مصر: الأزمة المالية العالمية تربط خطط مستثمرين بالساحل الشمالي

بعضهم يستبدلون السيارات بالأراضي.. وآخرون يراهنون على مستقبل واعد

TT

على الرغم من استمرار الأزمة المالية العالمية، فإن ثلاثة أسباب كان من الممكن أن تؤدي لاستعادة النشاط في السوق العقارات بالساحل الشمالي الغربي في مصر.. وهي: حرص الحكومة على مد المرافق إلى المناطق الجديدة، ووجود منافسة بين منتجي مواد البناء، ما أدى لتراجع أسعار العديد من المواد الداخلة في عملية إنشاء العقارات السياحية في الساحل المطل على البحر المتوسط، الممتد غربا من مدينة الإسكندرية حتى مدينة مرسى مطروح. ويقول مختصون إن كل هذه الإجراءات لم تؤد بعد إلى استعادة الحركة النشطة لأعمال البناء التي كانت مستمرة بشكل لافت حتى أواخر العام الماضي، أي حتى بداية الأزمة المالية العالمية. وروى أصحاب شركات عقارية كيف تداخلت أعمالهم مع أعمال مقاولين يعملون في خدمة شركات بترولية في الصحراء الجنوبية من الساحل الشمالي الغربي، منها قيام عدد من أصحاب شركات خدمات البترول باستبدال عقارات بأساطيل من سيارات شركاتهم، بعد أن بدأت شركات البترول في تخفيض نفقاتها، وفسخ عقود مع شركات الخدمات. ويقول أبو بكر الجراري، وهو صاحب شركة عقارات مقرها القاهرة وتعمل في الساحل الشمالي ومرسى مطروح، إن الأزمة المالية العالمية أصبحت تؤثر تأثيرا كبيرا على الاستثمار العقاري في محافظة مطروح السياحية والساحل الشمالي.. موضحا أن «السنوات الماضية كان معظم المصريين والمستثمرين الأجانب في زحف على مطروح لشراء أراض وعقارات، خاصة أن مطروح بعيدة عن أجواء التفجيرات في الغردقة وشرم الشيخ (التي حدثت قبل ثلاثة أعوام على البحر الأحمر)، لأن طبيعة أبناء مطروح بعيدة عن العنف، ويعلمون أن أي مستثمر يأتي هم يستفيدون منه، ولذلك، وحتى أواخر العام الماضي، أي قبيل بدء التأثر بالأزمة المالية العالمية، أقيمت العديد من الفنادق والمنتجعات الكبرى، خاصة في منطقة خليج الزيات وكليوباترا والأبيض». وأضاف قائلا، إنه بعد الأزمة المالية العالمية.. «أصبح المصطافون الذين يريدون أن يشتروا في مطروح شقة بـ260 ألف جنيه (نحو 50 ألف دولار) لم يعد ممكنا.. من الآن، حيث موعد الرواج في بيع الشقق، بدأت شريحة المشترين تفضل استئجار شقة استعدادا لفترة الصيف، بدلا من التفكير في الشراء، على الرغم من أن الأسعار ليست مرتفعة كالسابق».

ويضيف الجراري، وهو من أبناء مدينة مرسى مطروح، ويتردد على تلك المدينة ومدن أخرى بالساحل الشمالي، بسبب طبيعة نشاط شركته العقارية السياحية، أن «الأزمة المالية العالمية جعلت رجال أعمال ممن يملكون شركات لتقديم الخدمات لشركات البترول، مثل توفير سيارات نقل المؤن والعمال، يفقدون أعمالهم التي كانت تدر عليهم أرباحا، ويتجهون للمزاحمة في النشاط العقاري، على الرغم من تأثره هو الآخر بالأزمة.. شركات للتنقيب عن البترول في الصحراء الغربية بدأت تتخلى عن جانب من المقاولين والعمال في شركات الخدمات البترولية التي تستوعب نحو 20% من النشاط الاقتصادي بمدن محافظة مطروح والساحل الشمالي والإسكندرية».

ويضيف نبيل العدوي، وهو من أصحاب مشروعات الاستثمار العقاري بمرسى مطروح والساحل الشمالي أن سعر المتر في شقة بالشارع الرئيسي في المدينة وصل قبل بدء الأزمة المالية العالمية إلى 12 أف جنيه، وانخفض في الأشهر الأولى من هذا العام إلى نحو 4 آلاف جنيه.. وبتأثير الأزمة المالية تحولت العديد من الشركات للبيع بالبدل أو الأجل.. أو كما يقول محمد عبد الرحمن صاحب شركة تقسيم أراض بمنطقة القصر في الساحل الشمالي: «اضطررت لاستبدال قطعة أرض ثمنها 700 ألف جنيه مقابل 10 سيارات تويوتا لاندكروزر من تلك التي كانت تعمل في خدمة شركات البترول في الجنوب (يقصد صحراء مصر الغربية، جنوب الساحل الشمالي).. صاحب شركة الخدمات البترولية يريد الأرض وليست لديه سيولة، وأنا أريد السيارات وليست لدي سيولة». وتوقف موقع من موقعين تملكهما شركة عبد الرحمن في منطقة القصر، مشيرا إلى أنه سيبيع 7 من السيارات التي حصل عليها، لاستكمال العمل في مشروع واحد على الأقل من مشروعاته، على أمل أن تعود السيولة مجددا من مشترين متعثرين عن سداد باقي مستحقاته في مشروعات عقارية وسياحية في منطقة عجيبة والأبيض، إضافة لمنطقة القصر، ويعقد عبد الرحمن آمالا على المستقبل، خاصة.. «أن توصيل المرافق للمشروعات في مدن الساحل الشمالي أسهل مما هي عليه في القاهرة أو الإسكندرية»، مشيرا كذلك إلى تراجع أسعار العديد من خامات مواد البناء مثل الأسمنت والحديد ومواد الطلاء وغيرها.. بل إن مشروعات جديدة لصناعة مواد البناء من شأنها أن تقلل من أسعار العقارات، وأن تعيد النشاط إلى سوق البناء إلى سابق عهده.

ويقول رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة مواد البناء، الدكتور وليد كمال الدين، إن مبيعات مواد البناء في مصر منتعشة بشكل عام، عدا الأصناف الفاخرة، مشيرا إلى أن طاقة إنتاج الأسمنت في تزايد، متوقعا أن يكون هناك فائض كبير فيه بداية من هذه السنة، يصل لذروته في عامي 2011 و 2012، خاصة مع منح تراخيص جديدة لإقامة مصانع أسمنت، وإلزام الشركات بالإعلان عن سعر محدد للمستهلك، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي مواد البناء الأساسية، مثل الحديد والرمل والطفلة والحجر الجيري وصناعة السيراميك والبويات (الطلاء)، قائلا إن صناعة الطلاء، شهدت هي الأخرى تطورا من حيث الكم والنوع.. «يوجد حوالي 15 إلى 20 مصنعا على مستوى عال من الجودة، ونحو 100 إلى 150 مصنعا تعمل بتكنولوجيا بسيطة، إضافة لمصانع عديدة صغيرة تعمل ولا نستطيع حصرها».

وقال الدكتور كمال الدين أيضا إنه على الرغم من الأزمة المالية العالمية، فإن العديد من شركات مواد البناء العالمية ترى أن السوق المصرية أمامها مستقبل واعد.. «صناعة الأدوات الصحية في مصر لم تعد مصرية فقط، بل دخلت فيها شركات عربية وأجنبية أخرى من أجل مزيد من الاستثمار وتغطية السوق المحلي والتصدير للخارج»، إضافة لتطوير العديد من خامات مواد البناء الأخرى، كصناعة الكابلات الكهربائية والمواسير، وغيرها. ومن بين الشركات التي بدأت توسع نشاطها في السوق المصري، متخطية ما يتردد من مخاوف عن تأثير الأزمة المالية العالمية، شركة «داو ولف سيلولوزيكس»، المتخصصة في صناعة الطلاء، التي قال مسؤول فيها إنه على الرغم من الأزمة، فإن الشركة تعمل على سبعة مشاريع مشتركة حالية ومستقبلية بمصر، إضافة لبلدان أخرى بمنطقة الشرق الأوسط، منها السعودية وليبيا والكويت، وأضاف أن الملاحظ أن الاستثمار العقاري والسياحي بالساحل الشمالي الغربي بمصر، ما زال قادرا على استيعاب العديد من الاستثمارات الكبرى، خاصة بعد أن تشبعت منطقة البحر الأحمر بالمشروعات السياحية.. «ستنتهي الأزمة المالية (العالمية).. نحن نتوقع أن يتحول الساحل الشمالي الغربي، وحتى ما بعد مدينة مرسى مطروح، إلى منطقة جذب كبرى للطامحين»، على خلفية خطط تقوم بها الحكومة لإقامة مطار دولي هناك، ووضع المنطقة على خارطة السياحة العالمية.