جنوب أفريقيا تنتظر نهضة في القطاع العقاري قبل شهور من كأس العالم

أسعار مقبلة على ارتفاع وقيمة جيدة مع بعض المخاطر

عقارات جنوب أفريقيا توفر فرصا جيدة قبيل مسابقات كأس العالم (الشرق الأوسط)
TT

من المتوقع أن ترتفع الأسعار العقارية في جنوب أفريقيا خلال النصف الأول من العام المقبل استعدادا لانعقاد مسابقات كأس العالم لكرة القدم خلال الصيف. وقد سبق لمثل هذا الانتعاش الرياضي أن تحقق في ألمانيا ودول أخرى قبيل انعقاد المسابقات فيها، ولم يكن التراجع فيما بعد كبيرا، حيث تحافظ الأسواق بعد المسابقات على بعض ما تحقق من مكاسب خلال موسم الذروة.

في جنوب أفريقيا لم تظهر بعد بوادر الانتعاش العقاري لعدة أسباب أهمها أنها لم تخرج من مرحلة الأزمة الاقتصادية التي أصابت العديد من الأسواق الأخرى. كما أن تراجع السيولة بين المصارف المحلية وعدم وجود القدرة الشرائية العالية محليا إلا بين طبقة محدودة من المستثمرين، ساهم في تراجع الأسعار بنسبة بلغت نحو 10 في المائة في العام الأخير. وتعتبر بعض مكاتب العقار في جنوب أفريقيا أن مثل هذا التراجع يمثل فرصة ثمينة للشراء قبل فورة الأسعار موسميا مع اقتراب الصيف المقبل.

وهناك بوادر انتعاش في عدد من القطاعات العقارية في جنوب أفريقيا من بينها قطاع المساكن السياحية التي تتوجه للإيجار. فمعظم المشترين في هذا القطاع هم من الأجانب الذين استفادوا من تراجع الأسعار وأيضا من انخفاض أسعار الفائدة التي أتاحت لهم فرص تمويل غير مسبوقة. وتوفر القطاعات المنتعشة قيمة جيدة خصوصا في المناطق الساحلية مثل كيب تاون، وحول المدن التي سوف تجري فيها مباريات كأس العالم. ويقبل على قطاع العقار السياحي العديد من مواطني جنوب أفريقيا الذين يجدون فيها فرصا جيدة من اجل الاستثمار البديل للبورصة.

من المزايا الأخرى التي يقدمها سوق جنوب أفريقيا بقاء معدلات التضخم وأسعار الفائدة تحت السيطرة، كما أن أسعار العقار منخفضة بالمقاييس العالمية. ولكن يلاحظ أن قطاع العقار التجاري الذي ظل ينمو بلا هوادة لمدة عشر سنوات يبدو الآن منهكا وقد يكون مقبلا على تراجع خلال عام 2010 نظرا للتوسع الفائض عن الحاجة فيه. ومازال قطاع المكاتب ينتظر الكثير من التوسع حيث معدل المكاتب الشاغرة يقل عن خمسة في المائة حاليا، واقل من اثنين في المائة في مدينة كيب تاون. وتقدر مصادر العقار في جنوب أفريقيا أن ينمو قطاع المكاتب بنسبة 10 في المائة سنويا في المدن الرئيسية.

ولكن على رغم الفرصة المتاحة إلا أن سوق جنوب أفريقيا مازالت عالية المخاطر حيث الاقتصاد لم يخرج بعد من مرحلة الكساد، وترتفع فيها نسبة البطالة بين الشباب، كما تعاني من نسبة عالية من العنف أكثر من أسواق أخرى. وهناك أيضا بعض المشاكل المتعلقة بالبنية التحتية بسبب تراجع الاستثمار الهيكلي فيها، وهي تعاني من انقطاع في التيار الكهربائي أحيانا ومن التوتر العرقي. ولكن المشاكل لا تعم كل المدن والأحياء التي يتمتع بعضها بالهدوء والأمان وتشهد الأسعار فيها تقدما مضطردا. ويقول تقرير من البنك الدولي حول الأوضاع الاقتصادية في جنوب أفريقيا أن النشاط العقاري يعتمد الآن أكثر على الطبقة الوسطى الجديدة التي ضاعفت من دخلها خلال العشر سنوات الأخيرة. وتمثل شريحة الطبقة الوسطى من الأفريقيين قطاعا مهما في نمو السوق العقاري لان الأفريقيين يمثلون نحو 80 في المائة من التعداد ويعتبرون المحرك الرئيسي لنمو سوق العقار في المستقبل. وينمو الطلب على كل قطاعات السوق خصوصا قطاع المدخل مع نمو الطلب العالمي على المعادن والمصادر الطبيعية التي تصدرها جنوب أفريقيا. وتجري في السوق أيضا صفقات من الحجم الكبير، حيث أشار تقرير عقاري من مؤسسة «أفريكا انفست» إلى عقد صفقة بيع مول تسوق اسمه فيكتوريا لمجموعة استثمار لندنية بسعر 700 مليون دولار. كما استكملت شركة «يوروكيب» العقارية مشروع مجمعات في كيب تاون لبناء 180 شقة و4500 متر مربع من المساحات التجارية. وبعد نجاح المشروع أقبلت الشركة على بناء فندق «تاج» في قلب المدينة، وهو مشروع هندي لبناء فندق من فئة الخمس نجوم لصالح مجموعة تاتا.

وتشير مواقع عقارية على الانترنت إلى أن نظام توثيق الملكية العقارية في جنوب أفريقيا هو من أفضل الأنظمة في القارة وأكثرها دقة. ولا توجد قيود على الملكية الفردية أو المشتركة أو عبر الشركات والصناديق لغير المقيمين. ويتطلب شراء العقار وثيقة مكتوبة وموقعة من الطرفين، البائع والمشتري. وهي وثيقة لها الصفة القانونية ولا يمكن التراجع عنها بلا تبعات قانونية. ولذلك لابد من التمحيص الكامل لكافة الجوانب القانونية قبل التوقيع على مثل هذه الوثائق. والأفضل الاستعانة بالمشورة القانونية قبل التوقيع. ومن الشروط الأخرى أن غير المقيم لا يمكنه اقتراض أكثر من 50 في المائة من قيمة العقار بشرط أن يدبر تمويل النصف الآخر من موارده الخاصة. ويتم التسجيل الرسمي الذي يتبعه دفع الثمن للبائع سواء من المشتري أو مناصفة مع البنك المقرض الذي يكون شريكا في ملكية العقار حتى إتمام أقساط القرض. والجدير بالذكر أن أي أعباء مالية أو قروض متعثرة من المالك السابق تبقى مع المالك ولا تنتقل مع العقار إلى المشتري، كما هو الحال في دول أخرى. وتبلغ التكاليف والرسوم الأولية نسبة قد تصل إلى 10 في المائة من ثمن العقار.

ويتضمن التعاقد ثمن الشراء بلا اشتراط لدفع مقدم للثمن. ولا يوجد اشتراط لمسح هيكلي للعقار قبل الشراء بل يتم شراء العقار «على حاله». ولذلك فمن الأفضل الاستعانة بخبير مسح هيكلي للتأكد من سلامة العقار قبل الشروع في التعاقد. وتباع العقارات في العادة بكافة التركيبات الداخلية وبشهادة سلامة التوصيلات الكهربائية فيها.

ويمكن تحويل كافة الأموال التي دخلت إلى جنوب أفريقيا بغرض الاستثمار العقاري إلى الخارج مرة أخرى بالإضافة إلى الأرباح التي تتحقق من إعادة البيع، بشرط أن يكون التعاقد على أساس أن المشتري «غير مقيم». وتخصم الضرائب من عوائد الإيجار للمستثمرين غير المقيمين. كما يدفع المستثمر أيضا ضريبة قيمة مضافة على أرباحه عند البيع بنسبة 20 في المائة، وهي مطبقة منذ عام 2001. ولا تحسب ضرائب على الفترات السابقة للقانون.

ولابد من الاختيار الجيد لموقع الاستثمار في جنوب أفريقيا، حيث بعض المدن فيها تعاني من مشاكل مركبة قد يكون من الصعب على المستثمر الأجنبي التعامل معها. فمثلا تقدم مدينة يوهانسبرج صورة مصغرة عن أحوال السوق العقاري في بقية مدن جنوب أفريقيا. ففي وسط المدينة تنتشر البنايات المهجورة جنبا إلى جنب مع ناطحات السحاب. وتبدو آثار رخاء انتهى عصره بعد أن هجرت المدينة طبقات الأثرياء التي تعيش الآن في الضواحي في مدن مغلقة خلف حواجز وبوابات مكهربة.

ويصف سكان المدينة أن ما حدث ليوهانسبرج هو نتيجة 15 عاما من هروب الأقلية البيضاء الثرية منها إلى مناطق إقامة أخرى. وتحول وسط المدينة إلى منطقة فقيرة محرومة من الخدمات. ولكن على رغم مشاكل الجريمة والعنف في وسط يوهانسبرج، إلا أنها تمر بطيئا بمرحلة استعادة نشاطها. فالعديد من أفراد الطبقة المتوسطة وشركات تطوير العقار والقادمين الجدد إلى المدينة يشجعون فكرة إحياء وسط المدينة مرة أخرى. ويعتقد هؤلاء بأن توجهاتهم ناجحة لسببين:

أولاـ جمال وسط المدينة الواضح على رغم سنوات الشقاء التي مرت بها. فهناك شوارع رئيسية واسعة تسمى «بوليفارد» تحفها الأشجار وعقارات تاريخية مماثلة لطراز مدن البحر المتوسط ومبان تزينها النقوش المعمارية والقباب التي تعود إلى عصور تعدين الذهب. وهناك أيضا العديد من أبناء المدينة الأثرياء الذين يفضلون البقاء فيها على الذهاب إلى الضواحي والمعيشة المعزولة فيها.

ثانيا- تبدو المدينة حتى الآن مقسمة على الخطوط العنصرية بمناطق للبيض وأخرى للسود، وهي أيضا مناطق مقسومة من حيث الثروة، ومغلقة إلى حد ما وغير مفتوحة لغيرها. وتحاول المدينة الآن، بالمشروعات الجديدة، استعادة روح المساحات العامة للجميع التي تأتي بالمشروعات المشتركة والتجديد العمراني المفتوح لكل سكانها وزائريها.

ولكن السؤال الذي يسأله المستثمر في يوهانسبرج، وفي جنوب أفريقيا بوجه عام، هو: هل يتمتع الموقع بالأمان فعلا وهل توفر البنية التحتية مناخا مناسبا للاستثمار؟ وتعتمد الإجابة على هذا السؤال على الجهة التي تجيب عليه. فشركات العقار تجد الوضع ايجابيا، وتؤكد أن الأوضاع تحسنت كثيرا عما كانت عليه منذ بضع سنوات، وان التحسن مستمر في المدى المنظور. وقد بذلت المدينة جهدا ملحوظا في مكافحة الجريمة استعدادا لاستقبال مسابقات كأس العالم في الصيف المقبل. ولكن الجانب السلبي له مكان في المعادلة أيضا حيث المناخ العام مازال دون المتوقع بمقاييس المدن العصرية. فلا توجد مقاه ولا مطاعم ولا منافذ بيع حديثة تعمل في انفتاح وأمان طوال ساعات النهار حتى وقت متأخر، مثلما هو الحال في المدن الأوروبية مثلا. وتبدو المعادلة العقارية في جنوب أفريقيا هي أن العوائد تزيد بقدر ما تزيد المخاطر.

القرصنة البحرية تهدد عقارات شرق أفريقيا

* لم تتأثر أسواق شرق أفريقيا كثيرا بأزمة العقار الدولية لأنها لم تتطور أصلا بالاعتماد على الائتمان والقروض المصرفية، كما أنها تتميز بقطاعات ثرية من المستثمرين الذين يختارون الجزر الساحلية مثل السيشل أو مدغشقر أو المدن الساحلية مثل مومباسا في كينيا. ولكن المنطقة تأثرت سلبيا بوجه عام بنشاط القرصنة البحرية القريب على سواحل الصومال إلى درجة أن مؤشر أسعار هذا العقارات تراجع في الشهر الماضي وحده بنسبة 1.7 في المائة. وكان القطاع العقاري في شرق أفريقيا قد حقق نسب نمو باهرة في العام الماضي بلغت نحو 39 في المائة في الوقت الذي كانت تتراجع فيه بقية أسواق العالم الأخرى.

وبالإضافة إلى عدم تورط الأسواق الأفريقية في الائتمان، فإن نشاط الشراء في المنطقة زاد في العام الأخير كملجأ آمن لا يعرف عنه العديد من المستثمرين الكثير، وأيضا بسبب انتشار المعلومات حول المنطقة عن طريق الانترنت التي كانت مدخلا طبيعيا للعديد من صفقات البيع في المنطقة.

ولكن قطاع العقار تراجع في المنطقة هذا العام بسبب ارتفاع نشاط القرصنة البحرية في المحيط الهندي، ووصول القراصنة إلى مواقع ابعد عن سواحل الصومال تكاد تصل إلى حدود جزر السيشل وكينيا وتمتد لأكثر من 300 ميل داخل المحيط. وكان تأثر القطاع الفاخر أكثر من غيره لان الفئة التي تقبل على هذا القطاع تفضل الإبحار إلى عقاراتها على متن يخوتها الفاخرة من السواحل الأوروبية خصوصا في فصل الشتاء لقضاء عطلات شتوية في عقاراتهم الأفريقية الساحلية.

وتشير بعض تقارير منظمة السلامة البحرية في لندن أنها وجهت نصيحة لأصحاب هذه اليخوت بعدم السفر إلى المنطقة بحريا لانعدام الأمان فيها حتى مع وجود الأساطيل الغربية نظرا للمساحة البحرية الشاسعة وتنقل القراصنة في زوارق سريعة وجيدة التسلح بحيث يمكن الاستيلاء على اليخوت بسهولة مهما كان حجمها، لطلب الفدية.

وتأثر كذلك قطاع المستثمرين الأوروبيين بقصص الخطف التي كان آخرها خطف بحار بريطاني وزوجته من على يخت شراعي في المنطقة وطلب عدة ملايين من الفدية التي لا تستطيع الأسرة متوسطة الحال تدبيرها، كما رفضت الحكومة البريطانية التدخل لحل المشكلة.

وتنصح شركات الأمن البحري في لندن بتجنب المنطقة تماما أو اتخاذ احتياطات أمنية مثل الاستعانة بفرق امن مدربة ومسلحة وتلقي دورات في كيفية مواجهة القراصنة ومنعهم من الاقتراب من اليخوت والسفن.