عودة الروح إلى سوق العقار العراقي

تحسن الوضع الأمني وعودة النازحين وراء أكبر انتعاش عقاري في المنطقة

بغداد على نهر دجلة تنتظر الانتعاش العقاري («الشرق الاوسط»)
TT

يدب النشاط مجددا في سوق العقار العراقية التي عانت من سبات عميق منذ بداية حصار العراق عقب غزو الكويت في عام 1990. ويرتبط انتعاش الأسواق بعدة عوامل منها عودة النازحين بأعداد متزايدة وتراجع معدلات العنف وتطبيق بعض الإجراءات القانونية لحماية الملكية وتعويض المتضررين من عمليات مصادرة عقارات من الحكومة السابقة، كما تدخلت بعض الشركات بمشروعات بمواصفات عالمية في بعض أنحاء العراق. وانعكست هذه العوامل على أسعار العقار التي تضاعفت خلال العامين الماضيين وفقا لتقرير من وكالة «رويترز».

ويقول مدير شركة عقارية اسمها «عقارات النور» في بغداد إن السوق كانت في الماضي مزدحمة بالعقارات ولكن بلا مشترين، ولكنها الآن في وضع عكسي بالكثير من المشترين وندرة في العقارات المتاحة. والعقارات التي تصل إلى السوق تباع فور عرضها.

من أهم أسباب الانتعاش العقاري في العراق، وفقا لشركات استشارة أجنبية:

• عودة آلاف العراقيين من دول مجاورة إثر مناشدة الحكومة العراقية لهم وتوفير كافة وسائل الدعم التي تشمل تخصيص طائرات تقلهم في رحلات العودة.

• استقرار القوانين العراقية وحقوق الملكية مع تراجع أعمال العنف. وتلقي الحكومة طلبات التعويض عن العقارات التي استولى عليها النظام السابق وصادرها. وتعيد الحكومة العقارات إلى أصحابها الشرعيين مع تعويض المقيمين فيها.

• المناخ الاقتصادي السلبي ومخاطر الاستثمار خارج العراق في الوقت الحاضر ورغبة العراقيين في الاحتفاظ باستثماراتهم في مجالات أكثر أمنا.

وحتى العام الماضي كان بائعو العقارات يخشون وضع لافتة «للبيع» على عقاراتهم خوفا من عصابات كانت تتخصص في مراقبة هذه العقارات ثم مهاجمة أصحابها فور إتمام عملية البيع للاستيلاء على قيمة العقار تحت تهديد السلاح، وأحيانا بخطف أحد أفراد العائلة وطلب فدية له. وقال محمد الحديثي صاحب شركة عقارية في منطقة اليرموك في بغداد لصحيفة «التايمز» البريطانية إن أسعار العقار ارتفعت بنسبة 50 في المائة في العام الأخير كما تضاعفت الإيجارات وذلك بسبب نهاية أعمال العنف وبداية عودة المهجرين الى مناطقهم. واحيانا يكون الاختيار العقاري للمهاجرين بناء على الانتماء الطائفي حتى ولو تطلب الامر بيع عقارات افضل في مناطق لا تلائمهم طائفيا.

وما زالت أحياء بغداد مقسمة على أساس طائفي بحوائط خرسانية شيدت منذ عام 2005 عندما نشبت النزاعات الطائفية المسلحة التي خرجت منها ما كان يعرف بفرق الموت. وتنتشر المناطق الشيعية حاليا في نحو 75 في المائة من بغداد وفقا لمراقبين أجانب. ولكن المناطق السنية ما زالت تتمتع بمعدلات أسعار أفضل نظرا لأنها كانت الأحياء الراقية في بغداد القديمة. وتشير وكالة «رويترز» الى ان التقسيم الطائفي لبغداد يعد من مساوئ الوضع الحالي، وهو تقسيم له انعكاسات متعددة على اسواق العقار. فالعراقيون من الشيعة الذين هجروا منازلهم في مناطق سنية مثل الكرخ واتجهوا الى مناطق شيعية مثل الرصافة اكتشفوا ان الاسعار فيها ايضا غالية الكلفة، والسبب هو ان حي الرصافة صغير ولا يكاد يصل الى نصف حجم حي الكرخ، ومع ذلك يتضاعف عليه الطلب من القادمين الجدد مما يرفع أسعاره.

ولا يبدو ان هناك حلا قريبا لمسألة التقسيم الطائفي لبغداد، الأمر الذي دفع مستثمري العقار للتركيز على عقارات يملكها شيعة في مناطق سنية او العكس. ويزداد الطلب خصوصا في المناطق الشيعية نظرا لعامل آخر وهو السياحة الدينية. وتوسع مجال السياحة الدينية في العراق كثيرا بعد زوال القيود التي كان يفرضها النظام السابق على المناسبات الدينية. ويعد حي الكاظمية احد الامثال الناجحة للانتعاش العقاري المبني على اساس السياحة الدينية حيث تعرض المساكن في الحي للزائرين بإيجارات مرتفعة. من ناحية أخرى كانت أسعار حي الكرخ منخفضة بسبب تكرر هجمات تنظيم القاعدة فيه، خصوصا من منطقة شارع حيفا، ولكن هذه المنطقة تضاعفت اسعارها في العام الاخير بسبب عودة الامن. وتقول شركات العقار المحلية ان شقة مكونة من ثلاث غرف بمساحة 150 مترا يصل سعرها الان في المنطقة الى نحو 150 ألف دولار. وهناك بعض المناطق المختلطة التي يرتفع فيها مستوى التعليم وتتراجع النظرة الطائفية، ولكنها ايضا مرتفعة الأسعار.

وتتوقع الأمم المتحدة ان يعود الى العراق نحو نصف مليون مهاجر هذا العام من جملة 4.2 مليون غادروا العراق بسبب الحرب. ويأتي معظم هؤلاء العائدين من سورية والأردن. ومعظم هؤلاء يعودون الى بغداد التي هاجر منها نحو 1.6 مليون عراقي عقب تفجير مرقد الامام العسكري في عام 2006. ولكن لن تكون مهمة إسكان العائدين سهلة لان معظمهم لم يكن ثريا عند الهجرة بينما أنفق البعض الآخر أمواله في تكاليف السفر والإقامة في الخارج. وتصل الأسعار في المتوسط الى نحو 340 ألف دولار لمنزل في منطقة اليرموك بينما يتكلف منزل اصغر في شارع فلسطين نحو 240 الف دولار. ويشعر الكثير من العراقيين بأن الاسعار الحالية مبالغ فيها كثيرا، خصوصا أنها تعادل شراء فلل فاخرة في دول عربية أخرى مثل مصر او تونس.

ولكن اذا كانت الاسعار الملتهبة تؤرق العراقيين، فهم على الاقل يتمتعون الآن بمعدلات أفضل من الأمن. ومن مظاهر هذا الأمن تجمع العائلات في عطلات نهاية الاسبوع حول شواطئ نهر دجلة والاسترخاء في حدائق خضراء او التجول في شوارع مشهورة مثل شارع أبو نواس الذي تظلله الأشجار.

وكان العراق يعاني من نقص العقار الاسكاني قبل الغزو الاميركي، حيث واجه سنوات طويلة من الاهمال ثم ظروف الحروب المتكررة والحظر الاقتصادي. ومن المتوقع وفقا لوزارة الاسكان العراقية ان يبلغ التعداد في عام 2015 نحو 39 مليون نسمة يحتاجون الى 1.9 مليون وحدة عقارية اضافية. ولم يجر اي بناء لعقارات جديدة في العراق خلال السنوات الست الاخيرة، بل ان الكثير منها تهدم بفعل اعمال العنف والتفجيرات.

وفيما ينظر البعض الى قطاع العقار العراقي على انه فرصة استثمارية جيدة الا ان ارتفاع الاسعار ليس بالضرورة امرا جيدا للعراقيين، حيث تتخطى هذه الاسعار قدرة اغلبهم على الشراء. ويشير البعض الى حالات الفساد التي تلقى فيها متعاقدون ملايين الدولارات لإقامة مشروعات عقب الغزو ولكنهم لم ينفذوا أيا منها واستولوا على الأموال. وتحول هؤلاء الذين حصلوا على تعاقدات لم تنفذ إلى أثرياء حرب بسرعة.

وتقول بعض الإشاعات في بغداد إن الحكومة سوف تدعو الشركات الدولية إلى مغادرة المنطقة الخضراء قريبا مما سوف يخلق طلبا كبيرا على العقار في أنحاء بغداد. وليس من المتوقع ان تستطيع الحكومة العراقية إنعاش أسواق العقار في المدى المنظور، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتراجع أسعار النفط.

ولكن تحسن الأوضاع الأمنية انعكس ايجابيا على الاقتصاد العراقي، على الاقل وفقا لتقرير صدر هذا الشهر من صندوق النقد الدولي، اشار الى انتعاش الصادرات وزيادة انتاج النفط العراقي في العام الاخير. ولكن نائب مدير الصندوق الدولي تاكاتوشي كاتو اعترف ببعض الصعوبات التي تواجه الحكومة العراقية مثل تراجع عوائد النفط الذي انخفض سعر برميله بنحو مائة دولار منذ العام الماضي. وتواجه الحكومة العراقية هذا التراجع في العوائد بتقليص الإنفاق وتأجيل بعض المشروعات.

ويعتقد كاتو أن الأمن في الوقت الحاضر أهم من مستوى الدخل، ولكنه يطالب الحكومة العراقية أيضا بإجراء بعض الإصلاحات الهيكلية وتنظيم نشاط البنوك التجارية وتحسين الإنجاز الحكومي ومكافحة الفساد، خصوصا في قطاع النفط.

من ناحية أخرى تستمر الحكومة العراقية في برنامجها لتعويض المتضررين من عمليات المصادرة التي قام بها النظام السابق. وتتوجه معظم التعويضات الى هؤلاء الذين اشتروا عقارات بصورة قانونية من دون معرفتهم بأنها مصادرة من النظام.

ويعمل في الإدارة الحكومية المشرفة على التحقيق في عمليات انتزاع الملكية والتعويضات المستحقة جهاز مكون من 1660 خبيرا متفرغا. ويقول نائب رئيس هذه الإدارة اياد حسن على ان صدام حسين كان على الاقل عادلا في عمليات نهب الممتلكات بالتساوي من السنة والشيعة والاكراد والمسيحيين على السواء، فلم يترك فرصة انتزاع عقار جيد إلا واستغلها لصالح عائلته ومعارفه وأركان حكومته. ومن الأمثلة التي تتعامل معها الإدارة حاليا عائلات اشترت عقارات في الثمانينات، أحيانا بحسن نية، ولكنها تضطر الآن إلى إعادتها لأصحابها الشرعيين وتلقي التعويض الملائم بأسعار اليوم. وتم أخيرا تعويض فيلا وحديقة في منطقة الجادرية بنحو 670 ألف دولار.

وتلقت الإدارة حتى الآن نحو 153 الف شكوى، منها 41 الف طلب تعويض من مدينة كركوك وحدها التي قام نظام صدام بتهجير الاكراد منها قسرا، ونحو 18 الف طلب من بغداد. وحتى تكريت، مسقط رأس صدام حسين، لم تسلم من عمليات المصادرة وتتوالى طلبات التعويض منها. وتحكم الإدارة في أحقية المالك الأصلي في العقار، وبعد اثبات هذه الملكية يحق للمالك الحالي المطالبة بالتعويض. وتشرف الأمم المتحدة على هذا البرنامج ويتم التعويض مباشرة من وزارة المالية العراقية. ويمكن للمالك الأصلي القبول بالتعويض بدلا من العقار نفسه او الارض المصادرة. ودفعت وزارة المالية العراقية حتى الان نحو 255 مليون دولار من التعويضات. وسوف تستمر التحقيقات حتى تنتهي مطالب التعويض ودون حد زمني.

ومن المتوقع ان يستمر الانتعاش في القطاع العقاري العراقي نظرا لارتفاع الطلب مع عدم كفاية الإمدادات المتاحة، وهو ربما يكون الحالة الوحيدة في المنطقة، وربما في العالم، لسوق عقارية منتعشة وينتظر الانطلاق خلال العامين المقبلين خصوصا بعد الانسحاب الأميركي الكامل وعودة السيادة والأمن للعراق الجديد. وسوف تعتمد سرعة انتعاش السوق ودخول الاستثمار الأجنبي لتنفيذ مشروعات جديدة على استتباب الأمن تماما، ونهاية حوادث العنف المتفرقة التي تقع بين فترة وأخرى حاليا. وتعتقد الحكومة العراقية أنها تسيطر الآن على الموقف وتنتظر الانسحاب الأميركي الكامل حتى تسحب البساط من تحت أقدام هؤلاء الذين يدّعون مقاومة الاحتلال... بقتل العراقيين!

* «القرية الأميركية».. أحدث مشاريع العقار العراقية في أربيل

* يمثل مشروع «القرية الأميركية» نموذجا لما يمكن أن تكون عليه مشاريع العقار الإسكاني الفاخر في العراق في المستقبل. وتقع القرية على بعد 15 كيلومترا من وسط مدينة اربيل في كردستان العراق. وهي على مقربة من المطار الدولي ومن مدرسة الشويفات الدولية. وسوف يقام في المنطقة مستشفى خاص لتوفير البنية التحتية المتكاملة لسكان القرية التي تقع في وسط منطقة جبلية ذات مناظر خلابة. وهي توفر الأمان والهدوء لسكانها.

وتحتوي القرية على 400 فيلا بيع بعضها، وتقول الشركة المطورة للمشروع انها اختارت فكرة القرية من نماذج مشروعات اميركية مماثلة على الشاطئ الشرقي الاميركي. ويتمتع المشروع بالاكتفاء الذاتي بمركز تجاري وشبكة انترنت لاسلكية عالية الكفاءة ومطاعم وحراسة خاصة ونظام لمعالجة مياه الصرف ونظام للصيانة مع إمدادات مستمرة للماء والكهرباء. ويحتوي المشروع ايضا على حدائق للأطفال ونظام لجمع القمامة.

وتقع القرية على طريق صلاح الدين الرئيسي المتفرع شمالا من اربيل. وهى تنقسم الى ثلاثة خيارات من المساكن منها الطراز الأميركي بأربع غرف وحمامين على 330 مترا مربعا مع مساحة ارض بإجمالي يبلغ 400 متر مربع. ويحتوي المنزل أيضا على غرفة للجلوس بمدفأة وجراج وباب رئيسي أتوماتيكي مع مطبخ مجهز. ويمكن تحويل الجراج إلى غرفة نوم إضافية بحمام على الطابق الأرضي.

والخيار الثاني بمساحة اكبر، وتطلق عليه الشركة اسم «هوليريان». وهو يقع على مساحة 520 مترا بإجمالي 800 متر من الارض. وهو مماثل في تصميمه للخيار الاول مع مساحات اضافية والعديد من خيارات التصميم. ويمكن الاختيار بين اربع وست غرف نوم وبين ثلاثة أو أربعة حمامات. وهو يصلح للعائلات كبيرة الحجم، ويضم أحدث تقنيات البناء منها جراج يفتح أبوابه للسيارة بالريموت. أما الخيار الثالث فهو «بالاس» أو قصر، وهو الأكثر فخامة وتقع الفيلا فيه على مساحة 800 متر مربع ويمكن تصميمه لكي يروق لذوق المشتري.

وتبدأ الأسعار في القرية من ربع مليون دولار وتصل إلى حدها الأقصى إلى 650 ألف دولار.

وهناك العديد من المشروعات المماثلة في أربيل منها مشروع اسمه «ترين هيلز» لمدينة متكاملة في الخدمات تكلف تطويرها 4.5 مليار دولار وتقع على مساحة 170 مليون قدم مربع.