الإقلاع عن التدخين مدخل لسوق العقار في بريطانيا

توقعات بتعافي العقار التجاري في لندن قبل أسواق العواصم الأوروبية

جانب من العاصمة البريطانية لندن («الشرق الأوسط»)
TT

على المواطن أو الفرد التوقف عن التدخين وربما أشياء أخرى، للتمكن من الحصول على قرض عقاري هذه الأيام، وبالتالي الدخول في سوق العقار، حسب تقرير لبنك «هاليفاكس» (Halifax). ويبدو من تقرير البنك أن الحل الوحيد أمام الراغبين بتملك منازلهم وعقاراتهم، هو الإقلاع عن العادات اليومية السلبية ومنها التدخين، لتوفير ما يكفي من دفعة أولى للحصول على قرض، خاصة المشترين للمرة الأولى.

ويقول تقرير بنك «هاليفاكس» وهو أكبر المقرضين العقاريين في بريطانيا، إن بإمكان الفرد أو المشتري للمرة الأولى توفير ما يقارب 1800 جنيه (2600 دولار) في السنة، في حال توقف عن المصاريف غير الضرورية. وفي البحث الذي أجراه البنك تبين أن 48 في المائة من الراغبين في الدخول إلى سوق العقار يفتقدون إلى الثقة في قدرتهم على تأمين الدفعة الأولى للحصول على قرض عقاري، والبقية عاجزة عن تدبير توفيرهم الشهري بشكل إيجابي وفعال يمكن أن يساعد على تأمين الدفعة الأولى.

ويمكن توفير الكثير من المصاريف تجاه هذه الغاية عبر تقنين الاستهلاك الأسبوعي من الكحول، أو التوقف عن تناول القهوة قبل العمل، وعدم شراء المياه المعدنية والاعتماد على مياه الشرب العادية، أو إلغاء عضوية النوادي الرياضية أو نوادي التمارين. ومن شأن ذلك وحده توفير ما لا يقل عن 150 جنيها (211 دولار) للفرد في الشهر. وبإمكان الفرد الراغب في التوقف عن التدخين توفير ما لا يقل عن 160 جنيها شهريا، أي ما يقارب 2000 جنيه (2800 دولار) في السنة. وإذا أضفنا ذلك إلى التوفير في المسائل الأخرى، فيمكن للفرد توفير ما لا يقل عن 3700 جنيه (5200 دولار) في السنة. ويبدو أن التوقف عن التدخين من أهم العوامل وأكثرها فعالية من غيرها من ناحية التوفير بالطبع. فمثلا التوقف عن التمارين في النوادي يوفر حوالي 42 جنيها (59 دولارا) في الشهر، أي ما يقارب 508 جنيهات (714 دولارا) في السنة. والأمر نفسه ينطبق على القهوة، التي يمكن توفير 450 جنيها (600 دولار) على الأقل في السنة في حال الإقلاع عن تناولها اليومي المنتظم. والحال نفسه مع الوجبات السريعة التي يمكن أن يؤدي التوقف عنها مرة في الأسبوع إلى توفير ما لا يقل عن 430 جنيها (590 دولارا) في السنة. ويقول جيدن غرين عن «هاليفاكس» في هذا الإطار: «البحث الذي أجريناه يشير إلى أن تنظيم الفرد أو المشتري للمرة الأولى، لأموره المالية، قد يوفر عليه آلاف الجنيهات في السنة. وعبر معرفة ما يمكنه توفيره وتغيير نمط حياته، يمكن أن يؤمن جزءا كبيرا من الدفعة الأولى لشراء منزله».

وقد أشارت التقارير الخاصة والرسمية الأخيرة، إلى أن عدد القروض العقارية الممنوحة يواصل تراجعه في بريطانيا، وأن الشروط على المشترين للمرة الأولى أو الراغبين بدخول سوق العقار ستكون أصعب مما كانت عليه طوال السنوات العشر الماضية. وتقول الأرقام الأخيرة إن عدد القروض العقارية الممنوحة في يناير (كانون الثاني) الماضي (2009)، لم يتعد الـ23.4 ألف قرض، وكان عدد القروض في الشهر نفسه من العام الماضي (2008) 48 ألف قرض، وفي ديسمبر (كانون الأول) أيضا 32 ألف قرض. ويقول تقرير لمجلس المقرضين العقاريين في البلاد، إن أكثر الطبقات تأثرا بهذا التراجع هم المشترون للمرة الأولى والباحثين عن تغيير أماكن سكنهم. ويضيف التقرير أن التراجع المتواصل على أسعار العقار وأزمة الائتمان والأوضاع الحالية لقطاع المصارف والركود الاقتصادي، أدى إلى وضع العقبات أمام المشترين للمرة الأولى، إذ وصل معدل الدفعة الأولى لأي قرض عقاري إلى 24 في المائة. أي أن على الراغب في شراء عقار بقيمة 200 ألف جنيه (281 ألف دولار)، تأمين دفعة أولى تقدر بـ50 ألف جنيه (70 ألف دولار) فقط لا غير، وهو مبلغ كبير لا يتحمله معظم المواطنين.

ومع هذا، فإن تخفيض معدل الفائدة العام إلى أدنى حد له منذ سنوات، قد ساعد القادرين على تأمين الدفعة الأولى على تحمل الأقساط الشهرية للقروض الجديدة على قلتها.

وتشير الأرقام إلى أن ثلث المشترين للمرة الأولى اقترضوا ما يعادل 3 مرات مدخولهم السنوي، أي ما معدله 97 ألف جنيه (136 ألف دولار) للقرض الواحد في يناير (كانون الثاني) الماضي. ويدفع المشتري الواحد ما نسبته 15.8 في المائة من معاشه السنوي على الفائدة على القرض العقاري وحدها. وهي أقل نسبة منذ عام 2004. ويقول مايكل كوغان مدير «سي ام ال» (CML)، التي تؤمن 98 في المائة من القروض العقارية في الأسواق: «إن انسحاب الكثير من الممولين الأجانب والمختصين ترك فجوة كبيرة في الأسواق والقدرة على تأمين القروض لمواكبة الحاجة والطلب عليها، ويبدو أن هذا الوضع سيتواصل العام الحالي».

ومع هذا، تشير الأرقام إلى أن إعادة الاستقراض أو إعادة ترتيب القروض في بريطانيا قد ازدادت منذ ديسمبر (كانون الأول) إلى يناير (كانون الثاني) الماضيين من 5.6 مليار جنيه (7.8 مليار دولار) إلى 6 مليارات جنيه (8.4 مليار دولار).

وعلى الرغم من الارتفاع الشهري في عدد حالات إعادة الإقراض، فإن «سي ام ال» تتوقع أن يهدأ هذا القطاع السنة الحالية بسبب شحة السيولة المتوقعة.

من العلاقة بين التدخين والعقار، كشفت الأرقام الأخيرة أن العلاقة بين العقار والأسعار يومية ومؤلمة منذ فترة طويلة. فقد أشار تقرير لمؤسسة «زوبلا» (zoopla) العقارية الخاصة بمقارنة الأسعار في أسواق العقار السكني، إلى أن معدل خسارة المنزل أو العقار السكني اليومية منذ سنة، أي منذ مارس (آذار) العام الماضي (2008) حتى هذا الشهر، وصلت إلى 100 جنيه (140 دولارا) في إنجلترا، ما يعني خسارة ما يقارب تريليون جنيه (1.4 تريليون دولار) من أسعار العقارات خلال عام على الصعيد الوطني. ويصل معدل سعر العقار حاليا في إنجلترا، وبعد سنة ونصف من التراجعات على الأسعار، إلى 202.4 ألف جنيه (285 ألف دولار)، أي بتراجع نسبته 16.6 في المائة منذ عام. ووصل معدل الخسارة اليومية على العقار في مقاطعة ويلز إلى حوالي 68 جنيها، وقد تراجعت الأسعار هناك خلال السنة الماضية بنسبة 14.7 في المائة، مما يعني أن معدل سعر العقار وصل إلى 146 ألف جنيه (205 ألف دولار). ووصل معدل الخسارة اليومي على المنازل أو العقارات السكنية المستقلة (Detached) إلى حوالي 150 جنيها (210 دولارات)، والشقة السكنية العادية إلى حوالي 95 جنيها (130 دولارا). أما المنازل المتصلة بغيرها، فقد خسرت ما لا يقل عن 89 جنيها (120 دولارا) يوميا منذ عام. ويبدو أن أسوأ المناطق أداء في بريطانيا على هذا الصعيد هي العاصمة لندن والمناطق الجنوبية الشرقية من إنجلترا. وتشير الأرقام إلى أن المنزل أو العقار السكني في لندن يخسر منذ سنة ما يقارب 200 جنيه (280 دولارا) يوميا. أما المناطق الفاخرة، فكانت أكثرها وأغلاها من ناحية الخسائر، فمثلا وصل معدل الخسارة اليومية على العقار في منطقة كينزينغتون إلى أكثر من 718 جنيها (980 دولارا)، وفي منطقة تشيلسي إلى 550 جنيها (774 دولارا) أيضا. مما يعني أن الخسائر في لندن كانت خمس أضعاف خسائر المناطق الأخرى من التراجع الحاد على الأسعار في قطاع العقار السكني منذ أغسطس (آب) عام 2007.

وتقول أرقام «زوبلا» إن الخسارة اليومية على سعر العقار في شمال إنجلترا مثل نيوكاسل، لم تتعد الـ68 جنيها (95 دولارا). ومع هذا شهدت مناطق عدة تراجعات على معدلات أسعار العقار فيها نسبة إلى المعدل الوطني، على الرغم من أن التراجع على الأسعار فيها منذ سنة كان أقل من المعدل الوطني الذي يصل إلى 16.6 في المائة. ومن هذه المناطق وودبريدج وسافوك، حيث تراجعت الأسعار فقط بنسبة 7.4 في المائة. وتراجعت في منطقتي هاستينغز وايست ساسيكس بنسبة 9.2 في المائة. ويقول أليكس تشاستيرمان عن «زوبلا» في هذا الصدد: «بحثنا يشير إلى أن أصحاب العقارات عانوا كثيرا خلال السنة الماضية في وقت لا توجد فيه مؤشرات إيجابية على الصعيد الاقتصادي، فقد تراجعت أسعار العقارات حتى الآن ما يكفي لتحفيز شهية المشترين.. ففي موقعنا على شبكة الإنترنت نرصد تساؤلا واحدا كل ثانية تقريبا، مما يدل على ارتفاع نسبة المهتمين والراغبين في اقتناص الفرصة.. وإذا ازدادت الثقة بين المشترين بأن التراجع على الأسعار بدأ يتباطأ، وتمتع البائعون بالواقعية المطلوبة، فيمكن أن نرى تعافيا في النشاط العقاري خلال هذا العام، مما سيؤدي إلى استعادة الأسعار عافيتها لاحقا».

وعلى صعيد العقارات التجارية، أكد فيليب زيكوفيتش، من مؤسسة «بي ان بي ريل استيت» (BNP Paribas Real Estate) في اللقاء العقاري الخاص في كان جنوب فرنسا، أن سوق العقار التجارية في لندن قد تستعيد عافيتها قبل أسواق العواصم والمدن الأوروبية الأخرى كباريس وغيرها، عبر ارتفاع عدد الصفقات. ويعود هذا حسب رأي زيكوفيتش إلى تراجع القيمة الاستثمارية وقيمة الإيجارات في الأسواق، مما يجعلها جذابة أكثر أمام بعض المستثمرين. وقال زيكوفيتش أمام اللقاء إن الفرنسيين اتخذوا موقف الترقب والانتظار، فيما لندن ستكون هدفا للمستثمرين الأجانب خلال الأشهر القليلة المقبلة، خاصة من قبل المستثمرين الألمان. «إذا نظرنا إلى سوق العقار التجارية في باريس، فإن المستثمرين ينظرون إلى الأسعار ولا يعرفون ما إذا كانت كافية للتدخل واقتناص الفرص، ويتطلعون إلى لندن، حيث حصلت تراجعات حادة على الأسعار».

بعض الخبراء الآخرين يعتقدون أن التراجعات الحادة على معدلات إيجار العقارات التجارية في العاصمة لندن ستتواصل هذا العام، مما ستدفع المستثمرين بعيدا عن السوق، بسبب تراجع القيم الاستثمارية بشكل عام. ويتوقع أن تتراجع معدلات الإيجار في هذا القطاع العام الحالي بنسبة 20 في المائة. ويجد المستثمرون أنفسهم أمام حائط مسدود مع ارتفاع عدد الزبائن الراغبين في تغيير عقودهم تناغما مع الأسعار الرخيصة هذه الأيام.

وقال زيكوفيتش إن أكثر من 20 ألفا من العقاريين والخبراء والمستثمرين الدوليين في كان، وإن على المستثمرين أن يعدوا العدة حاليا ويوفروا ما استطاعوا، قبل أن تحين الفرص لدخول الأسواق. وبكلام أدق قال زيكوفيتش: «علينا أن نبني آلة حرب لنؤكد أننا سنكون في الأمكنة المناسبة عندما يتعافى السوق». وتم الاتفاق على الإعلان في اللقاء العقاري الدولي عن بناء برج كبير في مدينة بيرمنغهام البريطانية بقيمة 125 مليون جنيه (176 مليون دولار). وسيشمل مشروع البرج، الذي يعتبر الأكبر في اللقاء، وستديره مؤسسة «ريغال بربتي»، فندقا ومحلات تجارية وشققا سكنية. ويتوقع أن يبدأ العمل على تنفيذه عام 2010، أي بعد اكتمال الإجراءات القانونية. ويأتي الإعلان عن المشروع في الوقت الذي تشهده فيه العواصم الكبرى ومعظم الدول تراجعا حادا في عدد المشاريع الجديدة وارتفاعا كبيرا في عدد المشاريع التي تم تعليقها وتأجيلها إلى أجل غير مسمى. ومن المناطق التي تعاني من هذه الأزمة الخليج العربي، خاصة دبي، وموسكو وباريس ولندن ومدريد وغيرها.