تزايد الاهتمام الأجنبي بالعقارات اليابانية

رغم الركود وتراجع الأسعار

أحد الشوارع في العاصمة اليابانية طوكيو («الشرق الأوسط»)
TT

من المؤكد أن اليابان من الأسواق العقارية الدولية المهمة، إذ إن وزن هذه الأسواق العقارية انعكاس للوزن الاقتصادي الياباني على الساحة الدولية، ومنذ سنوات طويلة وبالتحديد منذ الستينات. فإضافة إلى كونها من أهم الدول الصناعية، فهي أيضا مركز تجاري ومالي مهم في العالم، والقارة الآسيوية نفسها وقد شهدت نموا اقتصاديا لا يقل معدله عن 4 في المائة سنويا منذ الثمانينات.

مهما يكن فقد تأثرت اليابان أيضا بما يحصل حول العالم وبالركود الاقتصادي والأزمة المالية الدولية، وبالتالي أسواقها العقارية المختلفة. إذ أفلس أكثر من 360 شركة عقارية حتى الآن، وتراجع عدد المبيعات العقارية وعاد إلى سابق معدله قبل خمس سنوات. وقد أشارت الأرقام الأخيرة للهيئة اليابانية للعقارات إلى أن أسعار الأراضي في المدن الكبرى تراجعت العام الماضي بنسبة ستة في المائة بعد ارتفاع بنسبة 8.4 في المائة عام (2007)، وبنسبة 4 في المائة عام 2006. لكن مؤشر أسعار الأراضي الوطني يؤكد تراجعا ملحوظا على أسعار الأراضي منذ التسعينات. كما تراجعت أيضا أسعار العقارات في العاصمة طوكيو بنسبة لا تقل عن 4 في المائة في نهاية العام الماضي، نسبة إلى ما كانت عليه نهاية العام 2007. وعلى الرغم من أن التوقعات لا تزال متشائمة بشأن أوضاع الأسواق العقارية وتطوراتها خلال السنوات المقبلة، بسبب الركود وأزمة الائتمان الدولية التي قضت على الكثير من المشاريع، إلا أن الاهتمام الأجنبي لا يزال على أشده، خصوصا انه لا توجد شروط تعجيزية لتملك الأجانب في البلاد.

وذكرت مجلة اليابان على شبكة الانترنت في احد تقاريرها الأخيرة ـ وهي من أهم المجلات الإنجليزية التي تتابع أخبار اليابان الداخلية ـ أن التراجع على الأسعار في أسواق طوكيو جذب الكثير من الأجانب على عكس المستثمرين المحليين الخائفين من تطورات أزمة الائتمان وتبعاتها. وقد أحجم الكثير من المواطنين عن بيع منازلهم وعقاراتهم، وفضلوا التريث بعد ضربة أزمة الائتمان منتصف عام 2007، وجاءت ذلك بعد طفرة صغيرة على الأسعار حركت الأسواق لأكثر من سنة ونصف السنة، خصوصا في وسط العاصمة.

ويبدو أن عملية التصحيح التي تحصل تدريجيا على الأسعار، حركت الأسواق أيضا منذ يونيو (حزيران) هذا العام، وعاد الاهتمام بأسواق وسط طوكيو إلى سابق عهده، رغم عدم الاستقرار بشكل عام في الأسواق حتى الآن.

ويعتقد بعض الخبراء في هذا الإطار، أن الوقت مناسب جدا للاستثمار في الأسواق ودخولها، حيث توجد الكثير من العقارات المختلفة المعروضة للبيع، وهناك مجال كبير للمقايضة والمفاصلة والمفاوضة للحصول على الأسعار المرغوبة والمطلوبة والمناسبة. الاستثناء الوحيد في هذا المضمار هو العقارات الجديدة والفاخرة، التي لا يزال يصر أصحابها على أسعار عالية نسبيا، ومخالفة في اتجاهها توجهات السوق الحالية وتراجعاتها. ولا يزال، كما تشير اليابان اون لاين، الاهتمام ينصب من قبل الأجانب على العقارات المحلية المستقلة الكبيرة أو الحديثة التي تمنح الخصوصية، وتقدم خدمات حديثة نسبيا في وسط طوكيو. ولا شك أن هذا النوع من العقارات السكنية في المناطق الغالية الثمن كوسط العاصمة تحافظ على أسعارها عادة، ولا تتأثر كثيرا بالأزمات، وأحيانا أخرى تسجل نموا متواصلا ولو كان بطيئا. فبعض المستثمرين العقاريين يعتبرون العاصمة ووسطها ارخص من المدن الدولية الكبرى كنيويورك ولندن وغيرها. ويعزز هذا الاهتمام الأجنبي ازدياد عدد الأجانب المقيمين في اليابان، نسبة إلى السنوات السابقة ولفترات أطول أيضا. كما أن الاختلاط والتزاوج بين اليابانيين والأجانب داخل البلاد رفع من عدد هؤلاء المقيمين وارتباطاتهم الدولية، وبالتالي اهتمامهم بالعقارات ولبعض أنواعها، خصوصا التجارية والسكنية كما سبق وأشرنا.

أضف إلى ذلك أن الاستثمار العقاري في اليابان خلال السنوات الست الماضية أصبح أسهل على الأجانب مع ارتفاع عدد المؤسسات، التي تخدم هذا القطاع وتتحدث اللغة اليابانية ولغاته الأخرى، كالإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها، لكن بشكل خاص الإنجليزية مثل مؤسسة «متسوي ريل بلان». وارتفع أيضا خلال تلك الفترة عدد البنوك الأجنبية التي تمنح القروض العقارية للأجانب. ومع تطور عمل القطاع العقاري، أسوة بالأسواق الدولية الحديثة في أوروبا وأميركا، بدأت المؤسسات والوكالات العقارية تقدم خدمات تسهيلية للمشتري والبائع على حد سواء، وتوفير الكثير من الجهد على الزبائن وتقليص الفترة الزمنية، التي تستغرقها أي صفقة عقارية ومن أي نوع.

وقد ارتفع مؤخرا عدد العقارات الخاصة بقطاع الإيجار وعدد الاستوديوهات وشتى أنواع العقارات الخاصة بقطاع الإيجار؛ لتلبية متطلبات الموظفين العاملين مع الشركات الأجنبية أو بكلام آخر الأجانب. ويعتبر هذا القطاع من أكثر القطاعات نموا على الصعيد العقاري وأكثرها تحقيقا للأرباح السريعة. وتشير الأخبار الأخيرة أيضا إلى أن الكثير من المؤسسات أو المكاتب العقارية، التي تركت اليابان مؤخرا إلى سنغافورة وشنغهاي بدأت بالعودة إلى اليابان، بسبب تفضيلها للنظام التعليمي في البلاد والبيئة التجارية المتطورة .

ولطالما كانت مؤسسة «متسوي ريل بلان» منذ منتصف الثمانينات بالتحديد من المؤسسات العقارية المعروفة بخدماتها الممتازة والعالية الجودة، خصوصا الطبقات العليا من المجتمع أو النخبة. وقد قررت المؤسسة قبل فترة تقديم الخدمات نفسها على صعيد الإدارة والتمويل وعقد الصفقات وإيجاد العقار المناسب وشتى أنواع الخدمات الأخرى إلى الأجانب أو القطاع الأجنبي بين شرائح السكان المحليين الذين يتكلمون الإنجليزية.

ولهذا بالذات يتركز نشاط المؤسسة المهم في وسط العاصمة طوكيو، خصوصا في المناطق الممتازة والساخنة كميناتو ـ كو وشيبويا ـ كو ـ وشيودا ـ كو والمناطق المحيطة.

ويقول مدير المؤسسة ياسارو يوكوميزو بهذا الإطار، إن مؤسسته بدأت ترى المزيد من الزبائن الأجانب الباحثين عن شتى أنواع العقارات، وبشكل خاص العقارات المعروفة بالكوندومينيوم (أو العقارات ذات الملكية المشتركة) التي تتراوح أسعارها بين 1 و2 مليون دولار. وكان الاهتمام الخدماتي بالأجانب سابقا، وقبل ثماني سنوات يختصر على عقارات مديري الشركات وكبار المستثمرين.

وقد ارتفع عدد المهتمين الأجانب بالعقارات في طوكيو من عام 2006 إلى عام 2007، بنسبة لا تقل عن أربعين في المائة. ويؤكد يوكوميزو أيضا أن التغيير الذي طرأ على أسواق القروض العقارية في اليابان خلال السنوات القليلة الماضية، وتعدد البضائع والقروض العقارية المتوفرة وأنواعها في ظل ارتفاع الوجود المصرفي الأجنبي في البلاد ساعدا على تغير الحال مع الأجانب وأسوقهم العقارية، وفتح الباب على مصراعيه، وأصبح بالإمكان تقدم أي نوع من الخدمات للأجانب من التعقيدات والشروط السابقة .

يعتبر معظم زبائن ميتسوي حتى الآن من العائلات الدولية المهمة واليابانيين، الذين يقيمون في اليابان لفترة طويلة، ومعظمهم أيضا من الولايات المتحدة وأوروبا ومن المتحدثين بالإنجليزية.

ولهذا يتركز البحث كثيرا عن الكوندومينيوم الواسعة والشاسعة لأنها تنساب هذا النوع من العائلات الكبيرة، وتناسب مالكيها أيضا من تأجيرها بسهولة وبأسعار ممتازة وقت الحاجة.

وبدأت المؤسسة مؤخرا بتوسيع أعمالها ونشاطاتها العقارية والخدماتية في هذا القطاع ورعاية طويلة الأمد للزبائن، وشرعت في خدمات مجانية، خاصة باليابانيين في الخارج، خصوصا في استراليا والولايات المتحدة.

وكانت مؤسسة كوليارز العقارية الدولية المهمة، أكدت في احد تقاريرها عن الأسواق اليابانية أن النمو في أسعار الأراضي التجارية والسكنية والصناعية تباطأ بشكل كبير العام الماضي (2008)، ويتوقع أن يتباطأ أكثر هذا العام والعام المقبل على الأرجح. ويشير التقرير إلى أن قطاعي الإسكان والتجارة أو المحلات التجارية تعاني أكثر من قطاعات أخرى كقطاع المكاتب، خصوصا خارج العاصمة طوكيو. ويركز المستثمرون الأجانب كما يبدو على المكاتب الفاخرة والممتازة في وسط العاصمة، والعقارات السكنية المتوسطة الحجم التي يتراوح سعرها بين 5 و10 ملايين دولار بسبب عائداتها الربحية الكبيرة، التي تصل إلى 7 في المائة أحيانا.

وقد تراجع الطلب على المكاتب في الكثير من المناطق خارج العاصمة، خصوصا في ناغويا فوكوكا بسبب كثرة المتوفر منها في الأسواق.

وعلى عكس تقرير اليابان اون لاين تقول كوليارز، إن قطاع الكوندومينيوم يعاني بسبب أزمة الائتمان وشحة المتوفر في الأسواق من القروض العقارية وارتفاع أسعار البناء ومواده.

وفضلا عن ارتفاع حالات الإفلاس في شتى القطاعات العقارية أسوة بدول العالم والدول الكبرى، تتركز القروض الحالية على قلة من المستثمرين المختارين ونخبة من المشاريع المحددة، ومع ارتفاع أسعارها تبقى ارخص من الدول الأخرى. وتضيف كوليارز حول قطاع الأراضي الإسكانية أن أسعارها ارتفعت عام 2007 بنسبة لا تقل عن 1.3 في المائة في جميع أنحاء البلاد. أما المدن الرئيسية فقد حازت بالطبع نسبا أعلى، كطوكيو التي وصلت نسبة ارتفاع أسعار الأراضي السكنية فيها آنذاك إلى 5.5 في المائة، واوساكا بنسبة 2.7 في المائة، و2.8 في المائة في ناغويا. ويبدو أن أسعار الأراضي وصلت إلى ذروتها في منتصف عام 2007، ولهذا يبيع البعض حاليا أراضيه بأسعار ارخص بنسبة خمسين في المائة عما كانت عليه آنذاك بسبب الركود الاقتصادي. ويعاني الكثير من المستثمرين بسبب شحة القروض وجفافها، مما أدى إلى انسحاب الكثير منهم من الأسواق، وبيع الكثير منهم أملاكه لتخفيف حدة الخسائر وسداد بعض الديون.

ويقول بنك تيكوكو للمعلومات إن ثلث الشركات التي أفلست في النصف الأول من العام الماضي (2008)، ويصل عددها أكثر من 6 آلاف شركة، من الشركات العقارية، ووصلت الخسائر في بعض الحالات عشرات ومئات الملايين من الدولارات. وقد تراجع الطلب على الأراضي السكنية بشكل كبير في النصف الأول من العام الماضي. كما تراجع الاستثمار في بناء العقارات الجديدة بسبب التغيير في القوانين والتطورات الاقتصادية الدولية، ووصلت نسبة التراجع عليها حوالي 18 في المائة عام 2007، وحوالي 10 في المائة في النصف الأول من العام الماضي نسبة إلى ما كانت عليه العام السابق. وتقول مؤسسة كوليارز، إن الاستثمار عاد لينشط في منتصف عام 2007 حتى فبراير ( شباط) العام الحالي. وتضيف المؤسسة أن عدد وحدات الكوندومينيوم الجديدة تراجع سنة بعد سنة، ووصلت نسبة التراجع عام 2007 إلى 18 في المائة حسب الأرقام المتوفرة أخيرا. ووصل عدد المتوفر منها في الأسواق آنذاك، خصوصا في منطقة طوكيو الكبرى، التي تضم شيبا وسايتاما وكاناغوا إلى 61 ألف. ووصلت نسبة التراجع على أعدادها العام الماضي إلى حوالي 20 في المائة، ولم تسجل سوى منطقة كينكي، التي تضم نارا وكيوتو وهيوغو وشيغا واكاياما ارتفاعا على أعداد هذه الوحدات بنسبة 2.5 في المائة. بأية حال فإنه لا يتوقع أن يشهد الاقتصاد الياباني أي علامات التعافي الاقتصادي قبل نهاية العام الحالي، وعلى هذا الأساس لن يكون هناك أي تغيير جذري على حركة الأسواق قبل استعادة النمو والحد من معل البطالة واستعادة قطاع التصدير دوره الريادي على الساحة الدولية.