تزايد اهتمام المستثمرين الشرق أوسطيين بأسواق العقار الإيطالية «المتماسكة»

الأسعار تستعيد عافيتها في كثير من المناطق الأوروبية

TT

تشهد الأسواق العقارية العالمية والاوروبية بشكل خاص تطورات عديدة ومختلفة من ناحية التقلبات ووتيرتها على الاسعار وارتفاعاتها وتراجعاتها. وكل ذلك الاختلاف يأتي من حجم تأثير الركود الاقتصادي العالمي والأزمات المالية الاخيرة حول العالم على كل من هذه الدول او الاسواق. فبريطانيا التي تمر بأسوأ ركود اقتصادي منذ سنوات طويلة جدا تشهد ارتفاعا غير متوقع في الاسعار خلال هذا العام، على الأقل ثلاث مرات، ويتوقع ان تبدأ الاسعار بالتراجع في ايطاليا التي كانت من اكثر الاسواق قوة وصمودا امام عاصفة الركود حيث ارتفعت في النصف الاول من هذا العام بنسبة 3 في المائة (2 % من الاخذ بعين الاعتبار معدل التضخم)، فيما كانت الاسعار تتراجع في الكثير من الدول الكبرى والدول الصناعية حسب الارقام الاخيرة التي نشرها بنك ايطاليا (بوي).

أما في سلوفاكيا على الجهة الاخرى من الاسواق العالمية الكبرى فتشير التقارير الاخيرة ان الاسعار تراجعت بنسبة لا تقل عن 13.5 في المائة في الربع الثاني من هذا العام نسبة الى ما كانت عليه في الربع الثاني من العام الماضي (2008).

ويأتي هذا التراجع بعد سلسلة من التراجعات الكبيرة والمفاجئة على الاسعار اثر الصمت الذي دب في الاسواق بداية العام الماضي نتيجة ازمة الائتمان الدولية التي سببتها مشكلة القروض العقارية العالية المخاطر في الولايات المتحدة عام 2007. وأشارت التقارير العقارية الدولية من ناحية اخرى ايضا إلى أن الأسعار في لوكسمبورغ بدأت بالاستقرار بعد عامين من التراجعات بسبب ازمة الائتمان والأزمات المالية الأخيرة. وتقول «غلوبال برابرتي» في هذا الإطار ان الاسعار في لوكسمبورغ استقرت في الربع الاول من هذا العام وارتفعت في الربع الثاني بنسبة 0.3 في المائة، وهي نسبة، على قلتها، مهمة جدا بعد التراجعات الاخيرة ودليل على استعادة الاسواق بعضا من نشاطها المعتاد. على الصعيد الإيطالي، تشير الأرقام الأخيرة التي نشرها بنك ايطاليا و«هيئة الإحصاءات الوطنية» و«غلوبال برابرتي» وغيرها من المؤسسات المرجعية المعروفة في عالم العقار، إلى أن الأسعار وصلت إلى ذروتها في عام 2002 حيث ارتفعت بنسبة لا تقل عن 12 في المائة، تبعها فترة من الارتفاعات المتواضعة والطبيعية بين عامي 2003 و2006 بنسبة 6.5 في المائة، وبنسبة 5 في المائة تقريبا بين عامي 2007 و2008 على عكس الكثير من الاسواق الاوروبية الهامة التي تضررت مبكرا من ازمة الائتمان الدولية.

ويبدو كما تشير «غلوبال» إلى أن قوة السوق العقاري تكمن في ضعفه، حيث لا يزال يتمتع بسوق عقاري متخلف نسبيا او قديم إذا صح التعبير، ولا يصل حجم سوق القروض العقارية في البلاد اكثر من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، رغم انها من الدول الصناعية. ويصل معدل حجم سوق القروض من الناتج المحلي الإجمالي في اوروبا 50 في المائة. أي أن ايطاليا اقل من النصف وهي نسبة قليلة جدا على بلد باهمية ايطاليا الصناعية والسياحية والسياسية.

ولهذا لم تشهد اسواق العقار الإيطالية الخراب نفسه الذي شهدته اسواق اسبانيا وبريطانيا وايرلندا مثلا نتيجة ازمة الائتمان، وصمدت لان شروط القروض وقلتها لم يسمحا بحصول ذلك. ومع هذا فالاخبار ليست جيدة جدا على جميع المستويات، إذ تشير الارقام والتوقعات ايضا بأن هذا الوضع لن يدوم طويلا وسيتغير، بناء على التطورات الاقتصادية في البلاد. ويتوقع في هذا الإطار ان ينكمش الاقتصاد الإيطالي أو بشكل أدق الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة لا تقل عن 5 في المائة، بعد ان انكمش العام الماضي بنسبة 1 في المائة. أضف إلى ذلك بالطبع تراجع العائدات السياحية وتراجع حجم التصدير الى الخارج، والاهم من ذلك ما سينتج عن ذلك من ارتفاع في معدل البطالة يصل إلى 11 في المائة قبل نهاية عام 2011. وكان هذا المعدل قد وصل العام الماضي ومع الركود الاقتصادي العالمي إلى 7 في المائة تقريبا. ولهذا توقعت مؤسسة «نوميسما» العقارية الهامة في ايطالية ان تتراجع اسعار العقارات في ايطاليا بنسبة لا تقل عن 6 في المائة في النصف الثاني من العام الحالي. ولان أسواق القروض العقارية صغيرة لم تتأثر بتخفيض معدلات الفائدة التي قامت بها الحكومة والمؤسسات المالية لتحفيز الأسواق، وتراجع حجم الصفقات العقارية العام الماضي بنسبة 15 في المائة وستكون هذا النسبة بين 7 و10 في المائة لاحقا قبل ان تستقر نهاية عام 2010.

ومع هذا يؤكد مؤشر «غلوبال» أن سعر المتر المربع في ايطاليا لا يزال في المرتبة الثامنة اوروبيا بعد موناكو وبريطانيا وروسيا وفرنسا وسويسرا واليونان وفنلندا. ويصل معدل سعر المتر المربع حتى الآن 5.5 ألف دولار، أما في موناكو مثلا فيصل سعر المتر المربع الى 35 الف دولار وبريطانيا 14 الف دولار. أما على الصعيد الاستثماري فقد أكد تقرير أخير لمؤسسة «كوليارز انترناشونال»، أن ايطاليا الدولة الرابعة اوروبيا من حيث عدد الصناديق العقارية الاستثمارية بعد ألمانيا وهولندا وبريطانيا. وبلغ حجم هذه الصناديق قبل عامين أي عام 2007 الى اكثر من 27 مليار يورو. وقد ارتفع عدد هذه الصناديق ايضا بين عامي 2001 و2007 ستة وعشرين مرة أي من 7 صناديق الى 186 صندوقا، وارتفع هذا العدد العام الماضي ليصل الى اكثر من 220 صندوقا ما يعني ان نسبة النمو منذ عام 2001 إلى عام 2007 قد وصلت الى 18 في المائة وهي نسبة نمو ممتازة في اسواق العقار الاوروبية. وتقول «كوليارز» بهذا الشأن ان سوق الاستثمار العقاري في ايطاليا محلي في مجمله مع بعض المستثمرين الاجانب والصناديق رغم ان هناك الكثير من النشاط الاجنبي المتزايد يوما بعد يوم منذ عام 2000. ويبدو ان التواجد الاجنبي يختلف من قطاع الى آخر في ايطاليا.

ويفضل المستثمرون الالمان ومعظمهم من صناديق التقاعد والبنوك مثلا عدة انواع من العقارات ويستهدفون العديد من القطاعات، أما المستثمرون البريطانيون فهم أكثر اهتماما بالعقارات الرخيصة والتجارية وخصوصا في المراكز التجارية. وتركز الصناديق الاستثمارية الاميركية على قطاع المخازن وتطوير الفرص واللوجستيك. اما الروس فلا يبدون اهتماما إلا لقطاعات الترفيه مثل الفنادق والعقارات السكنية الفاخرة، وقد تزايد عدد المهتمين من المستثمرين القادمين من الشرق الاوسط باسواق العقار العامين الماضيين وخصوصا من المؤسسات المالية والمشاريع المشتركة بين المؤسسات العقارية الكبرى. وتبقى كل من العاصمة روما ومدينة ميلان اهم المناطق العقارية في البلاد من الناحية الاستثمارية، وبشكل أدق من ناحية الاسعار وعدد الصفقات وحجم الطلب. وفي سلوفيكيا تقول المعلومات الاخيرة ان اسعار العقار تراجعت بنسبة لا تقل عن 13.5 في المائة في الربع الثاني من هذا العام نسبة الى ما كانت عليه في الربع الثاني من العام الماضي (2008). وهذا كما سبق وذكرنا يأتي على خلفية الركود الاقتصادي العالمي. ويقول تقرير مشترك لبنك سلوفيكيا والهيئة الوطنية لوكالات العقار، إن الأخذ بعين الاعتبار نسبة التضخم الاقتصادي يعني ان نسبة التراجع الحقيقية هي 15 في المائة على الأقل. ويبدو أن منطقة بتراسلافا التي تضم العاصمة التي تحمل اسمها كانت اكثر المناطق تأثرا بالتراجعات الكبيرة والحادة على الاسعار منذ اكثر من سنة ونصف السنة، حيث وصلت نسبة التراجع الى اكثر من 14.2 في المائة (أي 16.2 في المائة إذا اخذنا بعين الاعتبار نسبة التضخم) خلال الربع الثاني من هذا العام. اما التراجع في بقية المناطق فتراوح حسب غلوبال بين 3.2 و23 في المائة، وكان قطاع الشقق الصغيرة من القطاعات التي شهدت تراجعا على جميع الصعد العقارية، أي من ناحية الاسعار وعدد الشقق الجديدة وغيرها. ووصلت نسبة التراجع على اسعار هذه الشقق الى 17 في المائة تقريبا في الربع الثاني من العام الحالي ووصل معدل سعر المتر المربع الى 1.3 الف دولار.

لكن اكثر القطاعات تأثرا بالفعل كان قطاع الشقق المؤلفة من غرفة الى ثلاث غرف نوم حيث تراوحت نسبة التراجع على الاسعار بين 13 و19 في المائة. ولا بد من الذكر هنا ان اسعار هذا النوع من الشقق قد ارتفع بين عامي 2005 و2008 بنسبة 70 في المائة وهي نسبة عالية جدا سببت طفرة عقارية كبيرة في البلاد لم تشهدها من قبل. وارتفع سعر المتر المربع منذ ذلك الوقت من 600 دولار إلى أكثر من ألف دولار حاليا. الاستثناء الوحيد كان على صعيد الشقق الكبيرة التي تتعدى غرف النوم فيها الخمس غرف حيث ارتفعت اسعارها في نفس الفترة بنسبة لا تقل عن 5.5 في المائة.

أما الأرقام القادمة من لوكسمبورغ، فتشير إلى أن الأسعار قد استقرت في الربع الاول من هذا العام وارتفعت في الربع الثاني بنسبة 0.3 في المائة، وهو دليل على استعادة الأسواق بعضا من نشاطها الطبيعي، وتحاول نفض غبار الازمة الاخيرة عنها.

وتشير الارقام إلى أن أسعار الشقق ارتفع بنسبة لا تقل عن 0.7 في المائة في الربع الثاني من هذا العام نسبة الى ما كانت عليه في الربع الثاني من العام الماضي. وكانت أسعار الشقق قد تراجعت بنسبة لا تقل عن 3 في المائة بين عامي 2007 و2008. ومن العلامات الإيجابية في الاسواق ايضا كما تؤكد مؤسسة «هابتات»، أن عدد الصفقات العقارية قد ارتفع في الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 64 في المائة عما كانت عليه في الربع الثاني من العام الماضي. أما أسعار المنازل فقد ارتفعت هي ايضا وفي نفس الفترة بنسبة لا تقل عن 27 في المائة.

لكن كما هو الحال في الكثير من البلدان الأوروبية، يتوقع أن يتواصل الانكماش الاقتصادي في البلاد وان يصل الى 4 في المائة هذا العام حسب تأكيد هيئة الإحصاءات الوطنية. ولا يتوقع ان تخرج البلاد من غيبوبة الركود قبل نهاية عام 2010 ولا يزال هناك مجال كبير لتقلبات في الاسعار وان كان بنسب قليلة. لكن من شأن التحسن في الاسواق وارتفاع الاسعار في بعض القطاعات ايضا تنشيط الاقتصاد بشكل عام والحد من الركود.

بأي حال فإن اسواق العقار الاوروبية تتناغم كما يبدو من الارقام الاخيرة مع التطورات الاقتصادية باستثناء بريطانيا. ورغم انها تختلف كما ذكرنا في طبيعتها وامكاناتها ونقاط ضعفها ونقاط قوتها وقدرتها على الصمود ايام الركود، فإنها تؤثر على بعضها بعضا ومن شأن أي تعاف في أي من الاسواق ان ينعكس ايجابا على الاسواق المجاورة او الاسواق الاوروبية الأخرى.