مطالب بإعادة دراسة التحرك السكاني لتحديد الاحتياجات العقارية في السعودية

فرضيات تشير إلى أن التنمية الحكومية ستغير خارطة الطلب في المدن الرئيسية

السوق بحاجة لمنتجات عقارية تتواكب مع الطلب («الشرق الأوسط»)
TT

دعا خبراء عقاريون في السعودية إلى ضرورة دراسة التحرك السكاني، في مدن رئيسية في البلاد، في ظل توزع التنمية الشاملة التي تقودها الحكومة في مختلف أرجاء البلاد، لتحريك عجلة الاقتصاد في تلك المناطق. وجاءت دعوات العقاريين في ظل وجود مشاريع ضخمة في البلاد ستطرح في وقت متقارب، مع انخفاض معدلات الهجرة، التي قد تتسبب في عملية إغراق، بسبب عمليات التنمية التي تشهدها البلاد، في الوقت الذي حذر فيه تقرير دولي من عمليات الإغراق مستنداً على وجود المدن الاقتصادية، التي ستوفر السكن والعمل والترفيه والصناعة، وستكون المنافسة بين المدن الصناعية والقطاع العقاري خارج المدن مستقبلا. وأكد الخبراء العقاريون أن المشاريع الجديدة سواء الصناعية أو السياحية أو الخدمية في الغالب تتضمن مشاريع إسكانية، وبالتالي قد تستحوذ على جزء من الطلب المرتفع على قطاع الإسكان، إضافة إلى المدن الاقتصادية والتنمية الحكومية.

وقال خالد الضبعان الخبير العقاري إن التوجه العام في المشاريع الجديدة سواء الصناعية او الخدمية أن تشتمل على مساكن، ومن الممكن أن تستحوذ على حيز كبير من الطلب المقدر حالياً بنحو 200 ألف وحدة سكنية. مشيراً إلى أن تلك الفرضيات قابلة للنقاش، وبالتالي فإن الرؤية قد تكون في المسار الصحيح أو في المسار المستبعد. وحسب تقرير شركة جونغ لانغ لا سييه للدراسات العقارية، فإن عامل الإغراق قد يتسبب في إعاقة النمو العقاري على المدى البعيد، في ظل الإعلان عن مشاريع عقارية لمختلف المنتجات العقارية.

وبين الضبعان أن المؤشر الحقيقي أن تكون الشريحة المستهدفة من تلك المشاريع العقارية لا تستطيع شراء تلك الوحدات بسبب ارتفاع أسعارها، وبالتالي سيكون هناك البحث عن بدائل قد تكون في شقق سكنية أو فلل صغيرة، مما يدفع إلى نمو العرض في الوحدات العقارية، إلا أن ذلك سيكون بعد فترة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات، مع اكتمال مشاريع المدن الاقتصادية.

وقال تقرير جونغ لانغ لاسييه العقاري، ان الموجود حاليا في السوق لا يخدم الشريحة العظمي من المجتمع، وهم حديثو التخرج الحاصلون على وظائف ثابتة، حيث ان الأسعار الحالية ما زالت مرتفعة وتتماشى مع الشريحة المتوسطة العليا وليست شريحة محدودي الدخل.

وأضاف التقرير أن حجم الموجود حاليا في السوق العقاري يبلغ 3.5 مليون وحدة سكنية مأهولة، ويصل الطلب المتوقع على الوحدات السكنية نحو 500 ألف وحدة سكنية سنويا. مشيراً إلى أنه خلال الفترة من 2008 إلى 2012 يمكن توفر مليون وحدة سكنية حسب المشاريع المعلن عنها والمستقبلية، ويبلغ حجم الأمتار المجهزة للاستخدام السكني حاليا 75 مليون متر مربع في المملكة.

كما ذكر التقرير أن الفرد في المملكة يستخدم مساحة 5.7 متر مربع، ومتوقع أن ينخفض الرقم إلى 2.5 متر مربع وذلك بسبب توجه الأسر السعودية إلى تقليل عدد أفرادها.

إلا أن الضبعان أكد أن عمليات التنمية الشاملة التي تقودها الحكومة السعودية ستعمل على موازنة طرح المنتجات العقارية، بين المدن الرئيسية والمناطق الأخرى. مشيراً إلى أن وجود جامعات ومشاريع تنموية سيخفض الطلب على المنتجات العقارية في المدن الرئيسية، كالرياض وجدة والمنطقة الشرقية.

ولفت الخبير العقاري إلى أن السوق بحاجة لمنتجات عقارية تتواكب مع الطلب، في حين أن عددا من شركات التطوير لا تزال تعمل على طرح المشاريع ذات الطابع الفخم، مما يعرقل بيع تلك المنتجات في الوقت الحالي، خاصة أن سوق الإسكان السعودي، هو سوق طلب حقيقي، وليس سوق استثمارات، كما هو الحال في الأسواق الخليجية المجاورة، قبل ان تواجه تداعيات الأزمة المالية العالمية.

من جهته قال محمد البر المستثمر العقاري ان التنمية الحكومية ستسهم في الحد من عمليات الهجرة والطلب على العقارات في مختلف المناطق، مطالباً بإعادة النظر في الدراسات المتعلقة في هذا الشأن.

واستشهد البر بالمنطقة الجنوبية من البلاد التي تعد أحد اكبر المناطق كثافة وحاجة للتنمية، حيث بدأت الحكومة في زيادة الاستثمارات في تلك المناطق، خاصة في مدينة جازان لإنشاء مدينة جازان الاقتصادية، التي ستكون من أهم المدن الاقتصادية من الناحية الاستثمارية، حيث ان التعداد السكاني مرتبط مع التوزيع الجغرافي، وبالتالي فإن تلك الاستثمارات ستعمل على إيجاد فرص عمل وإيقاف الهجرة من شباب تلك المنطقة، وبالتالي التغير في عملية الطلب في المدن الرئيسية.

وقال المستثمر العقاري ان التوزيع الجغرافي للسكان مرتبط بفرص العمل وبطبيعة المجتمعات المختلفة في المملكة، فكل منطقة من المناطق لها ميزاتها ومتطلباتها الأساسية والثانوية، بحيث يستطيع المستثمر أن يتخذ قراره الاستثماري بشكل منسجم مع طبيعة كل منطقة وسكانها.

وأكد أن معظم الزحف السكاني يقع على عاتق المدن الرئيسية في المملكة حتى اليوم، وطرح البر عدة تساؤلات عن نسبة المستقرين فعلا في تلك المدن، وعن الذين يرغبون في تملك المساكن، إضافة إلى ذلك السكان الأصليين للمناطق، وهل سيكون مصدر العمل لهم في نفس المدن. مشيراً إلى أن تلك العوامل تزيد من إعادة التفكير في نوعية الاستثمار وحجم الطلب الفعلي وكيفية تنفيذه والأسعار المقبولة من قبل المستخدم النهائي.

وأشار إلى أن معدلات الدخل من العوامل الهامة لدراسة الطلب، حيث ان مثلث الإسكان الذي يتكون من المطور والممول والساكن من الأهمية بمكان لوضعه كمحور أساس لصياغة المعادلة الاستثمارية الصحيحة في مجال الإسكان.

وأكد أن المدن الاقتصادية لها دور كبير في معادلة التوازن الهامة بين العرض والطلب، حيث تلك المدن الاقتصادية ستعمل على توفير مساكن وفرص عمل، ومن المتوقع أن توفر نحو 1.3 مليون وظيفة مستقبلا بشكل مباشر، في الوقت الذي ستوفره الخدمات المساندة نحو 2.6 مليون وظيفة، مما قد يصل إلى 4 ملايين وظيفة، مما سيعمل على تغير خارطة الطلب في المدن الرئيسية.

وبين أن نسبة المنتقلين من المدن الرئيسية للمدن الاقتصادية، وعدد العاملين من غير السعوديين، ونسبة التوظيف والمهن المتوفرة، سيكون لها تأثير في احتساب الفجوة خارج المدن الاقتصادية بالنسبة للسكن والفرص الوظيفية، مما سيعمل على وضع الهيكل الاستثماري الصحيح لقطاع الإسكان على مستوى المملكة في حال تم الانتهاء من المدن الاقتصادية في الوقت المقترح 2020.

وكانت دراسات سعودية دعت إلى الحاجة نحو التوسع العمراني العمودي في الأرياف، والقضاء على مشكلة المياه بشكل جذري مع مراعاة ربط القرى بالمدن بطرق سريعة مزدوجة.

وأشارت إلى أن الحراك السكاني بين مدن وقرى البلاد من الريف إلى المدن  قد زادت وتيرته في المرحلة الأخيرة، حيث هدفت الدراسة إلى وضع توازن بين الريف والمدينة، بإقامة العديد من المشاريع في المدن والأرياف لوضع بنية تحتية فاعلة في الأرياف.

وأشارت إلى أن ذلك التوجه سيدعم «الهجرة العكسية» من المدينة إلى الريف، الذي يحتضن المناظر الجمالية والطبيعة الخلابة الجاذبة، لافتة إلى أن الكثير من منجزات التنمية، تمت في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز الزاهر، حيث أولى المناطق الريفية جل اهتمامه بإنشائها جامعات في كل المناطق والمدن بغية تعزيز فرص التنمية، وتأهيل الكوادر البشرية، مما يدعم التوجه في تنفيذ التنمية الشاملة في المدينة والريف على حدٍ سواء.

وكشف الدكتور عبد الله الزهراني، عميد كلية التربية في جامعة الباحة في وقت سابق أن التنمية تعني النمو والانتشار، وتتناول قضايا ثقافية وقضايا تعنى بالثقافة الريفية والمجتمعية، وهي إحدى القضايا المهمة في التنمية. وبين أن الهدف يشمل الموازنة بين المدن والأرياف والقرى، وهي ركيزة أساسية نحو التنمية الشاملة، وزاد «حينما تتوفر الاحتياجات الضرورية في الأرياف فإنها تحد من الهجرة للمدن الكبرى التي أصبحت تشتكي من كثرة أعداد القادمين إليها مما يشكل ضغطاً وعبئاً على الخدمات الأساسية للتنمية».

وأشار إلى أنه لا بد من إقامة المصانع في المناطق الريفية لجذب قاطني المدن نحو الأرياف. وأكد وجود مصانع وصناعات لا تؤثر على البيئة، وبالإمكان المضي قدماً في بلورتها، مما قد لا ينعكس على جمالية الأرياف البيئية.

وأكد أن المملكة تعيش التنمية بكل جوانبها، وستكون المناطق الريفية في القريب العاجل الانطلاقة نحو التنمية المتوازنة، وساق مثالا حول أبرز العقبات في التنمية الريفية وهي المياه الذي تبذل الحكومة السعودية كل طاقاتها لإيصالها لكافة المواطنين والمقيمين، وهو ما سيحل مشاكل كثيرة تعتري هذا المجال، ومنها تخصيص خط تغذية المياه لمنطقة الباحة عن طريق الشعيبة، وبناء السدود لتكون خزناً آمناً للمياه في القرى والأرياف.

وقال الدكتور عبد الرزاق فقيه رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع، ان الريف كان عنصراً طارداً في الفترة الأخيرة لكثير من الناس بحكم الجامعات والمستشفيات والحياة المدنية، معزياً سبب نزوح المجتمع السعودي إلى المدن هو الطفرة التي مرت بها البلاد. ولافتاً إلى أن كثيراً من المشاكل التي يمر بها المجتمع هي جراء النزوح غير المتزن إلى المدن، وهو ما نتج عنه نقص في المياه وتردٍ في الخدمات، ومشاكل الكهرباء والاختناقات المرورية.

وأوصت الدراسة إلى توسيع النطاق العمراني والمخططات السكنية ومراعاة الفروق بين المدن والقرى، حيث إن الأملاك في القرى أراض مملوكة أباً عن جد، وكذلك السماح بالتوسع العمودي في البنيان ودعم المنطقة بالقروض الزراعية والسكنية، وإقامة مشاريع سكنية وحل مشكلة المياه حلاً جذرياً بحيث يكون مشروعاً مستقلاً، والعمل على إيجاد مستشفيات ومراكز صحية متخصصة وتطوير المنتجات الزراعية وإنشاء مراكز بحثية للإنتاج الزراعي.