السوق العقارية في لبنان تراهن على تجدد اهتمام الخليجيين

إلى جانب العودة القوية للمغتربين

جانب من العاصمة اللبنانية بيروت («الشرق الأوسط»)
TT

شهد فصل الصيف هذا العام موجات متتالية من اللبنانيين المغتربين، وغصت الفنادق بقسم كبير منهم، حتى أن مكاتب تأجير السيارات لم تستطع تلبية كل الطلبات المستجدة. وكان من الطبيعي أن يكون لهذا الوضع تأثير كبير على القطاع العقاري في لبنان، الذي يتحول الى الاعتماد على شريحة المغتربين بصورة أساسية، وبعض الشرائح المقيمة بصورة عامة، من دون أن ينقطع الخليجيون والعرب عن السوق العقارية اللبنانية، وإن تراجعت طلباتهم في ما انقضى من العام الحالي، وبعض عام 2008.

ويمكن القول إن شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) شكلا فرصة ذهبية لمسوقي العقارات من أجل الاستفادة من الهجمة الاغترابية المميزة على الوطن الأم، ما شكل برهاناً اضافياً على ارتباط السوق العقارية في لبنان بالكتلة الاغترابية.

وبخلاف صيف عام 2008، الذي بدأ نشطاً بدأ صيف 2009 باسترخاء، يستدل على ذلك من تراجع عمليات البيع، على سبيل المثال، في يونيو (حزيران) بنسبة 10.6% مسجلة ثاني انخفاض شهري منذ مطلع السنة بعد انخفاض شهر أبريل (نيسان) بنسبة 19.6%، وبذلك تكون نسبة انخفاض المبيعات في النصف الاول بكامله من العام قد بلغت 3.3%. ويتزامن هذا الانخفاض مع الارتفاع الكبير في مساحات البناء المرخص لها في نقابتي مهندسي بيروت وطرابلس، الذي بلغت نسبته 92.3% في يونيو (حزيران). وخلال النصف الاول من العام بلغت المساحات المرخص لها 6.3 مليون متر مربع، في مقابل 5.1 مليون متر مربع في الفترة المماثلة من العام الماضي، أي بزيادة 22.5%.

وتشير بعض الاحصاءات الأولية إلى أن ما بين 40 و50% من الوحدات السكنية الجديدة بيعت من اللبنانيين المغتربين، الذين آثروا أن يتملكوا، ولو «مرقد عنزة» لهم من جديد في الوطن الأم، خصوصاً نتيجة الصدمات التي تعرضوا لها، سواء في دول الخليج أو في الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ويذهب أحد الخبراء العقاريين إلى توصيف بعض أحياء العاصمة بأنها «غيتوات اغترابية»، ولا سيما العاملون منذ القدم في الخليج، وأميركا وأفريقيا الذين يتمتعون بمحافظ مالية كبيرة تجعلهم يبحثون عن الشقق التي تتجاوز أسعارها المليون دولار.

غير أن الأزمة المالية العالمية، وارتداداتها في المنطقة أثرت سلباً في جزء من الجيل الاغترابي الجديد، وساهمت في تعويض الطلب لشرائح المقيمين من النخب ورجال الاعمال، فيما الشرائح الاخرى «تمد رجليها على قد بساطها» كما يقول المثل اللبناني. ويعتبر الخبير أن الطلب المحلي بات يشكل بين 50 و60% من مبيعات الوحدات السكنية الجديدة. وتتبدل شهية الطالبين تبعاً للأزمات السياسية والأمنية في البلاد.

وإذا كانت الثروات المحلية الكبرى تتجه نحو الشقق الفخمة في وسط بيروت والأحياء الراقية في «رأس بيروت» و«شارع سرسق»، و«فرن الحايك»، فإن القسم الأكبر من الطلب المحلي يتجه نحو الشقق التي تتراوح مساحاتها بين 200 و250 متراً مربعاً، من دون أن ننسى الاشارة إلى أن السوق العقارية في حالة استرخاء منذ أكثر من 12 شهراً.

ومن الملاحظ أن ارتفاع الإقبال على الوحدات السكنية من قبل المغتربين والمقيمين، قابله ارتفاع في عدد المستثمرين من الشرائح نفسها، ويكفي أن نشير هنا إلى مشروع «سما بيروت» الذي سيمثل أعلى برج في العاصمة اللبنانية (50 طبقة فوق الأرض و6 تحت الأرض) الذي سينفذه مغترب لبناني بالتعاون مع مصممين ومهندسين لبنانيين، ومشروع «بيت مسك» الضخم في جبل لبنان، الذي يتولاه «البنك اللبناني – الكندي» وتنفذه مجموعة «إعمار الإماراتية»، ومشروع «باين بارك»، المجمع السكني الفخم في بلدة رومية المطلة على العاصمة، الذي يتولاه صاحب مؤسسة «كونتوار الأمانة» العقارية وديع كنعان بالتعاون مع «بنك الاعتماد اللبناني»، وسواها من المشاريع التي تقام بأيد لبنانية من الألف إلى الياء.

لكن هذه الظاهرة لم تسقط الاستثمار الخليجي في السوق العقارية اللبنانية، كما لم تسقط الطلب الخليجي في هذه السوق، بل أدت الظروف المستجدة عالمياً وإقليمياً إلى الحد من اندفاعته، بدليل زيادة المبيعات للخليجيين بنسبة 9.6% فقط في نهاية يونيو (حزيران) في مقابل زيادة 18.5% في الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب دراسة قام بها «بنك عودة» اللبناني استناداً إلى أرقام الدوائر العقارية الرسمية. واللافت أن هذا الطلب انحصر في نحو 5% فقط من المشاريع الجاري تنفيذها في بيروت، ولا سيما تلك القائمة على الواجهة البحرية من «الرملة البيضاء» حتى «عين المريسة» وبعض المشاريع داخل العاصمة كـ«الاشرفية» و«رأس بيروت».

وإذا كان الطلب الخليجي تأثر بفعل المستجدات، فإن الاستثمار الخليجي عاود حركته النشطة، بحيث احتل المستثمرون الخليجيون بحسب نشرة «كولدويل بانكر» المتخصصة، المرتبة الأولى في الاستثمار العقاري في لبنان، وجاء الكويتيون في المقدمة، تلاهم الإماراتيون، ثم السعوديون والقطريون والعمانيون، وأشارت الدراسة إلى أن الاستثمار الخليجي يتجه نحو المشاريع السكنية بقدر ما يتجه نحو المشاريع التجارية والسياحية. ولا يقصر حركته على العاصمة، بل يتجه أحياناً صوب الجبال، ولا سيما المطلة على البحر.