تراجع حجم الاستثمارات العقارية في الدول الإسكندنافية منذ عامين

بقيمة 3 مليارات في فنلندا وحدها

TT

تتواصل التطورات الإيجابية في الكثير من أسواق العقار الدولية واستعادتها أنفاسها بعد سنتين من التراجعات والركود، وخصوصا الأسواق الأوروبية، على خلفية التحسن الاقتصادي النسبي في الكثير من الدول خصوصا شمال المعمورة. ومن الأسواق التي تشهد تحسنا ملحوظا أيضا هي الأسواق الاسكندنافية (الدنمارك ـ فنلندا ـ النرويج ـ السويد) التي عادة ما يتم تجاهلها على حساب الأسواق الكبرى حول العالم، رغم أن هذه الأسواق أصبحت جزءا لا يتجزأ من حركة الأسواق العقارية الأوروبية. ومع أنها تعرف باستقرارها بشكل عام أكثر من الدول الأخرى بسبب تشريعاتها، فإنها أيضا أصبحت أسواقا أكثر انفتاحا مع تطورات الاتحاد الأوروبي، وتستقطب الكثير من المستثمرين خلال العقد الماضي وخصوصا المناطق الهامة في المدن الكبرى والمنتجعات المعروفة. ويؤكد تقرير أخير لمؤسسة «كوليارز» الدولية يقيم الوضع العقاري في هذه الدول، أن الوضع الاقتصادي في الدنمارك قد تأثر كثيرا بأزمة الائتمان الدولية وما تبعها من ركود، وخصوصا قطاعي العقارات والتصدير اللذين تراجعا بشكل كبير منذ صيف العام الماضي، ولا يزال قطاع التصدير اقل بنسبة عشرين في المائة مما كان عليه بداية العام الماضي ( 2008). وكان معدل البطالة قد ارتفع من حوالي 2 في المائة إلى أربعة في المائة حتى يوليو (تموز) هذا العام. ورغم انه يتوقع أن يرتفع في المستقبل القريب فإنه يظل اقل من معدل البطالة الأوروبي العام. كما شهدت الدنمارك تراجعا على مستوى النمو العام الماضي والعام الحالي ولأول مرة منذ بداية التسعينات. كما تشير معظم التوقعات أيضا إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية واستقرارها العام المقبل (2010) وبدأ يظهر هذا في قطاعي التصدير وفي أسعار العقار، وفي المزاج الاستهلاكي العام في البلاد. وبشكل عام يشير تقرير «كوليارز» إلى أن العائدات العقارية وعدد العقارات الشاغرة ارتفع في الفترة الأخيرة بالإضافة إلى تحسن الوضع الاستثماري أيضا، بعد أكثر من سنة من تراجع عدد الصفقات العقارية الهامة- التي يتوقع أن ترتفع لاحقا.

وكانت أسعار العقارات وعدد الصفقات في الدنمارك قد ارتفعت خلال عامي 2006 و2007 بشكل لم يسبق له مثيل وخصوصا في القطاع السكني وفي العاصمة كوبنهاغن. وكان الارتفاع الهام قد بدأ عامي 1993 و2003 . لكن بعد أزمة الائتمان الدولية عام 2007 بدأت الأسعار بشكل عام تتراجع بعد تغير الوضع في أسواق العقار وأسواق القروض. وقد تراجعت الاستثمارات العقارية في البلاد بين منتصف العام الماضي وبداية العام الحالي، بسبب شحة القروض وصعوبة الحصول عليها للمشاريع الكبيرة والنوعية رغم تراجع معدلات الفائدة حتى الآن.

كما ارتفع خلال تلك الفترة أيضا عدد حالات الإفلاس في القطاع العقاري وغيره وبشكل كبير وتغيرت الأسواق وأصبحت لصالح المشترين وفيما اتسعت الفجوة في القيمة بين العقارات النوعية والعقارات العادية، فإن العائدات خلال تلك الفترة أيضا حافظت على نموها.

ويسجل القطاع الاستثماري العقاري حاليا وفي النصف الثاني من هذا العام حركة ملحوظة ودخول المزيد من المستثمرين الذين كانوا يترقبون الأسواق.

واهم الصفقات العقارية التي سجلت هذا العام هي صفقة شراء شركة «سي دبليو اوبل» لمبنى من المكاتب في بول راب بقيمة 30 مليون دولار. وتصل مساحة المكاتب حوالي احد عشر ألف متر مربع. تبلغ نسبة عائدات أو أرباح هذا النوع من المباني إلى 6 في المائة سنويا.

كما تمت صفقة أخرى شملت أكثر من عشرين عقارا سكنيا بقيمة 22 مليون دولار تقريبا. واشترى بنك ايسلندا الاستثماري «سترومار» مركزي التسوق «ماغازين» و«إلوم» لم يعرف حجمهما. ودخلت شركة اسكتلندية على الخط ـ شركة «ابردين برابارتي انفستمنت» أيضا واشترت ما مساحته 5 آلاف متر مربع من المكاتب في العاصمة كوبنهاغن وفي غينتوفتي. وتمت الصفقة عبر صناديق مختلفة، ويتوقع أن تكون عائدات هذه الخطوة بين 5.5 في المائة و6 في المائة وسنويا.

في السويد، لا يزال الوضع الاقتصادي متأثرا كثيرا بالركود رغم بعض التحسنات هنا وهناك وبعض البوادر، ويتوقع أن يكون الأداء الاقتصادي سيئا هذا العام على خلفية أداء العامين الماضيين والركود العالمي وتراجع حجم الصادرات. ويتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي أيضا بنسبة 5 في المائة. ومع هذا يتوقع للاقتصاد أن يبدأ نموها من جديد العام المقبل نتيجة للتدخل الحكومي القوي والتحفيزات الكثيرة في العديد من القطاعات وتحسن الوضع التصديري. وقد دفع الأداء الاقتصادي السيئ هذا العام بالرغم من ارتفاع أسعار العقارات في بعض المناطق وخصوصا العامة استوكهلم ـ البنك المركزي (ريكسبنك) إلى تخفيض معدلات الفائدة كما حصل في الكثير من دول العالم لمحاربة الركود. وفيما لا يتوقع أن يلجأ إلى المزيد من خطوات تخفيض معدل الفائدة العام، فإنه أيضا لا يتوقع أن ترتفع هذه الفائدة من جديد قبل منتصف العام المقبل (2010).

ويتوقع أيضا أن يتواصل تراجع معدلات التضخم العام المقبل على خلفية التراجع هذا العام، وان يبقى منخفضا خلال العامين المقبلين كما تؤكد المؤسسة الوطنية للأبحاث الاقتصادية ( ان أي أي آر).

ولان القطاعات الصناعية كانت أكثر القطاعات تأثرا بالركود الاقتصادي العالمي، فإن معدل البطالة قد ارتفع منذ العام وسيواصل ارتفاعه ليصل إلى أكثر من 11 في المائة من الآن حتى بداية عام 2011. وهناك عاطل عن العمل بين كل خمسة عمال في قطاع الصناعة حاليا. ومع هذا فإنه لا يزال الوضع الاستثماري على حاله حتى بداية النصف الثاني من هذا العام من نواحي النشاط والتدخل الجديد في الأسواق ومنها الأسواق العقارية أيضا. ولم تتعد قيمة الصفقات العقارية في النصف الأول من هذا العام أكثر من 1.6 مليار دولار. وحاز قطاع المكاتب رغم ضعف الأسواق عام، على 25 في المائة من حجم الاستثمارات في القطاعات العقارية في نفس الفترة. ووصلت قيمة هذه الاستثمارات إلى نصف مليار دولار.

أما حجم الاستثمارات الخارجية أو القادمة من الخارج ـ مؤسسات هامة - إلى أسواق العقار على اختلافها فقد وصل إلى حوالي ربع مليار دولار، أي حوالي 37 في المائة من حجم الاستثمارات في جميع قطاعات العقار.

وفيما يرتفع نشاط المؤسسات الدولية الاستثمارية في المناطق الهامة والعواصم والمدن الكبرى، يركز المستثمرون المحليون على العقارات المتوسطة القيمة والحجم وفي المدن الصغيرة. ويلعب عامل انقراض التمويلات والقروض وشحتها للمشاريع الجديدة، على بقاء معدل الاستثمارات العقارية منخفضا نسبيا إلى ما كان عليه في السنوات السابقة للركود أي قبل عام 2007. ولصعوبة الحصول على القروض لإتمام الصفقات في القطاعات المتوسطة القيمة يستهدف المستثمرون الكبار والأجانب العقارات الهامة التي تحافظ على بعض الاستقرار في القيمة نسبة إلى غيرها من الأسواق. واهم الصفقات العقارية التي شهدتها السويد هذا العام، كانت صفقة شراء شركة «كي ال بي» النرويجية لفندق «راديسون ساسا رويال فايكينغ» الذي يعتبر من أهم وأشهر فنادق وسط العاصمة استوكهولم من شركة «نورديسك رانتين» مايو (أيار) الماضي. كما استحوذت مؤسسة «ايه ام اف» السويدية على احد مباني المكاتب في العاصمة بمساحة لا تقل عن 26 ألف متر مربع من شركة ألمانية (غروندبيساتز غلوبال). كما اشترى صندوق «آي في جي» العقاري الألماني مبنى آخر للمكاتب بمساحة ضعف مساحة «ايه ام اف»، من شركة «سكانسكا» التطويرية بما لا يقل عن 60 مليون دولار. واشترت مؤسسة «ايه اف ايه « السويدية أيضا مبنى آخر للمكاتب بمساحة 5 آلاف متر مربع تقريبا من شركة «فابيجيه» بمبلغ 40 مليون دولار.

أما في النرويج فإن الوضع مختلف، حيث ارتفع معدل الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول من هذا العام، وبنسبة 0.3 في المائة وبعد تراجع غير معهود قبل ذلك وخصوصا في الربع الأول. وتصل نسبة التراجع إلى 2.2 في النصف الأول من العام الحالي على خلفية الركود وتراجع الصادرات والإنفاق الاستهلاكي. وعلى الصعيد الاستثماري، ورغم أن عدد الصفقات في القطاع التجاري العقاري قد وصل إلى ذروته عامي 2007 و2006 ( 9.9 مليار دولار)، فإنه قد تراجع وبشكل كبير العام الماضي (4 مليارات دولار) وفي النصف الأول من العام الحالي (1.7 مليار دولار). ومع أن التوقعات بان لا يكون أداء العام الحالي عقاريا أفضل مما كان عليه خلال العامين الماضيين فإنه يسجل نشاطا ملحوظا في الأسواق وهناك بوادر تعاف في الكثير من القطاعات وما يعيق هذا التعافي حتى الآن هو عدد منتجات القروض المتوفرة في الأسواق رغم معدلات الفائدة المنخفضة تاريخيا. وفي فنلندا، ورغم صمود قطاع التصدير العام الماضي أمام الأزمات المالية الدولية، فإنه وصل إلى مرحلة من السبات هذا العام. وقد انكمش الاقتصاد في النصف الأول من هذا العام بشكل ملحوظ وتراجع الطلب في الكثير من القطاعات. ويتوقع أن يرتفع معدل البطالة من 7.7 في المائة إلى 9 في المائة نهاية العام الحالي وربما 10 في المائة العام المقبل.

وعلى الصعيد الاستثماري العقاري فقد تراجعت قيمة الاستثمارات من 6 مليارات يورو ( 9 مليارات دولار) عامي 2006 و2007 إلى 4 مليارات يورو(6 مليارات دولار). وقد تراجع حجم الاستثمارات في جميع القطاعات العقارية في النصف الأول من هذا العام بنسبة 75 في المائة عما كان عليه العام الماضي. ولم تتعد قيمة الاستثمارات في النصف الأول من هذا العام 700 مليون يورو ( مليار دولار). وقد تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية أيضا في القطاعات العقارية، وتراجع الطلب بنسبة 40 في المائة عن نفس الفترة بسبب النقص في التمويل وصعوبة الحصول على هذا التمويل الضروري.

وفي قطاع المكاتب ارتفع حجم العائدات خلال العامين الماضيين على عكس الأجواء العقارية، كما قلت نسبة العقارات أو المكاتب الممتازة أو النوعية المتوفرة في الأسواق وخصوصا أسواق هلسنكي والمناطق المجاورة. وفيما تتراجع معدلات الإيجار في بعض المناطق، يصبح السوق يوما بعد يوم إلى صالح المشترين وخصوصا القادرين على تأمين التمويلات لصفقاتهم. بأي حال، فإن التطورات الاقتصادية بشكل عام في الدول الإسكندنافية تتراوح بين الركود ومحاولات التعافي وتشير معظم التوقعات إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية واستعادتها أنفاسها تدريجيا العام المقبل، وهذا بالطبع ينعكس على أسواق العقار في البلدان الأربعة التي بدأت بعضها تشهد نشاطا هاما لم تعرفه منذ سنتين وخصوصا في العواصم والمدن الكبرى.