بوادر مشجعة في أسواق العقار الأميركية التي أنهكها الركود

بعد ارتفاع الأسعار بنسبة 2.7 في المائة في بعض المناطق

يبدو أن الأسواق العقارية الأميركية بدأت تشهد بعض التطورات الإيجابية
TT

وبعد طول انتظار، وبالتحديد بعد ثلاث سنوات على بدء الأزمة والتراجع في الأسواق العقارية الأميركية، بدأت بوادر الأمل تلوح في الأفق كما يبدو ـ على الأقل في بعض المناطق. إذ كشفت الأرقام الرسمية والخاصة الأخيرة عن ارتفاع أسعار العقارات في العديد من المناطق. وعلى الرغم من أن نسبة الارتفاع ليست عالية جدا، إلا أنها الأولى والاهم منذ بدء أزمة الائتمان الدولية، التي ساهمت في إشعالها القروض العقارية العالية المخاطر. ويبدو أن هناك أسبابا عدة لهذا الارتفاع ـ المتوقع له أن يساهم في استقرار الأسواق ـ أهمها معدلات الفائدة المتدنية جدا والتحفيزات الضريبية الحكومية والأسعار المنخفضة للعقارات السكنية. ويبدو أن هذه العوامل ساعدت على ارتفاع عدد المستثمرين والراغبين في اقتناص الفرص في هذا القطاع. بأية حال فقد أكد مكتب الإسكان الفيدرالي (OFHEO)، أن أسعار العقارات السكنية ارتفعت في المناطق الواقعة على المحيط الهادئ بنسبة 2.7 في المائة في مايو ( أيار) الماضي نسبة إلى ما كانت عليه في ابريل (نيسان) من هذا العام. وارتفعت الأسعار في بقية المناطق حسب أرقام المكتب الأخيرة بنسبة 0.9 في المائة عن نفس الفترة.

كما كشفت أرقام مؤشر «اس اند بي كيس شيلار» الأخيرة، أن أسعار العقارات في عشر مدن رئيسية في الولايات المتحدة قد ارتفعت بنسبة 0.4 في المائة.

ويتوقع إلى جانب هذا أن تشهد الولايات المتحدة نموا اقتصاديا ملحوظا في النصف الثاني من العام الحالي. ويقول رئيس البنك الفيدرالي في نيويورك وليام دادلي في هذا الإطار، إن من شأن التعافي البسيط في الأسواق العقارية والنشاط المتزايد في القطاعات العقارية المختلفة وارتفاع مبيعات السيارات والكثير من التحفيزات الحكومية، دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام وباتجاه ايجابي. أما معدل التضخم فيتوقع أن يصل إلى 1.6 هذا العام بعد أن وصل إلى 3.8 العام الماضي و2.8 العام السابق (2007). لكن معدل البطالة قد ارتفع من 5.6 في المائة في يونيو عام (2008) إلى 9.5 في يونيو الماضي. ولن تتعدى نسبة البطالة قبل ذلك أي عام 2007 الـ 4.6 في المائة. ويتوقع الخبراء أن يرتفع معدل البطالة، ليصل إلى 10 في المائة هذا العام. ويحذر الخبراء بالطبع من الإفراط في التفاؤل، وتوقع تعافي اقتصادي جيد في هذه الفترة؛ لان الأسواق العقارية بشكل عام لا تزال ضعيفة رغم التحسن الطفيف والتطور الإيجابي الأخير. كما أن نسبة التراجع السنوية على الأسعار بشكل عام لا تزال 17 في المائة في الكثير من المناطق. وعلى هذا الأساس لن تتم عملية التصحيح المنتظرة على الأسعار بين ليلة وضحاها بل ستأخذ وقتا أطول. وتقول أرقام مؤسسة غلوبال بربرتي، المأخوذة من المؤشرات الأميركية المحلية، في هذا الإطار، إن نسبة التراجع السنوية على أسعار العقارات في عشر مدن رئيسية وصلت إلى 15.8 في المائة في مايو هذا العام. ومع أن النسبة عالية جدا فإنها اقل نسبة تراجع سنوية منذ سبتمبر (أيلول) العام الماضي (2008). وترتفع هذه النسبة قليلا، عندما يتعلق الأمر بمؤشر عشرين مدينة رئيسية، حيث يصل إلى 17 في المائة.

وفضلا عن أن المصارف والبنوك والمؤسسات المالية لا تزال تتردد بمنح القروض العقارية الجديدة، إلا أن عدد المصادرات أو عمليات الإغلاق لا يزال عاليا جدا، ويشكل ثلث عدد الصفقات الجديدة كما أشارت أرقام يونيو (حزيران) الماضي.

كما أن الكثير من المناطق والمدن لا تزال تعاني من التراجع المتواصل على الأسعار، رغم التباطؤ الأخير على هذا التراجع وتدنى نسبته في بعض المناطق الأخرى. ومن هذه المدن فونيكس في ولاية اريزونا، إذ وصلت نسبة التراجع السنوية على الأسعار في مايو هذا العام إلى أكثر من 34 في المائة، بعدما لم تتعد الـ26 في المائة في نفس الفترة من العام السابق. وتراجعت الأسعار أيضا في نفس الفترة في لاس فيغاس بنسبة 32 في المائة، وفي سان فرانسيسكو بنسبة 26 في المائة، وفي ميامي بنسبة 25 في المائة. وكانت حصة ديترويت قريبة جدا من ميامي، إذ وصلت إلى 24.5 في المائة، ومينوبوليس بنسبة 21 في المائة، ولوس أنجليس بنسبة 19 في المائة، وشيكاغو بنسبة 17.5 في المائة، وهي النسبة الأقرب إلى المعدل العام للتراجع على الصعيد الوطني.

وتعتبر أكثر المناطق والمدن حظا في إطار التراجع، هي مدينة دالاس، التي لم تتعد نسبة التراجع السنوية فيها في مايو الـ4.2 في المائة، وهي أعلى بنسبة 1.5 في المائة، عما كانت عليه في نفس الفترة من العام السابق. ويأتي بعد دلاس دانفار التي كانت نسبة التراجع فيها 4.6 في المائة، وهي اقل قليلا من نسبة العام الماضي. وفيما تراوحت نسبة التراجع في كل من بوسطن وكليفلاند بين 6 و7 في المائة، لم تتعد نسبة التراجع في تشارلوت الـ10 في المائة. لكن هذه النسبة أعلى من نسبة العام السابق أي 2007-2008، التي لم تتعد الـ0.3 في المائة.

من جهة أخرى، تشير الأرقام أيضا إلى أن عدد الصفقات العقارية السكنية أو عدد المبيعات قد ارتفع في يونيو هذا العام بنسبة 3.6 في المائة عما كان عليه في يونيو العام الماضي (2008). وهي نسبة ممتازة مقارنة بالنسب الأخيرة في السنوات القليلة الماضية. ووصلت نسبة الارتفاع على عدد المنازل الجديدة المباعة حوالي 11 في المائة. ومع هذا لا تزال هذه النسبة الأخيرة اقل بـ21 في المائة عما كانت عليه العام السابق 2007 ـ 2008. وكانت نسبة التراجع في عدد المنازل الجديدة المباعة قد وصلت إلى 6 في المائة، كما أشارت أرقام الحكومة والمصارف وارتفعت العام التالي أي عام 2007 إلى 12.8 في المائة تقريبا، وازداد التراجع في العام التالي أي عام 2008، ليصل إلى 13.1 في المائة، وعلى هذا الأساس يكون عدد المنازل التي تم تصريفها وبيعها بين يونيو 2008 ويونيو 2009، 4.9 مليون منزل.

أما على صعيد المنازل العائلية الجديدة، فإن نسبة التراجع وصلت إلى 18.1 في المائة عام 2006، وارتفع هذا التراجع العام التالي (2007) إلى 26 في المائة، ثم 37 في المائة العام الماضي، ليصل عدد هذه المنازل المصرفة إلى 485 ألف منزل فقط لا غير في جميع الولايات المتحدة، حسب أرقام مكتب الإسكان والتطوير الحضري.

والأسوأ من هذا أن عدد الأذون الجديدة الممنوحة لبناء منازل جديدة، من قبل الحكومة، قد تراجع بنسبة عالية جدا العام الماضي، ووصلت نسبة هذا التراجع إلى أكثر من 41 في المائة، ويأتي ذلك على خلفية التراجع العام السابق (2007)، التي وصلت إلى 29 في المائة. ولم تتعد نسبة هذا التراجع أكثر من 16في المائة عام 2006.

أما عمليات الإغلاق والمصادرة فيبدو أنها بدأت تتراجع أيضا هذا العام، إذ أشارت الأرقام الأخيرة إلى تراجع عدد هذه المصادرات، بنسبة 11 في المائة حاليا عما كان عليه في الربع الثاني من هذا العام. وعلى صعيد القروض العقارية، أكدت الأرقام الأخيرة أن سوق القروض لم يتغير فعليا، ولم يتأثر كما يبدو بمعدل الفائدة العام والمنخفض جدا، الذي وصل إلى 0.13 في المائة في نهاية العام الماضي. ولا تزال البنوك تتخوف من اتخاذ أي مخاطر جديدة بعد سنوات من التدخل الحكومي والانهيارات، سواء أكان ذلك على الصعيد الاقتصادي العام أم على صعيد القطاع المالي وقطاع العقارات الهام. ويعتقد الكثير من المقرضين أن أسعار العقارات ستواصل تراجعها هذا العام والعام المقبل، ومعدل البطالة سيرتفع كما سبق وذكرنا، مما يرفع معه عدد المصادرات.

وقد تراجع عدد القروض الممنوحة في الربع الأول من هذا العام بنسبة 0.5 في المائة، عما كان عليه في نفس الفترة من العام السابق. وكان هذا السوق، أي سوق القروض العقارية، قد شهد طفرة لا مثيل لها منذ بداية عام 2000، وكانت هذه الطفرة جزءا من المشكلة الحالية، وما عرف آنذاك بمشكلة القروض العالية المخاطر. ففيما كان يشكل هذا السوق ما نسبته 65 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أصبح عام 2007 يشكل 106 في المائة من هذا الناتج.

كما عرفت الفترة بين عامي 2003 و2004 معدلات منخفضة وتاريخية للفائدة العامة، حيث وصلت أحيانا إلى 1 في المائة فقط. ومع هذا فقد كانت معدلات الفائدة على القروض العقارية قد وصلت إلى 16 في المائة في الثمانينات، لكنها لم تتعد الـ10 في المائة في التسعينات. وهذا ما رفع من عدد القروض العالية المخاطر. كما ارتفعت الأسعار منذ نهاية التسعينات حتى نهاية عام 2006 أو ما يعرف بسنوات الطفرة ـ بنسبة 200 في المائة، خصوصا في الولايات والمدن الهامة في كاليفورنيا وميامي وغيرها.

وعلى صعيد قطاع الإيجار، تشير مؤسسة غلوبال إلى أن النمو خلال العقد الماضي كان بطيئا وضعيفا، نسبة إلى النمو الحاصل على أسعار العقارات. ومع هذا تشير الأرقام إلى أن نسبة الارتفاع على أسعار الإيجار وعوائدها وصلت إلى 48 في المائة بين عامي 1997 و2007 . وارتفع عدد العقارات الشاغرة في هذا القطاع بنسبة 10.6 في المائة في الربع الأول من هذا العام. وكانت هذه النسبة قد وصلت إلى 9.7 في المائة بين عامي 2005 و2007. ويبدو أن ساوث كارولاينا هي أسوأ المناطق على هذا الصعيد، حيث تصل نسبة العقارات الشاغرة إلى 20 في المائة تقريبا، يليها اريزونا بنسبة لا تقل عن 18.9 في المائة.

مهما يكن فإن الأسواق العقارية الأميركية بدأت تشهد بعض التطورات الإيجابية حاليا، ومن شأن هذه التطورات أن تساهم في تعزيز الثقة في الأسواق، وبالتالي في عدد المستثمرين وعدد القروض العقارية الممنوحة. إلا أن هذه الأسواق كما سبق وذكرنا لا تزال تعاني الأمرين من نتائج الطفرة الخطيرة بين عامي 2000 و2006. ولا يزال الكثير من الأرقام سواء كانت خاصة بالمصادرات أم المبيعات أم عدد المنازل المبنية حديثا تقع في الخانات السلبية فيما يتعلق بمعدلات النمو السنوي. وفي إلقاء نظرة بسيطة على التدخلات الحكومية الجدية منذ مجيء اوباما إلى البيت الأبيض، سواء كان على صعيد إنقاذ المؤسسات المالية أم على صعيد مساعدة أصحاب العقارات بإعادة ترتيب عقودهم القديمة، ومعدلات الفائدة المنخفضة، وأسعار صرف الدولار أمام العملات الأجنبية، فإن عملية التصحيح على الأسعار ستستغرق وقتا أطول مما هو مأمول له، وستكون حدة التعافي اقل من حدة التراجع التي أهلكت الأسواق العقارية في الولايات المتحدة والعالم اجمع بعدها.