المطورون العقاريون في بيروت يقلصون المساحات ويحافظون على الأسعار

«سوليدير» والواجهة البحرية شذتا عن القاعدة

تدل بعض الدراسات على أن نحو 55% من الأبنية الجاري تشييدها في العاصمة تطرح شققا ذات مساحات تتراوح بين 100 و275 مترا مربعا («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كانت أسعار العقارات في لبنان لم تتأثر بارتدادات الأزمة المالية العالمية وما أصاب المحيط من شظاياها، فإن بناء تلك الأسعار على ارتفاعها الذي سجلته في عام 2008 والبالغ نحو 40%، بحسب نقابة مهندسي بيروت، أسفر عن تغير في المشهد العقاري بحيث انحسرت الشقق السكنية ذات المساحات الكبيرة لمصلحة الشقق ذات المساحات الآخذة في التقلص، من دون أن يعني ذلك غياب الفخامة عن الشقق الجديدة، ولا سيما في منطقة بيروت وبعض ضواحيها.

وتشير الوقائع إلى أن الطلب على هذا النوع الجديد من الشقق آخذ في الازدياد، حتى ليكاد يشمل المشاريع الفخمة التي كشف النقاب عنها في الأسابيع القليلة الماضية، بدءا من مشروع «سما بيروت» الذي يُعتبر أعلى برج في بيروت، ومشروع «بيت مسك» في منطقة المتن (في قلب جبل لبنان) و«أبراج فينوس» التي ستقام في منطقة «سوليدير» في وسط بيروت التجاري. ومشروع البناءين الجديدين في الأشرفية اللذين يتولاهما المستثمر اللبناني المغترب في البرازيل ديفيد عتر. وإذا كان المطورون لهذه المشاريع لبنانيين، مقيمين ومغتربين، فإنهم اختاروا مساحات الشقق التي تتلاءم مع قدرة اللبنانيين، في الداخل والخارج.

وبصرف النظر عن بعض العقارات الفخمة والضخمة في وسط بيروت، فإن المساحات الآخذة في الصغر تراوح بين 200 و275 مترا مربعا مع ثلاث غرف نوم وغرفة خادمة. وأيا كان الحي الذي «تنبت» فيه البنايات الجديدة، فإن الطلب يتركز حاليا على حجم الشقة، وهو الذي يعطى الأولوية في الاختيار والأسرع في إنجاز عملية البيع.

وإذا كانت مساحات الشقق المشار إليها تتطلب موازنة بين 300 ألف و400 ألف دولار منذ عدة سنوات، فإنها تحتاج من الآن فصاعدا إلى موازنة تتراوح بين 600 ألف و700 ألف دولار. ونتيجة لذلك بدأ المطورون يتكيفون مع التغير الحاصل، فيما يسعى المهندسون المعماريون إلى الاستفادة إلى أقصى حد من الفسحات، وتقليص المساحات «الميتة».

وتدل بعض الدراسات على أن نحو 55% من الأبنية الجاري تشييدها في العاصمة تطرح شققا ذات مساحات تتراوح بين 100 و275 مترا مربعا، وهناك عدد محدود منها ذهب إلى اعتماد الاستوديوهات على غرار ما هو معمول به في الدول ذات الكلفة العقارية العالية، وأكثر من يلجأ إلى هذا النوع من الشقق أو «الميني شقق» هم الموظفون العُزّاب، أو أبناء العائلات الميسورة أو المطلّقون، في حين يلجأ بعض المطلّقين مع أولادهم، أو بعض الأزواج الذين يُرزقون بنين إلى الشقق ذات المساحات التي تتراوح بين 100 و150 مترا مربعا. ويبدو أن هذا الأمر لا يخلو من الصعوبة بالنسبة إلى المهندسين المعماريين، علما بأن قياس الأمتار في لبنان يتضمن سماكة الجدران والفسحات المشتركة، وأحواض الزهور، وغرفة الخادمة مع حمام لكل غرفة نوم، والصالونات الواسعة التي تفرضها التقاليد العقارية اللبنانية. وتختلف أسعار هذا النوع من الشقق بين الأحياء الراقية والأحياء الشعبية، ففي الأولى يتوجب دفع نحو 500 ألف دولار ثمن الشقة الواحدة كما في الأشرفية ورأس بيروت، وفي الفئة الثانية يتراوح سعر الشقة بين 200 ألف و250 ألف دولار.

ويحاول بعض المطورين العقاريين اللجوء إلى اعتماد ما يسمونه «المساحات الطلابية» في الشقق الجديدة والمعدة للتأجير، كما هو حاصل في منطقة الحمراء (غربي العاصمة) ومنطقة الجميزة (شرقيها)، ولا تتجاوز مساحة الشقة الطلابية 75 مترا مربعا، وينافس المغترب الطالب على هذا النوع من «الميني شقق»، خصوصا إذا كان ينوي البقاء في لبنان فترة محدودة ريثما يستطيع شراء المسكن الذي يحلم به.

وعلى الرغم من التوجه المتزايد نحو الشقق الأصغر حجما، فإن الشقق ذات المساحات الكبيرة لا تزال تجد من يطلبها وإن بوتيرة أقل من السابق، ويكاد هذا النوع من الشقق الذي تتراوح مساحاته بين 550 و700 متر مربع ينحصر في منطقة «سوليدير» وواجهة بيروت البحرية.