الأزمة المالية العالمية تعيد تنظيم أسواق العقار العربية

جمعية لدراسة وتحليل أسواق العقار.. والانتعاش ليس قبل 2010

عودة الانتعاش إلى أسواق الخليج العقارية غير متوقعة في الوقت القريب («الشرق الأوسط»)
TT

بعد فترة من الصمت الذي عم أسواق العقار العربية بصورة عامة وأسواق الخليج على وجه الخصوص، بدأت مؤشرات التعامل العربي الجدي مع الأزمة المالية العالمية التي سحبت مصادر التمويل من الأسواق العربية بتكوين توافق بين أطراف السوق من المصرفيين ومطوري العقار على تكوين جمعية لإجراء دراسات عقارية تقام بمساعدة الصناعة والحكومات في المنطقة من أجل تحسين اتخاذ القرارات حول نشاطات الأسواق وتحولاتها وما يجب القيام به للتعامل مع هذه التحولات.

وبدأت فكرة تكوين جمعية الأبحاث العقارية من شركة «الدار» العقارية التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها. وهي تشير إلى أن المشروع جذب إليه حتى الآن نحو 100 جهة مختلفة تتعامل كلها في أسواق العقار وتريد تحسين المعلومات المتاحة حول أحوال السوق. ويعتقد تشارلي اكورث، مدير الأبحاث في الشركة أن فترة التراجع الحالية هي التوقيت الأمثل من اجل تطوير مثل هذه الجمعية وتعزيز الشفافية في الأسواق بعد فترة غياب طويلة.

وسوف يكون من بين أهداف الجمعية تشجيع شركات أبحاث السوق على ضرورة التحقق من المعلومات التي تبثها عن الأسواق وتحسين نوعيتها. وكانت أبحاث السوق الدقيقة غائبة أو غير دقيقة في المرحلة التي سبقت التراجع العقاري مما أدى إلى إغفال الأزمة لفترة زمنية امتدت لعدة شهور، ثم بطء التعامل معها لغياب المعلومات الدقيقة حول حقيقة الأوضاع.

وسوف تماثل الفكرة جمعية أبحاث عقارية في بريطانيا توفر شفافية في السوق عن طريق إتاحة الفرصة لأعضائها لتقديم المعلومات والمشاركة فيها. وتفيد الجمعية في تكوين رأي موحد للصناعة وتشخيص المشاكل والعوائق المتاحة في السوق بحيث يمكنها الذهاب إلى الحكومات وطلب الدعم أو إجراء تغيير في القوانين كلما دعت الحاجة لذلك.

وشكا عدد من المتخصصين في العقار في منطقة الخليج من أن الشركات كانت لا تأبه بدراسة السوق جيدا في ذروة الفقاعة العقارية وكانت تطرح مشاريع بالجملة بعضها بأسعار عشوائية. وبدا الأمر في بعض الأحيان على انه سباق محموم بين الشركات لإعلان المزيد من المشاريع، الأمر الذي انعكس بعد ذلك سلبا على السوق بعد تجمد أو إلغاء هذه المشاريع، أحيانا من دون إعلان صريح بذلك، مما أدى إلى تزعزع الثقة.

ويعتقد عقاريون في الخليج بضرورة إشراك البنوك أيضا في هذا الجهد حتى تكون على علم بمجريات السوق وتقرر في وقت مبكر جدوى المشاريع وإمكانيات تنفيذها وربما أيضا تقديم أفكار تمويل للمستثمرين في العقار تتناسب مع الطلب المحلي وتتزامن مع الإعلان عن المشاريع الجديدة بحيث تكون متكاملة تصميما وتمويلا.

من ناحية أخرى توقعت مطبوعة «ميدل ايست بروبرتي» المتخصصة في المجال العقاري أن تسفر الأزمة الحالية في المنطقة عن اندماجات في أسواق العقار الخليجية بين شركات العقار، وداخل الشركات نفسها. وقال مصدر من شركة «المزايا» العقارية الكويتية للمطبوعة إن الشركة في سبيل دمج بعض وحداتها من اجل خفض التكلفة، وكان قرار الشركة موجها للتعامل مع تباطؤ السوق. وقالت شركات إنها سوف تضطر للاندماج بسبب تعثر بعض عملائها وعدم دفع المستحقات المتفق عليها ومنها ما كان يتم تمويله من قروض مصرفية. كما تم تجميد طرح شركات عقارية في قطر للاكتتاب العام بعد تراجع الأسعار واختفاء المستثمرين في العقار من السوق في الوقت الحاضر. وبوجه عام تقول شركات العقار الخليجية إن فترة الستة أشهر المقبلة سوف تشهد نوعا من التجمد الاستثماري، فلا طرح لمشاريع جديدة ولا عمليات شراء للأراضي لأغراض البناء، مع التركيز الكامل على المشاريع التي بدأت فعلا بهدف تدبير التمويل اللازم لاستكمالها. ولجأت بعض الشركات في الإمارات إلى إلغاء العديد من مشاريعها المستقبلية التي سبق الإعلان عنها، مع تجميد تنفيذ البعض الآخر، بعد هبوط الإيرادات بنسب وصلت إلى حوالي 45 في المائة عن مستويات العام الماضي.

ولا ترى شركات العقار الخليجية أي فرص للانتعاش خلال العام الجاري. ويشير الخبير العقاري رونالد هنشلي من شركة «كلاتونز ـ دبي» إلى أن الصناعة في حالة تراجع سريع وان معدلات الأسعار وتقديرات البنوك لقيمة العقارات بغرض مد القروض العقارية تأخذ موقفا محافظا جدا في التقدير وتخفض كثيرا من توقعات شركات العقار. وهو يعترف أن مبيعات الشركة لا تزيد حاليا عن عقار أو اثنين كل شهر بعد أن كانت تبيع عقارا كل يومين. وانخفض كذلك معدل القروض العقارية من 17 مصرفا محليا من 250 قرضا شهريا إلى نحو 50 قرضا فقط. وتربح الشركة حاليا من مجالات أخرى مثل مجال إدارة العقارات وتدبير إجراءات السكن للمستأجرين.

ويتوقع هنشلي أن ينخفض معدل الإيجارات في دبي خلال العام الجاري، وهي خطوة يعتقد أنها سوف تلقى استحسانا من المقيمين في الإمارة. وهو يقدر أن يكون معدل الانخفاض بنسبة 50 في المائة مما كانت عليه الأسعار في ذروة السوق قبل عام ونصف العام، كما يعتقد أن قيمة العقارات أيضا سوف تنخفض بسبب مغادرة أعداد كبيرة من المقيمين، الأمر الذي يؤثر على الطلب العقاري. ولكن التأثير الإجمالي لانخفاض الإيجارات لن يصل كاملا إلى الأسواق إلا في عام 2011، لأن بعض التعاقدات الإيجارية ثابتة القيمة لمدة عام او عامين.

وهو يعزز اعتقاده بضرورة خفض الإيجارات قياسا بمعدل الأجور، حيث ينفق المديرون المحترفون على إيجار مساكنهم في دبي نحو 60 في المائة من أجورهم، والنسبة المعقولة والمعمول بها في أسواق أخرى لا يجب أن تزيد عن 20 إلى 25 في المائة من الأجر.

ولكن هنشلي، مثل غيره، يعترف بأن توقع عودة الانتعاش في الوقت الحاضر صعب لأن المعلومات الضرورية لمثل هذا التقدير غائبة. فهو لا يعرف الوضع الحقيقي للسيولة في المنطقة ولا حجم التعثر المالي للشركات ولا عدد المغادرين ولا نسبة انخفاض التمويل من البنوك، لتقدير حجم الانخفاض في الطلب. ولذلك فهو يصف الوضع وكأنه «مثل النظر إلى هوة سوداء». وهو يهاجم هؤلاء الذين يتوقعون عودة الانتعاش خلال الربع الثالث أو الرابع من العام الجاري بأنهم يعيشون في عالم التمنيات وليس الواقع، فالمشاريع ما زالت مجمدة وبعضها ألغي والتمويل ما زال صعبا والطلب العقاري في تراجع.

وتطالب بعض شركات العقار الخليجية البنوك بالعودة إلى نشاط الإقراض لتحريك السوق، وقال احد مطوري العقار في دبي إن على البنوك أن تلعب دورا ايجابيا في الأزمة خصوصا وان الآلاف يفقدون وظائفهم، وعشرات المشاريع مجمدة بسبب ندرة التمويل. كما طالب بمزيد من المرونة في شروط تقديم القروض العقارية وعدم قسرها على الموسرين الذين لا يحتاجونها أصلا.

ولكن على الرغم من الصعوبات التي برزت إعلاميا، خصوصا من دبي، إلا أن الاعتقاد السائد بين شركات العقار العاملة هناك هو ان دبي سوف تخرج من الكساد قبل غيرها لأنها موقع ديناميكي، ولأن عدد الذين يعتقدون بقيمة دبي ومتانة اقتصادها يفوق بعشرات المرات هؤلاء الذين يشككون في قدراتها.

ويعتقد هؤلاء أن ما يحدث الآن ليس إلا تصحيحا للفقاعة التي استمرت عدة سنوات وشهدت التهابا في الأسعار كان من الصعب استمراره. ولأن دبي كانت في مقدمة الانتعاش فإنها عانت أكثر من غيرها. ولكن معدلات الأسعار تنخفض في كل أسواق الخليج بلا استثناء. وفي تقرير عقاري من الكويت أوردته مطبوعة عقارية الكترونية، تراجعت المبيعات العقارية بنسبة 60 في المائة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، للشهر العاشر على التوالي. وكان التراجع بسبب قانون كويتي قدمته الحكومة في العام الماضي يمنع الشركات الخاصة من نشاط بيع وشراء العقارات السكنية في محاولة منها للحد من نسب تضخم الأسعار.

وفي قمة السوق، في عقارات نخيل جميرة، هبط سعر الوحدات العقارية إلى 272 دولارا للقدم المربع وهو اقل سعر لها منذ تراجع الأسعار في العام الماضي. وكان سبب التراجع اضطرار بعض المشترين إلى البيع بأسعار رخيصة لتسديد التزاماتهم المالية. ويباع العقار في موقع جزيرة جميرة حاليا بحوالي 1.4 مليون درهم لمساحة 1500 متر مربع، وكان العقار نفسه يباع في العام الماضي بسعر أربعة ملايين درهم.

ومع ذلك فلا يجب التعميم على كل الأسواق ولا على قطاعات السوق، ففي أبوظبي مثلا ما زالت إمدادات العقار اقل من الطلب، وعلى الرغم من التراجع العقاري الشامل في المنطقة وخارجها إلا أن سوق أبوظبي ما زال منتعشا نسبيا وما زالت الأسعار والإيجارات العقارية متماسكة وبعضها يرتفع. وتتميز الأسواق بمساندة حكومة أبوظبي، بحيث تمر مرحلة التصحيح الحالية بأقل الخسائر الممكنة. ويتوقع تقرير «بروبرتي إنسايت» من شركة ريتشارد إيليس الاستشارية أن الوضع الحالي في أبوظبي يمثل فرصا جيدة لمطوري العقار وللمستثمرين على وجه سواء. ويحرص الجميع على الإقدام على مشاريع ذات جدوى بتخطيط جيد ونوعية متفوقة. ويضيف التقرير أن سوق أبوظبي سوف يستمر في النمو، وان كان هذا النمو بمعدلات اقل من السابق. ويأمل التقرير أن تفيد المرحلة الحالية حكومة أبوظبي في وضع بعض القواعد والقوانين العقارية التي تضعها على الخريطة الدولية.

ولكن مفتاح عودة الانتعاش إلى المنطقة لن يكون إلا بعد تراجع الأسعار بنسبة كبيرة عما هي عليه الآن، وفقا لتقرير أعدته مطبوعة «ارابيان بزنس» التي طرحت استبيانا على المستثمرين عبر موقعها على الانترنت وجاءت النتائج لتؤكد أن نصف المستثمرين على الأقل يعتقدون أن تراجع الأسعار الذي حدث حتى الآن ليس كافيا لعودتهم إلى الأسواق. وهم يعتقدون أن السوق سوف يصل إلى مرحلة قاع الأسعار في منتصف عام 2010، ربما لان التراجع بدأ متأخرا بعض الشيء في أسواق المنطقة.

وحتى بين الفئة التي تعتقد أن الأسعار تراجعت بما فيه الكفاية لعودتهم إلى الأسواق، وهؤلاء لا تتعدى نسبتهم 16 في المائة حاليا، فهم يؤكدون أنهم لن يدخلوا الأسواق لعدة أشهر أخرى لمراقبة مستوى الأسعار لعلها تتراجع أكثر. أما نسبة تسعة في المائة فقالت إنها تبحث الآن جديا عن فرص لشراء عقارات ودخول السوق مرة أخرى.

ويقول فرع مورغان ستانلي الإقليمي إن عدم إقراض البنوك لمشاريع العقار الجديدة من ناحية، وعدم تقديم قروض عقارية لصغار المستثمرين، يعرقل حركة السوق حاليا ويؤخر الانتعاش. وأدى عدم وجود مشترين في السوق إلى انخفاض أسعار العقارات في المشاريع الجديدة بنسب وصلت أحيانا إلى حوالي 50 في المائة. كما تم تقدير نسبة التراجع في سوق دبي وحدها بحوالي 25 في المائة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، بسبب مغادرة المضاربين للسوق.

من ناحيتها تحاول شركات العقار في المنطقة أن تشجع السوق بالقول إن انخفاض أسعار مواد البناء أتاح لها الفرصة لتخفيض أسعار العقار، مع توقع عودة الانتعاش بعد شهور قليلة. ولكن أبحاث السوق من عدة جهات توضح أن وضع السوق لا يتوقع انتعاشا قريبا، وهذا هو ما يعتقده المستثمرون أيضا.

* جمعية الدراسات العقارية البريطانية ترفع مهنية المجال باشتراكات رمزية

* الجمعية البريطانية لدراسات العقار، التي تحاول جهات خليجية أن تقيم مثلها في المنطقة، واسمها (The Society of Property Researchers) لها جهود متعددة في مجال تشجيع وتحسين أبحاث السوق العقارية والمحافظة على مهنية هذا المجال بمستويات عالية وتوفير مجال للمناقشة وتبادل الأفكار عبر العديد من الأنشطة التي تشمل المؤتمرات والمحاضرات والزيارات الميدانية والاجتماعات، بالإضافة إلى التعاون مع منظمات ومؤسسات أخرى، بعضها أوروبي، من اجل تحسين المجال ورفع درجة المعرفة بالأسواق. كما تهتم الجمعية بتوجهات مستقبل الأسواق وتقوم بجهود ايجابية بتكوين فرق عمل لدراسة بعض الظواهر داخل صناعة العقار مثل مؤشرات الأسعار والأجور بين عمال الصناعة.

وتنشر الجمعية احدث تطورات السوق في نشرة دورية توزع على الأعضاء، كما أن دليل الأعضاء فيها يعتبر مدخلا مهما للتعرف على الشركات العاملة في مجال أبحاث العقار. ويشمل الدليل نحو 500 شركة ويساهم في فتح قنوات التعارف والتعاون بين مديري الشركات. وتتواصل الجمعية مع مؤسسات مثل المعهد الملكي البريطاني للمساحين العقاريين، وجمعية العقار الأوروبية، وجمعية مستثمري العقار وبنك انجلترا. ويساهم أعضاء الجمعية باشتراكات رمزية لا تزيد عن 40 جنيها في العام.

من أحداث الجمعية مؤتمر أقامته في لندن هذا الأسبوع بعنوان «توقعات سوق العقار الدولي في عام 2009»، تحدث فيه خبراء عقاريون هم نييل تيرنر من بنك شرودر، وجيف جاكوبسون من شركة لاسال العقارية الدولية وتيم بيلمان من بنك «آي إن جي».

من أحداث الجمعية أيضا محاضرة في الشهر المقبل حول «المشتقات المالية الخاصة بأسواق العقار وتضمينها في استراتيجية استثمارية»، ويلقيها خبير من شركة استثمار وتأمين بريطانية اسمها «ليغال آند جنرال». وتقيم الجمعية حفلا سنويا لأعضائها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في لندن.