المجر.. أسوأ الأسواق العقارية أداء في أوروبا منذ سنوات.. بسبب الدعم الحكومي

توقعات بتراجع الأسعار بما يصل إلى 30% في العاصمة بودابست

جانب من العاصمة المجرية بودابست التي يلفها الضباب ( إ.ب.أ)
TT

مع أنها من الدول الواعدة عقاريا لموقعها الجغرافي المهم في أوروبا الشرقية، فإن المجر لا تزال تتخبط على هذا الصعيد ولم تقلع طفرتها العقارية في السنوات القليلة الماضية كما كان متوقعا ولأسباب لوجستية ومالية عدة. ولذا كانت أزمة الائتمان الدولية أكثر أثرا عليها من غيرها من الدول الأوروبية، أكانت ضمن الأسواق الناضجة أو الناشئة والواعدة كما هو الحال في بلغاريا ورومانيا وغيرها. وأشارت التقارير الأخيرة، إلى أن أسعار العقارات في البلاد تواصل تراجعها وتراوحت نسبة التراجع في العاصمة بودابست وحدها بين 10 و30 في المائة في الربع الأول من هذا العام. وأشار تقرير خاص لمؤسسة «غلوبال برابرتي» بهذا الشأن، أن الأسواق العقارية في المجر ستعاني كثيرا خلال السنة الحالية والسنة المقبلة (2010) على خلفية تراجع الأسعار خلال السنوات القليلة الماضية وأزمة الائتمان وشح القروض العقارية، أضف إلى ذلك الركود الاقتصادي الكبير. وقد كانت أسعار العقارات السكنية في العاصمة قد شهدت ركودا عاما منذ فترة، لكن التراجع بدأ قبل أربع سنوات، أي عام 2005، كما تشير الأرقام الأخيرة، حيث وصلت نسبة التراجع إلى 2.7 في المائة وتلاها العام التالي (2006) بنسبة أكبر وصلت إلى 5.3 في المائة وارتفعت هذه النسبة عام 2007 حيث وصلت إلى 5.7 في المائة. لكن العام الماضي (2008) انخفضت نسبة التراجع إلى 4.2 في المائة. ولذا تعتبر نسبة التراجع الحالية في الربع الأول نسبة كبيرة وخطيرة تنذر بالمزيد من التراجعات كما تؤكد مؤسسة «كوليارز إنترناشونال» وأرقام البنك المركزي التي تأخذ بعين الاعتبار نسبة التضخم. وقد ابتعد الكثير من المستثمرين العقاريين الأجانب عن الأسواق العقارية في المجر منذ سبتمبر (أيلول) العام الماضي (2008)، كما توقف المستثمرون عن التعامل بالأصول المعتمدة بالعملة المحلية الفورينت (الدولار الأميركي يساوي 230 فورينت واليورو حوالي 275)، لأسباب كثيرة أهمها ارتفاع قيمة الديون الخارجية والدين الحكومي العام بالإضافة إلى الاعتماد الكبير لسوق القروض العقارية على الفرنك السويسري وغيره.

هذه العوارض العقارية والاقتصادية ساعدت على تدني قيمة العملة المحلية بشكل كبير وصلت نسبته إلى 20 في المائة خلال أسابيع قليلة مما أدى إلى تدخل البنك الدولي ووضع حزمة من المساعدات المالية وصلت قيمتها إلى 25 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ومنذ ذلك الحين توقف الكثير من المؤسسات المالية والبنوك عن منح قروض عقارية بالفرنك السويسري التي تشكل ما بين 80 و90 في المائة من القروض العقارية الممنوحة في البلاد بين عامي 2006 و2007.

وتتوقع هيئة «إيكوستات» الحكومية المعروفة أن تتراجع أسعار العقارات بين 8 و9 في المائة خلال الفترة الحالية، بسبب الانكماش الاقتصادي خلال العام الحالي الذي سيصل إلى 6 في المائة تقريبا، وشح القروض أو ندرتها. ومع هذا لا يتوقع أن يهرع المستثمرون إلى الأسواق لاقتناص الفرص كما يحصل عادة في الأسواق الساخنة. وقد أشار تقرير أخير لـ«كوليارز إنترناشونال» الدولية بهذا الصدد، إلى مستقبل قاتم، إذ إن السوق الاستثماري تميز بقلة الصفقات خلال العام الماضي وبالنقص الكبير على صعيد النوعية. وتراجع النشاط العقاري أيضا منذ منتصف العام الماضي بنسبة ضخمة وصلت إلى 90 في المائة في جميع المجالات بسبب غلاء القروض العقارية والنسب المرتفعة لمعدلات الفائدة. وعلى ضوء هذا يتوقع أن يضطر المستثمرون وأصحاب العقارات إلى بيع عقاراتهم بالأسعار المتوفرة في الأسواق بدل الأسعار التي كانوا يتوقعونها وأن يبتلعوا الخسائر والحد منها ولذا سيكون السوق العقاري السكني العام الحالي سوقا للمشترين. ولا شك أن العدد القليل من الصفقات العقارية منذ العام الماضي حتى الربع الأول من العام الحالي، يعكس حالة الترقب التي يعيشها المستثمرون الذين يفضلون حتى الآن انتظار المزيد من التراجع على الأسعار قبل الانقضاض على الفرص الممتازة واقتناصها قبل فوات الأوان وخصوصا العقارات النوعية والفاخرة أو من الدرجة الأولى. ولم تتعد قيمة الاستثمارات العقارية في قطاعات المكاتب والمصانع والمراكز التجارية العام الماضي فقط 411 مليون يورو. وكانت صفقة بيع برج «بانك سنتر» (مكاتب تجارية من الدرجة الأولى) في المنطقة التاريخية القديمة في العاصمة بودابست جزءا كبيرا من هذا الاستثمار، إذ وصلت قيمة الصفقة إلى 126 مليون يورو. بأية حال، فإن المجر شهدت ارتفاعا ملحوظا للأسعار بشكل عام بين عامي 2003 و2004 بنسبة لا تقل عن 5.5 في المائة بسبب قرار الحكومة تقديم المعونات المالية للمقترضين ونسب ممتازة لمعدل الفائدة على هذه القروض العقارية، وخصوصا للجيل الجديد من الشباب. كما عملت الحكومة لتحفيز سوق العقار السكني آنذاك على تخفيض معدلات الضريبة أو الرسوم على الصفقات العقارية المحلية. وقد ارتفعت نسبة المعونات الحكومية المالية للمقترضين عام 2003 من 29 في المائة إلى 68 في المائة تقريبا أي ما قيمته 13.6 مليار فورينت (حوالي 67 مليون دولار)، وكانت نسبة القروض العقارية المقدمة مع المساعدات من أصل مجمل القروض حوالي 85 في المائة. ويبدو أن هذه السياسة الحكومية المغامرة قد أدت إلى فشل المحافظين في الانتخابات الأخيرة. إذ تأتي هذه السياسة بعد الانفتاح الاقتصادي وانفتاح أسواق العقار أمام المستثمرين الأجانب في التسعينيات حيث أدت الخصخصة آنذاك إلى وصول نسبة الملكية للعقارات في البلاد إلى 92 في المائة عام 2003 حسب الأرقام الرسمية.

إلا أن معظم العقارات في البلاد من العقارات القديمة والبالية التي تحتاج إلى الكثير من التطوير والتحديث، ولذا هناك نقص كبير في البلاد في العقارات الممتازة والحديثة. وتقول «غلوبال» بهذا الصدد إن معظم العقارات في حال يرثى له، وكان 48 في المائة منها عام 1996 من دون أجهزة التدفئة و25 في المائة من دون حمام أو مرحاض و15 في المائة من دون خدمات مائية حديثة.

ولأن المعاونات الحكومية كانت مكلفة وصلت نسبتها حوالي 2 في المائة من المنتج الوطني العام عام 2003، ارتفع العجز الحكومي من 2.9 في المائة عام 2000 إلى 8.9 في المائة عام 2002 و7.1 في المائة عام 2003.

واضطرت الحكومة الاشتراكية من ذلك الحين حتى العام 2004، إلى تخفيض العجز وتخفيض حجم المعونات أو الدعم المالي للقروض العقارية بنسبة 50 في المائة تقريبا عام 2004 وبنسبة 10 في المائة العام الماضي (2008). وساهم ذلك على الأرجح، إضافة إلى دخول البنوك الأجنبية وخصوصا السويسرية على الخط، في نمو سوق القروض العقارية في البلاد وتقويته، حيث ارتفعت قيمته من 1.6 مليار فورينت عام 2003 إلى 4 مليارات فورينت العام الماضي. وارتفعت نسبة القروض الممنوحة بالفرنك السويسري من 6 في المائة من مجمل القروض العقارية عام 2004 إلى 57 في المائة العام الماضي، وهي نسبة كبيرة أسهمت أخيرا بضرب الأسواق العقارية وأسواق القروض. وفيما لم تتعد نسبة الفائدة على القروض العقارية المتعاملة بالفرنك السويسري 3.2 في المائة قبل ثلاث سنوات (2006)، كانت نسبة الفائدة على القروض المدعومة من الحكومة بالفورنيت المجري الـ 9 في المائة وما فوق، أما القروض التي تعاملت باليورو فقد كانت نسبة الفائدة عليها نصف ذلك تقريبا أي 4.3 في المائة.

وبالطبع انتهى هذا الوضع المختلط بداية العام الماضي حيث توقفت القروض بالفرنك السويسري وتم سحب بضائعها من الأسواق وتوقف العمل في الكثير من المشاريع وتباطأ في مشاريع أخرى بينما تم تأجيل الكثير أيضا من النشاطات العقارية التطويرية.

وقد تراجعت عمليات البناء بشكل كبير منذ وقف وتخفيض الدعم الحكومي على القروض، حيث وصل عدد هذه القروض عام 2003 إلى 60 ألف قرض تقريبا بينما لم يتعد هذا الرقم الـ 44 ألف قرض بين عامي 2006 و2008.

وبذلك يعود عدد القروض المدعومة من الحكومة إلى الوراء كما كان الحال في عامي 2004 و2005 حيث وصل عدد هذه القروض إلى 43 ألف قرض و41 ألفا، تباعا. وكان العدد بمعدل النصف قبل ذلك وبدايات التغيير الاقتصادي والعقاري في البلاد بين عامي 1998 و2000 حيث لم يتعد 25 ألف قرض مدعوم، حسب ما تؤكد هيئة الإحصاءات الوطنية المجرية.

وبالطبع كانت عمليات البناء في العاصمة بودابست الأكثر تأثرا بالتغيرات الحاصلة والطارئة، إذ تراجع فيها حجم هذه العمليات بنسبة لا تقل عن 25 في المائة.

ويتوقع مع ارتفاع عدد القروض المدعومة باليورو، أن يتم إنقاذ سوق العقار من علاته الكثيرة لأن هذه القروض مشابهة للقروض الممنوحة بالفرنك السويسري مع معدلات متدنية للفائدة، ومع هذا فإن ضعف سوق قروض الفرنك السويسري سيؤثر كثيرا على حال السوق وطبيعة نشاطه.

الأهم من هذا، تراجع الطلب الأجنبي وخصوصا من قبل المستثمرين الإيرلنديين والإسبان الذين يشكلون 85 في المائة من الزبائن الأجانب في البلاد. وتؤكد مؤسسة «اثون سنتوروم» العقارية المعروفة في هذا الإطار أن عدد الصفقات قد تراجع بشكل لم يسبق له مثيل نسبة إلى ما كان عليه الوضع بين عامي 200 و2001 حيث تم بيع الكثير من العقارات في الوسط التجاري والتاريخي للعاصمة بودابست للأجانب وخصوصا في الأحياء التالية: السابع والثامن والتاسع لتاريخيتها وأهميتها التجارية وموقعها الاستثماري الممتاز.

ويبدو أن منطقة بودا أكثر المناطق استقطابا للمستثمرين الأجانب وخصوصا الاستثمار طويل الأمد، لما تضمه من معاهد وجامعات والكثير من العقارات القديمة التي تحتاج إلى تطوير. وكانت العائدات الربحية في هذه المنطقة قد تعدت العائدات في الوسط التجاري أو ما يعرف بـ «بست» السنة الماضية.

وكما سبق وذكرنا، لا يتوقع الخبراء أن يتحسن الوضع الاقتصادي أو العقاري في البلاد خلال العامين المقبلين، على عكس بعض الدول الأوروبية التي يتوقع أن يبدأ الاقتصاد فيها بالنمو ولو بنسب قليلة. ويتوقع المزيد من التراجعات على الأسعار والمزيد من الانكماش الاقتصادي. ولهذا لا تزال أسعار العقارات في البلاد، على الأرجح، أرخص بكثير من مثيلاتها. وحسب مؤشر «غلوبال» للأسعار في أوروبا فإن المجر تأتي في قاع اللائحة، ولا يوجد أسوأ منها على صعيد سعر المتر المربع الواحد سوى تركيا ومقدونيا وملدوفا. وحسب الإحصاءات الأخيرة فإن سعر المتر المربع في الشقق السكنية الممتازة والمناطق الساخنة لا يزال على حاله وبحدود الـ 2.2 ألف دولار. ومقارنة بذلك نجد أن المتر المربع في بولندا ضعف هذا الرقم أي حوالي 4 آلاف دولار ومنتينيغرو 4.7 ألف دولار وإيرلندا 7 آلاف دولار، كما هو الحال في إيطاليا وسويسرا، و19 ألف دولار في بريطانيا و36 ألفا في مونت كارلو التي تعتبر الأغلى أوروبيا وعالميا.