الأردن: مبان ومراكز تجارية فارغة تنتظر تحريك السوق للبيع أو التأجير

الحكومة تشكل لجنة لدراسة الوضع وإيجاد حلول للخروج من الأزمة

TT

باتت إعلانات عروض البيع والتأجير التي تتدلى من أعالي المراكز والمجمعات التجارية الفارغة في مختلف مناطق العاصمة عمان، ملفتة للانتباه، تنتظر كسر حالة التباطؤ والترقب التي أدت إلى تراجع الإقبال على الاستثمار بها من الشركات والمستثمرين، بسبب الأزمة العالمية وتشدد البنوك في إعطاء تسهيلات للراغبين في شرائها أو تأجيرها. والمجمعات والمراكز التجارية التي اعتلتها لافتات البيع التي تمزقت وتغير لونها مع مرور الأيام والشهور في انتظار المشتري أو المستأجر، الذي بات إيجاده صعبا وما زال أصحابها ينتظرون، لعل هناك فرج قريب، إلا أن البعض منهم يرى أن هذه الحالة ستستمر لفترة أطول بسبب الترقب والتخوف من مستثمرين أجانب ومحليين. ووفق أرقام إحصائية لنقابة المهندسين، فإن الدائرة الفنية قامت خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي بتدقيق نحو 2500 عقد تجاري، بمساحة تقارب 1.7 مليون متر مربع من الأبنية التجارية التي تعادل 15 في المائة من المساحات الإجمالية التي تم تدقيقها.

ويؤكد مستثمرو هذه المجمعات أن حالة الركود وتراجع الطلب سببه تداعيات الأزمة التي أثرت على الكثير من الدول، وخاصة المستثمرين من الخارج وتشدد البنوك في منح التسهيلات البنكية والقروض إلى المستثمرين مشيرين أن بيع المجمعات بهذا الحجم لم تكن صعبة في الماضي كما هي الآن.

ويقول كمال الخطيب، وهو صاحب أحد المجمعات التجارية المعروضة للبيع منذ وقت طويل، الذي كان يود الاستثمار بها مع شريك من خارج الأردن منذ عدة أشهر، إن الوضع الاقتصادي الحالي وحالة الركود التي أصابت السوق الأردني والوضع المالي للشريك جعلنا نعيد النظر في استثمارها. ويضيف أن البيع كان في الماضي يتم من دون تعليق اللافتات والإعلانات، بل كان المشتري هو من يبحث عن البائع ويدخل الوسطاء من أجل امتلاك المجمعات الاستثمارية من هذا النوع. واليوم انعكس الحال فنحن من يبحث عن مستثمرين ومشترين لعماراتنا التجارية من دون جدوى أو جدية وتوقع أن يعاد الطلب على مثل تلك العمارات والمجمعات التجارية في المستقبل متفائلا بالاستفاقة والانتعاش التي سوف يشهدها الاقتصاد. أما خالد العدوان صاحب مجمع، وضع عليه معروض للبيع وبسعر مغر منذ أكثر من سنة وثلاثة أشهر، ولم يجد مشتريا خلال هذه الفترة التي عرض فيها المجمع التجاري الذي يملكه، رغم وجود المجمع في أكثر مناطق عمان ازدحاما، مشيرا إلى أن التسهيلات البنكية وتشددها وراء عدم إقبال المشترين والمستثمرين على شراء المجمعات التجارية، رغم المكان المتميز الذي توجد فيه وحالة الركود التي جعلت من المستثمرين يعيدون حساباتهم في الاستثمارات والتأني فيها إلى حين انتهاء تلك الحالة، الأمر الذي أبطأ من عملية الاستثمار في الأردن والإقبال على شراء المجمعات التجارية. ويرى الخبير الاقتصادي فهد الفانك، أن حاجة سكان العاصمة عمان، البالغة مليوني نسمة يعيشون في 400 ألف وحدة سكنية، ولمواجهة النمو الطبيعي تتراوح الحاجة إلى 18 ألف شقة سنويا أكثرها إن لم يكن كلها متوفرة وجاهزة حاليا.

ويضيف أنه في حالة كهذه من الصعوبة بمكان أن يحدث فائض خطير في الشقق السكنية في عمان لمدة طويلة، فالنمو السكاني السريع كفيل باستيعابها.

ويقول، إن الاعتقاد السائد بأن أسعار الشقق هبطت بنسبة 15 في المائة عن الأوج الذي كانت قد وصلت إليه في منتصف عام 2008، وقد حال عاملان دون الهبوط الشديد في الأسعار، أولهما النمو الطبيعي للسكان، والثاني استعداد البنوك لتمويل القروض السكنية بفوائد معقولة تتراوح حول 8.5 في المائة سنويا تحسب على الرصيد المتناقص.

ويشير إلى أن المشكلة تكمن في المباني التجارية المخصصة للمكاتب، وفي هذا المجال يمكن القول إن هناك فقاعة في حالة تهدد بالانفجار، إذ إن الأبنية التجارية ذات الطوابق المتعددة التي تكاد تصل إلى مرتبة ناطحات سحاب، سواء كانت جاهزة أو تحت الإنشاء، تكفي دوائر الأعمال، تحت أحسن الظروف، ولمدة عشر سنوات قادمة.

ويؤكد أن هذه الفقاعة لا تواجه أصحاب هذه الأبنية التجارية فقط، بل تتجاوزهم إلى البنوك التي تمول هذه العمارات الفخمة وعالية التكاليف، التي تبقى فارغة ولا تولد دخلا يمكن أصحابها من تسديد أقساط قروضهم وفوائدها.

ويرى أنه يجب أن ينظر إلى القطاع العقاري بعد الآن على أنه قطاعان مستقلان: واحد إسكاني لا يواجه مشكلة تستحق الذكر، والثاني تجاري يمثل فقاعة مرشحة للانفجار في وجه أصحابها ومموليها. ولا يجوز التمادي في إنكار هذه المشكلة والاستمرار في تضخيمها بحيث تنفجر في وجه الاقتصاد الوطني، وليس في وجه أصحابها ومموليها فقط.

وعلى ضوء هذا الوضع سارعت الحكومة الأردنية إلى تشكيل لجنة لمعالجة المعوقات التي تواجه القطاع الخاص والاقتصاد الوطني برئاسة الدكتور رجائي المعشر، على ضرورة تعاون القطاعين العام والخاص لحل المشكلات التي تشكل عائقا كبيرا لنمو بعض القطاعات والأنشطة الاقتصادية، وبخاصة فيما يتعلق بالتسهيلات والقروض البنكية وصرف المستحقات الحكومية.

وبحثت اللجنة مستحقات نقابة المقاولين على الحكومة، ومعوقات تمويل قطاع الإنشاءات والتطوير العقاري وبخاصة شركة «تعمير القابضة».

واستمعت اللجنة، لنقيب المقاولين ضرار الصرايرة، الذي أكد اقتراب بعض شركات المقاولات من حافة الانهيار في حال تأخر الحكومة بصرف مستحقاتها، مشيرا إلى أن هذا التأخر يستوجب على الحكومة دفع فوائد على هذه المستحقات، كون شركات المقاولات ملتزمة للبنوك ولمدد وتواريخ محددة.

وقال الصرايرة، إن مطالبات المقاولين بلغت أكثر من مائة مليون دولار، حيث إن الكثير من المشروعات توقفت بشكل تلقائي نتيجة للعجز المالي الذي أصابها جراء تأخر صرف المستحقات.

وفي جلسة ثانية استمعت اللجنة إلى رئيس مجلس الإدارة ـ الرئيس التنفيذي لشركة «تعمير الأردنية القابضة» المهندس خالد الدحلة، الذي أكد نجاح وريادية الشركة كواحدة من أكبر شركات التطوير العقاري في المملكة وبرأسمال (300) مليون دولار.

واشتكى الدحلة من الهجمات غير المبررة والإشاعات المغرضة التي تتعرض لها الشركة، مؤكدا أن مشكلة السيولة والتدفقات النقدية هي أكبر معوقات الشركة لإنجاز وإتمام مشروعاتها، رغم أن الموجودات تبلغ نحو (500) مليون دولار، فيما ديونها تبلغ نحو (77) مليون دولار، فيما تحتاج الشركة إلى قروض بقيمة (83) مليون دولار.

وأكد الدحلة استعداد الشركة لزيادة رأسمالها، واستقطاب شركاء استراتيجيين، ومبادلة الديون بحصص في رأس المال، وبيع بعض الموجودات كالمشروعات والصناعات المكملة، في سبيل استنهاض الشركة ومواصلة مسارها العقاري.

وأبرز مستثمرون في قطاعي العقارات والإسكان المشكلات التي تواجه استثماراتهم، وهي عدم توفير التمويل اللازم سواء للشركات أو الأفراد، وارتفاع أسعار الفائدة ورسوم تسجيل الشقق.

وأكد المستثمرون الذين حضروا اجتماع اللجنة، أن قطاع الإسكان في مأزق ما لم تتوفر الحلول الفعلية لدعمه مطالبين بمرونة القطاع المصرفي مع القطاع والأفراد.

وفيما أكد بعض المستثمرين أن المشكلة الرئيسية التي أثرت على قطاع الإسكان والعقار هو تشدد البنوك في منح القروض وعدم تجاوبها مع القطاع، إلا أن بعضهم الآخر قال إن التمويل البنكي ليس سببا رئيسا في ورطة القطاع وأقروا بأن ارتفاع أسعار الشقق وشح السيولة لدى الأفراد في ظل تأثير حمى البورصات الأجنبية، التي تآكلت أموال الكثير من المواطنين على أثرها كانت سببا في ركود القطاع.

وأجمع المستثمرون على تخفيض أسعار الفائدة على القروض سواء بالنسبة لقروض الشركات أو الأفراد الراغبين بامتلاك المساكن، كما أكدوا أهمية تخفيض رسوم تسجيل الشقق لدى دائرة الأراضي والمساحة من دون نسبة 7.5 في المائة، ومنهم من اقترح أن تصل إلى 5 في المائة.

واقترح معظمهم إنشاء صناديق استثمارية مشتركة تمنح حوافز من الحكومة وتدار من المستثمرين أنفسهم إضافة إلى دراسة لعملية هيكلية تمويلية واضحة وتبنى على أسس سليمة للقطاع، وإيجاد أدوات استثمارية جديدة وطرح السندات أو مشاركة البنوك مع الشركات العقارية في مشاريعها. وطالب أصحاب شركات عقارية حضروا اللقاء، اللجنة وممثلين عن 6 بنوك محلية أن تتوقف البنوك عن تشددها في منح القروض للشركات وأن تفي بالتزاماتها مع الشركات لإمكانية استكمال مشاريعها التي تقدر بعشرات الملايين.

وأكد المجتمعون ضرورة توفير بيئة لضمان استمرارية شركات العقار والإسكان مشيرين إلى أهمية أن تعفى الشركات العقارية من الضرائب لفترة مؤقتة قد تكون لسنتين إلى حين تجاوز الأزمة، إضافة إلى إعفاء الشقق من الرسوم لمدة عام أو عامين لتنشيط القطاع.

كما طالبوا بضرورة أن تمنح الحكومة المزيد من التسهيلات لتحفيز القطاع وإنعاشه، بالإضافة إلى زيادة مدة القروض وحل مشكلة نسبة الدخل للمقترضين ونسبة التمويل وتخفيض الفائدة عليها وزيادة مدة السداد للقروض. وطالبوا البنوك بمنح السكان القروض لأجل المزيد من الاهتمام والأولية وأن لا يتم تقديم القروض الشخصية أو السيارات علي قروض السكن.