تقرير: أسعار العقارات في بريطانيا ترتفع للشهر الثالث على التوالي

بسبب ارتفاع عدد المشترين وتدني معدلات الفائدة

أسعار العقارات البريطانية ارتفعت بنسبة 1.3 في المائة الشهر الماضي (تصوير: حاتم عويضة)
TT

اسعار العقارات في بريطانيا ترتفع للشهر الثالث على التوالي، رغم الركود الاقتصادي العام. هذا ما ركزت عليه وسائل الإعلام البريطانية خلال الفترة الاخيرة، إذ إن الارتفاع على الأسعار بسبب ازدياد عدد المشترين في الاسواق خلال الفترة الاخيرة، دلالة على ان الاسواق العقارية تحاول ولأول مرة نفض الغبار عن عامين من التراجعات والتقلبات الخطيرة على خلفية ازمة الائتمان الدولية. وقد أكد التقرير الأخير لبنك نيشن وايد (Nationwide) الذي يعتبر اكبر البنوك البريطانية على صعيد الإقراض العقاري، ان اسعار العقارات البريطانية قد ارتفعت بنسبة 1.3 في المائة الشهر الماضي يوليو (تموز) 2009 . وأنها يمكن أن تنتهي نهاية العام اعلى مما كانت عليه في بدايته. وعلى هذا الاساس تكون اسعار يوليو اعلى من اسعار بداية العام، ويكون هذا الارتفاع الارتفاع الثالث على الاسعار هذه السنة. كما أن نسبة الارتفاع تعني أن معدل سعر المنزل او العقار قد ارتفع من 156.4 ألف جنيه (دولار) ليصل إلى 158.8 ألف جنيه (دولار).

ويقول الخبير الاقتصادي في بنك نيشن وايد مارتن جاهبوير في هذا الإطار، إن معدل نسبة الارتفاع على أسعار العقارات منذ بداية العام قد وصلت الى 1.3 في المائة ايضا وعلى الارجح ان تكون افضل نهاية العام الحالي. و«حتى ولو بقيت الاسعار على حالها حتى نهاية العام، فإن المعدل السنوي للأسعار يتحسن، وقد تراجعت الاسعار كما نذكر بشكل حاد في النصف الثاني من العام الماضي.. هناك فرصة الآن بأن تكون الاسعار عند نهاية العام اعلى مما كانت عليه في السابق. لم يتخيل احد قبل اشهر ان الاسعار ستعاود ارتفاعها».

وقد ازداد معدل ارتفاع الاسعار الربعي من نسبة 1 في المائة في يونيو الى نسبة 2.6 في المائة في يوليو، وهي اكبر نسبة ارتفاع منذ عام 2007. وعلى هذا الاساس تكون نسبة التراجع على الاسعار منذ السنة الماضية قد وصلت الى 6.2 في المائة فقط. كما انخفضت نسبة التراجع السنوية على الاسعار من 17.6 في المائة في فبراير الماضي الى 9.3 في المائة حسب ارقام شهر يونيو الماضي.

ويضيف غاهبوير، بان أسعار العقارات السكنية في الفترة الاخيرة كانت قوية، بالرغم من ارتفاع معدل البطالة على المستوى الوطني والمشاكل الاقتصادية الأخرى المرتبطة بالركود وشحة القروض العقارية نسبة الى السنوات القليلة الماضية. وليس غريبا كما يبدو في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة، أن ترتفع أسعار الأملاك والأصول من جهة وتتعرض للتصحيح من جهة ثانية. ففي حالة السوق العقاري السكني بالتحديد، ساهمت التراجعات الحادة على الاسعار خلال العام الماضي، في خلق الكثير من الزبائن المتربصين والباحثين عن اقتناص الفرص. وكان معظم هؤلاء مترددين في دخول الاسواق ايام الازمة المالية التي اطاحت بالبنوك والمؤسسات المالية الكبرى نهاية العام الماضي.

كل التقارير المحلية في بريطانيا، تشير إلى ارتفاع عدد الباحثين عن المنازل وعدد المشترين ايضا، خلال الاشهر القليلة الماضية، لكن عدد البائعين لا يزال قليلا جدا نسبة الى حركة الاسواق وهو ما ادى الى ارتفاع الاسعار. او بكلام آخر، ان الاسعار ارتفعت بسبب النقص في عدد المنازل المعروضة للبيع على خلفية العدد الكبير من الزبائن. وحول هذا الموضوع يقول تقرير نيشن وايد: «إن احد أهم العوامل التي ساعدت على ارتفاع اسعار العقارات هو النقص في العقارات المعروضة للبيع على المدى القصير. وما يقرر عدد المنازل المعروضة للبيع في الاسواق عوامل عدة منها، ثقة الزبائن المحتملين بالأسواق وأوضاعها وأحوالها، معدل البطالة وعدد الوظائف او سوق الوظائف بكلام ادق والضغوط المالية التي عادت ما تجبر الناس على البيع». وبالتأكيد تعتبر هذه التطورات الجديدة في سوق العقار، أخبارا سارة جدا للبائعين او الراغبين في بيع منازلهم وعقاراتهم في هذه الفترة. لكن الخبراء يحذرون في هذا الإطار من ان يؤدي أي ارتفاع جديد على الاسعار وبنفس الوتيرة السابقة للاشهر الثلاثة الماضية، إلى الإضرار بعملية التصحيح وحركة السوق، لأن الأسعار عندها لن تكون متناغمة مع معدل الاجر العام او الاجور بشكل عام، ومعدلات اسعار الإيجار، وهما من العوامل الاساسية التي تؤثر على حركة السوق السكني وأسعاره عادة سلبا وإيجابا.

ويبدو أن النقص الكبير في عدد المنازل المتوفرة او المعروضة في الاسواق، لا يعود فقط الى إحجام الناس عن بيع منازلها في هذه الظروف، بل الى النقص الكبير في عدد المنازل الجديدة التي يتم بناؤها نسبة إلى الحاجة الوطنية العامة وتوقف شركات البناء والتطوير عن بناء المنازل الجديدة وتجميد الكثير من المشاريع منذ العام الماضي بسبب ازمة الائتمان. وعلى عكس الكثير من دول العالم والدول الاوروبية مثل الولايات المتحدة واسبانيا، لا تبني بريطانيا الكثير من المنازل منذ سنوات طويلة، ففيما لا يتعدى المعدل السنوي احيانا الربع مليون منزل فإن الولايات المتحدة تبني في العام الواحد ما لا يقل عن 4 ملايين منزل جديد. لكن هذه الكمية الضخمة من المنازل الجديدة التي خرجت الى النور لتلبية الطلب الكبير في الاسواق خلال السنوات القليلة الماضية، اصبحت حاليا عبئا على الاسواق وأحد أسباب اختناقه وتراجع الاسعار في هذه البلدان بمعدلات تاريخية. وعادة ما يؤدي النقص في المعروض من المنازل في الاسواق الى عدم استقرار الاسعار أيضا، وهذا آخر ما تحتاجه الاسواق البريطانية في ظل الاوضاع الاقتصادية الحالية والتي تشهد تطورات اقتصادية ايجابية يوما بعد يوم.

وتشير المعلومات المتوفرة في هذا الإطار إلى أن ارتفاع عدد المهاجرين سيساهم بوضع اكثر من 170 ألف منزل جديد في الاسواق اضافة الى ربع المليون منزل التي تتوفر تقليديا كل سنة. وحتى لو تم تجاهل عامل الهجرة فإن الاسواق العقارية ستشهد ارتفاعا على عدد اصحاب العقارات والملاك بمعدل 150 الف حالة سنويا حتى عام 2031. ويحذر الخبير مايكل وايت من الوضع الحالي، مؤكدا أن نمط ارتفاع الاسعار وتراجعها في الفترة الاخيرة، مشابه لنمط ما حصل خلال الركود الاقتصادي بداية التسعينات.

ويؤكد وايت في مقابلة مع الغارديان اللندنية، ان التاريخ يعيد نفسه على الارجح، رغم أن الكثير من المؤسسات والمصارف والهيئات العقارية الرسمية تبدي تفاؤلا بتطورات الوضع على الارض في الاسواق العقارية.

وقد أوضحت هيئة المساحين الملكية في تقريرها الاخير ، ان هناك تغييرا كبيرا على حال السوق ولم يسجل تراجعا على الاسعار في يونيو الماضي سوى 18 في المائة من السماسرة المسجلين رسميا ، مقارنة ب 76 في المائة في بداية العام أي في يناير ( كانون الثاني 2009 ).

لكن وايت لا يزال مصرا على ان التعافي لا يزال بعيدا، وان الارتفاع على الاسعار من ابريل (نيسان) الماضي حتى نهاية يوليو لا يخفي حقيقة تراجع عدد المنازل التي يبيعها السماسرة هذه الايام نسبة الى السنوات السابقة.

ويوافق الكثير من الخبراء مع وايت ويحذرون من التفاؤل المفرط من الاخبار الاخيرة، ويتوقع البعض ان تعاود الاسعار تراجعها خلال الشهور القليلة المقبلة، إذ إن الركود الاقتصادي وصعوبة الحصول على القروض العقارية ستبقي عدد المشترين اقل مما هو متوقع.

فالبرغم من ان البنك المركزي اشار في تقريره الاخير الى ارتفاع عدد القروض العقارية الممنوحة الى اعلى مستوى له منذ سنة ونصف تقريبا (وصل إلى حوالي 48 الف قرض في يونيو الماضي) فإن هذا العدد لا يشكل سوى نصف معدل عدد القروض العقارية الممنوحة شهريا منذ التسعينات والذي يصل الى اكثر من 94 الف قرض تقريبا.

وهذا يعني ان النشاط العقاري في الاسواق لا يزال مناسبا ومتناغما مع التراجع الذي حصل على الاسعار. وسيصعب تغيير الوتيرة قبل الوصول الى معدل يقارب الـ70 ألف قرض لتنشيط الاسعار ورفعها من جديد على اسس اكثر متانة.

ودرس تقرير بنك نيشن وايد الذي يحوز على 7.9 في المائة من سوق القروض المحلية، حوالي 4000 عقار وأكثر من 45 الف قرض عقاري، ليتوصل الى الارقام التي توصل اليها وكانت قريبة جدا من ارقام بنك هاليفاكس.

ويقول لوسيان كوك عن مؤسسة سافيلز العقارية الدولية، معلقا على نتائج تقرير نيشن وايد، إن معدلات الفائدة المنخفضة مكنت اصحاب العقارات والمنازل من البقاء في منازلهم وعقاراتهم وعدم التحرك وإلا كانوا سيضطرون الى البيع والرحيل، لو كانت هذه المعدلات عالية، مما سيترك الكثير من المنازل المعروضة للبيع في الاسواق وبالتالي دفع عجلة التراجع على الاسعار.

ولانه سيصعب الحفاظ على هذه الوتيرة من الارتفاعات على الأسعار خلال الفترة المقبلة غيرت مؤسسة سافيل توقعاتها بشأن العام المقبل (2010)، وكانت المؤسسة قد توقعت ارتفاعا على الاسعار بنسبة 1 في المائة العام المقبل لكنها تقول الآن ان الاسعار يمكن أن تتراجع بنسبة 3.1 في المائة على خلفية ما يحصل حاليا.

ويقول الكثير من السماسرة إن ارتفاع عدد المنازل المعروضة للبيع في الاسواق في الفترة المقبلة سيؤدي الى تراجع نسب الارتفاع والنمو على الاسعار وإعادتها ربما إلى ركودها وتقلبها السابق. ويوضح تقرير هيئة المساحين الملكية البريطانية ، ان هناك الكثير من الاهتمام في الأسواق بالمنازل العائلية الكبيرة التي لا تتوفر بكثرة وخصوصا في العاصمة لندن ومنطقة الجنوب الشرقي الإنجليزية والساحلية. وهذا احد اسباب ارتفاع أسعار العقارات الثلاثة اشهر الماضية. وقد ارتفع سعر العقار الجيد في لندن بنسبة 1.5 في المائة خلال تلك الاشهر، أي اكثر من المعدل الوطني العام بنصف في المائة. ويبدو أن الكثير من المشترين يتقبلون الاسعار الحالية ومستعدون لعقد الصفقات في اقرب وقت ممكن وبعضهم يدفع اكثر من السعر المطلوب لحجز وتأمين العقار، وخصوصا في لندن، حسب بعض التقارير التي نشرتها المؤسسات العقارية البريطانية أخيرا.

ويبدو أيضا أن الطلب والنشاط العقاري يتركز على العاصمة لندن، إذ لا تزال الحركة العقارية ضعيفة في المناطق الجانبية، ولا تزال الاسعار تواصل تراجعها وبشكل حاد كما هو الحال في نيوكاسل في الشمال الشرقي من انجلترا. وقد تراجع سعر العقار في المدينة وفي مدينة روذرام الشمالية بنسبة 4.2 في المائة الشهر الماضي. وهو انعكاس خطير على تراجع الطلب على العقارات حاليا.

بأي حال فإن احوال الاسواق العقارية البريطانية لا تزال متقلبة ويصعب معرفة وجهتها حتى الآن لكن من المؤكد ان التراجعات الحادة التي حصلت قبل فترة ستكون أقل وأكثر رحمة.