف الشريك في شركة «كلاتونز» العقارية بول تيلور، أن نسبة الثقة في شراء العقار بدأت ترتفع بفعل انهيارات البورصات وتراجع عوائد البنوك. كما لاحظ أن تراجع أسعار العقار خلال الفترة السابقة مع بقاء الإيجارات كما هي، يعني أن شراء العقار أصبح متاحا لمن يمتلك التمويل إلى درجة أنه في بعض الأحيان يكون أرخص من الإيجار. ولكنه يعترف أنه بالرغم من كل هذه العوامل ما زالت سوق العقار هشة وضعيفة.

وتشير إحصاءات معهد المسّاحين المعتمدين في بريطانيا (RICS) المستمدة مباشرة من بيانات أعضاء المعهد إلى أن استفسارات المستثمرين والاهتمام بشراء العقار زاد في الأسابيع الأخيرة. وتوجد رغبة في الشراء لا يحد منها سوى عدم وجود القروض المصرفية. وكان معدل القروض العقارية البريطانية قد انخفض بنسبة 48 في المائة خلال العام الماضي، ولم يتحسن الموقف بعد.

وتعتقد المسؤولة عن شركة «سافيل» يولاند بارنز، أن سوق العقار البريطانية تدخل المرحلة الأولى من بداية الانتعاش، مع رصد علامات لارتفاع الأسعار في المدن القريبة من لندن مثل أكسفورد وغلدفورد ووينشستر. وهي مدن تتمتع بموقعها القريب من العاصمة وبمدارس جيدة ونوعية فائقة للعقارات فيها. ولكنها تعتقد أن هذا الانتعاش النسبي لن يمتد إلى بقية أنحاء بريطانيا «ربما لعشر سنوات مقبلة». وتضيف أن الأسعار لن تعود إلى معدلات عام 2007 قبل عام 2019.

ويرى الخبير العقاري لوسيان كوك من شركة «سافيل» أيضا أن هناك فوائض مالية متاحة في الأسواق، كما أن الأموال الأجنبية التي تبحث عن استثمارات متاحة أيضا بكثافة وتبحث عن الفرص الجيدة. ويتركز هذا الاهتمام على العاصمة لندن، وقد ينتشر إلى المدن القريبة في المرحلة الثانية من الانتعاش. أما في المرحلة الثالثة فسوف تعود عمليات الإقراض العقاري لتغذي السوق بما تحتاجه من تمويل. ولكن ارتفاع الأسعار ودخول المغامرين من المستثمرين والمضاربين لن يصل إلى السوق قبل المرحلة الرابعة والأخيرة من الانتعاش. ولا يتسع السوق الآن إلا للفئة القادرة ماليا بينما لا يجد المشترون الجدد أي فرصة للاقتراض ودخول السوق العقارية.

وإلى حين عودة السوق إلى طبيعتها ليس أمام الراغبين في دخول أسواق العقار إلا بابتكار أساليب جديدة للتحايل على ندرة التمويل.

* دليل السوق للبيع والشراء العقاري في مرحلة الكساد

* من أحدث الكتب العقارية التي وصلت إلى الأسواق الأوروبية في بداية شهر مارس (آذار) الجاري كتاب عنوانه «كيف تنتقل عقاريا بنجاح» للمؤلف ايان لوك. وهو يشرح أن عمليات بيع وشراء العقار أثناء الكساد ليست بالضرورة عمليات شبه مستحيلة أو صعبة، ويقدم للمتعامل عقاريا بعض النصائح التي يمكن إيجاز بعضها كالتالي:

> إذا كنت تعرض عقارا للبيع فلا تسكن فيه. فالأفضل أن تقيم في فندق بصفة مؤقتة بحيث تتيح كامل الحرية والمرونة للمشتري لكي ينتقل إلى العقار أو يبدأ ملكيته في الوقت المناسب له. وبهذا الأسلوب يكتسب البائع مرونة أفضل ويتخلص من أعباء ضرورة العثور على عقار بديل وتنفيذ الصفقتين بالتزامن بما يضع أعباء إضافية على المشتري هو في غنى عنها. وهذا الأسلوب يمنح البائع أيضا قوة تفاوضية أفضل.

> الاهتمام بالتسويق الأقصى وذلك عن طريق شركات العقار المتخصصة، وأيضا عن طريق العرض الخاص على شبكة الانترنت. ويتيح هذا الأسلوب تسليط أكبر نسبة من الضوء على العقار.

> في حالات الشراء لا بد من التأكد من أن القرض العقاري متاح ومضمون قبل البحث عن العقار المناسب، بحيث لا يكون لصعوبة التمويل أي تأثير على عملية اختيار وشراء العقار المناسب.

> إجراء المزيد من البحث واكتساب المعرفة عن خطوات بيع وشراء العقار بحيث يمكنك أن ترصد أي خلل فور وقوعه لمنع استفحاله. ويجب الحرص من عمليات دخول آخرين على الخط لرفع السعر في اللحظة الأخيرة (في حالات الشراء) أو خفض السعر المتفق عليه (في حالة البيع) وقبول الأمر الواقع لحال السوق. ويمكن التعاقد القانوني لمنع مثل هذه العمليات.

> لا تبخل على النصيحة الجيدة واستخدم أفضل المحامين المتخصصين ومسّاحي العقار حتى ولو بتكاليف إضافية، لأن الأخطاء في سوق العقار قد تكون مكلفة أكثر لمن يعتمد على الأرخص.