أميركا: أكثر من 8 ملايين عائلة مهددة بخسارة منازلها في2009

خطة أوباما لمساعدة ملاك المنازل لم تمنع ارتفاع عدد المصادرات

عدد المنازل المعروضة للبيع في نهاية يناير الماضي في أميركا تراجع بنسبة 3.1 % («الشرق الأوسط»)
TT

رغم خطة التحفيز الاقتصادي التي أعلن عنها الرئيس الأميركي باراك اوباما مؤخرا، فإن التقارير في الولايات المتحدة تشير إلى أن أكثر من 8.3 مليون من أصحاب العقارات والقروض، دخلوا الخانة السلبية نهاية العام الماضي (2008)، أي أن قيمة قروضهم العقارية أصبحت أكبر من قيمة عقاراتهم في الأسواق. ويطال الرقم ما نسبته 20 في المائة من عدد العقارات التي تعتمد على سوق القروض في البلاد.

وأكدت التقارير الخاصة بسير وحال القروض وأرقامها في مؤسسة «لون بيرفورمانس» (LoanPerformance)، أن ولاية كاليفورنيا أكثر الولايات تأثرا بالوضع وتضم أكبر عدد من العقارات التي أصبحت قروضها أغلى من أسعارها، ويلي كاليفورنيا كل من تكساس ونيفادا وفلوريدا وفرجينيا. وتدرس المؤسسة قبل إصدار تقريرها ما لا يقل عن 85 في المائة من القروض العقارية في البلاد أي حالة أكثر من 45 مليون عقار يتراوح سعر الواحد منها بين 75 ألف دولار و1.25 مليون دولار. وواضح جدا الاستثناء للعقارات الدنيا والأسواق الفاخرة أو الغالية الثمن. وتشير الأرقام أن 1.9 مليون مقترض في كاليفورنيا يملكون قروضا تساوي ما نسبته 125 في المائة من قيمة العقار، وفي فلوريدا 1.3 مليون مقترض، أما في تكساس فيصل العدد إلى نصف مليون تقريبا.

وهذا يعني أن عدد الذين واجهوا حالات الإفلاس والمصادرة ارتفع منذ بداية العام الحالي، وسيواصل ارتفاعه حتى النصف الثاني من العام الحالي، قبل أن تأخذ حزمة التحفيز الاقتصادي والعقارية الحكومية مفعولها. وتصل قيم هذه المحفزات 275 مليار دولار، منها 75 مليار دولار لمساعدة المقترضين الذين يواجهون صعوبات في سداد أقساطهم الشهرية. ومن شأن ذلك زيادة الضغوط على الحكومة، وعلى أسواق العقار وعدد المصادرات العقارية وصحة الأسعار بالنهاية. وتتوقع المؤسسة أن ينضم أكثر من 2 مليون مقترض إلى هذه المجموعة الضخمة من المقترضين الذين يدخلون الخانة السلبية، أي ما نسبته 5 في المائة من مجمل القروض العقارية في البلاد. ويقول مارك فليمنغ عن مؤسسة «فرست لميركان كور لوجيك» التي تدير «لونبيرفورمانس» بهذا الخصوص: «فضلا عن التراجع الحاد في الأسعار، لم نعرف هذه النسبة الكبيرة من الخانات السلبية من قبل. يبدو أن تراجع الأسعار يسيطر على الوضع في كل مكان.. ما يقلق هو انضمام أصحاب الخانات السلبية إلى طابور العاطلين عن العمل، إذ إن الوظيفة تساعد المقترض على البقاء في منزله وربما تغيير شروط القرض». كما يؤكد فليمنغ أن الولايات التي لم تعرف تراجعا حادا في الأسعار ( مثل أريزونا وفلوريدا وكاليفورنيا) منذ فترة، ستكون أكثر الولايات تأثرا بالخانات السلبية وان عدد الذين سيجدون عقاراتهم أرخص من قروضهم العقارية سيكون أكبر من غيرهم. وقد أبدى الكثير من المراقبين وخبراء العقار الكثير من المخاوف من اتساع رقعة المناطق التي تضم الخانات السلبية هذا العام، كما يؤكد فليمنغ.

ويضيف تقرير «لونبيرفورمانس»، أن 2.2 مقترض، أي 5.3 في المائة من المقترضين في الولايات المتحدة، يقعون في الخانة السلبية الحادة حاليا، أي أن قيمة قروضهم أصبحت تساوي 125 في المائة من أسعار عقاراتهم في الأسواق وأكثر، وربما 130 أو 140 في المائة.

70 في المائة من هؤلاء المقترضين، جغرافيا، يعيشون في خمس ولايات فقط من أصل 52 ولاية. ومنهم 723 ألفا في ولاية كاليفورنيا، و432 ألفا في ولاية فلوريدا في الجنوب، و170 ألفا في ولاية نيفادا، و128 ألفا في ولاية ميتشيغن، و122 في ولاية أريزونا. ومن الولايات التي لم تعرف تراجعا حادا في الأسعار أو زيادة كبيرة في عدد الخانات السلبية حتى الآن هي نيويورك، إذ لا يزيد عدد المقترضين الذين يعانون من مسألة تسديد أقساطهم الشهرية عن أكثر من 4.75 مليون مقترض. ويعتبر هذا الرقم أصغر رقم بين جميع الولايات.

وعلى صعيد المصادرات، فإن التقارير الأميركية الأخيرة تشير إلى زيادة كبيرة على أعدادها خلال الفترة الحالية، ويتوقع أن يتواصل هذا التزايد خلال العام الحالي رغم خطة التحفيز الاقتصادي الأخيرة في واشنطن. ويشير التقرير الأخير الصادر عن مؤسسة «Moody"s Investors Service»، أن معظم المقترضين الذين يعانون من الوضع ويعجزون عن تسديد أقساطهم سيصلون إلى الحائط المسدود خلال الأسابيع المقبلة بسبب أوضاع الأسواق العقارية والاقتصاد بشكل عام، مما سيرفع من حالات الإفلاس والمصادرات العقارية بشكل لم يسبق له مثيل. ويقول التقرير إن هناك عدة أسباب لهذه الصورة القاتمة، منها التراجع الحاد في أسعار العقارات بشكل عام وارتفاع حالات الإفلاس وتراجع المبيعات. ويتوقع أن تخسر القروض العقارية الجديدة 10 في المائة من قيمتها، ومنها ما يتوقع أن يخسر 25 في المائة من قيمتها. كما يتوقع أن تتم مصادرة أو بيع عقارات 42 في المائة من المقترضين الذين حصلوا على قروض عقارية عالية المخاطر عام 2006، في المستقبل القريب، إذ إن معظم هؤلاء يعانون من مسألة سداد قروضهم. ويضيف التقرير أن هناك احتمالا كبيرا أن 19 في المائة من هؤلاء المقترضين سيخسرون منازلهم قبل نهاية العام الحالي. ويقول التقرير: «بالرغم من التوقعات المتواضعة بحصول تعافي في أسواق العقار خلال السنوات المقبلة، فإن الذين حصلوا على قروض عالية المخاطر سيجدون أنفسهم في وضع صعب، وعاجزين عن إعادة ترتيب أمورهم المالية وعقودهم، إما بسبب تراجع أسعار عقاراتهم أو بسبب شح القروض في الأسواق».

وكانت أرقام الحكومة الأميركية، قبل أيام قد أشارت إلى أن عدد الصفقات العقارية السكنية في قطاع المنازل الجديدة قد تراجع في يناير (كانون الثاني) بداية هذا العام بنسبة 10 في المائة بسب ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وارتفاع عدد المصادرات وحالات الإفلاس. وهذه اكبر نسبة تراجع على عدد الصفقات منذ عام 1963. كما وصلت نسبة التراجع في الأسعار بشكل عام إلى 13.5 في المائة وهي أكبر نسبة تراجع منذ أربعين عاما.

أما نسبة التراجع على عدد الصفقات العقارية في قطاع المنازل الجديدة السنوية، أي منذ يناير عام 2008 حتى يناير هذا العام، فقد وصلت إلى 48 في المائة. ووصل معدل سعر العقار خلال الفترة ذاتها إلى 201 ألف دولار.

وبالرغم من محاولة الشركات تخفيض الأسعار على المنازل الجديدة، فإن عدد الصفقات يتراجع مع تراجع أسعار المنازل القديمة التي أصبحت في متناول البعض. ويقول زاك باندل عن مؤسسة «نامورا انترناشونال» في نيويورك بهذا الإطار: «مع ارتفاع عدد المصادرات، فإن دخول منازل جديدة إلى الأسواق، يطيل من عمر الأزمة وعملية التصحيح على الأسعار». ويقول شوان دونفان سكرتير التطوير المدني، إن هناك ما لا يقل عن 6 ملايين عائلة مهددة بخسارة منازلها، إذا لم تتدخل الحكومة قريبا وتمنع المزيد من التراجعات. ويفترض أن يكون العمل على تنفيذ الخطة الأميركية الجديدة التي أعلنتها الحكومة بخصوص القطاع العقاري قد بدأ في الرابع من هذا الشهر. وأعلن سكرتير وزارة المالية تيموثي غيثنر، عن نيته التدخل لوضع حد للتراجع في الأسواق، عبر التخفيض الضريبي للذين يدخلون الأسواق لأول مرة. ويجري الحديث عن تحفيز بقيمة تتراوح بين 8 إلى 10 آلاف دولار. ويقول: «لا نزال ملتزمين ومصممين وبسرعة على تنفيذ الخطط الخاصة بمساعدة الاقتصاد العام والنظام المالي وقطاع العقارات». وتشير الأرقام الأخيرة، أن عدد المنازل المعروضة للبيع في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، تراجع بنسبة 3.1 في المائة ليصل العدد إلى 342 ألف منزل. وهناك كما يبدو ما يكفي من المنازل المعروضة للبيع لسد الفجوة لمدة 13.3 شهر، وهي فترة مضاعفة للفترة الصحية لسوق مستقر، التي لا تتعدى الستة أشهر.

ويقول روبرت تول عن مؤسسة «تول براذرز»، التي تعتبر اكبر الشركات الأميركية المتخصصة في بناء العقارات السكنية الفاخرة، إن الأشهر الخمسة الماضية كانت أصعب أشهر في تاريخ الاقتصاد الأميركي، وأشار تول إلى أن مداخيل شركته خلال الربع الأول من هذا العام، تراجعت بنسبة 51 في المائة. ويضيف تول أن الناس متخوفون من خسارة وظائفهم مع عدم قدرتهم على بيع عقاراتهم في ظل هذه الظروف الصعبة.

وكانت تقارير أخرى قد أشارت إلى أن أسعار العقارات العائلية (الكبيرة نسبيا) قد تراجع بنسبة لا تقل عن 18.5 في المائة العام الماضي (2008)، في 20 مدينة مهمة في الولايات المتحدة. ويشير تقرير لـ«ستاندرد اند بورز»، أن أسعار هذا النوع من العقارات تراجع في عشرين مدينة بين ديسمبر(كانون الأول) عام 2007 وديسمبر العام الماضي. كما وصلت نسبة التراجع في الربع الأخير من العام الماضي إلى 18.2 في المائة، عما كانت عليه في نفس الفترة من العام السابق. وفي كندا، حذرت الاقتصادية المعروفة في بنك «نوفا سكوتيا» (Nova Scotia) أدراني وارن، من حصول تراجعات كبيرة وحادة على الأسعار وعدد الصفقات العقارية هذا العام. وتتوقع وارن أن يتراجع عدد الصفقات أو المبيعات بنسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة. وكانت الأسعار بشكل عام في كندا العام الماضي قد تراجعت بنسبة 1 في المائة، بعد خمس سنوات من النمو بين عامي 2002 و2007، بنسبة سنوية تصل إلى 10 في المائة. ويتوقع أن تتعرض كل من سادبري وكاليري وفانكوفر إلى تراجعات حادة على الأسعار هذا العام بسبب عدم التوازن بين العرض والطلب فيها جميعا.

وتضيف وارن أن الحكومة الكندية أعلنت منذ فترة عن رزمة من التحفيزات الضريبية لقطاع «إعادة التأثيث» أو ترميم المنازل وتطويرها. وقد تراجعت نسبة نمو القطاع العام الماضي لتصل إلى 4 في المائة، بعد أن كانت 8 في المائة طيلة السنوات الماضية، أي منذ عام 2000 إلى نهاية عام 2007.

ورغم أن الخطوات الحكومية تهدف إلى تشجيع الناس على تطوير منازلهم وتحديثها وبالتالي تحريك الأسواق، فإن هذا لا يكفي لإنقاذ الأسواق بشكل عام وخصوصا التراجعات على الأسعار. ويقول أحد المديرين في البنك وارن جستن، إن الأسس لإنقاذ الاقتصاد في شمال أميركا لا بد أن تبدأ بخلق استقرار في أسواق العقار أو استقرار الأسعار، إذ يعتقد جستن، أن هناك الملايين من الأميركيين القادرين على شراء العقارات، لكنهم يحجمون عن ذلك لأنهم يعتقدون أن الوقت غير مناسب. بكلام آخر، إنهم يتوقعون المزيد من التراجع على الأسعار بشكل عام.