السوق العقارية في لبنان تتجه للتأجير.. والمصايف تختنق بالطلب

المكاتب العقارية تبحث عن مستأجرين «دسمين»

TT

من يتابع الإعلانات المبوبة في الصحافة اليومية وفي النشرات الإعلانية المتخصصة بالعقارات، يدرك أن عروض التأجير بدأت تطغى على عقود البيع، سواء داخل بيروت أو الضواحي أو المناطق. ويعزو الخبراء العقاريون هذا التوجه إلى الهدوء السائد على جبهة البيع، إما أملاً في تراجع الأسعار السائدة، كما حصل في العديد من بلدان العالم المتقدم والنامي، وإما عجزاً عن استيعاب الأسعار المطروحة، التي سجلت العام الماضي متوسط زيادة بلغ 40 في المائة، اعتبرتها نقابة المهندسين اللبنانيين بأنها زيادة تصحيحية.

وثمة سبب رئيسي للطفرة التأجيرية، وهو دخول لبنان في الموسم السياحي الصيفي، الذي توقعت مصادر وزارة السياحة تسجيل رقم قياسي من السياح هذا العام يناهز المليونين. وإذا كان المغتربون، أو سائر العاملين في عالم الانتشار، الذين يزورون الوطن الأم، ينزلون لدى الأهل، أو في شقق اشتروها لأنفسهم خلال وجودهم في الخارج، ومن لا يملك شيئاً ويمتنع عن النزول كضيوف لدى الأقارب، إما يستأجرون شققاً مفروشة أو ينزلون في الفنادق، خصوصاً فنادق الجبل، فإن الرعايا الخليجيين يتوزعون إما على قصورهم وفللهم وإما على الفنادق، وبعضهم يلجأ إلى استئجار شقق مفروشة في معظمها أو حتى غير مفروشة. وغالباً ما يختار الخليجيون المصايف اللبنانية كعاليه وبحمدون، وبرمانا وبيت مري وضهر الصوان، وبشامون وحمانا، فضلاً عن شتورا وزحلة في منطقة البقاع.

واللافت أن أسعار الإيجارات ما زالت في مستوى عام 2008 في بيروت الضواحي، وأعلى قليلاً في المصايف. فإذا أخذنا مثلاً الشقق في أحياء بيروت الوسطى لوجدنا أن الأسعار تتراوح بين 100 و150 دولاراً للمتر المربع الواحد سنوياً. أما بالنسبة إلى الشقق البالغة الفخامة في وسط بيروت التجاري (منطقة سوليدير)، ولا سيما في «صيفي فيلدج» فإن الأسعار عالية جداً، وطالبوها هم من غير اللبنانيين، خليجيون أو أوروبيون أو أميركيون، لكن كلما كان بدل الإيجار مرتفعاً (فوق 70 ألف دولار سنوياً) كانت فرصة العثور على مستأجر ضعيفة، لأن القادرين على دفع مثل هذا المبلغ كبدل إيجار «لا يتزاحمون على الأبواب»، كما يقول المثل، أو «لا يركضون في الشوارع»، كما يقول سماسرة العقار، وهم في معظمهم من الدبلوماسيين وكبار المغتربين الغربيين، ورؤساء الشركات ورجال الأعمال.

ومع ضمور عمليات بيع الشقق في الفترة الأخيرة بدأ عدد الشقق المعدة للتأجير يرتفع، حتى أن بعض المستثمرين آثروا المضي في هذا المنحى على اعتبار انه ذو مردود جيد ومتواصل. وتنكب المكاتب العقارية في هذه المرحلة على البحث عن مستأجرين «دسمين» يرغبون بالسكن في «صيفي فيلدج» مثلاً، أو «فرن الحايك»، أو «رأس بيروت»، أو «الرملة البيضاء»، حيث يناهز إيجار الشقة الشهري 3 آلاف دولار وما فوق.

أما الزبائن المحليون فيقفون برهبة أمام الأسعار المطروحة، والقادرون منهم على دفع ما بين ألف وألفي دولار شهرياً قلة. في حين أن الطلاب، والموظفين الشباب الراغبين بـ«الاستقلال» عن العائلة، وكادرات العازبين يبحثون بصورة رئيسية عن شقق صغيرة محاذية للجامعات كـ«رأس بيروت»، أو مناطق اللهو والتسلية كـ«الجميزة». وكثيرون من هذه الشريحة يفضلون الستوديو الذي بدأ يشق طريقه إلى السوق العقارية في لبنان، كما هي الحال في العديد من العواصم الغربية، ويأمل خبراء العقار في «ازدهار» الستوديوهات، بيعاً وتأجيراً، في المستقبل القريب، في ضوء ارتفاع الأسعار وتآكل المداخيل وضرورة التكيف مع المستجدات على هذا الصعيد.

وحتى بالنسبة إلى العائلات التي تعجز عن شراء مسكن لها، تسعى وراء استئجار شقة في إحدى ضواحي العاصمة، ولا بد من أن تجد مبتغاها وفق قدرتها، في حين يبدو قطاع التأجير في المصايف أضيق، لكون هذه المصايف مرت بـ«أزمات سياحية» متواصلة، ولم يهيئ السوق العقاري فيها نفسه بعد لمرحلة الطفرة.