الأزمة المالية تحول السوق العقاري في السعودية إلى سوق «المشتري» وتكدس العروض العقارية

خبراء يؤكدون حاجة السوق إلى وسطاء وسماسرة ومكاتب عقارية على دراية كاملة بالقطاع

تحول السوق العقاري في السعودية إلى سوق مشترٍ، بالإضافة إلى تكدس العروض العقارية لدى المكاتب العقارية. (تصوير: خالد الخميس)
TT

تضاعفت كميات عروض المنتجات العقارية لدى المكاتب والوسطاء والسماسرة العقاريين في السعودية خلال الفترة الماضية، وذلك نتيجة فترة الترقب، التي تمتد حتى نهاية الربع الأول أو الثاني، حسب ما يؤكده عقاريون في المملكة. وجاء ذلك التضاعف من خلال توقف حركة البيع والشراء بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وذلك بعد ما شهدت السنوات الماضية حركة كبيرة من خلال الشركات المحلية والإقليمية في جمع أكبر عدد من الأراضي والمشاريع للاستفادة من الطفرة العالمية التي كانت تعم العالم قبل أن تحل «أزمة المال». وعلى الرغم من أن السعودية تتضمن طلبا حقيقيا للعقارات، فإن المكاتب والوسطاء والسماسرة العقاريين عملوا خلال الفترة الماضية على جمع أكبر عدد ممكن من العروض، وذلك للاستفادة في تسويقها على كبريات الشركات المحلية التي كانت تعتزم التوسع في المدن الرئيسية بالبلاد، بالإضافة إلى الشركات الإقليمية التي أعلنت في وقت سابق عن دخولها إلى السعودية.

ويشير عقاريون إلى أن المكاتب العقارية والوسطاء والسماسرة كانوا يعملون على تجهيز العروض العقارية بأشكال مختلفة وبأفضل الأسعار للظفر بقيمة عمولة البيع أو الشراء، وهو ما يعرف في السعودية بـ«السعي» الذي يعتبر من أكبر مغريات العمل العقاري حيث يعتقد أن من يدخله لا يحتاج إلى تعليم أكاديمي يمكنه من معرفة أبعاد العروض التسويقية التي يسوقها.

وقال بدر محمد المدير العام لمكتب المزروعية بالمنطقة الشرقية إن أغلب البائعين في الوقت قبل الأزمة الذين كانوا يرفضون أي عرض دون أسعارهم الخاصة، باتوا يبحثون عن المشتري بأي سعر، مما حول سوق العقارات إلى سوق «مشتر» بعد أن سيطر «البائع» على هذا المركز لفترة طويلة تصل إلى 4 سنوات، مشيرا إلى أن الوقت الحالي الذي يعرف بسوق المشتري، هو السوق الذي بات فيه المشتري هو المتحكم بالسعر.

واستشهد مدير عام مكتب المزروعية العقاري بعرض عقاري عبارة عن أرض تجارية في طريق حيوي، تم تثمين سعر المتر المربع فيها بقيمة تصل إلى 18 ألف ريال (4800 دولار)، وذلك قبل الأزمة المالية، مع رفض مستمر للبائع، في الوقت الذي يعرضها مالكها بالسعر الجديد، بقيمة تتراوح ما بين 10 آلاف ريال (2666 دولار) و12 ألف دولار(3200 دولار)، وذلك لحاجة مالكها إلى سيولة نقدية، والذي لا يرغب في أن يضطر ببيعها بثمن بخس على حد تعبيره.

وأضاف بدر أن تكدس العروض جاء نتيجة الطلبات المتزايدة خلال الفترة الماضية، خاصة من المختصين في السوق العقاري أو من غير المختصين، حيث يعتقد الكثير من العاملين في السوق العقاري، أن مهارة البيع لا تتطلب الكثير حتى تبيع الأرض، وإنما مجرد عرضها وعرض موقعها سيكون هو الحل السحري الذي يمكن من بيع أرض بملايين الريالات وبالتالي سيكون المكسب في السعي الذي سيحقق مبتغى العامل في سوق العقارات. ورفض مدير عام مكتب المزروعية ذلك الأسلوب في الطرح العقاري، مشيرا إلى أن ذلك الطرح يحدث في الكثير من الأسواق الأخرى، موضحا انه يجب على العقاري أو الوسيط أن يكون «ابن سوق» وذلك ليتمكن من بيع المنتج بالشكل الصحيح، ويضمن للمشتري معرفة احتياجاته من العقارات المختلفة.

إلى ذلك يوافق فهد السبيعي الخبير العقاري في مدينة جدة غرب السعودية، ما ذهب إليه مدير عام مكتب المزروعية، حيث أشار إلى أن السمسار أو الوسيط أو أصحاب المكاتب العقارية، تجب عليهم معرفة مستقبل الأراضي، ومعرفة كل ما يتعلق بالمنتجات العقارية من تطورات مستقبلية أو سابقة، وبالتالي سيعمل على تحقيق التوازن بين رغبات البائع وحاجة المشتري، مما سيساعد على إيجاد العرض المناسب للمشتري المناسب بالسعر المناسب.

وأبدى السبيعي دهشته من وجود كثير من الدخلاء على مهنة السمسرة أو الوساطة العقارية أو حتى بعض أصحاب المكاتب العقارية، مما يعتقدون أنهم على دراية كاملة بالوساطة العقارية، في الوقت الذي لا يملكون فيه الخبرة لمعرفة أطوال الشوارع أو الأراضي المحيطة بهم.

وأكد أن اللوم يقع أيضا على شركات التطوير العقاري التي تعمل على توظيف مديري تسويق ومديري مبيعات من أشخاص خارج الدائرة العقارية، الذين يتسببون في مشاكل مستقبلية للشركة ولقطاع التطوير العقاري بشكل عام، مبينا وجود مشاكل في بعض المشاريع العقارية في الوقت الحالي، التي أثبتت أنها كانت قبل إنشائها بحاجة إلى «ابن السوق» ليمكن مديري التسويق ومديري المبيعات من معرفة احتياجات أفراد المجتمع للمسكن.

وقال السبيعي «هناك مشاريع تعطل بيعها، بسبب تصاميمها الداخلية، التي لا تعكس مدى ثقافة المجتمع السعودي في المسكن، أو تلك التي أنشئت في مناطق بعيدة قد يصل إليها العمران بعض 15 سنة، وتوجه الكثير من الشركات العقارية إلى شراء مشاريع خارج المدن الرئيسية.

وأضاف الخبير العقاري انه من الطبيعي تكدس العروض، خاصة خلال الفترة الحالية، وهي نتيجة لتوقف الكثير من الشركات المحلية، والإقليمية عن توسعاتها في المملكة، بالإضافة إلى تأجيل الكثير من مشاريع مطوري العقارات الذين دخلوا إلى السعودية، ولكنهم بحاجة إلى سيولة نقدية، من خلال القروض والبنوك لبناء تلك المشاريع، مما يعني توقف مشاريعها لفترة بسيطة.

وأكد السبيعي أن الوسيط أو السمسار العقاري وهو ما ينطبق على كل ما يعمل بالسوق العقاري، يجب أن يتحلى بالصدق والأمانة والثقة لدى المتعاملين، وأن يكون ملما بحاجات السوق، بالإضافة إلى معرفة ما يحتاجه السوق في المستقبل، ما هي إمكانيات تحقيق مكاسب أو أرباح من العقارات المعروضة، حتى يتمكن من بيع الأرض أو المنتج العقاري بالشكل الصحيح، إضافة إلى معرفة احتياجات المشترين في العقارات لتوفير بيئة سكنية أو حياة جديدة. واختتم السبيعي أن المشتري في الوقت الحالي هو من يقدم السعر وهو من يقرر على من يقف أمامه الأسعار، حيث يلقب هذا الوضع في السعودية بأنه «سوق المشتري».