القطاع العقاري اللندني ما زال يجذب الأنظار القطرية

شراء مبنى السفارة الأميركية بمبلغ غير معلن.. أحدث الصفقات

TT

تصاعدت التعليقات الإعلامية البريطانية حول دخول الأجانب بقوة في سوق العقار البريطاني. وتراوحت التعليقات بين موجة الشراء الروسية والصفقات الهائلة التي بدأت تظهر في السوق بعد فترة ركود طويلة. ولكن حصة الأسد من التعليقات كانت تخص الاستثمار العقاري القطري من عدة جهات من بينها «صندوق قطر السيادي» وشركة «ديار» وشركات خاصة أخرى.

وتناولت عدة صحف بريطانية ما سمته «جاذبية لندن الخاصة للاستثمار العقاري القطري» وقدرت الصحيفة المسائية «إيفننغ ستاندارد» حجم الاستثمار القطري في لندن «بعشرة مليارات إسترليني مرشحة للزيادة»، مؤكدة أن لندن تعمل «كمغناطيس للاستثمار العقاري من الدولة الخليجية الصغيرة». وربما جذب اهتمام الإعلام البريطاني على وجه الخصوص أحدث صفقة نفذها صندوق الاستثمار القطري السيادي المسمى «قطر هولدنغ»، وهي شراء مبنى السفارة الأميركية الشهير في قلب حي مايفير بمبلغ لم يفصح عنه الطرفان بعد. وكانت السفارة قد أعلنت أنها بصدد الانتقال إلى مبنى جديد يتم تصميمه حاليا في منطقة «ناين إيلمز» جنوبي العاصمة.

ولكن صفقة السفارة ليست الأكبر حجما وهي بالتأكيد ليست الأخيرة في سلسلة الاستثمارات العقارية القطرية في لندن، والتي كان أكبرها حجما في منطقة تشيلسي لشراء معسكر بريطاني سابق اسمه «تشيلسي باراكس» وتحويل الموقع الذي يطل على النهر إلى أكبر وأغلى مشروع عقاري في لندن. وهو المشروع الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة عندما اعترض على تصميمه الأمير تشارلز، وسحبته الشركة القطرية المشرفة عليه بعد صدور تراخيص البناء، الأمر الذي أثار استياء مصمم المشروع من تدخل الأمير تشارلز في مشروع تجاري، واتهمه بأنه أجرى اتصالات عالية المستوى لوقف المشروع.

في عام 2012 سوف ترتفع في لندن ناطحة سحاب مدببة على شكل شظية زجاجية، يطلق عليها اسم «شارد أوف غلاس»، وهي ناطحة ستكون الأولى في أوروبا التي تخترق حاجز الألف قدم ارتفاعا، ويملك القطريون 80 في المائة منها.

وفي شرقي لندن ترتفع بناية أخرى بارتفاع 800 قدم عنوانها هو «رقم واحد كندا سكوير»، وهي الأعلى في منطقة كناري وارف، ويملك صندوق «قطر هولدنغ» حصة الأغلبية فيها.

ويضاف إلى ذلك مشروع تشيلسي بحجم استثمار قطري يبلغ ثلاثة مليارات إسترليني، وهو يعد الآن أغلى مشروع عقاري في أوروبا من حيث القيمة. كما يتوزع الاستثمار القطري على مشروعات عديدة أخرى منها مشروع الشقق الفاخرة في هايد بارك وحصة 20 في المائة من شركة «تشيلسفيلد» العقارية، التي تنفذ بعض أكبر مشروعات لندن العقارية؛ من تطوير سوق كامدن إلى إعادة تجهيز مبنى معهد الكومنولث سابقا الذي يطل على شارع كنزنغتون الرئيسي. ولا ينسى الإعلام التنويه بأن القطريين يملكون ربع شركة «سينزبري» للسوبر ماركت وحصة كبيرة في بورصة لندن التي تعمل كشركة مساهمة.

وتنظر أوساط العقار البريطانية ببعض الفضول، ومن دون هجوم أو تهكم، على الاهتمام القطري بلندن والاقتصاد البريطاني بوجه عام وتعزو السبب إلى موقع لندن كمركز أعمال وعقار دولي، وإلى ثروة قطر من الغاز التي يمكنها أن تغذي بريطانيا بحاجاتها لمدة تزيد على 250 عاما. ولا تنسى الأوساط الإعلامية الإشارة إلى حجم قطر الصغير وتعدادها الذي تقول عنه إنه يماثل تعداد مدينة برمنغهام.

وتعتقد أوساط سوق العقار في لندن أن المنافسة الحقيقية للاستثمار العقاري القطري في لندن هو من الروس ومن المصرفيين الأثرياء الذين ينفقون علاواتهم على شراء العقار. وتعترف هذه الأوساط بأنه في فترة الكساد الحالية التي اختفى فيها المصرفيون من على الساحة، استطاع الاستثمار القطري إنقاذ كثير من المشروعات التي كانت مشرفة على الانهيار أو لم تكن تتبلور من رسوم هندسية إلى مشروعات واقعية. وفي الوقت نفسه اختفى الروس من على الساحة. ويشرف على انتقاء المشروعات القطرية في لندن وإدارتها فريق بريطاني يرأسه جون والاس، مدير الاستثمار العقاري السابق في «بنك أوف أسكوتلاند» ويساعده جيريمي تيتشن الذي كان يعمل في شركة استثمارية اسمها «كلايمت تشانس كابيتال». وتطلق الأوساط العقارية على الاثنين لفظ «والاس وغروميت» وهو اسم لمسلسل فكاهي كرتوني. وتعتقد الأوساط العقارية أن القرارات الحيوية بشأن الاستثمار العقاري لا تتخذ في لندن وإنما في الدوحة.

وتقول شركة «ديار» العقارية القطرية التي حققت صفقة شراء مبنى السفارة الأميركية في لندن إن مجموع استثماراتها البريطانية يصل الآن إلى نحو ثلاثة مليارات إسترليني، ولكنها تريد الوصول به إلى نحو خمسة مليارات إسترليني. ويقال إن رئيس شركة «ديار» في قطر، غانم بن سعد السعد، هو الذي أمر بإلغاء تصميم اللورد روجرز لمشروع تشيلسي في شهر مايو (أيار) الماضي. وقال وقتها إن الشركة تحترم ديمقراطية اتخاذ القرار في بريطانيا وتحترم الأمير تشارلز وعمدة لندن وتريد حلا يرضي الجميع. وانقسم الإعلام البريطاني وقتها بين مؤيد ومعارض، وقال البعض إن «المستثمر القطري أظهر الكثير من السذاجة في فهم ديمقراطية نظام تراخيص البناء في بريطانيا».

وتشرح صحيفة لندنية أن العاملين البريطانيين في إدارة المشروعات القطرية يشعرون بالإحباط أحيانا من بطء اتخاذ القرار، وأحيانا بطء الإعلان عن المشروعات التي أعلنها الطرف الآخر بالفعل. فقبل أيام عندما أعلنت السفارة الأميركية عن إتمام صفقة البيع مع شركة «ديار»، استغرق مكتب الشركة في لندن حتى المساء لكي يعلن عن الصفقة، عندما وصل البيان الصحافي من الدوحة. كما رفض مكتب الشركة عشرات الطلبات الصحافية لإجراء مقابلات مع الإعلام البريطاني حول الصفقة. ولكنها أضافت أنها سوف تستغل المبنى الجديد كمجمع استخدامات مختلفة بين الإسكان والمكاتب والمنافذ التجارية.

وعلى الرغم من بعض التعليقات السلبية من أوساط إعلامية أو عقارية، فإن الأمر الواضح هو أن الشعور العام هو أن الاستثمار القطري إيجابي في لندن ويهدف لعلاقات طويلة الأجل وليس لصفقات بيع وشراء من أجل تحقيق الربح السريع. ولا يتحدث أي عقاري لندني بأسلوب سلبي عن الاستثمار القطري في لندن، حتى الأخوان كاندي اللذين يطالبان في المحكمة بمبلغ مليون إسترليني من الأتعاب المتأخرة لدى الإدارة القطرية، يعترفان بأن التعاون مع قطر ما زال مستمرا في مشروع «وان هايد بارك» الذي تم شراؤه بمبلغ مائة مليون إسترليني.

ويقدر حجم الاستثمار القطري الإجمالي في بريطانيا بنحو عشرة مليارات إسترليني، وهي موزعة على كثير من المجالات وليس فقط المجال العقاري. وتستورد بريطانيا الغاز الطبيعي من قطر، كما يشتري المستهلك البريطاني من محلات «سينزبري» ويتعامل مع بنك «باركليز»، وكلاهما به نسبة ملكية قطرية عالية. وتشمل الاستثمارات القطرية أيضا مشروع مساكن لكبار السن اسمه «فور سيزونز هيلث» قيمته 1.4 مليار إسترليني.

السفارة الأميركية تترك مبناها الكلاسيكي وتذهب إلى منطقة ناشئة

* تم الإعلان مؤخرا عن أن المبني الذي تحتله السفارة الأميركية حاليا في حي مايفير، والذي بيع لشركة «ديار» القطرية في صفقة لم يعلن عن حجمها المالي، هو مبنى تراثي لا يمكن هدمه أو تغيير معالمه. ومن الممكن أن يكون هذا القرار قد أثر على ثمن البيع انخفاضا، وإن كان ذلك غير معروف لأن الثمن لم يعلن. ويعني هذا أن شركة «ديار» عليها أن تطور المبنى كما هو ولا تهدمه ولا تعيد بناء الموقع من جديد، ويحد هذا من خيارات التصميم لأن المبنى يعود تاريخه إلى الخمسينات من القرن الماضي. وأهم ما في الموقع مساحته الهائلة، بعدد غرف أو مكاتب فيه يبلغ نحو 600 غرفة، وطوابقه الخمسة وإمكانيات الأمن المتوفرة حوله بحيث يمكن استغلاله لإيواء أكثر من سفارة أجنبية أو كمجمع مكاتب أو كفندق فاخر. وفي كل الأحوال فإن الموقع الذي يطل على مساحة خضراء في ميدان غروفنر، والقريب من حديقة هايد بارك الشهيرة يعد من أشهر المواقع اللندنية وأغلاها قيمة من حيث الأرض والمبنى. وسوف يغطي ثمن بيع المبنى تكاليف تطوير الموقع الجديد للسفارة جنوبي النهر. وكانت السفارة قد أعلنت في الأشهر الأخيرة أنها تعاقدت لشراء قطعة أرض في منطقة «ناين إيلمز» مساحتها خمسة أفدنة لتطوير مبنى جديد لمقرها في لندن يوفر المزيد من الحماية الأمنية. وتجري هذا العام مسابقات معمارية على تطوير مبنى السفارة الجديد الذي لن يكتمل قبل عام 2013 على الأقل. وهو مشروع يحتاج إلى موافقة الكونغرس الأميركي قبل الشروع في استكماله، وأيضا موافقة المجلس المحلي للمنطقة على خطط التطوير. ويقول الإعلام البريطاني إن نقل السفارة يعد خطوة تاريخية تكسر حواجز نفسية في العاصمة البريطانية لأن الأجانب ينظرون إلى شمال العاصمة على أنها الجانب الأرستقراطي ومنطقة التسوق والمعيشة في لندن، حيث معظم محطات مترو الأنفاق تقع شمال النهر، كما يقع فيها أيضا مبنى البرلمان وقصر باكنغهام ومنازل المشاهير وبوتيكات التسوق. وما زال بعض سكان لندن الأصليين ينظرون إلى جنوب العاصمة كمناطق فقيرة ومحرومة من الخدمات الأساسية. من ناحية أخرى، ينظر سكان جنوب لندن إلى أهل الشمال على أنهم متكلفون ويعيشون في قوقعة أرستقراطية مزيفة ولا يقدرون مزايا الحياة في جنوب لندن. وسوف تكسر السفارة بموقعها الجديد العديد من الحواجز النفسية في لندن. والزائر لمنطقة «ناين إيلمز» جنوبي لندن سوف يكتشف منطقة صناعية فقيرة بعيدة تماما عن رقي حي مايفير على الرغم من قربها من النهر. فهي منطقة قريبة من خطوط السكك الحديدية التي تربط جنوبي إنجلترا بمحطة ووترلو، وتفتقر إلى الكثير من الخدمات المعيشية المعتادة في شمالي العاصمة. ولكن شركات تسويق العقار في المنطقة تقول إن الفائدة الأساسية من الاستثمار فيها الآن يعود إلى إمكانيات التطوير في المستقبل. ويحدد هؤلاء منطقة «ناين إيلمز» التي تبلغ مساحتها 180 فدانا وتشمل موقع محطة كهرباء باترسي بالقرب من كلابهام، كواحدة من أفضل مناطق التطوير وأكبرها مساحة في العاصمة البريطانية. وتضم المنطقة حاليا مخازن حكومية ومنازل فقيرة تتبع المجلس المحلي ومركزا لرعاية القطط والكلاب الضالة وسوقا للفواكه والخضراوات ومحطة معالجة نفايات وبعض المنشآت السكنية التي يعود تاريخها إلى الستينات. ولا يوجد من مظاهر الحياة اللندنية الفاخرة في المنطقة سوى موزع لسيارات «بنتلي»، وحتى هذا الموقع سوف ينتقل إلى منطقة أخرى لترك مساحة إضافية لموقع السفارة. مما يذكر أيضا أن أحد مسوقي العقار في المنطقة واسمه سبنسر كوشينغ قال إنه تلقى العديد من الاستفسارات للشراء في المنطقة حتى من قبل إعلان السفارة الأميركية عن نقل مقرها. وأضاف أنه يتوقع أن يزيد الإقبال الاستثماري في المنطقة، خاصة مع تأكيد إجراءات انتقال السفارة، والمقرر لها عام 2017 تقريبا.

وفي عام 2010 سوف تعلن السفارة عن شركة التصميم العقاري الفائزة بتصميم مبنى السفارة الجديد، وتبدأ عمليات التشييد في عام 2012 مع انتهاء عمليات البناء تقريبا على نهاية عام 2016. وتستمر السفارة في مبناها الحالي حتى الانتهاء من مبنى السفارة الجديد.