أفضل مدن العالم توفر أوفر فرص الاستثمار العقاري

المستقبل يضمن النجاح لمدن الأعمال والتقنيات

المدن النموذجية في العالم تقدم لسكانها المناخ الأمثل للمعيشة والأعمال («الشرق الأوسط»)
TT

رجال الأعمال دائمو الترحال بين مدينة وأخرى عادة ما يسألون أنفسهم أو مرافقيهم إذا كانت المدينة التي يزورونها تصلح لمعيشتهم وعائلاتهم بالمقارنة إلى المدينة التي يقيمون فيها بالفعل. وتتراوح الإجابات بين «لا بالتأكيد» إلى «ربما لفترة قصيرة»، وأخيرا «إذا أتيحت الفرصة فلا مانع من الإقامة في مدينة رائعة كهذه». والأسباب التي تثير مثل هذه الإجابات كثيرة منها الموقع والطقس ومناخ الأعمال ومستوى المعيشة ونوعية المواصلات ونسبة التضخم واللغة السائدة ونوعية الحياة في هذه المدن. ومن مجمل إجابات قطاع الأعمال يمكن ترتيب جاذبية المدن المختلفة في العالم وتنسيقها في جدول أفضل مدن العالم، وهو ما يحدث بالفعل في عدة قوائم تنشر كل عام.

ويعتبر رجال الأعمال هم «ترمومتر» قياس درجة حيوية ونوعية المدن لأنهم يزورون العديد من المدن ويستطيعون المقارنة بينها. وتختلف نظرة رجال الأعمال إلى مدن العالم لأسباب متعددة ولكنهم يتفقون على معرفة المدن المفضلة التي تقدم لهم اكبر نسبة جاذبية فيما تقدمه لهم من تسهيلات وخدمات يبحثون عنها. وفي السنوات الأخيرة ارتفع رصيد المدن التي تقدم اتصالات وتقنيات راقية وتسهل مهام الأعمال وتوفر الوقت والجهد بتقليص الروتين وتجعل حياة مواطنيها سهلة ومريحة ومنتجة في الوقت نفسه.

وفيما يشعر العديد من رجال الأعمال أنهم لا يستطيعون العيش في مدينة أخرى غير تلك التي يعرفونها جيدا وربما ولدوا فيها وتمتعوا بالتواصل بين الأهل والأصدقاء، فهناك أيضا العديد الذين يأملون يوما في الحياة في مدن توفر لهم حياة أفضل من حيث فرص التعليم الجيد للأطفال وخدمات صحية متحضرة وفرص تسوق أرقى ومناخ أعمال أفضل.

وهناك أحيانا بعض الملامح العابرة التي تجذب العديد من الزائرين إلى مدن معينة مثل البعض الذي يفضل لندن مثلا عن مدن بريطانية أخرى مثل مانشستر لأنها توفر مناخا عالميا تتاح فيه نوافذ على كل الحضارات وأحياء عربية بالكامل مثل منطقة «بييزووتر» وشارع ادجوير. ويستطيع العربي المقيم في لندن أن يعيش وكأنه في مدينة عربية ولكن مع فارق انه يعيش بحرية مطلقة فيما يفعل ويرتدي ويقول، ومع ذلك يمكنه أن يقرأ صحيفته المفضلة يوميا بينما يتناول قدحه من الشاي أو القهوة وربما أيضا النرجيلة في شارع بريطاني تماما.

كما يفضل البعض مدينة مثل هامبورغ الألمانية بسبب مطارها الصغير عالي الكفاءة ونظامها الألماني وخدماتها المتميزة كأحد أفضل الموانئ الأوروبية على رغم مناخها البارد. وفي باريس يتكرر مشهد لندن على نطاق مختلف في الحي اللاتيني الذي تسوده روح عربية شرقية شمال افريقية ولكن بنكهة فرنسية خالصة.

أما الاقتراب أكثر من البيئة العربية فهو متاح في الأندلس حيث الحياة تماثل تماما ما يجري في مدن شمال أفريقيا مع فارق اللغة والحضارة الأندلسية المميزة. وفي الأندلس يمكن للمقيم أن يذهب الى مطعم لتناول وجبة قرب منتصف الليل، وهو شيء صعب في مدينة مثل لندن أو ميونيخ حيث تغلق معظم المحال فيهما قرب الحادية عشرة مساء.

وهناك العديد من التصنيفات السائدة في العالم لأفضل المدن من حيث نوعية الحياة فيها ولكنها تختلف فيما بينها حول عوامل القياس والأهمية النسبية لهذه العوامل في اختيار هذه المدن. وتعترف معظم المطبوعات التي تنشر مثل هذه اللوائح بصعوبة ترتيب هذه المدن بناء على عوامل متغيرة وليس على عامل واحد مثل أفضل المدن قياسا بنسبة التضخم مثلا او أفضلها تعليما أو اتصالات وهكذا. فتلجأ مطبوعة مثل «ايكونومست انتلجنس يونيت» الى ترتيب المدن بناء على مقياس إحصائي يشمل مستوى الأجور ونوعية المدارس وتكاليف الرعاية الصحية، بينما تتخصص مطبوعات أخرى مثل «مونوكول» في إضافة عوامل أخرى قد تكون غير ملموسة مثل التواصل داخل المدن وكيفية العلاقات الاجتماعية فيها ودرجة التسامح لأنماط مغايرة من المعيشة كي تعيش في سلام ووئام اجتماعي بين أبناء المدن وزائريها وحتى الأجانب المقيمين فيها. وتضيف المطبوعة أيضا نوعية الحياة الثقافية في المدن من مسارح ودور سينما وندوات وحفلات ثقافية واجتماعية.

ومع جمع كل هذه العوامل تأتي النتيجة أحيانا كمفاجأة. ففي عام 2007 كانت أفضل مدينة للمعيشة فيها وفق هذه المعايير هي مدينة ميونيخ الألمانية. وفي العام الماضي ظهرت مدينة كوبنهاغن في المركز الأول بدلا من ميونيخ بفضل تفوق المدينة الدانمركية في ابتكار وسائل الحفاظ على البيئة بالإضافة إلى مستويات المعيشة المتفوقة فيها وتنوعها الثقافي والعرقي وشبكة المترو عالية الكفاءة فيها.

وهذا العام أضيفت عوامل أخرى في مقياس اختيار أفضل المدن العالمية مثل سهولة بداية الأعمال الصغيرة فيها وسهولة التأقلم على الحياة فيها من الزائرين والسياح. ولم يركز الباحثون كثيرا على جوانب مثل نوعية المطاعم والتسوق لأنهم اكتشفوا أن كل المدن تقريبا فيها مقاه جيدة مثل «ستاربكس» ومطاعم متشابهة. كما تحول التركيز أيضا الى المدن التي تتيح حياة سهلة لسكانها بعيدا عن الضغط العصبي سواء كان من ازدحام المواصلات أو سوء التعامل والإحباط.

ومع كل هذه العوامل مجتمعة لم يتغير الترتيب المتفق عليه من عدة مصادر منها مطبوعات «ميرسر» و«الايكونومست» بالإضافة الى «مونوكول». ولكن المركز الأول انتزعته هذا العام مدينة زيوريخ السويسرية.

وكانت العوامل الحاسمة لصالح زيوريخ هي توسعها في شبكة مواصلات واتصالات متفوقة منها شبكة ترام ما زالت تتوسع ومحطات قطار دقيقة في مواعيدها ومنظومات متكاملة من وسائل الرياضة والترفيه لنوعية حياة صحية وخالية من المتاعب. وفي زيوريخ وحدها يوجد نحو 50 متحفا وعشرات المطاعم العالمية ونظافة فوق معتادة للبيئة مع شروط قاسية على عادم السيارات ومخلفات المنازل. وتوفر بلدية المدينة ثروة من المعلومات الثمينة عن كل شيء تقريبا بداية من كيفية استخدام وسائل المواصلات إلى إجراءات تكوين شركة صغيرة والحصول على مكاتب بإيجار مخفض. ويخدم مطار المدينة 170 وجهة عالمية كما يقبل على مشروع توسع وتحسين بقيمة 460 مليون فرنك سويسري.

وهبطت كوبنهاغن الى المركز الثاني على الرغم من أنها أيضا مدينة خضراء ونظيفة وعالية الكفاءة بمعدلات متدنية جدا من الجريمة، ولذلك لازدحام مطارها بعض الشيء ولأن وسط المدينة فقد بعض رونقه المعهود. وحافظت طوكيو على مركزها الثالث في الترتيب بعد تحسينات أجرتها على مطارها ومحطة القطارات الرئيسية فيها.

ولا توجد مدن عربية على اللائحة بعد، لكن هذا قد يفوق الطموح في الوقت الحاضر لأن العديد من المدن العالمية لم تصل إلى قمة اللائحة على رغم توافر العديد من الخدمات فيها. ففي منطقة جنوب شرقي آسيا التي يوجد فيها الكثير من المدن الناشئة لا توجد على اللائحة بجوار طوكيو سوى سنغافورة وعدة مدن يابانية أخرى. ولا توجد أي مدينة أميركية على اللائحة على الرغم من ارتفاع مستوى المعيشة في العديد منها. ومثلا مدينة مثل نيويورك التي تسمي نفسها «عاصمة العالم» لا يوجد لها اثر على اللائحة بسبب نظام مواصلاتها المتهالك وأزمة السكن وانعكاسات الأزمة المالية على أحياء كاملة ومنها حي المال «وول ستريت».

وكذلك لم تصل الى اللائحة أي مدينة افريقية أو لاتينية، وخرجت من نطاق الاختيار مدن مثل بوينيس ايريس وسنتياغو ومونتفيديو بسبب سقوطها في اختبار الخدمات الأساسية. وحتى مدينة لندن لم تصل إلى قمة أفضل 25 مدينة في العالم أيضا بسبب ازدحام الطرق وغلاء المواصلات وندرة المدارس الجيدة وأزمة ارتفاع أسعار العقار بالنسبة للأجور وأخيرا الطقس الغائم معظم فترات العام.

الجدير بالذكر أن هناك الكثير من العوامل التي لا تشملها هذه اللوائح لأفضل مدن العالم وهي عوامل غير ملموسة ويعرفها معظم المسافرين خصوصا من العرب.

والجدير بالذكر انه خارج نطاق لوائح أفضل المدن في العالم، تبذل العديد من المدن الطموحة جهدا في تحسين التخطيط الداخلي فيها وحل مشاكل المواصلات والازدحام وزيادة كفاءة الخدمات والعناية بالنواحي الثقافية، وجميعها عناصر مهمة في جذب العمالة الماهرة بالإضافة إلى الجذب السياحي أيضا. وتنظر بعض المدن الى نماذج خارج اللائحة مثل مدينة لاس فيغاس الأميركية التي بنت لنفسها صناعة سياحية هائلة ومتطورة من لا شيء تقريبا.

وتعتبر برشلونة الاسبانية وكيب تاون في جنوب أفريقيا من النماذج المتميزة التي تمزج بين الثقافة والطقس والسياحة لجذب خبراء التقنية للإقامة فيها. وتتفوق برشلونة تحديدا في خلق انتماء قوي لاسم المدينة عبر جذب ثلاثي للاستثمار والسياحة والمهارات التقنية. وهي مثال ينظر إليه مخططو المدن وخبراء تسويقها حول العالم.

ويمكن للمدن العربية التي تحاول تطوير سمعتها وصورتها العالمية أن تدرس ما وصلت إليه مدن العالم سواء داخل لائحة أفضل المدن او خارجها من اجل الارتقاء بمستويات المعيشة فيها وجذب المزيد من السياحة والاستثمار إليها. فالمدن الناجحة تتوسع حجما ونوعية وتصدر نجاحها إلى المدن القريبة منها.

وفي رأي المسافر العربي ان أفضل ما يمكن ان تقدمه المدن لزائريها قبل الخدمات والاتصالات الجيدة هو نوعية الضيافة ومدى بشاشة المقيمين فيها بالنسبة للغرباء من الزوار. وبهذا المقياس تسقط معظم الدول المصنفة على قمة اللائحة وتحل محلها أكثر من مدينة عربية تفتح أبوابها للجميع وتغدق عليهم بالترحاب والضيافة حتى ولو افتقرت إلى الخدمات. وهنا قد يقع اختيار العرب والأجانب عليها قبل غيرها على أساس ان «الجار قبل الدار».

مسابقة أفضل مدينة عربية.. متى؟

* على رغم تعدد المنظمات العربية المتخصصة في شؤون المدن وتنقل لقب مدينة الثقافة العربية بين عاصمة وأخرى إلا أننا لم نشهد بعد تقييما جديا لأفضل المدن العربية وفق معايير علمية محددة ومدروسة. وهو مشروع يمكن أن تتبناه الجامعة العربية أو منظمات غير حكومية على أساس عدد من المعايير الثابتة التي تخضع لها كل المدن بمقياس واحد. وتشمل هذه المعايير سلاسة المواصلات ونوعية الاتصالات والخدمات التعليمية والصحية ونوعية المساكن ومستوى المعيشة وسهولة انجاز الأعمال وإنهاء المعاملات الرسمية. ويمكن إضافة عوامل أخرى مثل النظافة والالتزام بالقوانين العامة والمناخ الاجتماعي العام بالإضافة إلى الخدمات السياحية وحسن الضيافة.

مثل هذا التصنيف يمكنه أن يحفز المدن العربية على تحسين صورتها وأن يقدم خدمة تسويقية جيدة للمدينة التي تحصل على اللقب سنويا. ومن الضروري أن يكون مثل هذا التصنيف بعيدا عن الاعتبارات السياسية وألا يقتصر على العواصم وأن تضطلع به لجنة خبراء نزيهة. وبمثل هذا المعيار هناك أكثر من مدينة تستحق هذا اللقب بالفعل.