الأثرياء الصينيون يشعلون أسعار العقارات الفاخرة في هونغ كونغ

أكثر من 9 آلاف دولار للقدم المربع الواحد

طفرة في مشتريات العقارات في هونغ كونغ بعد أن تراجعت الأسعار بنسبة 18 في المائة
TT

تتكاثر أخبار أسواق العقار في هونغ كونغ في الفترة الأخيرة، وعلى استعادة هذه الأسواق عافيتها منذ الربع الأول من هذا العام وكيف عاد قطاع العقارات الفاخرة إلى سابق عهده أيام الطفرات السابقة وأكثر. وقد أشار تقرير أخير في هذا الإطار، أن سعر القدم المربع في احد العقارات الفاخرة في الجزيرة (شقة في شارع كوندويت ستريت رقم 39 ) وصل إلى أكثر من تسعة آلاف دولار. وهذا سعر خيالي حتى في المناطق الساخنة حول العالم مثل وسط لندن ونيويورك وطوكيو وباريس وغيرها. وقد استعادت الأسعار عافيتها كما يبدو في معظم القطاعات، بعد سنة تقريبا من التراجعات التي جاءت بعد أزمة الائتمان الدولية وخصوصا منذ منتصف العام الماضي (2008). ويعود السبب في ذلك إلى التحفيزات المالية التي قامت بها الحكومة للتأكيد على توفر السيولة والحفاظ وتمتين القطاع المالي والمصرفي وتخفيض معدلات الفائدة. لكن السبب الرئيسي فعلا على خلفية هذه التحفيزات هو الهجوم الكاسح للأغنياء والمستثمرين الصينيين من المناطق الداخلية باتجاه عقارات الجزيرة المرغوبة والمحبوبة لموقعها الممتاز جغرافيا ولانفتاحها على الغرب وقوتها المالية. ويحاول هؤلاء الأغنياء وهم كثر منذ بداية العام تنويع استثماراتهم وإيجاد موقع قدم لهم ولأعمالهم ولعوائلهم في الجزيرة التي يسهل الوصول إليها من شتى المناطق الداخلية. وهم هذه الأيام يستهدفون قطاع العقار الفاخر الذي يعتبر استثمارا طويل الأمد، وتصويتا بالثقة على هونغ كونغ وتعزيزا لدورها في الدورة الاقتصادية في الصين. وبالطبع سيعود هذا أيضا بالفائدة على المناطق الداخلية وسكانها الذين ستتاح أمامهم فرص الاستثمار وتنويعه وتحسين أوضاعهم التعليمية والمنافسة على المسرح الدولي. ولا ننسى بالطبع أن أسعار العقارات في هونغ من أكثر أسعار العقارات تقلبا في العالم كما هو معروف، إذ إن الأراضي جدا نادرة وتخضع للسيطرة الحكومية – ولا تتعدى مساحة الجزيرة الألف ومائة كيلومتر مربع (أي عشر مساحة مقاطعة ويلز على الأرجح). والاهم من هذا أن الأسواق العقارية أيضا لصغر المكان تخضع لسيطرة عدد محدد من اللاعبين الكبار ، ويعتبر قطاع الإسكان الحكومي في الجزيرة من اكبر القطاعات الحكومية في العالم قاطبة. وقد أشار تقرير أخير لـ«غلوبال برابرتي» في إطار التطورات الأخيرة على أسعار العقارات في الجزيرة بعد عام 2008 السيئ ، أن هناك طفرة في المشتريات بعد أن تراجعت الأسعار بنسبة 18 في المائة بين يونيو (حزيران) وديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي. ويقول مكتب التقييم والترتيب الوطني في الجزيرة (آر في دي) إن مؤشرها يشير إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 20 في المائة منذ بداية العام الحالي. وارتفعت منذ الربع الأول لهذا العام أيضا في منطقتي كولون وهونغ كونغ ايلاند بنسبة لا تقل عن 8.5 في المائة في الربع الثاني من هذا العام.

وقد سبق واشرنا إلى أن تدفق المشترين من المناطق الداخلية هو احد الأسباب الرئيسية للهجوم على العقارات السكنية وخصوصا الفاخرة في الجزيرة بسبب القوانين التي تجعل من أي عملية لإخراج رؤوس الأموال من الصين عملية صعبة للغاية. كما أن الحكومة قامت بجملة من التحفيزات الممتازة في أكتوبر العام الماضي ساعدت على إبقاء ثقة الزبائن بالأسواق وتشجيع الاستهلاك وغيره من الخطوات التي من شأنها تنشيط الأسواق وتقويتها مثل القطاع المالي الحيوي.

ووصلت قيمة هذا التحفيزات التي ساعدت أسواق العقار على الصمود والبقاء أثناء الأزمة إلى حوالي 600 مليار دولار. ووصل معدل سعر المتر المربع في الجزيرة حوالي 15 ألف دولار خصوصا في القطاع الفاخر وهي أعلى نسبة في جميع أنحاء القارة الآسيوية ومن أعلى النسب في العالم بشكل عام . يأتي بعدها اليابان بـ 13 ألف دولار للمتر المربع ثم سنغافورة بـ11.3 ألف دولار وبعدها الهند بـ 9 آلاف دولار ثم تايوان وأخيرا ماليزيا واندونيسيا بـ 1200 دولار للمتر المربع الواحد.

وتقول «غلوبال» في تقريرها الأخير عن هونغ كونغ وخلفية الارتفاع الجديد على الأسعار، إن الأسعار في الجزيرة ارتفعت بنسبة لا تقل عن 71 في المائة من أكتوبر (تشرين الأول ) عام 1995 وأكتوبر عام 1997. لكن بعد الأزمة الآسيوية تراجعت الأسعار بشكل لم يسبق له مثيل خلال عام 1997-1998 وصلت نسبته إلى 40 في المائة تقريبا. ويبدو أن التدخل الحكومي هو الذي ساهم آنذاك بتراجع الأسعار في هذا الفترة والفترة اللاحقة في عام 2003 عندما تراجعت بنسبة اكبر وصلت إلى 61 في المائة. إذ إن الحكومة وعدت عام 1997 ببناء ما لا يقل عن ربع مليون وحدة سكنية جديدة قبل عام 2007. وكما سبق وذكرنا هذا احد العوامل التي تساهم في عدم استقرار سوق العقار في الجزيرة التاريخية والهامة على الصعد التجارية والجغرافية والمالية. لكن بعد تراجعات عام 2003 الحادة، عادت الأسعار إلى الارتفاع من جديد حتى عام 2005 وبنسبة محترمة وصلت إلى 63 في المائة. وبين 2005 و2006 شهدت الأسعار والأسواق ركودا ملحوظا تبعه ارتفاع على الأسعار حتى منتصف العام الماضي (2008) وبنسبة لا تقل عن 33 في المائة.

وبعد ذلك واثر حازمة الائتمان الدولية وشحة القروض وارتفاع معدلات الفائدة وعدد حالات الإفلاس، تراجعت الأسعار من جديد وبنسبة 18 في المائة منذ منتصف العام الماضي حتى بداية العام الحالي تقريبا. وحسب مؤسسة «بلومبيرغ» فإن نسبة الفائدة على القروض في معظم البنوك في الجزيرة هذه الأيام لا تتعدى 3.2 في المائة. وهو أمر مفيد لمعظم المستقرضين الذين يتمتعون بقروض متقلبة الفائدة والذين تصل نسبتهم بين جميع المستقرضين العقاريين في الجزيرة إلى تسعين في المائة. وتصل نسبة المستثمرين العقاريين القادمين من المناطق الصينية الداخلية إلى حوالي 40 في المائة من جملة المشترين الجديد منذ الربع الأول لهذا العام.

وقد ارتفع عدد الصفقات في أغسطس (آب) هذا العام بنسبة 10 في المائة عما كانت عليه في نفس الفترة العام الماضي. وكانت هذه النسبة العام الماضي في الخانة السلبية وبنسبة- 22 في المائة.

ومن جهة أخرى ، تتوقع مؤسسة «كوليارز» الدولية المعروفة في تقريرها الأخير، أن ترتفع الأسعار في الجزيرة بين 5 و10 في المائة على المدى القريب.

وتقول «كوليارز» في تقريرها الأخير أيضا إن معدلات الفائدة المنخفضة والتعافي الاقتصادي ساهما برفع أسعار العقارات الفاخرة في الجزيرة بنسبة 9.6 في المائة منذ أغسطس هذا العام ووصل معدل سعر القدم المربع في هذا القطاع إلى 14 ألف دولار هونغ كونغ (2 ألف دولار). وتتوقع المؤسسة أن ترتفع معدلات الإيجار في القطاع بنسبة 5 في المائة خلال سنة من الآن. هذا بالطبع يعتمد على إبقاء شهية المستثمرين الصينيين والأجانب على العقارات مفتوحة كما هو الحال هذه الأيام. ولهذا تتوقع «كوليارز» أيضا أن ترتفع أسعار العقارات الفاخرة بين 5 و10 في المائة خلال سنة أيضا من الآن، أي أنها ستواصل ارتفاعها مع خروج الجزيرة من الركود وبدء النشاط في الكثير من القطاعات الرئيسية.

ومن شأن الأخبار الإيجابية الأخيرة في الجزيرة على الصعد الاقتصادية والمالية والعقارية، لا بد من استعادة النشاط الاستثماري حيويته بعد سنة من الركود، لكن على الصعيد الداخلي من مختلف المناطق الصينية باتجاه الجزيرة أم من المناطق الخارجية أكانت آسيوية أم أوروبية أم أميركية أم شرق أوسطية.

ويبدو أن حجم الاستثمارات العقارية الجديدة منذ أغسطس هذا العام حتى الآن، ارتفع بنسبة 27 في المائة ووصل إلى 26 مليار دولار. وتشير تقارير مكاتب العقار في الجزيرة إلى ارتفاع اهتمام المستثمرين المحليين في شتى أنواع العقارات وهم في حالة تنافس مع المستثمرين الأجانب في بعض القطاعات.

وفي قطاع المكاتب تشير «كوليارز» إلى أن المستثمرين المحليين والأجانب لا يزالون يفضلون الاستثمارات في العقارات الممتازة وتحصيل اكبر نسبة من عائدات الإيجار. لكن عدد الصفقات في هذا القطاع تراجع في الربع الثالث من هذا العام بعد أن ارتفع قبل ذلك في النصف الأول من العام وبنسبة لا تقل عن 10 في المائة.

وعلى الصعيد العقاري الصناعي، تشير التقارير، انه رغم تحسن الطلب الخارجي على سلع ومنتجات الجزيرة أي قطاع التصدير في الفترة الأخيرة فإنه لا يزال أسوأ مما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي. وكما سبق وذكرنا فإن الجزيرة تضم أهم قطاع إسكاني حكومي في العالم ويصل عدد الذين يقطنون المنازل الحكومية إلى 3.43 مليون نسمة، أي ما نسبته 47 في المائة من السكان في البلاد. أما نسبة المستأجرين فتصل إلى 30 في المائة وخصوصا الشقق، وهناك ما لا يقل عن 18 في المائة من السكان يعيشون في شقق برعاية حكومية أو معونات حكومية إذ صح التعبير. وقد ارتفعت نسبة عدد المنازل أو العقارات الحكومية في نفس الفترة لتصل إلى 18 في المائة. أي ما لا يقل عن 19 ألف وحدة سكنية.

ومن أسباب ارتفاع الأسعار الأخيرة في الأسواق العقارية هو قلة المتوفر من العقارات في الأسواق لصغر رقعة المناطق السكنية والجزيرة نفسها كما ذكرنا، وقد أشارت الأرقام الأخيرة أن عدد الوحدات السكنية الجديدة واصل تراجعه العام الماضي ووصلت نسبة هذا التراجع الهام إلى 16 في المائة. ولم يتعد عدد العقارات المبنية حديثا ومنذ العام الماضي أكثر من عشرة آلاف وحدة.

وأشار تقرير صيني في بداية الشهر اثر التطورات الأخيرة إلى أن الحكومة الصينية والحكومة المحلية في الجزيرة تحاولان حصول فقاعة جدية في أسواق العقار كما كان يحصل في السنوات الماضية ولهذا زاد من عدد القروض المتوفرة للمشترين للعقارات، رغم انتقادات الكثير من الخبراء والعارفين بأحوال السوق الذين يعتبرون التدخل الحكومي المتواصل جزءا من مشكلة أسواق العقار وعدم حصول عملية تصحيح حقيقية على الأسعار منذ سنوات. فهي ترتفع وتتراجع بنسبة حادة وكبيرة وخلال فترات قصيرة. وتعتبر مؤسسة «ريكارد اليس» العقارية أن هذا وراء ارتفاع الأسعار في القطاع الفاخر منذ بداية العام بنسبة 40 في المائة. ومع هذا لا تزال الأسعار رغم هذا الارتفاع أدنى بنسبة 13 في المائة عما كانت عليه قبل أغسطس العام الماضي. بأي حال فإنها لا تزال نسبة ممتازة وتعبر عن التغيير الكبير الذي تتعرض له الجزيرة منذ بداية أزمة الائتمان الدولية.