تقرير: الأغنياء أكبر الخاسرين في بريطانيا رغم ارتفاع أسعار العقار الشهر الماضي

خبراء: الأزمة العقارية البريطانية أعمق وأخطر من الأزمة الأميركية

عدد الباعة الجدد في بريطانيا لا يزال متدنيا جدا وعدد العقارات المتوفرة في السوق ولم تبع حتى الآن عال جدا
TT

أسعار العقارات السكنية في بريطانيا بدأت تستعيد عافيتها كما يبدو، إذ أشار تقرير أخير لمؤسسة «رايت موف» المعروفة إلى أن أسعار العقارات ارتفعت الشهر الماضي ( مايو 2009 ) بنسبة 2.4 في المائة. وهذه أعلى نسبة ارتفاع شهرية على الأسعار منذ عام 2003. وعلى هذا الأساس تتراجع نسبة التدني السنوية على الأسعار إلى 6.2 في المائة هذا العام. وحسب المؤسسة فإن أسباب النمو هذا بعد أشهر طويلة من التراجعات بسبب أزمة الائتمان، أدت إلى رد فعل أصحاب العقارات على تشديد البنوك والمؤسسات المالية شروط منح القروض العقارية، وشحتها، حماية لقيمة منازلهم من المزيد من التراجع لدرجة يصعب معها إعادة ترتيب قروضهم العقارية.

ومع هذا تقول «رايت موف» التي تعرض 90 في المائة من العقارات المعروضة للبيع في البلاد، إن عدد الباعة الجدد لا يزال متدنيا جدا وعدد العقارات المتوفرة في الأسواق ولم تبع حتى الآن عاليا جدا. وتصل حصة كل مكتب عقاري من المنازل غير المباعة في الأسواق حوالي 71 منزلا. وبناء على هذه التطورات ارتفع معدل سعر العقار في بريطانيا من 222 ألف جنيه (353 ألف دولار) في أبريل الماضي (نيسان) إلى 227.4 ألف جنيه (362 ألف دولار) الشهر الماضي. لكن عدد العقارات المباعة الشهر الماضي وصل إلى 61 ألف عقار أي نصف ما تم بيعه في الشهر نفسه من العام الماضي (مايو«أيار» 2008) (135 ألف عقار).

ويقول مايلز شيبسايد، المدير التجاري في مؤسسة «رايت موف» بهذا الصدد: «مزاج المشترين يتحسن تدريجيا لكن عدد القادرين على الحصول على القروض أقل من السابق. السوق الآن في الحضيض من ناحية عدد الصفقات العقارية، أضف إلى ذلك تراجع عدد المنازل المعروضة للبيع خوفا من تراجع أكبر على الأسعار».

ومن غرائب الأمور، فإن رد الفعل الشعبي على ارتفاع الأسعار الشهر الماضي لم يكن كما كان متوقعا، إذ أبدى 64 في المائة من الذين استطلعتهم مؤسسة «أي.سي.ام» انزعاجهم وفضلوا إما أن تواصل الأسعار تراجعها أو تبقى كما هي عليه الآن. هذا بالرغم من أن تراجع الأسعار حرم الكثير من أصحاب العقارات والمنازل الانتقال من منطقة إلى أخرى بسبب صعوبة الحصول على القروض العقارية المناسبة. ويضيف شيبسايد: «صعوبة الحصول على القروض العقارية تحد من عدد المنازل المتوفرة في الأسواق، ولن تحل المشكلة إلا بتوفر بضائع جديدة من القروض أو ارتفاع كبير على الأسعار... المشكلة أيضا أن النقص في المخزون العقاري أو ما هو متوفر في الأسواق سيتواصل لسنوات، فشركات البناء سرحت معظم عمالها وعاجزة عن رفع حجم إنتاجها، والآن نشهد أدنى عدد من الباعة الجدد منذ مايو 2003. الكثير من الذين كانوا يرغبون باستغلال فصل الربيع للتحرك وبيع عقاراتهم وقعوا ضحايا صعوبة الحصول على قرض عقاري مناسب، ولذا مسألة الانتقال من منزل إلى آخر لم تعد بيد صاحبه.. ارتفاع الأسعار الشهر الماضي بمعدل 5 آلاف جنيه، يعود ربما إلى رؤية تفاؤلية أو للضرورة وفي محاولة من الباعة لتحصيل أعلى سعر ممكن قبل الانتقال».

وكانت الصحف ووسائل الإعلام البريطانية قد ركزت في الكثير من نشراتها على مسألة القروض العقارية وشحتها وصعوبة الحصول عليها وقلة البضائع المعروضة منها في الأسواق بسبب أزمة الائتمان الدولية والمحلية، ما من شأنه الإطاحة بالتفاؤل الأخير من إمكان تعافي الأسواق واستعادة نشاطها التدريجي المعتاد والطبيعي.

وتشير التقارير الأخيرة إلى أن عدد القروض العقارية السكنية والتجارية، التي منحتها ستة مصارف أو مؤسسات مالية في البلاد تراجع في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضي.

وحسب أرقام البنوك فإن عدد القروض الممنوحة في أبريل كان أقل من عدد القروض الممنوحة في نفس الشهر من العام الماضي بنسبة 60 في المائة تقريبا.

ورغم أن تراجع معدل الفائدة العام ومعدلات الفائدة بشكل عام قد أدى إلى استعادة الاهتمام والنشاط في الأسواق، فإن أرقام مجلس المقرضين العقاريين (CML ) تشير إلى تراجع قيمة القروض الممنوحة من 11.4 مليار جنيه (18مليار دولار) في مارس الماضي إلى 10.4 مليار جنيه (16.5 مليار دولار) في أبريل الماضي. وكانت هذه القيمة في نفس الشهر من العام الماضي قد وصلت إلى حوالي 27 مليار جنيه (43 مليار دولار). ويقول المجلس إن تراجع عدد القروض وقيمتها يعود إلى أسباب فصلية تتعلق بعطلة عيد الفصح هذا العام والتي كانت في أبريل، والتي جاءت العام الماضي في مارس، ومع هذا تعتبر نسبة التراجع على قيمة القروض الممنوحة عالية جدا وغير مشجعة. ويقول مايكل كوغان عن المجلس بهذا الصدد: «لا تزال مسألة تحديد نموذج واضح لتعافي الأسواق حتى الآن مسألة مبكرة، فالنشاط العقاري لا يزال ضعيفا وقلنا مرارا إننا سنشهد مطبات كثيرة في سوق القروض، وتوقعاتنا أن لا تتعدى قيمة القروض العقارية هذا العام 145 مليار جنيه لا تزال على ما هي عليه». وكانت قيمة القروض قد وصلت إلى قيمتها نهاية الطفرة العقارية عام 2007 حيث وصلت إلى 364 مليار جنيه (579 مليار دولار) ثم بعد ذلك وبسبب أزمة الائتمان وتراجع الأسعار، تراجعت إلى 258 مليار جنيه (410.5 مليار دولار) العام الماضي، وفيما كان الربع الأول من عام 2007 قد سجل ما يقارب 100 مليار جنيه (159مليار دولار) لم يسجل في الربع الأول من هذا العام سوى ثلثي تلك القيمة أي حوالي 33 مليار جنيه (52.5 مليار دولار) فقط لا غير.

ويقول هاورد آرشر من مؤسسة «غلوبال انسايت» بهذا الشأن: « التعافي سيستغرق بعض الوقت وسيكون تدريجيا، إذا أخذنا بعين الاعتبار الانكماش الاقتصادي وشحة القروض العقارية، فأسعار العقارات تبدو ستتراجع بنسب أكبر لاحقا رغم أن هذه النسب ستكون غير حادة، وبالتحديد نتوقع أن تتراجع الأسعار 15 في المائة من الآن حتى منتصف العام المقبل (2010) مما يعني أن الأسعار تكون قد تراجعت من نهاية الطفرة في سبتمبر(أيلول) عام 2007 بنسبة 35 في المائة».

ومن جهة أخرى حذرت مؤسسة «ايكونوميست انتلجانس يونيت» ( EIU) من التفاؤل المبكر باستعادة الأسواق عافيتها، وقالت إن الانكماش أو الركود الاقتصادي الذي لم تشهده بريطانيا منذ الثلاثينات من القرن الماضي سيعيق التعافي في الأسواق ويؤجلها إلى عامين آخرين. إذ تتوقع المؤسسة أن يصل معدل البطالة في البلاد نهاية عام 2011 إلى حوالي 11 في المائة.

ورغم بعض التحسن العام، فإن التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد البريطاني سيكون ضعيفا جدا خلال العامين المقبلين. وتوقعت «ايكونوميست يونيت» التي تعتبر الأزمة العقارية في بريطانيا أعمق من الأزمة في الولايات المتحدة وأخطر، أن ينكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 4 في المائة هذا العام وبنسبة 0.5 في المائة العام المقبل بسبب الصعوبات التي يمر بها سوق المال وأسواق القروض والنظام المصرفي برمته. كما أن الخطوات الحكومية قد ساهمت كما يبدو باستقرار الأوضاع عبر إنقاذ المصارف الكبرى لكنها لن تتمكن من حل مسألة شحة القروض وعدم توفرها لأصحاب المنازل.

كما يتوقع أن ينكمش الاقتصاد العالمي العام الحالي بنسبة تصل إلى 1.8 في المائة قبل أن يسجل نموا ملحوظا بنسبة 2 في المائة العام المقبل. ويبدو أن التراجع في الأسواق العقارية في بريطانيا والعالم قد قلص ثروات الكثير من الأغنياء والمشاهير، إذ أشار تقرير لصحيفة التايمز اللندنية بأن عدد الأغنياء الكبار قد تراجع من 75 فردا إلى 43 فردا منذ أبريل العام الماضي بسبب انهيار بعض الأسواق العقارية وتراجع الأسعار الكبير في بعضها الآخر. ورغم احتفاظه بالمرتبة الأولى للسنة الخامسة على التوالي في لائحة الأغنياء في بريطانيا، كان لاكشمي ميتال أو بارون الصلب كما يسمونه أكبر الخاسرين من هؤلاء الأغنياء والمشاهير، إذ تراجع حجم ثروته من 17 مليار جنيه (27 مليار دولار) إلى 10.7 مليار جنيه ( 17مليار دولار) تقريبا.

وينطبق الأمر نفسه على صاحب نادي تشلسي لكرة القدم الروسي رومان ابراموفيتش الذي حافظ على مرتبته الثانية رغم خسارته مؤخرا ما لا يقل عن 4.7 مليار جنيه (7.4 مليار دولار) من ثروته التي كانت تقدر بـ 11.7 مليار جنيه (18.6 مليار دولار). أما أغنى الأغنياء المولودين في بريطانيا على اللائحة فكان دوق وستمنستر الذي يعتبر من اللاعبين الكبار في أسواق العقار وقد تراجع حجم ثروته من 7 مليارات جنيه (11.1 مليار دولار) إلى 6.5 مليار جنيه (10.3مليار دولار) .

بأي حال فإن حجم الثروة التي تضم أغنى ألف فرد في بريطانيا قد تقلصت بسبب الأزمات المالية والعقارية الأخيرة من 413 مليار جنيه (657 مليار دولار) العام الماضي إلى 258 مليار جنيه (410.6 مليار دولار) هذا العام. وتقول التايمز، إن السير ريشارد برانسون صاحب شركة طيران «فيرجين»، كان أحد ضحايا التراجع في الأسواق العقارية والمالية حيث خسر ما لا يقل عن 1.5 مليار جنيه ( 2.3 مليار دولار) لتصل ثروته إلى 1.2 مليار جنيه (1.9 مليار دولار) فقط. أما ملك «الفورميلا واحد» بيرني ايكليستون فقد خسر حوالي 950 مليون جنيه (1.5 مليار دولار) لتتراجع ثروته إلى 1.4 مليار (2.2 مليار دولار) تقريبا. كما تعرض المغني فيل كولينز أيضا إلى خسارة كبيرة إلى جانب المغني طوم جونز، أما خسارة المغني كليف ريتشارد فقد وصلت إلى 50 مليون جنيه (79.5 مليون دولار) تقريبا، وتراجعت ثروة التون جونز من 238 مليون جنيه (378 مليون دولار) إلى 175 مليون جنيه (278.5 مليون دولار). ويعتبر أكبر الخاسرين من الركود العقاري وتراجع أسعار العقارات الفنان بول مكارتني الشهير الذي خسر ما لا يقل عن 60 مليون جنيه (95.4 مليون دولار) في عالم العقار فقط.