«نايت فرانك» اللندنية تؤكد عودة الانتعاش إلى قطاع العقار الفاخر

أول الغيث صفقتان من روسيا حجمهما 32 مليون جنيه إسترليني

بعض المناطق الهادئة في لندن ستعود إلى الانتعاش قبل غيرها («الشرق الأوسط»)
TT

أكد عدد من خبراء شركة نايت فرانك اللندنية للعقار الفاخر، أن هذا العام شهد بالتأكيد عودة بوادر الانتعاش إلى القطاع الفاخر بعد فترة اضطراب استمرت منذ منتصف العام الماضي. وكان تأكيد الانتعاش بعودة مستثمرين روسيين إلى أسواق لندن، أحدهما اشترى منزلا فاخرا في منطقة كنزينغتون في قلب العاصمة بمبلغ 12 مليون جنيه إسترليني، والآخر قصرا ريفيا في مقاطعة ساري بمبلغ 20 مليون جنيه إسترليني.

ويقول الخبير العقاري، ليام بيلي، من شركة نايت فرانك، إنه توقع أن تكون العودة إلى الأسواق بعد فترة الاضطراب من العرب، إلا أن الروس سبقوهم في دخول السوق ليضعوا بذلك حدا لمرحلة انهيار الأسعار التي طالت كل القطاعات بما في ذلك القطاع الفاخر، الذي تزيد الصفقات فيه عن مبلغ 10 ملايين إسترليني (16 مليون دولار).

وفي الولايات المتحدة يشير جوناثان ميللر من شركة ميللر صامويل العقارية، إلى أن الانتعاش لم يكن بهذا الوضوح في نيويورك، التي يسودها القلق ويتردد فيها المشترون حتى في قمة القطاع الفاخر خوفا من المزيد من التراجع، لكن في بريطانيا وأوروبا بوجه عام كانت أهم معالم الانتعاش عودة المشترين بأعداد أكبر من عدد العقارات الفاخرة المتاحة. وبسبب ندرة الامدادات العقارية في هذا القطاع ارتفعت الأسعار لكي تعبر عن ازدياد المنافسة. وتشير إحصاءات شركة نايت فرانك إلى أن نقطة القاع في قطاع العقار الفاخر كانت في شهر مارس (اذار) الماضي، وأن السوق اللندني زاد في قيمته منذ ذلك الحين بحوالي 6 في المائة.

ولأن سوق لندن يعتمد في نسبة كبيرة منه على المستثمرين الأجانب، فإن نسبتهم العددية في المبيعات الجديدة تعد من أهم المؤشرات على حالة سوق العاصمة البريطانية. وقبل الأزمة الأخيرة كانت نسبة المبيعات للأجانب في القطاع اللندني العقاري الذي يزيد في قيمته عن خمسة ملايين إسترليني تصل إلى حوالي 68 في المائة. ومع اشتداد أزمة الائتمان في العام الماضي تراجعت هذه النسبة إلى حوالي 40 في المائة، لكنها تخطت في الأشهر الثلاثة الأخيرة نسبة 50 في المائة في القطاع الفاخر بلندن.

وساهم في تشجيع المستثمرين الأجانب على العودة إلى لندن أن الأسعار انخفضت في الفترة الاخيرة عن ذروتها بنحو 25 في المائة، ولأن الجنيه الإسترليني فقد أيضا نسبة مماثلة من قيمته. ولاحظت شركة نايت فرانك، أن جنسيات المستثمرين الأجانب في لندن تتنوع عما كانت عليه في الماضي. وبدلا من اقتصار القطاع الفاخر على الروس والعرب دخلت السوق جنيسات أخرى من جنوب أفريقيا ونيجريا والهند وكازاخستان والأردن والإمارات وإيطاليا. وهناك بوادر على بداية وصول المستثمرين الصينيين أيضا إلى لندن، لكن ما زال الروس يقودون السوق بنسبة تصل إلى 12 في المائة من إجمالي مستثمري العقار في لندن.

ومع ذلك تحذر الشركة من الاستغراق في التفاؤل والعودة إلى عقلية الفقاعة العقارية السابقة. فالانتعاش الحالي له أسبابه الواضحة التي تبدو هشة في التقييم الاقتصادي العام. فالأسعار ترتفع في القطاع الفاخر بسبب ندرة المخزون العقاري بالمقارنة إلى الطلب وأيضا بسبب الانخفاض التاريخي في أسعار الفائدة التي لا تزيد في بريطانيا عن نصف في المائة، لكن هذا لا يعني عودة إلى معدلات النمو السابقة وهي حقيقة يعرفها المستثمرون والبنوك المقرضة أيضا.

لكن رغم التحذير والمخاوف، إلا أن الواضح أن سيكولوجية السوق تغيرت في القطاع الفاخر عما كانت عليه منذ عام واحد. فالسوق الآن يبدو أكثر استقرارا تتخذ فيه قرارات البيع والشراء على مهل وبعد تمعن. ولا يعتقد أي من المستثمرين أن الصفقات التي يعقدها اليوم سوف تعود عليه غدا بارباح طائلة، بل إن عليه الانتظار بعض الوقت حتى يمكنه البيع بربح يغطي تكاليفه.

ويختلف هذا الأمر جذريا عما كان عليه الوضع منذ عام واحد، خصوصا عندما انهار بنك ليمان بروزرز الأميركي لكي يؤشر لانتقال أزمة الائتمان من قطاع الإسكان الشعبي «صب برايم»، إلى القطاع الفاخر الذي يسمى «سوبر برايم».

وكانت تطورات الأزمة العقارية العالمية التي انطلقت من الولايات المتحدة قد بدأت منذ عام 2006 بصعوبات في تحصيل القروض الرديئة المتراكمة وانهيار قيمة الصكوك المالية لدى البنوك، وهي صكوك اعتمدت في تقييمها على قروض عقارية رديئة، لكن نقطة التحول جاءت بانهيار بنك ليمان في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2008 وهو الحدث الذي كشف عجز الحكومات عن التحكم في الأزمة المالية. وأدى هذا الحدث غير العادي إلى سلسلة انهيارات في انحاء عديدة من العالم شملت مدن القطاع الفاخر من سنغافورة إلى دبي، لكن التأثير الأكبر كان ملحوظا من لندن التي تعقد فيها الصفقات الفاخرة ويتم تمويلها حتى في مواقع خارج بريطانيا.

وفي الأسابيع التي تلت سقوط بنك ليمان لاحظت شركة نايت فرانك من مكاتبها في حي نايتسبرديج اللندني أن الصفقات الفاخرة بدأت تتراجع بشكل درامي مع الغاء للصفقات وانسحاب العملاء من تعاقدات التزموا بها شفويا. ولم يكن الأمر يتعلق بتغيير المستثمرين لرأيهم وإنما اسقط في يدهم بسبب رفض البنوك الاقراض العقاري وجفاف منابع الائتمان مع انهيار قيم العقار. وبعد ثلاثة أشهر من انهيار بنك ليمان كان سوق لندن العقاري في القطاع الذي يفوق خمسة ملايين إسترليني قد تراجع بنسبة 20 في المائة. كما تجمد تماما سوق بيع القصور الريفية البريطانية. ولم تعرض في السوق حينذاك إلا العقارات المباعة قسرا وبتخفيضات كبيرة زادت في بعض الأحيان عن 25 في المائة.

ولم تكن هذه التحولات مفاجئة، بل إنها تطورت عبرة فترة تزيد عن العامين، لكنها بدأت من قطاعات السوق الشعبية والمتوسطة ولم تصل إلى قمة القطاع العقاري الذي استمر لفترة منتعشا بفضل الاقبال على «نقاط ساخنة» مثل مدن الأعمال مثل نيويورك ولندن وهونغ كونغ بالاضافة إلى المنتجعات الأوروبية والأميركية لمواقع التزلج على الجليد أو العطلات في مواقع مشمسة. وظلت الجزر الكاريبية وبعض المواقع الآسيوية محافظة على قيمتها في القطاع الفاخر معتمدة فيما بينها على تجمعات الأثرياء من مستثمري العقار في العالم.

لكن مع صيف 2008 شمل التراجع كل هذه المواقع بتجمد في الأسعار ثم تراجع سريعاً فيها. واستغل البعض الفرصة للتفاوض على تخفيضات كبيرة في الأسعار والضغط على البائعين المضطرين للبيع، لكن حتى في هذه المرحلة المتأخرة من الأزمة العقارية كان السوق نشيطا بعقد الصفقات المتتالية، لكنها كانت الموجة الأخيرة من النشاط قبل أن يصل الشلل إلى كل قطاعات السوق.

فمع وصول الخريف الماضي دخل القطاع الفاخر في لندن مرحلة السقوط. ومع سقوط بنك ليمان والعديد من الأنباء المفجعة من البورصات والبنوك وشركات التأمين، خرج من السوق العقاري معظم المستثمرين بما في ذلك المستثمرون الروس الذين كانوا ينشطون في كل أحوال السوق في الماضي. وتجمد نشاط الاستثمار الأجنبي من الشرق الأوسط وأنحاء أوروبا، كما تراجعت أسعار القطاع الفاخر في جنوب فرنسا ونيويورك أيضا.

وأكدت إيلينا نورتون، خبيرة العقار بشركة نايت فرانك، أن الأزمة المالية في العام الماضي تكفلت بإخراج معظم المستثمرين الروس من السوق، لأن بعضهم واجه أزمات سيولة مالية، بينما أشرف البعض الآخر منهم على الافلاس. ولم يوجد بالسوق إلا كبار الأثرياء الذين استغلوا الفرصة لزيادة محفظتهم العقارية في أوروبا. واستمر تراجع الأسعار ليس فقط في أوروبا وإنما في أنحاء العالم الأخرى. وبلغت نسبة التراجع 30 في المائة في روسيا وأكثر منها في دبي، مع صعوبات في البيع حتى بالأسعار المنخفضة لانعدام السيولة الائتمانية.

وعمت صعوبات المستثمرين الأجانب في العالم على جميع الجنسيات من عرب وهنود وآسيويين. وتجمدت معظم الأسواق حتى جزر البحر الكاريبي التي ظلت صامدة في قيمتها حتى نهاية العام الماضي. وكان التراجع كبيرا في المواقع التي عانت من تهالك البنية التحتية أو صعوبة الطيران المباشر إليها، لكن حتى الأسواق الجيدة شهدت تراجعا بنسبة تراوحت بين 15 و20 في المائة.

مناطق ساخنة

* ثلاث مناطق ساخنة يتوقع لها الخبراء صعودا خلال 2010، هذه المناطق في لندن ونيويورك وجنوب إسبانيا بدأ فيها النشاط بالفعل، لكن خبراء العقار في لندن يتوقعون لها نموا أعلى من مستويات السوق خلال العام المقبل. وهي ليست مناطق ارستقراطية من الطراز الأول، بل أن بعضها قد يعاني من سمات القطاع المتوسط، لكنها تحقق نموا سريعا قد ينتقل بها إلى قطاعات أعلى قريبا. وهذه المناطق هي:

أولا: منطقة كنغز كروس (لندن): تم تطوير الأراضي التي كانت مملوكة للسكك الحديدية شمال منطقة كنغز كروس، كما جرى تطوير محطة سان بانكراس كإحدى أهم المحطات الرئيسية في لندن. وتتيح المنطقة فرص تطوير عقاري هائلة بعد الاستثمار في البنية التحتية، كما تنتشر جاذبية المنطقة إلى أحياء أخرى قريبة إلى الجنوب منها. وتعتقد شركات العقار اللندنية أنها في غضون عشر سنوات سوف تكون من أهم مناطق لندن العقارية.

ثانيا: حي «أبر إيست سايد» (نيويورك): وهي ضاحية راقية في نيويورك وعانت مثل غيرها من مناطق مانهاتن من الانهيار العقاري الذي بلغ ذروته هذا العام بتراجع في الأسعار وصل في نسبته إلى 25 في المائة بالمقارنة مع أسعار الفقاعة في عام 2007. ويثبت هذا الحي نظرية قديمة أنه في الأوقات الصعبة يهرب مستثمرو العقار نحو القيمة. وحتى في أصعب الأوقات استمر الطلب على العقار في هذه المنطقة بخلاف المناطق حديثة التصميم. ولا تحتاج المنطقة لمشروعات تجميل أو تطوير لأنها مكتملة البنية التحتية وتقدم أسلوب حياة فاخراً لمن يريد العيش فيها.

ثالثا: منطقة كوستا برافا (جنوب إسبانيا): على الرغم من وجود العديد من المشاكل الهيكلية التي تعوق سوق العقار الإسباني، ومنها صعوبات التمويل وسوء تخطيط المشروعات وفساد بعض البلديات الذي أدى إلى إصدار تراخيص بناء مزورة، إلا أن إسبانيا ما زالت تستقبل كماً كبيراً من الاستثمار العقاري، وانعكس هذا على محافظة بعض المناطق على قيمتها. وتعد منطقة كوستا برافا من المناطق الارستقراطية التقليدية التي تجذب سنوياً السياح من أثرياء إسبانيا ومستثمري العالم. وترى شركة نايت فرانك أن المنطقة تقدم الكثير من المزايا التي من شأنها أن تنعكس على القيمة في المستقبل المنظور. من أهم المدن في المنطقة برشلونة وجيرونا، كما أنها قريبة من الحدود الفرنسية ومحمية البيرينيز الطبيعية بين البلدين. وتقول الشركة إن الريف الإسباني المتاخم للساحل ووجود أحد المطاعم العالمية في المنطقة (وهو مطعم اسمه «البوللي» (El Bulli) بالقرب من جيرونا، يضيف أيضا من جاذبية المنطقة للاستثمار الأجنبي.