العاصمة الدنماركية الأكثر تضررا من تراجع أسعار العقارات

بنسبة انخفاض سنوية وصلت إلى 18%

جانب من العاصمة الدنماركية كوبنهاغن (أ.ب.أ)
TT

أكدت التقارير الدولية الاخيرة أن أسعار العقارات السكنية في الدنمارك كبقية دول الشمال الاوروبي تواصل تراجعها هذا العام، ووصلت نسبة التراجع على المنازل العائلية حوالي 12.4 في المائة بين الربع الاول من العام الماضي (2008) والربع الأول من العام الحالي (2009)؛ حسب أرقام هيئة المصارف الدنماركية المقرضة. وعلى هذا الاساس يكون سعر المتر المربع في الاسواق العقارية السكنية قد وصل الى 1.6 الف دولار، وان التراجع على الاسعار قد تواصل للربع الخامس على التوالي لأول مرة منذ الثمانينات. وحسب الهيئة نفسها، فإن أسعار الشقق السكنية تراجعت بنسبة تتراوح بين 16 و17 في المائة منذ عام تقريبا، أي منذ الربع الاول للعام الماضي ليصل سعر المتر المربع في هذا القطاع الى 2.3 الف دولار. اما اسعار منازل العطل فقد تراجعت بنسبة قريبة جدا تصل الى 13.1 في المائة في نفس الفترة. وقد وصل سعر المتر المربع في هذا القطاع النشط عادة الى 2.2 ألف دولار.

ويبدو أن أكثر المناطق الدنماركية تضررا من التراجع الكبير على اسعار العقارات منذ بدء ازمة الائتمان الدولية عام 2007، هي العاصمة كوبنهاغن التي تراجعت فيها اسعار الشقق بنسبة لا تقل عن 18.1 في المائة منذ الربع الاول من العام الماضي. ووصل سعر المتر المربع في المدينة الى 2.9 الف دولار. وطال التراجع هذه العقارات العائلية او المنازل العائلية، حيث وصلت نسبته الى 17.8 في المائة. وعلى هذا الأساس تراجع سعر المتر المربع لهذا القطاع ليصل الى 2.8 الف دولار.

وكانت اسعار المنازل قد وصلت الى ذروتها بين عامي 2006 و2007 أي قبل بدء ازمة الائتمان الدولية. وقد ارتفعت بنسبة لا تقل عن 8 في المائة، في عام 2004 وواصلت ارتفاعها العام التالي (2005) لتصل الى حوالي 17.1 في المائة، و23 في المائة تقريبا عام 2006. وتزامنت أزمة الائتمان مع ارتفاع اسعار ومعدلات الفائدة بشكل عام على هذا النوع من العقارات، حيث وصلت قبل ازمة الائتمان الى حوالي 6.5 في المائة رغم أنها عادت وتدنت العام التالي (2008) لتصل إلى حوالي 4.3 في المائة.

ورغم أن التراجع على الاسعار اسرع بكثير مما حصل في الثمانينات كما سبق وذكرنا، فإن بعض الخبراء في المصارف الدنماركية يتوقعون أن يبدأ التعافي في الاسواق نهاية العام المقبل (2010). ويربط هؤلاء الخبراء بين الأداء الاقتصادي العام وأداء الأسواق العقارية، حيث يتوقع ان ينكمش الاقتصاد الدنماركي العام الحالي بنسبة لا تقل عن 4 في المائة، ولذا لا يتوقع ان يساعد ذلك على ارتفاع الطلب على العقارات ويبقيه على حده الادنى. إلا أن العام المقبل فإن التوقعات تشير إلى أن يسجل الاقتصاد نموا بنسبة لا تقل عن 0.4 في المائة مما سيساعد على عودة النشاط النسبي الى الاسواق العقارات في مختلف قطاعاتها السكنية والتجارية. وتقول مؤسسة «كوليارز» العقارية الدولية في هذا المضمار في تقريرها الأخير، إن الاقتصاد الدنماركي قد تضرر كثيرا من ازمة الائتمان الدولية وكان اول الاقتصادات الأوروبية التي تدخل الركود بعد الأزمة رغم قوة الاقتصاد بشكل عام. فالدنمارك من الدول التي لا تشهد معدلا عاليا للبطالة والاقتصاد المحلي صحي والميزان التجاري مع الخارج في وضع ممتاز.

الفترة الوحيدة التي سجل فيها الاقتصاد نموا بنسبة لا تتعد الـ1 في المائة كانت بين عامي 2001 و2003. أما بقية السنوات ومنذ عام 1994 فإن نسبة النمو وصلت الى 2 في المائة حتى أزمة الائتمان، إذ تراجع النمو حسب «كوليارز» بنسبة 1.3 في المائة العام الماضي، ويتوقع أن يتواصل هذا التراجع العام الحالي والعام المقبل (2010)، نتيجة الضرر الذي اصاب القطاعات الصناعية مع تدني الاستهلاك وارتفاع معدلات التضخم والفجوة الكبيرة التي تتسع يوميا بينت معدل الفائدة العام ومعدلات الفائدة في الاسواق. ويبدو ان سوق العقار في الدنمارك قد وصل عند ازمة الائتمان إلى نهاية فترة من فترات النمو الكبير اسوة بغيره من الاسواق العالمية، ويبدو انه يمر بدورات عقارية معينة من فترة إلى أخرى. وكانت الدورة الاولى قد بدأت في عام 1972 حيث تراجعت الأسعار بسبب ارتفاع اسعار النفط قبل ان تبدأ ارتفاعها حتى عام 1979 . ووصلت نسبة الارتفاع على الأسعار في تلك الفترة حوالي 96 في المائة. وعاودت مسألة ارتفاع اسعار النفط بين 1979 و1982 الى التأثير على النشاط العقاري وتراجع الاسعار بنسبة لا تقل عن 11 في المائة. وبين عام 1982 و1986 ارتفعت الاسعار من جديد بنسبة 88 في المائة. وبين عامي 1986 و 1993 تراجعت الاسعار بنسبة لا تقل عن 20 في المائة. وبدأت آخر الدورات العقارية عام 1993 ولم تنته إلا مع أزمة الائتمان الدولية. وفي تلك الفترة ارتفعت اسعار المنازل بنسبة لا تقل عن 250 في المائة وأسعار الشقق بنسبة 360 في المائة، بسبب توفر البضائع العقارية (القروض) المتنوعة والرخيصة مع معدلات عادية ومقبولة للفائدة، لكن منذ بدء الربع الثالث في عام 2006 سجلت اسعار الشقق السكنية تراجعا بنسبة لا تقل عن 26 في المائة. اما اسعار المنازل فقد تراجعت بنسبة 12.4 في المائة.

في أي حال فإن الارقام الرسمية والحكومية تشير الى ان عدد الوحدات السكنية التي بيعت بين الربع الاول والربع الثالث العام الماضي قد تراجع بنسبة 21.3 في المائة نسبة الى ما كان عليه في نفس الفترة من العام السابق (2007) ليصل الى 37.5 الف وحدة. وهي أكبر نسبة تراجع على المبيعات منذ عام 1994.

وكما هو معروف فإن مبيعات المنازل العائلية تشكل 75 في المائة من عدد المبيعات العقارية السكنية في البلاد عادة. وقد تراجعت مبيعات المنازل العام 2006 بنسبة 12.2 في المائة و12.9 في المائة العام التالي (2007). وتعود أسباب التراجع في المبيعات الى التحفظ العام لدى المواطنين والمخاوف من مزيد من التدهور على الاقتصاد العام.

وينطبق التراجع على جميع المرافق والقطاعات العقارية، حيث تراجع عدد المشاريع الجديدة بنسبة 15.8 في المائة العام الماضي ولم يتم بناء اكثر من 24 الف وحدة سكنية. أما في بعض العقارات السكنية المتعددة الاستخدام فقد وصلت نسبة التراجع الى حوالي 36 في المائة، حيث لم يتم بناء اكثر من 6 آلاف وحدة منذ عام 2007 حتى الآن.

كما تراجع عدد الأذون العقارية الممنوحة أو تصاريح البناء العام الماضي بنسبة لا تقل عن 38 في المائة ليصل عددها الى 14.5 ألف تصريح فقط وهو أقل عدد من التصاريح العقارية من 13 عاما. ومع هذا تقول مؤسسة «غلوبال بربرتي غايد» الدولية، إن قوة سوق القروض العقارية ونموه المتواصل، هما اللذان منعا المزيد من التراجعات على الاسعار بشكل عام أو بالتحديد انهيار الأسواق.

ويخضع سوق القروض في البلاد لمراقبة حكومية مشددة وعادة ما تكون الحكومة الوسيط بين الزبائن والمستثمرين او المقرضين. ويتم خلال العملية دراسة وضع الزبون المادية وقدراته على دفع الاقساط وما الى ذلك من الامور والتفاصيل المالية المهمة التي تحدد حجم القرض ومعدل الفائدة عليه وطبيعة ترتيبات سداد القرض.

وعادة ما تمنح المؤسسات أو المصارف الخاصة بالقروض العقارية ما نسبته 80 في المائة من حجم القرض المطلوب وتصدر المصارف أصولا عقارية لتمويل قروضها السكنية. على كل حال فإن نمو سوق القروض، بسبب استقراره، كان اكبر من النمو الاقتصادي بشكل عام، إذ ارتفعت نسبة النمو من 102 في المائة عام 2004 إلى 120 في المائة العام الماضي. ففي عام 2005 ارتفعت قيمة القروض بنسبة 12 في المائة تقريبا، وفي العام التالي (2006) ارتفعت بنسبة 10.2 في المائة، أما عام 2007 فقد وصلت نسبة النمو الى 9 في المائة تقريبا قبل أن تتراجع العام الماضي الى 7.6 في المائة.

وتشير الأرقام الأخيرة إلى أن قيمة القروض ارتفعت في مارس (آذار) بنسبة لا تقل عن 7 في المائة عما كانت عليه في نفس الشهر من العام الماضي، ووصل مجمل القيمة الى 295 مليار دولار.

وحول الوضع الاستثماري تقول «كوليارز» إن حجم الاستثمارات في القطاع العقاري تراجع العام الماضي، خصوصا في النصف الثاني، بسبب شح وندرة القروض وكلفتها بعد ازمة الائتمان. وفضلا عن انعدام أي مشروع جديد فإن عدد الشركات التي تعلن افلاسها يزداد يوما بعد يوم. أما على صعيد قطاع المكاتب التجارية، فقد ارتفعت مساحة المكاتب الشاغرة العام الماضي لتصل الى 1.14 مليون متر مربع. إلا أن هذه النسبة لا تتعدى الـ4.6 في المائة في وسط العاصمة كوبنهاغن. وبسبب التقلبات الاقتصادية وعدم الاستقرار في الاسواق فقد تراجع الطلب على المكاتب التجارية رغم النشاط المعقول في القطاع. وتركز معظم الشركات هذه الايام على المكاتب الرخيصة. ويبدو أن الشقة بين المواقع العقارية الممتازة والمواقع الثانوية تزداد يوميا ومنذ بدء ازمة الائتمان. ومع هذا فإن التوقعات تشير الى تزايد عدد المكاتب الممتازة والعادية خلال العامين المقبلين رغم تراجع الطلب بسبب عدد من المشاريع الكبرى في العاصمة ومرفئها الرئيسي. وفي قطاع الفنادق، فقد أدى النمو الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية الى انعاش هذا القطاع العقاري المهم، وارتفاع عدد الفنادق، خصوصا بين عامي 2003 و2007. ويشكل الزبائن المحليون 56 في المائة من الزبائن في هذا القطاع.

إلا أن أزمة الائتمان والانكماش الاقتصادي قد ساهما في تراجع الطلب على غرف الفنادق، خصوصا في الربع الأخير من العام الماضي. وتراجع عدد الليالي في العاصمة بنسبة 4 في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي نسبة الى ما كان عليه نفس الشهر العام السابق. ورغم التوقعات بأن يتواصل التراجع على الطلب وعدد الليالي في النصف الاول من هذا العام، فإن التوقعات تشير الى ارتفاع هذا الطلب في النصف الثاني من العام الحالي بسبب النشاطات الدولية والرسمية المكثفة ومنها مؤتمر الامم المتحدة الخاص بالحفاظ على البيئة وحمايتها في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وتشير الأرقام إلى ارتفاع عدد غرف الفنادق المتوفرة في البلاد مع ارتفاع عدد الفنادق منذ عام 2004. ويتوقع أن ينتهي العمل من بناء الكثير من الفنادق المهمة هذه السنة ومنها «ويكاب»، الذي يضم أكثر من 500 غرفة حديثة وعملية. وتقف وراء المشروع شركة «هانسن هوتيل غروب» المعروفة. وهناك أيضا فندق «كراون بلازا كوبنهاغن تاور» الذي يعتبر من فئة 4 نجوم. وسيضم الفندق ما لا يقل عن 370 غرفة.