عودة خجولة للطلب على أحياء لندن الراقية

عقارات تنسحب من السوق لانخفاض الأسعار.. وأخرى تباع رخيصة

بعض أفخم عقارات لندن تباع رخيصة («الشرق الأوسط»)
TT

سجلت عدة شركات عقارية في قلب لندن ارتفاعا ملحوظا في العروض المقدمة لشراء عقارات فاخرة في بعض أنحاء العاصمة البريطانية، في القطاع الذي يزيد على المليون إسترليني (1.39 مليون دولار)، لقناعة أن السوق كادت تصل إلى قاع التراجع. وتأتي هذه العروض من جهات متعددة بعضها محلي وبعضها الآخر من الخارج خصوصا من الشرق الأوسط، وذلك رغم أن تراجع الأسعار مرشح للاستمرار خلال هذا العام.

وتشير شركات العقار إلى أن الأسعار الحالية تقل بنسبة تصل إلى ما بين 20 إلى 25 في المائة عن معدل الأسعار الذي ساد في السوق قبل 12 شهرا، ويتنافس الأثرياء الذين يقدمون هذه العروض على المتاح في الأسواق لاعتقادهم أن إمدادات العقار الفاخر محدودة وأن ظروف السوق الحالية تقدم لهم فرصا ذهبية قد لا تتكرر. وسجلت شركات العقار أن المخزون لديها من العقارات الفاخرة يقل عما كان متاحا منذ عام واحد بنسب تتراوح بين 20 و40 في المائة.

ويسهم في هذا الإقبال أيضا أن بعض بائعي العقار الفاخر سحبوا العقارات من السوق بعد خفض أسعار الفائدة الأخير الذي أسفر عن انخفاض تكاليف التمويل قياسيا، بينما دفعت أسعار الفائدة المنخفضة المشترين المترددين في التعجل في اتخاذ قرار دخول الأسواق لوجود الفوائض المالية التي لا تدر عوائد ذات قيمة، ولأن العقار يعد استثمارا أفضل في الأحوال المالية السائدة لأنه يقدم لهم أفضل فرص الحفاظ على قيمة رؤوس الأموال. ولا توجد حاليا فرص استثمار أخرى مجدية في الأسواق. وبالنسبة للمشترين الأجانب أضاف انخفاض سعر الجنيه الإسترليني إزاء اليورو والدولار حافزا إضافيا على الشراء. ورغم أن زيادة الاهتمام بالقطاع الفاخر بدأت في بدايات هذا العام إلا أن هذا الاهتمام لم يترجم إلى عروض شراء حقيقية إلا في الأسابيع الأخيرة. وتقول مصادر من شركة هامتونز إنترتاشيونال إنها تلقت عروضا تزيد بنسبة ستة أضعاف عما كانت تتلقاه خلال الشهور المقتولة في العام الماضي. ولكن هذا الاهتمام ما زال مقصورا على أحياء معينة في لندن وعلى قطاع النخبة فقط.

وتؤكد شركة نايت فرانك أنها تلقت عروضا في مكتبها في حي تشيلسي خلال الأسابيع الستة الماضية أكثر مما تلقته خلال الأربعة أشهر السابقة. وكان من الملاحظ أنها تلقت عرضا على أحد عقارات المنطقة يفوق في قيمته السعر الذي كان معلنا للعقار خلال ذروة السوق في عام 2007. من الشركات الأخرى التي سجلت ارتفاعا شركة سافيل التي قالت إنها تلقت عروضا هذا الشهر تفوق ما تلقته في الأشهر القليلة الماضية، وقالت شركة «وينكورث» إن أحد العقارات المعروضة في منطقة نوتنغ هيل يتنافس عليه خمسة مشترين، وهو أمر لم يكن معهودا منذ عام 2007.

ومع ذلك تحذر الشركات أن العروض التي تتلقاها لا تؤدي كلها إلى مبيعات مسجلة، وأن من السابق لأوانه الحديث عن عودة الانتعاش إلى السوق. ولكن هذه التطورات تسهم في تفاؤل أصحاب العقارات الذين عانوا من تجمد السوق خلال الشهور الماضية. ويشرح فيليب تينانت من شركة هامتونز الوضع السائد بأن الكثير من العروض ما زالت لا تصل إلى حجم توقعات البائعين الذين يطلبون ثمنا لعقاراتهم أكثر مما يتلقونه من عروض. ولكن الفجوة بين الطرفين تتقلص نسبيا فيما يبدو وكأنه عودة جزئية للثقة في الأسواق.

وينقسم المشترون، وفقا لشركة نايت فرانك إلى قسمين: المشتري المحلي الذي يملك بالفعل عقارا ويريد أن يبدله بعقار أفضل منه، والمشتري الدولي الذي يبحث عن الفرص ويدفع نقدا. أما المشترون للمرة الأولى الذي يريدون تمويل مشترياتهم بنسبة كبيرة من الاقتراض فما زالوا غائبين عن السوق. وتنشط السوق في القطاع الذي يصل إلى مليون إسترليني وتنخفض قليلا في القطاع الأعلى بين ثلاثة وخمسة ملايين إسترليني بينما يختفي النشاط تماما في الفئات الأعلى من ذلك. وتزداد نسبة تحقيق الصفقات بين الأثرياء الذين يملكون عقاراتهم الفاخرة المعروضة للبيع لأنهم يتمتعون بالمرونة ويستطيعون تخفيض الثمن لإنجاز الصفقات. أما بائعو العقارات المكبلة بنسب قروض كبيرة من ثمنها فهم يترددون في خفض الثمن لأن البنوك ترفض ذلك أحيانا.

وتشير شركة نايت فرانك إلى عقار باعته في منطقة تشيلسي يفوق في قيمته ما دفعه المشتري في عام 2007. ومع ذلك بيع العقار بنحو نصف مليون إسترليني أقل من السعر المطلوب فيه وهو 3.1 مليون إسترليني. وبيعت عدة عقارات أخرى في المنطقة بأكثر مما طلبه البائعون فيها. وتشير الشركة إلى أن نشاط دخول مشتر آخر على الخط لزيادة السعر وخطف الصفقة، وهو نشاط يعرف باسم (Gazumping)، ما زال نادرا ولكنه يحدث في حالات العقارات المتميزة التي يتم تسعيرها بأسعار عملية وجذابة. ويعتقد المشترون أن السعر الجذاب الآن هو ذلك الذي يقل عن ذروة السوق بنحو 25 في المائة. والبائع الذي يرفض تخفيض عقاره بهذه النسبة ما زال يجد صعوبة في العثور على مشترٍ. وتلاحظ شركات العقار زيادة الاهتمام فور تخفيض السعر المعلن وأيضا عندما يتقدم أي مشترٍ بعرض حقيقي للشراء.

وينشط في السوق على وجه الخصوص فئة المليارديرات الروس الذين يعتبرون لندن من أفضل أسواق العقار الدولي خصوصا بعد انخفاض الجنيه الإسترليني. ويبحث هؤلاء عن الفرص سواء كانت تلك المخصصة لإقامتهم أو لمجرد الاستثمار. ويعد الكسندر ليبيدف أحد هؤلاء المستثمرين الذي اشترى مؤخرا صحيفة لندنية مسائية بجنيه إسترليني واحد لإنقاذها من الإفلاس ضمن برنامج استثماري للحفاظ على الوظائف فيها وتطويرها. وهو يقع ضمن فئة دولية تشتري عقارات لندن الجيدة كلما سنحت الفرص.

ومع ذلك لم يشمل هذا النشاط كل قطاعات السوق بعد كما لم ينتشر إلى كل أحياء لندن أو خارجها. وفي داخل لندن ما زالت العقارات التي تزيد في قيمتها على 10 ملايين إسترليني مجمدة مع انخفاض نسبته 34 في المائة عن حجم مبيعات العام الماضي. وتأثر هذا القطاع باختفاء علاوات المصرفيين التي كانت تغذيه في السنوات الماضية. ويقول ليام بيلى رئيس قسم الأبحاث في شركة نايت فرانك إنه كان يعتقد أن القطاع العقاري السوبر في لندن محصن ضد الكساد والركود نظرا لثروات الأثرياء الذين يشترون في هذا القطاع، ولكنه اكتشف أن كل قطاعات السوق تعاني من الركود حاليا. وفي القطاع السوبر وصلت الأسعار إلى ذروتها في أغسطس (آب) عام 2008 ثم تراجعت بشدة منذ ذلك الحين.

وتشير شركة سافيل من أبحاثها إلى أن الأموال التي توجهت لشراء العقار من المصرفيين الحاصلين على علاوات في عام 2008 بلغ حجمها 600 مليون إسترليني، أو نسبة 17 في المائة من إجمالي حجم العلاوات البالغ 3.5 مليار إسترليني. ومن المتوقع أن يختفي هذا الرقم خلال العام الجاري الذي سجلت فيه معظم البنوك خسائر قياسية. وكانت نسبة العلاوات المصرفية التي توجهت لشراء العقار في عام 2007 الذي يمثل نهاية زمن الطفرة، نحو 3.2 مليار إسترليني.

وتقدر شركات العقار مجتمعة أن نسبة انخفاض الأسعار الإجمالية في القطاع الفاخر في لندن بلغت نحو 21 في المائة بالمقارنة مع زمن الطفرة. وتشير شركة نايت فرانك إلى أن نسبة الانخفاض الإجمالي قد تصل إلى 30 في المائة قبل أن يعود النشاط إلى الأسواق مرة أخرى.

من جهة أخرى، تقوم شركات استثمار بشراء عقارات لندنية متميزة وتقوم بإجراء تعديلات وتجديدات عليها لكي تناسب احتياجات المشتري الدولي. ومن ضمن التغييرات التي تطرأ على العقارات الفاخرة التقليدية توفير مساحات تحتها لصف أربع سيارات على الأقل، وتطوير أجهزة الأمن فيها إلى درجة تركيب كاميرات في كل الأرجاء. وبعض هذه العقارات به مقر دائم لحارس خصوصي مهمته مراقبة كل ما يحدث ليس فقط داخل العقار وإنما حوله أيضا.

ويقول مدير فرع شركة سافيل في موسكو الكسندر شاتالوف إن بعض العملاء من الروس يطلبون أيضا عقارات بها قاعات سينما وحمامات سباحة، وتكون ذات أسقف عالية لا تقل عن ثلاثة أمتار ونصف المتر. وتعني هذه المطالب أن العقارات التي تطابق هذه المواصفات نادرة وعندما يعرض أحدها للبيع لا يهم الثمن المطلوب فيه، وهي تباع أحيانا قبل أن تعرض في السوق. ولكن مع ذلك، يعرض المستثمرون الروس أسعارا أقل من المطلوب، واشترى أحدهم عقارا كان معروضا بستة ملايين إسترليني بمبلغ 3.5 إسترليني، بعد أن كان مالك العقار قد رفض فيه عرضا يبلغ خمسة ملايين إسترليني منذ عام واحد.

وفي تطور آخر بدأت شركات استثمارية تكوين صناديق استثمار لشراء العقارات المعروضة في السوق بأسواق بخسة لبيعها في المستقبل بأسعار أفضل عندما تتحسن أحوال الأسواق. وهي تقدم الفكرة لمجموعات من المستثمرين الذين يبحثون عن ملاذ آمن لأموالهم في سوق غير مجدية من الناحية الاستثمارية.

وتتوجه بعض هذه الصناديق لشراء أصول في صناديق عقارية أخرى يتخلص منها المستثمرون من أجل توفير بعض السيولة. وتشهد بعض الصناديق القائمة نشاطات بيع مكثف من بعض المستثمرين المتعثرين إلى درجة أن بعضها فرض فترة ستة أشهر مهلة قبل السماح بتسييل الأصول.

ويشرح مدير الاستثمار في شركة «اسيتسز» المتخصصة في شراء الأصول المتعثرة، ستيوارت لو، أن ما توفره شركته لكبار المستثمرين يعتبره البعض فرصة العمر، لأن المتعثرين يبيعون أصولهم في قاع السوق، بينما يدخله المستثمرون الكبار لشراء أصول رخيصة انتظارا لأوقات أفضل.

وتقول مصادر معهد المسّاحين البريطانيين المعتمدين إن سوق العقار التجاري انخفضت بنسبة 50 في المائة من ذروته وأن بعض الشركات تضطر لبيع أفضل أصولها لسهولة العثور على مشترين لها. ولكن الإقبال من المستثمرين الأفراد على هذه السوق ليس نشطا رغم وجود الفرص لأن الخوف من المخاطر أكبر من إغراء الأرباح.

ويتفهم خبراء السوق هذا الخوف لأن معظم المستثمرين دخلوا السوق في التوقيت الخاطئ تحت إغراءات التسويق من شركات وصناديق العقار في العامين الماضيين. وفيما تعرف صناديق العقار القائمة أن السوق وصلت إلى القاع وأن هناك فرصا متاحة لشراء أسهمها ذاتيا، إلا أنها تفتقر إلى السيولة التي تتيح لها الاحتفاظ بأسهمها بدلا من بيعها رخيصة، مما يتيح الفرص لصناديق ناشئة جديدة.

ولكن بعض الخبراء يحذرون من خطورة دخول السوق في الوقت الحاضر لأن دورة التصحيح لم تنته بعد. ويعتقد هؤلاء أن العقار التجاري يمكن أن يتراجع بنسبة 25 في المائة إضافية خلال العامين المقبلين.

* ضرورة التأكد من ملاءة المستأجر

* من إفرازات فترة الكساد الحالية وقوع العديد من المستثمرين في العقار ضحايا عدم قدرة المستأجرين على دفع الإيجار، مما يحتم ضرورة التأكد من ملاءة المستأجرين وسلامة تاريخهم الائتماني قبل السماح لهم باستئجار العقار. وبلغ من حد تفاقم هذه المشكلة أن نسبة 75 في المائة من أصحاب العقارات يتوقعون متاعب في تحصيل الإيجارات هذا العام.

وتتفاقم المشكلة مع بطء إجراءات الإخلاء التي تستغرق أحيانا نحو ستة أشهر مع تكلفة تصل إلى نحو ألف إسترليني. والخيار الأفضل هو تشديد إجراءات الفحص قبل السماح بالإيجار. وفي بريطانيا لم يعد نشاط تأجير المساكن مربحا كما كان في الماضي نظرا لتعثر السكان وانخفاض أسعار العقارات وارتفاع تكاليف الإقراض العقاري.

ويقدر صندوق «إم بي إل» العقاري أن يكون أصحاب العقار في إنجلترا وويلز قد خسروا من قيمة عقاراتهم في العام الماضي ما يبلغ قيمته 53 مليار إسترليني. ولذلك يرتفع عدد المستثمرين العقاريين المتعثرين، خصوصا أنهم مستبعدون من أي إجراءات حماية حكومية موجهة لأصحاب العقارات.

ويمكن فحص الوضع المالي للمستأجر عن طريق التأكد من هويته أولا بوثيقتين على الأقل إحداهما تحمل صورته، والاستفسار من مقر عمله حول تاريخ الخدمة وطبيعة تعاقده، وعناوين السكن السابقة وحسابات البنوك والبحث الائتماني عنه. وتقول وكالة متخصصة إنه يجب إغفال شهادات من أصحاب عقار سابقين، لأنهم قد يكونون منحوا الساكن هذه الشهادة للتخلص منه.

ولكن مع كل الشهادات التي يمكن أن تقدمها شركات متخصصة لا بد لمالك العقار أن يوفر لنفسه تأمينا ضد مخاطر عدم دفع الإيجار، لأن ظروف الساكن قد تتغير من حيث فقدان الوظيفة أو الطلاق.