روسيا: سوق العقار يدخل في غيبوبة بعد تراجع أسعار النفط وانهيار أسواق المال

توقع تراجع أسعار الشقق بنسبة 30 % خلال العام الحالي

جانب من مدينة سانت بيتسبرغ الروسية ( ا.ف.ب)
TT

كانت الأسواق العقارية التجارية والسكنية في روسيا من الأسواق الدولية النشطة خلال السنوات القليلة الماضية، وقد اعتبرت العاصمة موسكو لبعض الفترات من أغلى المدن في العالم عقاريا. وتم التخطيط للكثير من المشاريع الضخمة الخاصة بإعادة تجديد بعض أحياء موسكو وبيترسبيرغ وبناء الأبراج العالية وتأمين المكاتب الحديثة للشركات الأجنبية. وظلت الأسعار ترتفع في موسكو حتى نهاية النصف الأول من العام الماضي (2008)، وقد سجلت ارتفاعا بنسبة 30 في المائة قبل هذه الفترة، إلا أن الأسواق الناشئة التي اعتمدت كثيرا على الاستثمارات الأجنبية تبدو عاجزة عن وقف التراجع على الأسعار وتأجيل المشاريع الكبرى ومنع الركود العقاري العام نتيجة أزمات أسواق المال والمصارف التي عصفت بالكثير من الدول خلال الأشهر القليلة الماضية. ويبدو أن أزمة الائتمان وصلت إلى قلب موسكو إذ أصبحت القروض العقارية نادرة وصار من الصعب الحصول على تمويلات لمتابعة المشاريع المرجوة. وتؤكد التقارير الأخيرة أن وضع الأسواق العقارية في روسيا سيئ للغاية ومرشح للتراجع والانكماش، إذ إن النصف الثاني من العام الماضي شهد تراجعا كبيرا للأسعار لأول مرة منذ سنوات كما تراجع عدد الصفقات والمشاريع والقروض العقارية الجديدة. ففي النصف الأول من العام الماضي ارتفع سعر المتر المربع للشقة القديمة في موسكو بنسبة 30 في المائة عما كان عليه العام السابق (2007) أي ما قيمته 25 ألف دولار تقريبا كما تشير مؤسسة «نايت فرانك» (Knight Frank ) العقارية الدولية في تقريرها الأخير. كما ارتفع سعر المتر المربع للشقة الجديدة في المدينة في نفس الفترة ما نسبته 23 في المائة أي ما قيمته 22 ألف دولار.

والأمر ذاته في المدينة الروسية الثانية تراثيا وعقاريا مدينة سانت بيترسبيرغ التي ارتفع فيها سعر المتر المربع للشقة القديمة عن نفس الفترة بنسبة لا تقل عن 15 في المائة أما الشقق الجديدة فحازت على ارتفاع بنسبة 14.4 في المائة. ورغم أن هذه النسبة أقل بكثير من نسب الارتفاع التي شهدتها المدينتان خلال السنوات الماضية فإن الشعور العام في الأوساط الرسمية والاستثمارية والدولية كان إيجابيا إلى أن انهار سوق المال في موسكو في سبتمبر (أيلول) الماضي، إذ لا يتوقع بعد انهيار سوق المال أن يتابع الاقتصاد الروسي نموه مع تراجع أسعار الطاقة وغيره. ولهذا يتوقع الكثير من المؤسسات والخبراء أن يتواصل التراجع على الأسعار ونموها في روسيا والمدن الكبرى بشكل خاص خلال الفترة المقبلة أو السنوات المقلبة – اعتمادا على أزمة الائتمان الدولية. الإحصاءات التي أجرتها مؤسسة «بلاك وود ريل استيت» (Blackwood Real Estate)، تقول إن التراجع على الأسعار في الربع الأخير من العام الماضي يتراوح بين 8 و10 في المائة نسبة إلى ما كانت عليه في نفس الفترة من العام السابق (2007). ويعمل الكثير من المستثمرين أو البائعين على تخفيض أسعارهم بنسبة تصل إلى 30 في المائة لتصريف عقاراتهم وبيعها منذ أشهر.

ويتوقع أن تتراجع أسعار الشقق الاقتصادية الجديدة هذا العام في روسيا بنسبة تتراوح بين 20 و25 في المائة، أما الشقق الحديثة والخاصة برجال الأعمال فقد تتراجع أسعارها بنسبة أكبر تصل إلى 30 في المائة، ما يعكس ضعف الوجود لأجنبي الاستثماري في البلاد.

أما أسعار الشقق من الرتب المنخفضة أو الدنيا فقد تتراجع بنسبة تتراوح بين 30 و35 في المائة هذا العام.

ويقول تقرير لمؤسسة «روستات» الدولية الخاصة بالإحصاءات، بهذا الشأن إن أسعار العقارات في روسيا ارتفعت بشكل لم يسبق له مثيل منذ عام 1998 حتى عام 2006 حيث بدأ التراجع على نمو الأسعار ولم يتوقف حتى الآن. وقد وصلت نسبة الارتفاع على بعض أنواع الشقق الثانوية في عام 2006 إلى 60 في المائة تقريبا أما في عام 2007 فقد تراجعت لتصل نسبة الارتفاع إلى 20 في المائة فقط. أما في قطاع الشقق الحديثة فارتفعت الأسعار عام 2006 بنسبة لا تقل عن 48 في المائة بينما لم تتعد النسبة العالم التالي الـ23 في المائة.

ولمعرفة حجم التراجع لا بد من إلقاء نظرة على النسبة التي ارتفعت فيها أسعار العقارات بشكل عام حسب أرقام المؤسسات الدولية والرسمية منذ عام 2000 إلى عام 2007 التي وصلت إلى 436 في المائة للعقارات الممتازة و362 في المائة للعقارات العادية. ووصلت نسبة الارتفاع عن نفس الفترة في العاصمة موسكو وحدها إلى نحو 600 في المائة للعقارات الممتازة. أما في سانت بيترسبيرغ فقد ارتفعت الأسعار للشقق الممتازة بنسبة 338 في المائة. وكانت أكبر نسبة ارتفاع بين عام 2000 وعام 2007 في المناطق الغنية بالمواد الطبيعية والغاز وغيره من المصادر والمواد الهامة، مثل بعض مناطق الاورال وبعض مناطق سيبيريا والمناطق الشرقية. وقد تراوحت نسبة الارتفاع نتيجة الطلب العالي على الأراضي في هذه المناطق بين 400 و539 في المائة. ومع هذا يتوقع للأسعار هناك أن تتراجع بشكل حاد نتيجة الركود في الأنشطة الاستثمارية والإنشائية من الشمال إلى الجنوب من روسيا.

وعلى صعيد آخر، أشارت الأرقام التي نشرتها مؤسسة «غلوبال بربرتي غايد» العقارية الإلكترونية أيضا، إلى أن عدد المنازل الجديدة في روسيا يتراجع بشكل كبير سنة بعد أخرى، مما أدى إلى خلق فجوة بين العرض والطلب وساهم بارتفاع الأسعار بشكل لافت خلال السنوات الماضية، أو منذ نهاية التسعينات بالتحديد. وتشير الأرقام المتوفرة إلى أن روسيا بنت ما لا يقل عن مليون شقة أو عقار جديدة عام 1990 لكن منذ عام 1996 إلى عام 2004، أي خلال 8 سنوات، لم يتم بناء أكثر من نصف مليون عقار جديد. وتقول بعض الشائعات في العاصمة موسكو إن المستثمرين الكبار عملوا على تقليل عدد المنازل الجديدة وخصوصا في المدن الرئيسية لمواصلة رفع الأسعار والتلاعب بها.

ومع هذا ففي عام 2006 تم بناء ما لا يقل 600 ألف عقار جديد حسب «غلوبال بربرتي»، وارتفع الرقم العام التالي (2007) ليصل إلى أكثر من 720 ألف عقار أو شقة وتشير أرقام العام الماضي إلى أنه تم بناء ما لا يقل عن 72.5 مليون متر مربع من المساحات الشاغرة أي نحو 820 ألف وحدة سكنية. أما على صعيد المشاريع في روسيا، فقد عملت الكثير من الشركات المحلية والدولية الكبرى الناشطة في البلاد على تأجيل الكثير من المشاريع الهامة والضخمة نتيجة أزمة الائتمان الدولية وانهيار سوق المال الروسي. وتشير الأرقام إلى أن شركة «ميراكس غروب» التي تعتبر من أكبر شركات التطوير العقارية الروسية، أوقفت العمل في 10 مشاريع منذ سبتمبر (أيلول) الماضي لمدة سنة على الأقل. وتشكل هذه المشاريع ما نسبته 83 في المائة من محفظة المجموعة الضخمة، وما مساحته 10 ملايين متر مربع من الإنشاءات العقارية. والأمر نفسه ينطبق على شركات كبرى أخرى مثل مجموعة «بي أي كيه» و«سيستيما ـ هالس» و«انتيكو»، إذ أجلت هذه الشركات نتيجة صعوبة الحصول على التمويلات الكثير من المشاريع الإنمائية والاستثمارية التجارية الحديثة التي بدأتها قبل عامين.

ويترافق هذا الوضع مع التراجع الذي تتعرض له ثروات نادي الاوليغارشية أو النخبة المالية النافذة، حول العالم. وحسب لائحة «فوربز» للأغنياء في العالم تراجع عدد الروس من 101 عام 2008 إلى 49 الحالي، مع تراجع قيم ثرواتهم التي تتركز معظمها في أسواق العقار الروسية والدولية. وخسرت مجموعة «ميراكس غروب» من قيمتها التي كانت تصل إلى 1.2 مليار دولار العام الماضي 900 مليون دولار، وهي نسبة كبيرة لا تبعد كثيرا عن الانهيار. ومع هذا لا يزال يتوقع أن تواصل المجموعة العمل على إكمال مشروع برج موسكو الجديد (506 أمتار) في الوسط المالي في موسكو.

وخسرت الين بوترينا وهي مستثمرة عقارية مهمة خلال الأشهر القليلة الماضية 3.3 مليار دولار من ثروتها أيضا. لكن أكبر الخاسرين كان كيريل بساريف وشريكه يوري زوكوف اللذين خسرا 90 في المائة من ثروتهما عندما انهارت أسعار أسهم شركتهما العقارية «بي أي كيه» منذ فترة. ووصلت قيمة الخسائر إلى 5.5 مليار دولار. وعلى صعيد سوق الإيجار، تشير التقارير، إلى أن نمو عائدات ومعدلات الإيجار ارتفعت خلال السنوات الماضية لكن بوتيرة أخف أو أبطأ من أسعار العقارات. ففيما ارتفعت أسعار الشقق في موسكو بين عام 2006 والنصف الأول من العام الماضي بنسبة 66 في المائة لم ترتفع معدلات الإيجار بأكثر من 36.5 في المائة، أي من 5 آلاف دولار إلى 6.9 ألف دولار حسب أرقام «نايت فرانك».

وتراوحت نسبة عائدات الإيجار العام الماضي في موسكو بين 4.6 و5.7 في المائة.

لكن العائدات بدأت تتراجع منذ العام الماضي مع تراجع أسعار العقارات، وتراجعت معدلات الإيجار نفسها بين نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) العام الماضي بنسبة 8 في المائة خصوصا في قطاع الشقق الصغيرة. ووصلت نسبة التراجع في قطاع بعض الشقق الممتازة وغيره إلى 4 في المائة.