أسواق العقار تستعيد أنفاسها حول العالم.. خلال الربع الثالث من 2009

الإمارات وأوروبا الشرقية الأكثر تأثرا بالركود

واصلت أسعار العقارات تراجعها في أكثر من 17 دولة وفي ريغا عاصمة لاتفيا شهدت تراجعا بنسبة ستين في المائة تقريبا
TT

كان رد فعل الأسواق العقارية الدولية على أزمة الائتمان الدولية والركود الاقتصادي الذي تبعها ولا يزال في بعض البلدان، مختلفا من دولة إلى دولة ومن منطقة إلى أخرى، فبعضها صمد في آسيا وأوروبا وبعضها تراجع بشكل لم يسبق له مثيل وبعضها الآخر بدأ يستعيد عافيته تدريجيا كما تشير معظم التقارير الدولية الأخيرة، وقد أكد هذا الاختلافُ النابع من طبيعة الأسواق نفسها وخصوصا في أوروبا. التقرير الأخير الذي نشرته مؤسسة «غلوبال» يركز على الأوضاع العقارية حول العالم في الربع الثالث من هذا العام، وأداء الأسواق وتقلبات الأسعار. ويؤكد التقرير أن الأسعار العقارية منذ بداية العام الحالي حتى نهاية الربع الثالث، واصلت تراجعها في أكثر من سبع عشرة دولة من الدول التي نشرت أرقامها الأخيرة بشأن الربع الثالث. واستعادت الأسعار عافيتها في عشر دول لا بل ارتفعت في بعض الدول. وكان التراجع في بعض الدول أكبر بكثير من حجم الارتفاع في بعض الدول الأخرى وخصوصا في دول مثل لاتفيا التي شهدت تراجعا بنسبة ستين في المائة تقريبا، والإمارات العربية المتحدة بنسبة لا تقل عن 48 في المائة، وبلغاريا بنسبة 28 في المائة، وهولندا بنسبة 21 في المائة، وروسيا بنسبة 19 في المائة، وسلوفيكيا بنسبة 15 في المائة، إذا أخذنا بعين الاعتبار معدلات التضخم.

لكن في الربع الثالث نفسه من هذا العام يبدو أن الأسعار ارتفعت في 16 دولة وتراجعت في إحدى عشرة دولة من أصل سبعة وعشرين. وفيما كانت هناك مؤشرات إيجابية كثيرة حول أسواق الولايات المتحدة، شهدت الأسعار في بريطانيا مثلا تقلبا من ربع إلى آخر ومن شهر إلى آخر قبل أن تواصل ارتفاعها للشهر الثالث على التوالي ولأول مرة منذ عامين. ومسـألة تقلب الأسعار الإيجابية من ربع إلى آخر ترتبط أيضا بألمانيا وكندا وسنغافورة وجنوب إفريقيا وهي من الدول التي تأثرت أسواقها كثيرا بما حصل من هزات مالية منذ العام 2007.

وباختصار يبدو أن الأسواق الآسيوية التي لا تزال تشهد نموا ملحوظا ومهما على الصعيد الاقتصادي، تشهد حركة عقارية هامة هذه الأيام، وأن أكثر الدول تأثرا بالأزمات المالية الأخيرة هي الإمارات والدول الأوروبية الشرقية التي لم يمض على تحولها إلى السوق الحرة المفتوحة أكثر من عشر سنوات.

ومن مؤشر «غلوبال» يمكن الاستدلال على أن أكثر الدول أداء خلال الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام كانت سويسرا وشنغهاي في الصين وهونغ كونغ وسنغافورة. أما الدول التي شهدت تطورا إيجابيا على الأسعار فقط خلال الربع الثاني والثالث من هذا العام إضافة إلى الدول المذكورة فهي: أستراليا والنرويج ونيوزيلندا والسويد وفنلندا والبرتغال. أما الدول التي شهدت تحسنا فقط خلال الربع الثالث فهي: بريطانيا والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وهولندا وكندا. وارتفعت الأسعار في أستراليا بنسبة 5 في المائة تقريبا من نهاية الربع الثالث العام الماضي حتى نهاية الربع الثالث من هذا العام.

وسجلت «داروين» كما يبدو أكبر نسبة تبعها «مالبورن» و«كانبرا». ويعود ذلك كله كما هو الحال في الكثير من الأسواق الدولية الهامة كبريطانيا إلى النقص الكبير في عدد العقارات أو المنازل المعروضة للبيع في الأسواق، وإحجام أصحاب العقارات عن البيع في ظل الركود وعدم الوضوح في الأسواق.

وتبقى أسواق أستراليا أقوى نسبيا من أسواق نيوزيلندا التي سجلت نسبة متواضعة من الارتفاع على الأسعار لم تتعد 2 في المائة. ويمكن القول على هذا الأساس إن الأسعار عادت في نيوزيلندا إلى سابق عهدها عام 2008. وتشهد هونغ كونغ نفسها طفرة عقارية خاصة هذه الأيام إذ ارتفعت الأسعار بنسبة لا تقل عن 3 في المائة من نهاية الربع الثالث العام الماضي إلى نهاية الربع الثالث من هذا العام. ورغم أن ذلك يأتي على خلفية تراجع بنسبة 7 في المائة على الأسعار بشكل عام بداية العام فإن الأسعار من يونيو (حزيران) إلى أغسطس (آب) ارتفعت بنسبة لا تقل عن 11 في المائة. ويعود ذلك أيضا إلى النقص الكبير في العقارات المتوفرة في الأسواق وخصوصا العقارات الفاخرة. كما يعود ذلك إلى هجمة كبيرة من أغنياء الصين والمناطق الداخلية لاقتناص أفضل العقارات للاستقرار فيها لقربها من المناطق الداخلية وسهولة التنقل منها وانفتاحها على العالم وتمتعها بإحدى أفضل الأسواق المالية في العالم ونظام تعليمي ممتاز. والأمر ينطبق نسبيا على سنغافورة التي شهدت أيضا خلال الفترة الأخيرة ارتفاعا كبيرا على الأسعار وبنسبة لا تقل عن 14 في المائة، رغم أن الأسعار لا تزال في الخانة السلبية سنويا وبنسبة 11 في المائة. لكن التحسن الاقتصادي وإعادة النمو واستعادة قطاع التصدير والخدمات اللوجستية عافيته ونشاطه بعد فترة من الركود، قد ساعد وأساهم في تحسين الأجواء في الأسواق العقارية وخصوصا القطاع السكني. وحسب الأرقام الأخيرة فإن مؤشر الأسعار في دبي ارتفع بنسبة 7 في المائة خلال الربع الثالث من هذا العام بعد أن تراجع بنسبة 8 في المائة في الربع الثاني. وهذا أول تحسن على أرقام دبي العقارية منذ الركود الاقتصادي العام الماضي. لكن الأسعار لا تزال بنسبة 47 في المائة أقل مما كانت عليه قبل الركود وبشكل خاص قبل أزمة الائتمان الدولية في أغسطس عام 2007. وارتفعت الأسعار في الأسواق البريطانية بنسبة 3.4 في المائة في الربع الثالث حسب أرقام بنك «نيشن وايد» في الربع الثالث من هذا العام وينطبق الأمر على كندا وألمانيا وجنوب إفريقيا كما سبق وذكرنا وإن بنسب أقل وغير تنافسية.

وفي تقرير آخر لـ«غلوبال»، تشير الأرقام إلى أن إسبانيا لا تزال تعاني عقاريا ولا يزال التراجع على أشده ولا يبدو في الأفق حتى الآن أي علامة من علامات التعافي كما يحصل في بعض أسواق أوروبا الغربية الهامة. وتؤكد الأرقام أن الأسعار تراجعت بنسبة لا تقل عن 1 في المائة خلال الربع الثالث من هذا العام نسبة إلى ما كانت عليه في الربع الثاني وبنسبة 8 في المائة عما كانت عليه نهاية الربع الثالث العام الماضي. على أي حال فإن الأسعار لا تزال على تراجعها بنسبة 7 في المائة سنويا وبنسبة 10 في المائة عما كانت عليه أيام الطفرة وقبل أزمة الائتمان منتصف عام 2007.

وبعض التقارير تقول إن نسبة التراجع على أسعار العقارات في إسبانيا منذ أزمة الائتمان حتى الآن وصلت إلى 15 في المائة تقريبا، وخصوصا في المناطق السياحية والساحلية التي شهدت نموا ضخما في العمران في السنوات الأخيرة. والأسوأ من هذا أن التوقعات بشأن المستقبل أكثر تشاؤما، إذ يتوقع الخبراء المزيد من التراجع على الأسعار خلال السنوات القليلة المقبلة على خلفية الأوضاع الاقتصادية السلبية حتى الآن. وقد وصل عدد العقارات الشاغرة التي لم تجد زبائن لها هذا العام إلى 1.5 مليون عقار. وهناك أكثر من 1.1 مليون شقة جديدة من هذه الشقق أو العقارات على ذمة تقرير مؤسسة «آر آر دي أكونا آند أسوشيادز»، وأكثر من نصف مليون عقار مستخدم وأكثر من 300 ألف عقار قيد الإنشاء. ومنذ يونيو العام الماضي حتى يونيو هذا العام لم يتم الانتهاء إلا من 270 ألف مشروع عقاري إسكاني. كما واصل عدد الصفقات العقارية تراجعه نسبة إلى أيام العز، ووصلت نسبة التراجع إلى خمسين في المائة تقريبا منذ نهاية العام 2007 إلى نهاية الربع الثالث من هذا العام. وفيما وصل عدد الصفقات آنذاك إلى 220 ألف صفقة لم يتعدَّ عددها خلال العام الماضي 112 ألف صفقة، كما تراجعت قيمة القروض العقارية منذ بداية أزمة الائتمان حتى الآن بنسبة تتعدى النصف أي من 13 مليار يورو إلى 5 مليارات يورو حاليا.

وتشير الأرقام إلى أن معدل إسبانيا السنوي من العقارات الجديدة من عام 1990 إلى عام 1996 كان 240 ألف عقار وارتفع هذا الرقم بشكل مذهل ليصل إلى نصف مليون عقار بين عامَي 2000 و2002. ومن عام 2003 إلى عام 2004 ارتفع الرقم ليصل إلى 650 ألف عقار تقريبا. وارتفع الرقم من جديد عام 2005 ليصل إلى 700 ألف عقار سنويا وعام 2006 وصل إلى 760 ألف عقار بسبب ارتفاع الطلب من الأوروبيين التابعين لدول الاتحاد. وبسبب ارتفاع أسعار المواد وخصوصا مواد البناء والأسمنت والحديد والنفط وغيره عاد الرقم إلى التراجع عام 2007 ليصل إلى 650 ألف عقار. أما العام الماضي فلم يتعدَّ الرقم 630 ألف عقار. وعلى عكس إسبانيا التي تواصل إمعانها في الركود والتراجع بنفس الحدة التي هجت فيها الطفرات العقارية السابقة، فإن بريطانيا بدأت تستعيد أنفاسها على الصعيد العقاري منذ فترة كما تشير معظم الأرقام والتقارير. ووصلت نسبة التراجع السنوية ـ التي تراجعت بدورها ـ إلى 3 في المائة في الربع الثالث من هذا العام نسبة إلى ما كانت عليه في الربع الثالث من العام الماضي. وقد جاء ذلك على خلفية ارتفاع الأسعار خلال الربع الثالث من هذا العام بنسبة لا تقل عن 4 في المائة.