العقار العماني لم يعد الابن البار ويحتاج إلى الوقت لتستقر الأسعار

بعد تراجع كبير في الأسعار سببته انعكاسات الأزمة المالية

TT

لم تسلم السوق العقارية في سلطنة عمان من انعكاسات الأزمة المالية العالمية، فأسعار الأراضي كانت قد ارتفعت تحديدا خلال العامين الماضيين بنسبة قياسية، مدفوعة بطلب كبير كان جزء منه يندرج تحت عنوان المضاربة. ولذا كان لا بد من موجة تصحيح اليوم أو غدا، بحسب ما يؤكد المتابعون لحركة السوق.

ويقول حيّان حبيب مدير تطوير الأعمال في شركة الحبيب للتطوير العقاري «إن الأزمة العالمية سرّعت من حدوث موجة التصحيح هذه. فالأسعار كانت قد ارتفعت بنسب غير منطقية وغير مبررة في الفترة الأخيرة». ويشير في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «نسب التصحيح داخل العاصمة مسقط كانت بحدود 30 في المائة لكنها تجاوزت 50 في المائة في مناطق أخرى، بينما نطاق التصحيح السعري للمباني والفيلات السكنية كان بحدود 30 في المائة». ويقول حبيب «إن هذا ليس تصحيحا طبيعيا بل تصحيحا حادا يدفعه الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط التي كانت بدورها نتيجة للأزمة المالية العالمية». ولكن تصحيح الأسعار طال بشكل أساسي القيمة السعرية للأراضي وليس للعقارات القائمة، كما يقول عاصم الزدجالي مدير عام شركة «عقارات دوت كوم للاستشارات العقارية». ويرجع السبب في ذلك لكون مردود الإيجار على العقار ما زال مغريا. ويلفت المراقبون من جهة أخرى إلى أن التراجع الكبير الذي ضرب أسعار العقارات في السلطنة خلال الأشهر القليلة الماضية، أعاد هذه الأسعار إلى ما كانت عليه قبل سنتين تقريبا في الكثير من المناطق، بما يعيد الأمور إلى حقيقتها. ويدعو العاملون في هذا المجال إلى مراقبة نشاط السوق العقارية بدلا عن تقلب الأسعار، لأنها تعكس حقيقة وضع السوق التي تعاني هذه الفترة من تباطؤ.

ورغم أن العقار في سلطنة عمان يظل أفضل حالا منه في العديد من الدول الأخرى، فإنه «من المبكر القول إن التصحيح أكمل دورته» يقول الزدجالي، ويعتبره «تصحيحا صحيا يخدم البائع والمشتري. فعنصر الطلب ولا سيما داخل مسقط ما زال موجودا وعامل الذعر الذي أصاب الكثير من المستثمرين سيتوقف فور أن يجدوا أن عامل الاستقرار عاد إلى السوق». ويتوقع الزدجالي حصول استقرار نسبي في الأسعار في الربع الثاني من العام الجاري. فيما يجد حبيب أن «الأسعار باتت مرتبطة من الآن وصاعدا بأداء الاقتصاد العماني ككل. وهذا بدوره يرتبط إلى حد كبير بأسعار النفط التي تتأثر بحركة الاقتصاد العالمي. وهكذا نكون في حلقة مترابطة أكبر دليل عليها الأحداث التي نشهدها في العالم اليوم».

ويقود تبيان واقع تراجع أسعار الأراضي إلى واقع مماثل لأسعار الإيجارات وإن كان أقل حدة. فهذه الأسعار تراجعت مؤخرا أيضا. ويقول الزدجالي إن التراجع الأكبر كان في منطقة صحار وباقي المناطق البعيدة نسبيا عن العاصمة، «لكنها ستبقى في إطار محدود نظرا لوجود طلب كبير على العقارات المبنية ولا سيما في مسقط». ويربط حبيب تغير أسعار الإيجارات بعنصرين: الأول نسبة الأيدي العاملة القادمة إلى عمان من الخارج والثاني نسبة توظيف العمانيين في الداخل. حيث تظهر الأرقام أنه وحتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2008 كان هناك ارتفاع في أعداد الوافدين من جهة، وفي نسب التوظيف. «لكن أرقام شهري ديسمبر ويناير الماضيين لم تتوفر بعد وأي تراجع يصيبها فإنه سيرتد إلى تراجع مماثل على أسعار الإيجارات السكنية والتجارية». ولموجة التصحيح التي تضرب السوق العقارية في السلطنة تأثيرها المباشر على أعمال المطورين العقاريين والمشاريع العقارية الكبرى التي تعتبر أغلبها في مرحلة التطوير بعد وتحتاج إلى بضع سنوات كي تكتمل. لكن علي حسن موسى مدير عام شركة الارجان تاول يؤكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «لم يتم إلغاء أو تأجيل أي من المشاريع التي يجري تطويرها والتي تتنوع بين مشاريع سكنية وتجارية وسياحية. وتتميز هذه المشاريع بأنها في معظمها خارج العاصمة في مناطق ستشكل مراكز استقطاب سياحي في المستقبل». ويعتبر موسى أن الأوضاع الاقتصادية الجيدة في السلطنة والتركيبة السكانية التي تفرز مزيدا من الطلب على المساكن ستبقي على جدوى الكثير من المشاريع الجاري تطويرها حاليا.

وتعتبر شركة «الارجان تاول» التي تشكلت نتيجة تحالف استراتيجي بين شركة «الارجان العالمية العقارية» في الكويت وشركة «جي دبليو تاول» في عمان، من كبرى شركات التطوير العقاري في السلطنة. وهي تنفذ حاليا مشاريع بنحو ملياري دولار. وفي المقابل يقول حبيب إن شركته ستقوم بإعادة دراسة المشاريع الكبرى التي كان يجري العمل عليها فيما ستستمر في تنفيذ المشاريع الصغرى. وكانت عمان قد خصصت نحو خمسة عشر موقعا لمشروعات التنمية السياحية يقدر أنها ستتكلف 20 مليار دولار خلال السنوات السبع المقبلة. وفي هذا الإطار تم إطلاق سلسلة مشاريع عقارية ضخمة في الفترة الماضية مثل مشروع الموج والمدينة الزرقاء التي تقدر حجم الاستثمارات فيها بسبعة مليارات دولار ومشروع السلام يتي التابع لسما دبي بقيمة ملياري دولار وآخر لشركة موريا السياحية وغيرها. إن هذه المشاريع في مراحل مختلفة من التنفيذ وهي جميعها من أكبر المتضررين من الأزمة المالية العالمية ومن تذبذب سوق العقار في السلطنة. وإن سارع بعضها للتأكيد على استمراره بالعمل بحسب الخطة المعدة سلفا. إلا أن العمل توقف فعليا في البعض الآخر مثل «السلام يتي». ويتوقع المراقبون أن تتجاوز نسبة الركود في المشروعات العقارية والسياحية جراء الأزمة المالية العالمية 30 في المائة، فبيع الوحدات السكنية الفاخرة أو السياحية أصبح أكثر صعوبة اليوم. يذكر أن شركة موريا السياحية سارعت عند تفاقم الأزمة للتأكيد على أن مشاريعها في السلطنة لا تعاني من جراء الأزمة المالية العالمية وأن كافة القروض التي اعتمدت عليها هذه المشاريع تم الاتفاق عليها مسبقا ولن تعدل وإن حدثت بعض الإلغاءات في طلبات الشراء لكنها كانت حالات فردية. ولكن الجميع يتوقع تأخيرا في مراحل تنفيذ هذه المشاريع.